أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

التسوية الصعبة:

فرص الحل الدبلوماسي للصراع الروسي – الأوكراني

24 مارس، 2022


بدأت أوكرانيا وروسيا جولة أخرى من محادثات السلام، في 21 مارس، مع دخول العملية العسكرية الروسية يومها السادس والعشرين، وهي المفاوضات التي صدرت حولها تصريحات متضاربة من الجانب الأوكراني، تراوحت بين التأكيد على قرب إنجاز التسوية، وبين تأكيد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أن فرص نجاحها لا تتجاوز 1٪، وأن البديل للمفاوضات سيكون نشوب "حرب عالمية ثالثة".


مطالب روسية صعبة: 

لم تقف المطالب الروسية عند ما طرحته قبل شروعها في العملية العسكرية الخاصة، كما تطلق عليها روسيا، بينما طرحت مطالب أخرى لوقف العمل العسكري وتسوية الصراع مع أوكرانيا سلمياً، ويمكن إيجاز أهم هذه المطالب في التالي:

1- حياد أوكرانيا ونزع سلاحها: أكدت موسكو ضرورة تخلي كييف عن طموحاتها للانضمام إلى حلف الناتو، والتعهد بعدم استضافة قواعد عسكرية أو أسلحة أجنبية مقابل ضمانات أمنية بحمياتها من قبل بعض الدول الغربية. 

وقال السكرتير الصحافي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ديميتري بيسكوف، إن حياد أوكرانيا على أساس وضع شبيه بالنمسا أو السويد أمر محتمل. كما أعلنت روسيا أنه سيتم نزع سلاح أوكرانيا ، وذلك للتأكد من أنها لن تشكل تهديداً لروسيا في المستقبل. 

2- حماية حقوق المتحدثين بالروسية: طالب المفاوضون الروس أن يتم تكريس حقوق اللغة الروسية في أوكرانيا، حيث يتم التحدث بها على نطاق واسع على الرغم من أن الأوكرانية هي اللغة الرسمية الوحيدة، ولذلك تطالب موسكو بالنص على اللغة الروسية كلغة رسمية ثانية في أوكرانيا، وإلغاء القوانين التي تحظر التحدث بها، كما تطالب روسيا بحماية المتحدثين بالروسية من النازيين الجدد، بالإضافة إلى حظر الأحزاب والمنظمات القومية المتطرفة في أوكرانيا.

3- التسليم بانفصال القرم والدونباس: طالبت موسكو كييف بأن تعترف بضم الأولى لشبه جزيرة القرم في عام 2014 واستقلال الدويلتين الانفصاليتين في دونيتسك ولوهانسك (الدونباس) ، وذلك في الوقت الذي سيطرت فيه القوات الانفصالية في لوهانسك على 90٪ من مساحة الإقليم، وتقترب قوات دونيتسك الشعبية من إسقاط ماريوبول، وهي المدينة التي سوف تعني في حالة سقوطها فقدان كييف سواحلها على بحر أزوف. 

ردود الفعل الأوكرانية: 

كشفت التصريحات التي نشرتها الصحف الغربية نقلاً عن دبلوماسيين غربيين، أو الدول التي تقوم بالوساطة، مثل تركيا، أن المفاوضات قد أحرزت بعض التقدم، وأن أوكرانيا قد وافقت على بعض المطالب الروسية وتحفظت على الأخرى، ويتمثل موقف أوكرانيا ومطالبها، حتى الآن، في التالي: 

1- مغادرة القوات الروسية: أكد ميهيلو بودولياك، مستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، أن أي اتفاق سلام مع روسيا سوف يتضمن مغادرة قوات الاتحاد الروسي الأراضي الأوكرانية التي سيطرت عليها بعد 24 فبراير، أي المناطق الجنوبية على طول بحر آزوف والبحر الأسود، وكذلك الأراضي الواقعة إلى الشرق والشمال من كييف ، وذلك من دون الإشارة إلى الدونباس، أو شبه جزيرة القرم، وهو ما يعني أن أوكرانيا تتبنى مطالب واقعية لإنهاء الصراع، إذ إنه ليس من المتخيل أن تشترط كييف انسحاب الجيش الروسي بالكامل، وتضع ذلك كشرط لوقف إطلاق النار، إلا إذا أرادت إفشال المحادثات.  

