أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

حراك مكثف:

هل ينجح ديبي الابن في ترسيخ نفوذه الداخلي والخارجي؟

22 فبراير، 2023


بدأ محمد ديبي (كاكا)، رئيس المجلس العسكري الانتقالي الحاكم حالياً، في تشاد في اتخاذ خطوات مكثفة بغية تعزيز نفوذه واستمراريته في السلطة عن طريق توسيع شبكة علاقاته الداخلية والخارجية.

تحركات داخلية لافتة 

شهدت الأسابيع الأخيرة تحركات داخلية لافتة من قبل ديبي في محاولة لتعزيز حكمه على المدى الطويل، ويمكن عرضها على النحو التالي:

1- توسيع قاعدة الموالين: قاطعت العديد من حركات المعارضة السياسية والمسلحة جلسات الحوار الوطني الشامل الذي أطلقه ديبي الابن في أغسطس 2022، بيد أن جلسات الحوار شهدت، في المقابل، مشاركة بعض أبرز حركات المعارضة المسلحة، في مقدمتها حركة "اتحاد قوى المقاومة"، بزعامة تيمان إرديمي.

وعمد كاكا إلى توظيف الحوار الشامل لترسيخ نفوذه الداخلي عبر تخفيف ضغوط حركات المعارضة المسلحة، والتي صعدت من حدة هجماتها على أنجمينا، وتسببت في مقتل الرئيس السابق، إدريس ديبي. وبناءً عليه، تم تشكيل حكومة جديدة، في أكتوبر 2022، انطوت على مشاركة الأطراف السياسية التي تمكن ديبي الابن من استقطابها، وذلك لضمان دعمها لاستمراريته في المشهد، تمهيداً لترشحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك زعيم المعارضة السابق، صالح كبزابو، الذي تم تعيينه رئيساً للحكومة الانتقالية، في أكتوبر 2022، وكان كبزابو أحد المعارضين لنظام ديبي الأب، حيث خاض سباق الانتخابات الرئاسية أربع مرات ضد الرئيس السابق. كما تم تعيين المعارض السابق، محمد أحمد الحبو، وزيراً للعدل في الحكومة الانتقالية الحالية.

2- تضييق الخناق على المعارضة: قاطعت أغلب أحزاب المعارضة السياسية الحوار الشامل، ونظمت احتجاجات ضد المجلس العسكري الحاكم، غير أن القوات الحكومية نجحت في تفريق المحتجين بالقوة، مما أسفر عن مقتل مئات الأشخاص واعتقال الكثيرين، والذين تم الحكم عليهم لاحقاً في محاكمات سرية، وهو ما يؤشر على سعي ديبي للبقاء في السلطة بعد انتهاء المرحلة الانتقالية.

3- توظيف الانقسامات العرقية: عمد ديبي إلى محاولة رأب الانقسامات داخل نخبة الزغاوة، والتي تشكل المجموعة العرقية المهيمنة على السلطة في تشاد، وذلك بعدما زادت حدتها في السنوات الأخيرة من فترة حكم الرئيس السابق، إدريس ديبي.

وبالإضافة لذلك عمد كاكا إلى استقطاب قبائل الغوران، لتوسيع قاعدة الدعم القبلي له في الداخل التشادي، إذ أن غالبية الضباط الجدد الذين تم إلحاقهم بالشرطة التشادية هم من الغوران، كما يقود الجنرال، أباكار شوا الله، الحرس البدوي الوطني، والذي اعتبر مع "المديرية العامة للأجهزة الأمنية لمؤسسات الدولة" أبرز قوتين أمنيتين في البلاد يعتمد عليهما ديبي الابن حالياً، وهو ما يعكس الأهمية الراهنة للغوران. وتجدر الإشارة إلى أن الجنرال أباكار هو عم مدير مكتب ديبي، إدريس يوسف بوي، حيث يعتبر الأخير أحد أبرز رجال نظام ديبي الابن.

توسيع العلاقات الخارجية

بالتوزاي مع التحركات الداخلية، يسعى محمد ديبي إلى توسيع شبكة علاقاته الخارجية، وضمان دعم دولي وإقليمي لمخرجات الانتخابات المزمعة في تشاد عام 2024، وهو ما يمكن عرضه على النحو التالي:

1- الحفاظ على تحالفاته مع فرنسا: يسعى ديبي الابن للمضي قدماً على النهج ذاته الذي اتبعه والده في التحالف مع الغرب، لاسيما فرنسا التي تعد الحليف الأبرز لنظام ديبي، الأب والأبن. وفي هذا السياق، قام ديبي بزيارة إلى فرنسا، مطلع فبراير 2023، التقى خلالها بالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في اجتماع سري. 

