أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

التعاون الاستراتيجي:

التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة العربية

12 يوليو، 2015

التعاون الاستراتيجي:

استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، يوم 6 يوليو 2015، السيد اللواء خالد رفعت، المحاضر بمعهد العلوم الاستراتيجية في مصر، وذلك في لقاء عام كان موضوعه "التعاون الاستراتيجي.. التحديات التي تواجه التعاون الأمني في المنطقة العربية".

أولاً: شروط التحالف الاستراتيجي

أوضح المحاضر في بداية اللقاء أن "التحالف" في مفهومه البسيط يتضمن وجود تعاون يحقق أهدافاً مشتركة لدولتين أو أكثر، ولابد أن يتوافر شرطان أساسيان لقيام أي تحالف، وهما:

الأول: يجب أن تكون الأهداف المشتركة لها صفة الشمولية؛ لتتضمن الأهداف السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، وبالقطع الأمنية.

الثاني: ضرورة انخراط مؤسسات الدولة السيادية كافة، وزارية ورئاسية، لتحقيق أهداف واضحة ومحددة ومشتركة.

وحول محاور عمل التحالف الاستراتيجي، فقد أكد رفعت أنها يجب أن تشتمل على عناصر متعددة، من أبرزها:

1 ـ تكوين رؤية عامة ومشتركة تحدد بوضوح الأهداف المطلوب تحقيقها من التحالف.

2 ـ تحديد مساهمات كل طرف في التحالف: موارد، تسليح، استثمارات، مشروعات.. إلخ.

3 ـ تحديد أساليب الاتصال وتبادل المعلومات على مختلف المستويات؛ رئاسي، ووزاري، وأمني، واقتصادي، وغيرها.

4 ـ وجود اتفاقيات ومذكرات للتفاهم تنظم قواعد التحالف.

5 ـ تحديد الآليات المشتركة لمتابعة الأوضاع السياسية الجارية التي تؤثر على دول التحالف سياسياً واقتصادياً وأمنياً.

وأشار رفعت إلى أن نجاح أي تحالف يتوقف على عدة عوامل، تتمثل في:

1 ـ القدرة على ممارسة توجهات الفكر الاستراتيجي، وأفضل مثال على ذلك هو الاتحاد الأوروبي الذي يضم دولاً تختلف عقائدياً وعرقياً، إلا أن وجود الفكر الاستراتيجي جعل دوله تنجح في إقامة كيان واحد له مؤسسات سياسية مشتركة وعملة واحدة. ويختلف هذا الوضع على صعيد المنطقة العربية، فقصور الفكر الاستراتيجي بالمنطقة العربية منذ الاستقلال لم يجعلنا ننتج اتحاداً أو تحالفاً حقيقياً.

2 ـ تهيئة قاعدة بيانات تشمل مختلف المجالات؛ الاقتصادية، والسياسية، والثقافية، وغيرها.

3 ـ خلق آلية لعمليات التقييم الدورية لتحديد الإيجابيات والسلبيات التي تواجه التحالف.

4 ـ الاشتراك في تبادل الخبرات بين دول التحالف، على مستوى الدولة وعلى مستوى المؤسسات.

 5 ـ تقبُّل تقسيم المخاطر في حال تعرضت أي دولة في التحالف لأية أزمات.

ثانياً: التحالفات في المنطقة العربية

أوضح اللواء خالد رفعت أنه بتطبيق مضمون وشروط التحالف الاستراتيجي السابقة على المنطقة العربية، فسوف نلاحظ أنه باستثناء فترة تاريخية وجيزة جداً أعقبت قيام إسرائيل في عام 1948، وفترة أخرى عقب هزيمة 1967، لم تعرف المنطقة العربية تحالفاً جماعياً حقيقياً، ولم تتمكن الجامعة العربية بسبب العديد من الأسباب من أن تحول معاهدة الدفاع العربي المشترك إلى تحالف عربي له أهداف مشتركة وآليات واضحة ومحددة للعمل؛ فما عرفته المنطقة هو تحالفات متقطعة كانت تنشأ لأسباب عارضة ووقت التقاء المصالح بين بعض الأطراف فقط.

ويعود ذلك إلى اختلاف مصالح كل دولة من جانب، ورؤية قياداتها للعمل المشترك من جانب آخر؛ فهذان العاملان جعلا التحالفات بالمنطقة العربية مرنة ووقتية وتكتيكية، ولم ترق إلى أن تكون تحالفات استراتيجية دائمة.

ولعل هذا ينطبق الآن بشكل واضح، إذ تتداخل المحاور والتحالفات العربية والإقليمية، فثمة أكثر من محور بالمنطقة، فهناك المحور المصري الخليجي بقيادة السعودية، والذي يقود عملية عاصفة الحزم، وهناك محور قطري تركي يدعم حركات الإسلام السياسي بالمنطقة، وهناك أطراف من الدول وكيانات من غير الدول تدخل في تحالف مع إيران.