2- عدم الانضمام لحلف الأطلسي: أكدت أوكرانيا في المفاوضات على استعدادها للتخلي عن انضمامها لحلف الناتو، وهو الأمر الذي يكشف عن تراجع كبير في الموقف الأوكراني، فقد أكد السفير الأوكراني لدى المملكة المتحدة، فاديم بريستايكو، في 14 فبراير، أي قبل بدء الصراع العسكري الروسي – الأوكراني أن بلاده "مستعدة للعديد من التنازلات" لكنه أضاف أن هذه التنازلات "لا علاقة لها بحلف الناتو" لأنه "منصوص عليه في الدستور الأوكراني" .

ويلاحظ أن الموقف الأمريكي قد ساهم في التأثير على نظيره الأوكراني، فقد أكد وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في 15 مارس، أن عدم انضمام أوكرانيا للناتو لا يجب اعتباره تنازلاً أمام روسيا، بل هو وفقاً له "انعكاس للحالة الواقعية للأوضاع التي تتمثل في أن أوكرانيا قبل العدوان الروسي لم تعتزم الانضمام للناتو في اليوم التالي" .

ومن جهة أخرى، أبدت أوكرانيا انفتاحها على نزع سلاحها مقابل حصولها على ضمانات أمنية من دول كبرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرهما. 

3- رفض الاعتراف بانفصال القرم والدونباس: أكد إبراهيم كالين، كبير مستشاري أردوغان أن هناك شروطاً روسية قد يكون من الصعب على أوكرانيا القبول بها، والتي تتمثل في الاعتراف باستقلال دونباس (لوهانسك ودونيتسك) في شرق أوكرانيا، كما ستطالب روسيا أوكرانيا بالموافقة رسمياً على أن شبه جزيرة القرم، التي ضمتها موسكو في عام 2014، هي ملك لروسيا ، وهي كلها شروط صعبة، كما أنها تعني عملياً أن كل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو بسبب ضمها للقرم يجب أن تسقط. 

وعلى الجانب الآخر، أبدى الوفد الأوكراني مرونة حول هذه النقطة تحديداً، إذ إنه في الوقت الذي أكد فيه أنه من غير الوارد أن تتخلى أوكرانيا عن هذه المناطق، أو تعترف باستقلالها عنها، فإنه في الوقت ذاته أكد أن هذه القضية لن يتم تناولها في الاتفاق الحالي، والذي من المفترض أن يفضي إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، إذ أكدت أوكرانيا أن ذلك قد يتطلب مفاوضات منفصلة بين زيلينسكي وبوتين في مرحلة تالية.  

4- حماية اللغة الروسية ونزع النازية: أكدت مصادر مطلعة على المحادثات أن كييف أبدت استعدادها لتقديم تنازلات عبر حظر بعض الجماعات النازية، أو تغيير أسماء بعض الشوارع الأوكرانية، والتي حملت أسماء أوكرانيين قاتلوا إلى جانب ألمانيا النازية ضد الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية. وأبدت موسكو، في المقابل، استعدادها للتخلي عن النص على اللغة الروسية كلغة ثانية في أوكرانيا، مقابل إلغاء أي قوانين تقيد استخدامها . 

دلالات المواقف التفاوضية: 

يلاحظ أن ما انتهت إليه الجولات الأربع من المفاوضات الروسية – الأوكرانية قد كشفت عن عدد من الدلالات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 


1- تراجع أوكراني واضح: كشفت التسريبات الغربية عن سير المفاوضات عن تدهور واضح في الموقف التفاوضي الأوكراني في الفترة التالية للحرب مقارنة بالفترة التي سبقتها. فقد كان مطلب موسكو الوحيد تقريباً من أوكرانيا قبل الحرب هو عدم الانضمام لحلف الناتو، وهو ما رفضته أوكرانيا حينها، غير أنها في أعقاب الحرب أبدت قبولها ليس فقط لعدم انضمامها للناتو، ولكن كذلك لحياد أوكرانيا ونزع سلاحها، بالإضافة إلى إزالة أي قيود على التحدث باللغة الروسية. 