ويكتسب تعزيز التقارب بين البلدين أهمية، لاسيما في ظل التراجع المطرد للدور الفرنسي في الساحل، وهو ما انعكس في الإعلان عن إنهاء الوجود الفرنسي في بوركينا فاسو، ومن ثم يسعى ديبي الابن لضمان استمرارية وجود باريس في المنطقة عبر بوابة أنجمينا، لضمان استمرارية الدعم الغربي له.

2- تعزيز التقارب مع إسرائيل: قام ديبي بزيارة إلى تل أبيب، مطلع فبراير 2023، كما تم الإعلان عن فتح سفارة تشاد في إسرائيل، وهي خطوة جاءت تتويجاً للتحركات السابقة التي اتخذها الجانبان منذ عام 2019. 

وتعكس زيارة ديبي الابن إلى تل أبيب مساعيه لحشد دعم إقليمي إضافي له لتعويض تراجع النفوذ الفرنسي في الساحل. كما يعول ديبي الابن على تقاربه مع إسرائيل في تعزيز تحالفه مع الولايات المتحدة الأمريكية، ناهيك عن محاولة توظيف تطلعات تل أبيب، لتوسيع نفوذها في القارة الإفريقية ومحاصرة نفوذ إيران وحزب الله، وذلك من أجل الحصول على دعم إسرائيلي للأوضاع الاقتصادية المأزومة في أنجمينا، وكذا الحصول على دعم سياسي وعسكري في مواجهة حركات المعارضة السياسية والمسلحة.

3- التلويح بورقة موسكو: أعلن وزير الخارجية التشادي، محمد صالح العنادف، في 20 يناير 2023، أن بلاده في حاجة للدعم الروسي لمواجهة التهديدات الإرهابية المتزايدة، وأنها تنتظر الحصول على مقترحات من قبل موسكو بهذا الشأن، كما أنه لم يستبعد احتمالية توقيع اتفاق مشترك مع روسيا لمكافحة الإرهاب. 

وجاءت هذه التصريحات رداً على إعلان وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، خلال جولته الإفريقية الأخيرة، أن بلاده مستعدة لدعم جهود دول الساحل، بما في ذلك تشاد، في مواجهة التهديدات الإرهابية. 

ومن المستبعد أن تقدم تشاد على هذه الخطوة، حتى لا تهدد تحالفاتها مع القوى الغربية، لاسيما فرنسا والولايات المتحدة، ومن ثم ربما تكون تصريحات العنادف تستهدف فقط المناورة والضغط على الغرب للحصول على مزيد من الدعم العسكري والسياسي، وضمان استمرارية الوجود الأوروبي، خاصة الفرنسي، في أنجمينا لتأمين سلطة ديبي الابن.

4- توسيع الشراكات مع الرياض والدوحة: بعث ديبي برسالة إلى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، في يناير 2023، وهو ما عكس تطلعه لتعزيز العلاقات الثنائية، وهو ما أعقبه الإعلان عن توقيع مذكرة تفاهم مشتركة بين الرياض وأنجمينا للتعاون في المجال الدفاعي.

وشرع ديبي أخيراً في محاولة تحريك الجمود الذي هيمن على علاقاته بقطر خلال الأشهر الأخيرة، بسبب الخلافات التي نشبت بين الجانبين بشأن مسارات العملية الانتقالية في أنجمينا، في أعقاب اتفاق الدوحة الذي تم توقيعه بين الحكومة التشادية وحركات المعارضة المسلحة، مطلع أغسطس 2022، حيث يعمل ديبي الابن حالياً على إعادة تعزيز العلاقات مع الدوحة، وإقناع الأخيرة بتمويل برنامج نزع السلاح وإعادة إدماج الحركات المسلحة، وهو ما دفع كاكا لتعيين سفير جديد في قطر، للعمل على تحقيق هذا الأمر.

