أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

مواجهة الغرب:

أهداف زيارة وزير الخارجية الروسي للجزائر

17 مايو، 2022


قام وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بالتوجه إلى الجزائر في 10 مايو 2022، في زيارة رسمية التقى خلالها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ووزير خارجيته رمطان لعمامرة، وخلال الزيارة قام لافروف بتسليم الرئيس تبون دعوة رسمية من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة روسيا في القريب العاجل.

وتعد زيارة لافروف هي الأولى من نوعها للجزائر بعد تولي الرئيس عبدالمجيد تبون السلطة، وهي أيضاً الزيارة الأولى لدولة عربية منذ التدخل الروسي العسكري في أوكرانيا، كما تتزامن مع مرور 60 عاماً على تأسيس العلاقات الجزائرية – الروسية.

أهداف روسيا الاستراتيجية:

شهدت الزيارة الاتفاق على إبرام "وثيقة استراتيجية جديدة تعكس النوعية الجديدة العلاقات بين الدولتين، وفي هذا الإطار جاءت الزيارة لتحقيق جملة من الأهداف، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- تعزيز التحالف الاستراتيجي: جاءت زيارة لافروف للجزائر لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين موسكو والجزائر باعتبارها شريكاً استراتيجياً لها في منطقة المغرب العربي وشمال أفريقيا، إذ تدرك موسكو الثقل السياسي للجزائر على مستوى القارة الأفريقية. ولذلك أكد لافروف في تصريحاته خلال الزيارة أن موسكو والجزائر تعتزمان التوقيع على اتفاقية تعكس التغير النوعي في العلاقات الثنائية بين الدولتين.

2- توثيق العلاقات السياسية: جاءت هذه الزيارة في إطار ما تشهده العلاقات الجزائرية – الروسية من تقارب ملحوظ خلال الفترة الأخيرة، ومن مؤشرات ذلك الاتصالات التي جرت بين الرئيسين الجزائري عبدالمجيد تبون، وفلاديمير بوتين في أبريل الماضي والاتفاق على تفعيل هذه الاتصالات الثنائية لبحث القضايا والملفات ذات الاهتمام المشترك على المستويات كافة. 

3- تعزيز التعاون العسكري: تضمنت زيارة لافروف للجزائر البحث في سبل تطوير التعاون العسكري التقني بين الدولتين، فمن المعروف أن روسيا مصدر رئيسي لتعزيز القدرات العسكرية الجزائرية، حيث تعد الجزائر ثالث مستورد للسلاح الروسي، إذ تعتمد على موسكو في تسليح قواتها المسلحة بنسبة تفوق 70%.

ومن المؤشرات الدالة على ذلك إعلان موسكو في أبريل الماضي عزمها إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الجزائر في نوفمبر القادم، وفي هذا الإطار أكد لافروف حرص موسكو على تعزيز تعاونها العسكري التقني مع الجزائر خلال الفترة القادمة.

4- تعزيز التعاون الاقتصادي: تناولت الزيارة تحسين العلاقات الاقتصادية بين الجزائر وموسكو. وفي هذا الإطار، كشف لافروف عن عقد اجتماع للجنة الحكومية المشتركة لروسيا والجزائر حول التعاون الاقتصادي في الجزائر في غضون أشهر قليلة مقبلة، والتي تأجلت بسبب جائحة كورونا.

وتحرص موسكو على زيادة حجم مبادلاتها التجارية مع الجزائر والتي بلغت حوالي 3 مليارات دولار عام 2021، بعد أن كانت تبلغ حوالي 4.5 مليار دولار عام 2019، وذلك بسبب تداعيات جائحة كورونا، وأيضاً التنسيق مع الجزائر داخل "منظمة أوبك" و"منتدى الدول المصدرة للغاز" فيما يتعلق بإنتاج النفط والغاز الطبيعي.

