أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

عقبات ثلاث:

استراتيجية واشنطن في آسيا والمحيط الهادئ

08 يوليو، 2014


إعداد: أحمد عاطف


بدأت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما خلال السنوات الأخيرة تدرك وتعترف بالأهمية الاقتصادية المتزايدة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، وبالتحديات الأمنية التي من المحتمل أن تواجهها الولايات المتحدة مستقبلاً في هذه المنطقة، وهو ما يعكس توجهاً أمريكياً عرف في البداية بمسمى "محور الارتكاز الآسيوي Pivot to Asia"، ثم أصبح يسمى لاحقاً "إعادة التوازن rebalance"، وتقوم نقطة ارتكازه على دعم الروابط الدبلوماسية، والعلاقات التجارية، وكذلك الأمنية للولايات المتحدة مع منطقة آسيا والمحيط الهادئ.

وفي هذا الصدد أعد Seth Cropsey - الذي سبق وأن شعل منصب مساعد وزير الدفاع الأمريكي السابق، كاسبار واينبرجر، في عهد الرئيس الأسبق رونالد ريجان - دراسة نشرها معهد "هدسون" الأمريكي، تحت عنوان: "إعادة التوازن إلى آسيا.. ما أهدافها الأمنية وما المطلوب من السياسة الأمريكية؟"

القوة الأمريكية الناعمة في آسيا والمحيط الهادئ

في نوفمبر 2011، كتبت هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية حينذاك، مقالاً في دورية "السياسة الخارجية"، كان بمنزلة أول إعلان رسمي من إدارة أوباما عن تحول سياساتها نحو آسيا، إذ اعتبرت كلينتون أن منطقة آسيا والمحيط الهادئ أصبحت المحرك الرئيسي للسياسة العالمية، مشيرة إلى ستة محاور أساسية ستمضي من خلالها واشنطن قُدماً في التعامل مع هذه المنطقة، وهي: (تعزيز التحالفات الأمنية الثنائية، وتعميق العلاقات مع القوى الناشئة بما في ذلك الصين، والتعامل مع المؤسسات الإقليمية متعددة الأطراف، وزيادة التجارة والاستثمارات، وتوسيع الوجود العسكري على نطاق واسع، ودعم الديمقراطية وحقوق الإنسان).

وقد مثلت هذه المبادئ إطاراً واسعاً لما سُمي لاحقاً "إعادة التوازن في آسيا". وهذا النهج الجديد للشراكة الإقليمية يمثل حجر الزاوية في إعادة صياغة سياسية الولايات المتحدة في المنطقة، وهو ما يتطلب من الإدارة الأمريكية توجيه المزيد من الوقت والطاقة والمال إلى آسيا.

دبلوماسياً، طرحت إدارة أوباما مبادرات لإعادة التوازن في علاقاتها مع الحلفاء الإقليميين في آسيا على أساس مجموعة متنوعة من المصالح الاقتصادية والثقافية والعسكرية المشتركة، على نحو يؤدي إلى زيادة التعاون مع هذه الدول والحفاظ على استقرارها وحل النزاعات فيما بينها بشكل سلمي وبالطرق الدبلوماسية.

وفي سبيل تحقيق هذه الأهداف الدبلوماسية، انتهجت إدارة أوباما ما أطلقت عليه هيلاري كلينتون دبلوماسية "الانتشار إلى الأمام"، والتي تعتمد على إيفاد جميع الأدوات الدبلوماسية إلى كل بلد وركن من منطقة آسيا والمحيط الهادئ. وقد بذلت الولايات المتحدة جهوداً مضنية في سبيل تنفيذ هذه الدبلوماسية الجديدة، فبعد شهر واحد فقط من إرساء أسسها، زارت كلينتون كوريا الجنوبية وبورما، وحضرت مؤتمر الأعمال والاستثمار لتجمع دول جنوب شرق آسيا (آسيان ASEAN)، معلنة عن مبادرات دبلوماسية للرئيس أوباما، شملت تعيين أول سفير أمريكي مقيم لدى "الآسيان"، وتوقيع معاهدة الآسيان للصداقة والتعاون، وتأكيد مشاركة واشنطن في القمة السنوية للتجمع. وعلى المنوال نفسه واصل وزير الخارجية الأمريكي الحالي جون كيري جهود بلاده في هذا الشأن، والتقى الرئيس البورمي في بروناي في أكتوبر 2013.