تحديات قائمة

على الرغم من التحركات الداخلية والخارجية المكثفة من قبل محمد ديبي لترسيخ سلطته الداخلية والخارجية، بيد أن ثمة تحديات لا تزال قائمة ربما تهدد هذه التطلعات، ويمكن عرضها على النحو التالي:

1- استمرار الخلافات داخل الزغاوة: أدى قيام كاكا بتعيين عناصر من أسرته والمقربين منه في مناصب حيوية، فضلاً عن تقربه من قبائل الغوران، إلى وجود اعتقاد لدى بعض ضباط الزغاوة بأن تحركات كاكا تستهدف إضعاف نفوذهم، لتأمين سيطرته على الحكم. 

ويعد من أبرز المنتقدين لتحركات الأخير الجنرال، طاهر إردا تايرو، قائد "المديرية العامة للأجهزة الأمنية لمؤسسات الدولة"، ورئيس أركان القوات التشادية، اللواء أبوكر عبدالرحيم داود كيركينو، بيد أن الأخيرين غير مستعدان، حالياً على الأقل، لمعارضة التغييرات الهيكلية التي يجريها كاكا طالما أنهما سيحتفظان بنفوذهما الشخصي.

وعلى الرغم مما سبق، فإن الخلافات داخل الزغاوة تشكل تهديداً لمستقبل ديبي الابن في السلطة، لاسيما مع اتجاه بعض عناصر الزغاوة للتعبير عن استيائهم من تنامي نفوذ الغوران، ناهيك عن إعلان الحكومة التشادية، في يناير 2023، إحباطها لمحاولة انقلابية، وهو ما عكس مدى الخلافات القائمة داخل النخبة الزغاوية.

2- التطلعات السياسية لموسى فقي: لا يزال الدبلوماسي التشادي السابق ورئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي  الحالي، موسى فقي محمد، يسعى للترشح للاستحقاقات الرئاسية المقبلة في 2024. 

وعلى الرغم من فشل مساعي الأخير في إقناع مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي بفرض عقوبات صارمة ضد ديبي الابن، لدفع الأخير للالتزام بالإصلاح السياسي وتسليم السلطة بنهاية المرحلة الانتقالية، فضلاً عن تعثر مساعيه في حشد دعم إفريقي ضد نظام كاكا، فإن الأخير بات يحظى بدعم من عدة دول إفريقية، أبرزها النيجر ونيجيريا والكاميرون والكونغو، كما لايزال كاكا يعول على بعض قوى المعارضة السياسية في الداخل التشادي، رغم التضييق الراهن عليها من قبل السلطات في أنجمينا، فضلاً عن مساعيه لحشد دعم إقليمي ودولي لفكرة ترشحه ضد ديبي الابن في الانتخابات المقبلة.

3- انهيار "الحركة الوطنية للإنقاذ": تشير تقديرات غربية إلى أن نتائج الانتخابات الرئاسية المزمعة في عام 2024 غير محسومة، حتى الآن، بالنسبة لديبي الابن، على الرغم من بسط الأخير لسيطرته على المشهد الداخلي، وهو ما تعزيه بعض التقديرات جزئياً إلى انهيار حزب ديبي الأب "الحركة الوطنية للإنقاذ"، والذي كان يسيطر على إدارة عملية الانتخابات والتصويت، ولا تزال هناك شكوك بشأن مدى قدرة كاكا على إعادة بناء الحزب أو تشكيل ظهير سياسي جديد، يعزز من فرصه في الانتخابات المقبلة.

وفي الختام، يبدو أن ديبي الابن تمكن نسبياً من فرض هيمنته على المشهد في الداخل التشادي، بالتزامن مع مساعيه لتوسيع شبكة علاقاته الإقليمية والدولية، وهو ما قد يعزز من فرص استمراريته في السلطة، حتى مع تنظيم الانتخابات الرئاسية في العام المقبل، بيد أن هذا لا يعني غياب التحديات التي ربما تعرقل تطلعاته للاحتفاظ بالسلطة، والتي يتمثل أبرزها في تجدد هجمات المعارضة المسلحة ضد القوات التشادية، لاسيما من قبل الحركات التي قاطعت الحوار الشامل، كما لم تستبعد هذه التقديرات احتمالية أن يشكل التمرد المسلح خياراً مفضلاً بالنسبة للمعارضة السياسية حال استمرار العنف من قبل قوات الأمن الحكومية.