وتجدر الإشارة إلى أن الجزائر كانت تستورد القمح من أوكرانيا، غير أن وارداتها تعطلت بسبب الحرب، ولذا أعلنت الجزائر عن اتجاهها لشرائه من دول أخرى، غير روسيا، وذلك على الرغم من أنها أحد أكبر المصدرين للقمح، ولذا فإنه قد يأتي ضمن أهداف الزيارة محاولة فهم أبعاد الموقف الجزائري. 

5- استمرار الدعم الجزائري: جاءت الزيارة في ظل الموقف الجزائري الذي يتسم بالحياد تجاه الحرب الأوكرانية، وهو ما اتضح في امتناع الجزائر عن التصويت على مشروع القرار الذي تقدمت به الولايات المتحدة والدول الأوروبية في بداية الأزمة لإدانة الغزو الروسي لأوكرانيا، وعدم التصويت على إقصاء روسيا من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وهي كلها مواقف تدعم موسكو، وكذلك الرواية الروسية، والتي ترى أن العمليات العسكرية ضد أوكرانيا ما هي إلا رد فعل على إصرار الغرب على تهديد الأمن الروسي. ولعل الموقف الجزائري في هذا الخصوص هو ما دفع لافروف خلال هذه الزيارة للإعراب عن تقديره لموقف الجزائر من العملية العسكرية الروسية في دونباس.

دلالات سياسية:

حملت زيارة لافروف للجزائر في هذا التوقيت عدة دلالات سياسية مهمة، ومن أبرزها ما يلي:

1- مواجهة التحركات الأوروبية: جاءت زيارة لافروف إلى الجزائر في الوقت الذي تشهد فيه اهتماماً متصاعداً من قبل الدول الأوروبية خلال الشهرين الأخيرين وتحديداً منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية، وقيام الدول الأوروبية والولايات المتحدة بالتصعيد ضد موسكو بفرض عقوبات ضد روسيا بسبب تدخلها العسكري في أوكرانيا والتهديد الأوروبي مؤخراً بتحويل الأموال الروسية المجمدة لدى البنوك الغربية إلى أوكرانيا.

ومع توالي زيارات المسؤولين الأوروبيين للجزائر، أدركت موسكو أهمية الحفاظ على علاقاتها القوية مع الجزائر بغرض إيصال رسالة إلى الدول الغربية بأن موسكو لاتزال تحتفظ بنفوذها داخل الجزائر، وأن المحاولات الغربية لاستقطاب الجزائر بعيداً عن الفلك الروسي لن تنجح، خاصة أن الاتحاد الأوروبي اصطف مؤخراً وراء المغرب حول قضية الصحراء المغربية، وهو الموقف الذي أغضب الجزائر.

وعلى الرغم من ذلك، فإن هناك حاجة أوروبية للتعزيز العلاقات مع الجزائر على المدى المتوسط، وذلك عبر ضخ استثمارات أوروبية في قطاع الطاقة الجزائري، وذلك لتعزيز قدراتها على إنتاج الغاز الطبيعي، بما يقلص في النهاية من الاعتماد الأوروبي على الغاز الروسي. 

2- موازنة الدور الأمريكي: جاءت زيارة لافروف عقب الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن للجزائر في 30 مارس الماضي، والتي كانت الأولى لوزير خارجية أمريكي لهذا البلد منذ 22 عاماً.

وكان من ضمن أهداف الزيارة سعي واشنطن للحصول على ضمانات من الجزائر بالالتزام بالاتفاقات الموقعة مع الدول الأوروبية فيما يتعلق بإمدادات الغاز الطبيعي، ومحاولة الضغط على الجزائر لإعادة تقييم علاقاتها الحالية مع الجانب الروسي لدفع موسكو نحو تعديل سياساتها الخارجية، سواء على المستوى الدولي أو فيما يتعلق بوجودها في عدد من الأزمات المثارة بمنطقة الشرق الأوسط، خاصة أزمة الصحراء المغربية والأزمة الليبية.