وبالنظر إلى تعدد المحاور وتداخلها كأطراف ومصالح؛ فإن تحالفات المنطقة الآن تتميز بأنها تحالفات "الضرورة" أو ما يعرف باسم التحالفات "المؤقتة" أو ما يطلق عليه أيضاً تحالفات "الراغبين"، والتي برزت لمواجهة خطر الإرهاب على وجه الخصوص.

وتتصف جميع هذه الأنواع من التحالفات، أو بالأدق المحاور، بأنها غير استراتيجية وغير دائمة، ولا يجمع أعضائها أهدافاً شمولية، بل هي تحالفات مؤقتة تأخذ شكل التعاون في قضية واحدة أو أكثر، وغالباً ما تتسم بالمرونة الشديدة، فأي خلاف كبير في وجهات النظر أو دخول اطراف غير مرغوبة فيها في تحالف ما، قد يقود إلى ضعف التحالف أو نهايته.

ثالثاً: التحديات الأمنية التي تواجه المنطقة العربية

أشار المحاضر إلى أن المنطقة العربية تقف الآن أمام مفترق حقيقي؛ وهو ما يستلزم قيام تحالف استراتيجي عربي، أو يشمل أكبر عدد ممكن من الدول العربية، لمواجهة التحديات والأخطار الأمنية المحيطة بها الآن ومستقبلاً، والتي تشتمل على ما يلي:

1 ـ التهديد الإسرائيلي، وهو تهديد قل الحديث عنه الآن في ظل الظروف الراهنة بالمنطقة، لكن إسرائيل سوف تبقى تشكل تحدياً أمنياً للدول العربية، فالعقيدة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية تعتبر أن أي تهديدات لها هي بمنزلة خطر "وجودي"، ولهذا تعتبر إسرائيل أن أي تطور إيجابي في الدول العربية يمثل خطراً عليها. كما ترى أن أي تغيير في نظام حكم مجاور أو قريب، أو أي تغير حادث في مجمل البيئة الإقليمية، هو ضد مصالحها. وعلى سبيل المثال، تعتبر إسرائيل سوريا خطراً مهما كان شكل نظام الحكم بها، وكذلك تعتبر الفوضى السورية خطراً يقتضي التدخل بأساليب مختلفة.

2 ـ التطرف الديني، فقد شهدت السنوات الأخيرة ارتفاع عدد المنظمات المتطرفة والإرهابية التي طورت أساليب عملها، وأصبحت تتعامل مع العمليات العسكرية بأسلحة متطورة، وأصبح هناك تعاون عابر للحدود فيما بين غالبية هذه التنظيمات الإرهابية.

3 ـ الانقسامات الطائفية والعرقية، حيث يمثل ما نراه من توترات أو صراعات بين الشيعة والسنة أخطاراً حقيقية في حال تفاقمت أكثر مما عليه الآن، هذا علاوة على مشاكل "الإسلاميين" السياسية مع الحكم في العديد من الدول العربية. وعرقياً لايزال العالم العربي يشهد مشكلات جادة فيما يتعلق بالانقسامات القومية، كما نراه بين العرب والكرد في العراق وسوريا، أو ما بين العرب والبربر في دول المغرب العربي.

4 ـ الدور الأمريكي والأوروبي في إحداث تغييرات جذرية بالمنطقة؛ حيث يشكل وجود قوى داخلية في العديد من الدول العربية ترتبط ببعض القوى الإقليمية والدولية تهديداً حقيقياً للأمن العربي، بداية من طرح أفكار العولمة، والفوضى الخلاقة، والشرق الأوسط الكبير، إلى ما وصلنا إليه الآن من دعم أوروبي وأمريكي لحركات الإسلام السياسي بعد الثورات العربية، ورفع أيديهم نسبياً عن محاربة كل التنظيمات الإرهابية.

5 ـ التهديد الإيراني، فقد استغلت إيران ظروف المنطقة وتمكنت من التمدد في العديد من الدول العربية، وباتت تجاهر بهذا التدخل، وتعتبره حقاً مكتسباً لها. وثمة مخاوف حقيقية من توابع هذا التوغل الإيراني، لاسيما إذا ما تعاونت إيران مع الغرب والولايات المتحدة في المستقبل القريب.

وفي ضوء ما سبق يتضح أن استمرار غياب رؤية عربية موحدة ووجود أهداف مشتركة تحول دون قيام تحالف عربي استراتيجي حقيقي، سوف يحد من قدرة العالم العربي على مواجهة هذه التحديات، ولهذا فليس المطروح اليوم هو البحث عن الأسباب السابقة في فضل قيام هذا التحالف، ولكن كيف نبني تحالفاً عربياً حقيقياً يحد من خطر الإرهاب ويحد من التدخلات الإقليمية والدولية التي تعمل ضد مصالح الاستقرار في الدول العربية والشرق الأوسط.