وتبرز الدراسة عنصراً آخر من الجهود الدبلوماسية لإعادة التوازن مع آسيا، هو "المساعدات المالية" التي تقدمها الولايات المتحدة للدول الآسيوية، حيث وافق الرئيس أوباما على زيادة قدرها 7% في المساعدات الخارجية لدول هذه المنطقة من أجل مواجهة الكوارث وتحسين إدارة المياه والصحة العامة. وعلى الرغم من أن هذه الجهود ضئيلة مقارنة بالمبادرات العسكرية الأمريكية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ فإنها تساعد على وضع الأساس للسياسة الاقتصادية التي يتصورها أوباما.

وفي الإطار ذاته تشكل "المبادرات الاقتصادية" مكوناً آخر من عوامل القوة الناعمة لإعادة التوازن مع آسيا، وذلك بسبب الأهمية الاقتصادية لتلك المنطقة التي تمثل نحو ربع الناتج الإجمالي العالمي، فقد زادت الاستثمارات الأمريكية في آسيا إلى نحو 20 مليار دولار خلال الفترة (2009-2011)، كما قُدرت صادرات الولايات المتحدة إلى آسيا والمحيط الهادئ في عام 2011 بما يزيد على 320 مليار دولار. ولا تعكس هذه الأرقام أهمية المنطقة لكل من الولايات المتحدة والاقتصادات العالمية فقط، بل إنها تؤكد أيضاً الحاجة إلى وضع استراتيجية اقتصادية متماسكة لتحقيق استفادة للولايات المتحدة خلال السنوات القادمة.

وتمثل اتفاقية شراكة المحيط الهادي (TPP) جوهر السياسة الاقتصادية لإعادة التوازن، فحال تنفيذ هذه الشراكة بين إحدى عشرة دولة في آسيا والمحيط الهادئ، فسوف تقل الحواجز أمام التجارة والاستثمار، وتزيد الصادرات، وتوجد المزيد من فرص العمل. وإلى جانب هذه الاتفاقية، ثمة مبادرات اقتصادية أخرى لإعادة التوازن، منها اتفاقية التجارة الحرة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية التي وقعت في مارس 2012، وتهدف هذه المبادرات الأمريكية إلى زيادة الناتج المحلي الأمريكي ما بين 10 إلى 12 مليار دولار، وإرساء التكامل الاقتصادي الإقليمي اللازم لتحقيق هدف إعادة التوازن من خلال تعزيز التعاون في جميع أنحاء آسيا والباسيفيكي.

المكون الأمني وإعادة التوازن

تتطرق الدراسة إلى ما ذكره مستشار الأمن القومي الأمريكي توم دونيلون في مارس 2013، والذي لفت الانتباه إلى عنصر الأمن في استراتيجية "إعادة التوازن"، حيث أوضح الأسس الرئيسية لهذا النهج الاستراتيجي الجديد، مؤكداً ديمومة الالتزام العسكري للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، قائلاً: "إن 60% من أسطول البحرية الأمريكية سيتركز في منطقة المحيط الهادئ بحلول عام 2020، وسوف يتحول اهتمام القوات الجوية أيضاً إلى المنطقة على مدى السنوات الخمس المقبلة، وسيعمل البنتاجون على إعطاء الأولوية لقيادة المحيط الهادئ بالنسبة لمعظم القدرات العسكرية الأمريكية الحديثة، بما في ذلك الغواصات والمقاتلات من الجيل الخامس مثل  F-22sوF-35s، فضلاً عن العمل مع الحلفاء لإحراز تقدم سريع في نشر أنظمة الدفاع الصاروخي والرادار".

وكان "توم دونيلون" قد تحدث سابقاً في نوفمبر 2012 عن استراتيجية "إعادة التوازن"، بعد عام تقريباً من زيارة آسيوية للرئيس أوباما، لافتاً إلى أن الهدف منها هو إيجاد وضعية أمنية جديدة لواشنطن تمكنها من التعامل مع الفرص والتحديات التي ستواجهها في آسيا خلال القرن الحالي، ويتحقق ذلك عبر إقامة شراكات مع القوى الناشئة، وعلاقات بناءة ومستقرة مع الصين، والانخراط بشكل أكثر عمقاً في المؤسسات الإقليمية من أجل تعزيز التعاون الإقليمي، وتعزيز التحالفات الأمنية وتطويرها.