وبالتالي فإن زيارة لافروف للجزائر في هذا التوقيت تقدم رسالة لواشنطن مفادها استمرار العلاقات الجزائرية – الروسية واتجاهها نحو مزيد من التعاون والتنسيق المشترك سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، ومن ثم فشل المحاولات الأمريكية في التأثير سلباً على هذه العلاقات. 

3- تفاهمات إقليمية مشتركة: يلاحظ أن لدى كل من روسيا والجزائر اهتمام مباشر بمستجدات وتطورات الأزمات المثارة في المنطقة العربية، وعلى رأسها ما يلي:

أ- الأزمة الليبية: تعلب الجزائر دوراً كبيراً في هذه الأزمة، خاصة أنها تعد من أهم الفواعل الداعمة لغرب ليبيا، وبالتالي، فهي تعد طرفاً لا غنى عنه، لدفع المسار السياسي وإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية، خاصة أن موسكو تقع في الطرف المقابل الداعم لشرق ليبيا. 

ومن المعروف أن لموسكو وجوداً ونفوذاً في وسط ليبيا عبر الوجود في قاعدة الجفرة الجوية في وسط ليبيا، إلى جانب إقليم فزان الواقع جنوب غرب ليبيا، وذلك عبر شركة فاجنر الأمنية، التي نشرت عناصرها في قاعدتي براك الشاطئ وتمنهنت الجويتين الواقعتين على بعد حوالي 700 – 750 كم جنوب العاصمة طرابلس منذ سبتمبر 2020.

كما يمتد النفوذ الروسي إلى حقول النفط المهمة، وعلى رأسها حقلا الشرارة والفيل النفطيان، ولدى موسكو مصالح استراتيجية مهمة في البقاء في الوسط والجنوب الليبي والانطلاق منه لتمديد نفوذها في منطقة الساحل والصحراء.

وبالنظر إلى وجود جهود حثيثة للتنسيق بين شرق وغرب ليبيا، وهو ما وضح في التوافق على انتخاب فتحي باشاغا كرئيس للوزراء، فإن هناك حاجة للوصول لتوافق وتفاهم بين موسكو والجزائر حول الملف الليبي، وقطع الطريق أمام واشنطن للتأثير على السياسة الجزائرية حول هذا الملف. 

ب- الأزمة في مالي: تمكنت موسكو مؤخراً من انتزاع مالي من دائرة النفوذ الروسي، خاصة بعدما قامت باماكو بإنهاء اتفاق التعاون العسكري مع فرنسا والتعاون مع قوات فاجنر الروسية.

ونظراً لما تتمتع به الجزائر تاريخياً من دور وتأثير في مالي، فإنه كان أحد ملفات التفاهم بين الجانبين، ولعل ما يؤكد ذلك تصريحات لافروف خلال الزيارة بالتأكيد على ضرورة إجراء حوار وطني بين المكونات كافة داخل دولة مالي لحل أزمتها السياسية الحالية.

كما تحرص الجزائر على التنسيق الأمني والاستخباراتي مع روسيا لحماية أمنها القومي ضد التهديدات الإرهابية في مالي، خاصة أن فاجنر طرف رئيسي في مواجهة التنظيمات الإرهابية هناك.

وفي الختام، جاءت زيارة لافروف إلى الجزائر للتأكيد على أنه رغم انشغال موسكو بالأزمة الأوكرانية، فإن لديها القدرة على التحرك خارجياً والحفاظ على مناطق نفوذها التقليدية، في مواجهة التكالب الأمريكي – الأوروبي على الجزائر. وبناءً على ما سبق فإن المعطيات الراهنة ترجح اتجاه العلاقات الجزائرية – الروسية نحو مزيد من التطور الإيجابي خلال الفترة القادمة بما يحافظ على المصالح الوطنية لكلتا الدولتين في الملفات الإقليمية ذات الاهتمام المشترك.