وفي المقابل، فإنه على الرغم من أن العديد من الكتابات الغربية ألمحت إلى أن موسكو قد تراجعت هي الأخرى في مواقفها، وأن أهدافها كانت تدور حول احتلال أوكرانيا بالكامل، وتغيير حكومة زيلينسكي، وأنه مع تعثر حملتها العسكرية تخلت عن هذين المطلبين، فإنه من الملاحظ أن موسكو لم تعلن أبداً أهداف عملياتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وعما إذا كانت أهدافها تتمثل في تحقيق استقلال الدونباس، وفصل الجنوب، أم أن أهدافها تمتد إلى السيطرة على كامل الأراضي الأوكرانية. 

وعلى الجانب الآخر، فإنه إذا كانت روسيا تخلت نظرياً عن الإطاحة بحكومة زيلينسكي، فإنها عملياً لم تتخل عن هذا الهدف، إذ إنه في حال استمرت المفاوضات وحصدت روسيا التنازلات التي ترغب فيها من كييف، خاصة فيما يتعلق بالانضمام لحلف الناتو، وحياد أوكرانيا ونزع سلاحها، فإن فرص زيلينسكي في البقاء في الحكم سوف تكون ضئيلة، خاصة إذا ما أدركنا أن المطلب الروسي الوحيد منه قبل الحرب هو عدم انضمام أوكرانيا إلى الناتو، وحل مشكلة إقليم الدونباس من خلال اتفاقية مينسك. 

2- معضلة الضمانات الأمنية: طلبت كييف ضمانات أمنية بعدم احتلالها من جانب موسكو، إذ ما وافقت على الحياد، ونزع سلاحها، أو القبول بوضع قيود على عدد قواتها ونوعية الأسلحة التي تمتلكها. وتعني الضمانات الأمنية أن تقوم دول حليفة لها، مثل الولايات المتحدة وتركيا أو دول أوروبية بضمان أمنها في حالة تعرضت لهجوم من موسكو مستقبلاً. 

ويبدو أن مثل هذا البند يهدف إلى حفظ ماء وجه زيلينسكي، إذ إنه من الواضح أنه في حالة أقدمت موسكو مستقبلاً على غزو أوكرانيا، فإن الولايات المتحدة أو بريطانيا لن تعرض لنفسها لخطر حرب نووية مع روسيا من أجل الدفاع عن أوكرانيا، وإلا كان من الأولى أن تقوم واشنطن بذلك الآن. 

3- امتلاك موسكو القدرة على التصعيد: تبدي العديد من التحليلات الأوكرانية والغربية مخاوف من أن تكون جولات المفاوضات المتتالية بين موسكو وكييف ما هي إلا محاولة من جانب روسيا لشراء الوقت، وذلك لإعادة تجميع قواتها، وشن جولة جديدة من الهجمات. 

كما يلاحظ أن موسكو تمتلك القدرة على التصعيد والإصرار على مطالبها كاملة، خاصة إذا ما نجحت في إحكام سيطرتها على ماريوبول، وبالتالي إفقاد الدولة الأوكرانية لسواحلها على بحر أزوف، بل إن من شأن قيام روسيا بعملية عسكرية للاستيلاء على الأوديسا، أو الانطلاق من الجنوب إلى الشرق لقطع خطوط الإمداد عن القوات الأوكرانية التي تقاتل هناك، أن يضعف الوضع الميداني لأوكرانيا أكثر، ويجعلها أمام خيارات أكثر سوءاً، وهو ما عبر عنه الرئيس البيلاروسي، ألكسندر لوكاشينكو، والذي أكد أن على كييف توقيع وثيقة استسلام في حال عدم توصلها لاتفاق مع موسكو.

4- محدودية الضغوط الغربية: مارست الدول الغربية ضغوطاً قوية على روسيا، اقتصادياً وعسكرياً، والتي كان من شأنها تعزيز الوضع التفاوضي لكييف، غير أن هذه الجهود لم تفلح، حتى الآن، في تحقيق ذلك، إذ يستمر الكرملين في التأكيد على استمراره في عملياته العسكرية، فقد حذر بوتين من أن موسكو سترد فوراً على أي محاولة من الخارج لعرقلة عملياتها في أوكرانيا، وقال "سيكون ذلك الرد فورياً، وسوف يؤدي إلى نتائج لم تواجهوها أبداً في تاريخكم" في إشارة إلى الولايات المتحدة والدول الأوروبية. 