وعلى الرغم من ذلك فقد كشفت الأشهر الأولى من عام 2014 عن حالة عدم الاستقرار الأمني في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في ظل تزايد التوترات الحدودية بين الصين وجيرانها في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي، وكذلك التوتر بين واشنطن وبكين مع الاتهامات الموجهة من بعض المسؤولين الأمريكيين للصين بمحاولة التعدي على الدول المجاورة لها.

أي استراتيجية أمريكية في آسيا؟

تتمثل أبرز مظاهر الاهتمام العسكري الأمريكي بغرب المحيط الهادئ في إعادة توزيع 60% من القوات البحرية الأمريكية بالمنطقة، والاتفاق على وجود 2500 من قوات المارينز الأمريكية في استراليا، ونشر أربع سفن قتالية (LCS) في سنغافورة، لكن تبدو بنية التحالفات اللازمة لدعم الوجود العسكري المتزايد أقل وضوحاً، وهو ما يعترف به "ديفيد هيلفي" نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون شرق آسيا، في شهادته أمام الكونجرس في 25 أبريل 2013.

ولذا فثمة أسئلة عدة تلوح في الأفق كما يرى Cropsey، أهمها ما إذا كانت هناك استراتيجية لردع وهزيمة الصين إذا لزم الأمر؟ والإجابة من وجهة نظره أن الولايات المتحدة ليس لديها استراتيجية لإدارة الصراع مع الصين، فما لدى واشنطن لمواجهة مثل هذا الصراع هو فقط مجموعة من الأفكار المعروفة باسم "معركة الجو والبحر" (Air-Sea Battle)، وهذا المفهوم ترسخ في وزارة الدفاع الأمريكية مع حديث إدارة أوباما حول إعادة نشر القوات من الشرق الأوسط إلى آسيا، وأيضاً مع تقبل القيادة العليا الأمريكية تدريجياً احتمالية أن تكون الصين منافساً استراتيجياً للولايات المتحدة، ومن ثم فإن (ASB) ليست استراتيجية لكنها مجرد نهج لتنسيق الأدوار العسكرية في القتال، وذلك من خلال الحفاظ على قدرة القوات الأمريكية الكبيرة على تدمير البنية التحتية للعدو، والتغلب على الأجهزة الدفاعية التي تسمح بإطلاق صواريخ منخفضة التكلفة على نحو متزايد.

وتؤكد الدراسة أن الصين ليست عدواً للولايات المتحدة، ومع ذلك فإن طموحات بكين للهيمنة الإقليمية، وتقوية قواتها المسلحة بشكل متزايد، ومحاولتها منع وصول القوات الأمريكية إلى غرب المحيط الهادئ، فضلاً عن نزاعاتها مع دول تعد حليفة لواشنطن مثل الهند واليابان... كلها مؤشرات توحي بوجود صعوبات كبيرة أمام مستقبل العلاقات بين واشنطن وبكين، كما أن تحديات الصين لسيادة القانون، والرأسمالية الليبرالية، وحقوق الإنسان، يزيد من احتمالات الصراع بين الدولتين، ولذا ترى الدراسة ضرورة أن يكون لدى الولايات المتحدة الاستعداد والمرونة لمنع هذا الصراع.

عقبات أمام "إعادة التوازن" الأمريكي

يستعرض Cropsey أبرز العقبات أمام سياسة "إعادة التوازن" الأمريكي في آسيا والمحيط  الهادئ، حيث يرى أن أكثرها حداثة هو إعلان روسيا في مارس 2014 ضم جزء من أوكرانيا، ويحذر الكاتب من محاولات موسكو استعادة وضعها السابق من خلال التعدي على القانون الدولي عبر النزاعات المسلحة، فما حدث من روسيا في أوكرانيا يعد بمنزلة تذكير مرتفع الصوت يشير إلى أنه على الرغم من الأهمية الاقتصادية والتجارية لآسيا والمحيط الهادئ، فإن ثمة مخاطر من عودة هيمنة القارة الأوروبية.