وعمد الجيش الروسي إلى استخدام الأسلحة فرط صوتية، مثل صاروخ كينجال، والذي تبلغ سرعته عشرة أضعاف سرعة الصوت، وتعد الرسالة الروسية للغرب واضحة، وهي أن موسكو تستخدم صواريخ تعجز عن رصده كل أنظمة الدفاع الجوي الموجودة حالياً، وهو ما يعني أن كل الجهود الغربية لإمداد كييف بنظم دفاع جوي طويلة المدى لن تستطيع أن تحد من سيطرة روسيا على السماء الأوكرانية، أو تدمير نظم الدفاع الجوي هذه. 

بل واتجهت موسكو للتصعيد ضد الحرب الاقتصادية التي بدأ يفرضها الغرب، إذ لوحت موسكو لأول مرة في 21 مارس بأن أي عقوبات للاتحاد الأوروبي على النفط الروسي سوف يدفع موسكو إلى إغلاق خط أنابيب الغاز إلى أوروبا، وهو العقاب الذي من الممكن أن يتسبب في انهيار اقتصادي لدول الاتحاد الأوروبي. 

5- رفع العقوبات مقابل الانسحاب: أشارت كييف إلى أنه في مقابل الانسحاب الروسي من الأراضي الأوكرانية التي دخلها الجيش الروسي في 24 أكتوبر، فإن العقوبات الغربية ضد روسيا سوف تتم إزالتها، وذلك في محاولة لتشجيع روسيا على إبرام اتفاق مع أوكرانيا، إلا أنه من الواضح أن حسابات التكلفة والعائد لدى الكرملين ترى أن استمرار الحرب أجدى من توقيع اتفاق السلام تنتهي بموجبه كافة العقوبات الغربية ضد موسكو، حتى وإن حققت العديد من الأهداف الروسية سلماً. 

6- تبرؤ أمريكي من المفاوضات: أكد أحد المصادر الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تضغط على أوكرانيا لقبول أو رفض تنازلات محددة، ولا تشارك في عملية التفاوض ، وهو ما يكشف أن الإدارة الأمريكية تريد أن تتنصل من تبعات أي اتفاق تترتب عليه تنازلات صعبة لأوكرانيا أمام روسيا، وذلك على الرغم من أن العقوبات الاقتصادية الغربية، والدعم العسكري الأمريكي، يهدفان بشكل أساسي إلى دعم الموقف التفاوضي الأوكراني أمام موسكو. 

وفي الختام، يمكن القول إنه على الرغم من أن فرص إبرام اتفاق سلام في أوكرانيا لم تنته تماماً، فإنه من الواضح أن روسيا بتدخلها العسكري ضد أوكرانيا، قد بعثت برسالة شديدة الوضوح إلى الدول الأخرى لعدم الانضمام لحلف الناتو، على غرار جورجيا ومولدوفا، بل وحتى فنلندا، خاصة بعد تأكيد الرئيس الفنلندي، سولي نينيستو، في 21 مارس، أن تقدم بلاده بطلب للانضمام إلى حلف الناتو من شأنه أن يؤدي إلى تصعيد الوضع في أوروبا، حتى وإن رتب عليه تعزيز أمن فنلندا.  

وفي المقابل، يوظف زيلينسكي المفاوضات مع روسيا للضغط على الغرب بأنه في حالة عدم حصوله على الدعم العسكري وفرض العقوبات الاقتصادية التي يطالب بها ضد روسيا، فإنه سيتجه إلى تقديم التنازلات التي تطلبها منه، والتي كان أخرها إعلان زيلينسكي أنه مستعد للنظر في مطالب الكرملين بخصوص الدونباس والقرم، وهو ما يقلق الغرب، ولكن المشكلة الرئيسية هنا أن هناك سقفاً للغرب لا يمكن أن يتجاوزه، سواء على صعيد الدعم العسكري، أو العقوبات الاقتصادية، وقد اقترب الغرب من هذا السقف فعلاً، وليس من الوارد أن يقوم الغرب بشن "حرب عالمية ثالثة" ضد روسيا، دفاعاً عن أوكرانيا، كما يظن زيلينسكي، فقد أكد بايدن أنه لن يدخل في حرب نووية ضد روسيا.