أما ثانية العقبات فتتمثل في الوضع بمنطقة الشرق الأوسط، إذ يرى Cropsey أن الجهود الرامية إلى "إعادة التوازن" في السياسة الخارجية والأمنية للولايات المتحدة في آسيا، لن تجلب الاستقرار إلى الشرق الأوسط الذي لايزال يعاني من أزمات وتوترات مضطردة في سوريا والعراق، فضلاً عن التهديد النووي الإيراني، وهذا الأمر لا يعني أن واشنطن لا ينبغي أن تبدي المزيد من الاهتمام بآسيا، وإنما يعني أن التكلفة ستكون كبيرة في حال قيام الولايات المتحدة بذلك على حساب تقليص جهودها ودورها في الشرق الأوسط، حيث سيؤثر سلبياً إلى حد كبير على وضع الولايات المتحدة كقوة كبرى.

وتشير الدراسة إلى عنصر ثالث يمثل أكبر المشكلات التي تواجه إدارة أوباما في سبيل "إعادة التوازن" لسياساتها في آسيا، ويتعلق الأمر هنا بتقليص حجم القوات الأمريكية في جميع أنحاء العالم، فعلى الرغم من أن خطة الإدارة الجديدة تقضي بوجود 60% من القوات البحرية في آسيا، و40% من القوات في باقي العالم، فإن خطط البحرية الأمريكية لزيادة سفنها الحربية مستقبلاً مازالت مثار قلق في ضوء انخفاض ميزانية البنتاجون لتمويل السفن القتالية البحرية لتصبح 14.4 مليار دولار لعام 2015 مقارنة بـ 17.9 مليار دولار في هذا العام، وهو ما سينعكس على تراجع الوجود الأمريكي في غرب المحيط الهادئ، على الرغم من أن الوضع في هذه المنطقة يستدعي من واشنطن تعزيز مكانتها كشريك وداعم للاستقرار، خاصة مع التعزيزات العسكرية الجارية في الصين وتطوير سفنها الحربية، وتصاعد الصراعات الإقليمية على السيادة بين بكين ودول الجوار.

ويرجح Cropsey أن يلجأ حلفاء واشنطن في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى إنفاق المزيد من الأموال للدفاع عن أنفسهم في حال لم تُبقِ الولايات المتحدة على قواتها العسكرية في هذه المنطقة، فغني عن البيان أن البلدان الآسيوية مجتمعة أنفقت نحو 287 مليار دولار على الدفاع في عام 2012، متجاوزة بذلك حجم الإنفاق الدفاعي في أوروبا للمرة الأولى في التاريخ.

واستعرضت الدراسة خطط حلفاء الولايات المتحدة في آسيا – مثل اليابان واستراليا والفلبين وكوريا الجنوبية وفيتنام وتايلاند - للإنفاق الدفاعي وتطوير قدراتهم العسكرية بسبب القلاقل والمخاوف الأمنية المثارة لدى هذه الدول في ظل النزاعات الحدودية مع الصين في مناطق مثل بحر الصين الجنوبي.

حاصل القول، تؤكد الدراسة أن فعالية سياسة "إعادة التوازن" للولايات المتحدة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تتطلب الاعتماد على كل من القوتين الناعمة والصلبة "العسكرية" معاً بشكل متساو، كما أن واشنطن يمكنها تعزيز قوتها العسكرية من خلال عدة آليات بدءاً من إدارة شبكة تحالفات، مروراً بتقوية قواعدها الدفاعية في هذه المنطقة، وانتهاءً بزيادة وجودها العسكري البحري في غرب المحيط الهادئ.


* موجز لدراسة تحت عنوان: "إعادة التوازن إلى آسيا.. ما أهدافها الأمنية وما المطلوب من السياسة الأمريكية؟"، المنشورة في يونيو 2014، عن معهد هدسون، وهو مؤسسة بحثية أمريكية مستقلة تهدف إلى نشر أفكار جديدة  من أجل الأمن العالمي.

المصدر:

Seth Cropsey, The Rebalance to Asia: What Are Its Security Aims and What Is Required of U.S. Policy? (Washington: Hudson Institute, June 2014)