أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

أغراض دعائية:

دلالات الموازنة الإيرانية الأولى في عهد الرئيس إبراهيم رئيسي

26 ديسمبر، 2021


قدم الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في 12 ديسمبر الجاري، مشروع قانون الموازنة العامة للعام الإيراني المقبل، والذي يبدأ في 21 مارس 2022، إلى مجلس الشورى الإيراني، والتي تقدر بنحو 50 مليار دولار، على أن تتم الموافقة عليها أو تعديلها قبل نهاية مارس القادم. ويُعد مشروع الموازنة هذا هو الأول بعد تولي "رئيسي" الحكم في إيران في أغسطس الماضي، وقد أعلن أنها تستهدف تحقيق معدل نمو اقتصادي بنسبة 8%.

دلالات متعددة:

يلاحظ أن مشروع الميزانية للعام الجديد يهدف بدرجة أساسية إلى إرسال رسائل سياسية للولايات المتحدة والقوى المعنية بأزمة البرنامج النووي الإيراني، خاصة أن هناك عدداً من الفرضيات غير الصحيحة والمبالغات التي استند إليها مشروع الموازنة، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي: 

1- الاستعداد لفشل المفاوضات النووية في فيينا: يتزامن الكشف عن مشروع الموازنة الإيرانية الجديد مع إخفاق مباحثات الجولة السابعة من مفاوضات فيينا بين إيران والقوى الكبرى في التوصل إلى أي نتائج بسبب مواصلة طهران سلوك التعنت والمماطلة في المفاوضات. 

وتُدلل الأرقام الخاصة بالموازنة على افتراض إيران عدم التوصل إلى اتفاق نووي، يرفع العقوبات الاقتصادية عنها، إذ أنه عند النظر إلى صادرات النفط، على سبيل المثال، باعتبارها المصدر الأهم للعملة الأجنبية، فقد توقع مسودة الموازنة الجديدة تصدير 1.2 مليون برميل يومياً، وهو أقل مما قدرته الموازنة السابقة (2021 / 2022) وهو تصدير 2.3 مليون برميل يومياً، في دلالة على رغبة طهران في إرسال رسالة لواشنطن أنها سوف تستمر في سياسة التعنت في المفاوضات، حتى لو ترتب على ذلك انهيارها. 

ولكن على الجانب الآخر، فإن إيران تصدر فعلياً حوالي 600 ألف برميل يومياً، وفقاً لتقديرات الخبراء، نظراً لأنها لا تعلن عن أرقام صادراتها النفطية، وهو ما يعني أنها سوف تحتاج إلى مضاعفة جهودها في التحايل على العقوبات الأمريكية، إذا ما أرادت تصدير 1.2 مليون برميل يومياً، أو تخفيف العقوبات الأمريكية، وهو أمر يبدو مستبعداً إذا ما واصلت التعنت.  

كما أنه نظراً للعقوبات الأمريكية فإن إيران تلجأ إلى تصدير النفط، إما عبر المقايضة، أو من خلال تهريبه، وفي الحالة الأخيرة، تلجأ طهران إلى دفع نسبة من عائدات التصدير إلى الوسطاء مقابل تهريب النفط وبيعه للصين، على سبيل المثال، وهو ما يقلل من الأرباح التي تحصل عليها طهران من تصدير النفط. 

ومن جهة ثالثة، فإن الميزانية الجديدة تفترض تصدير النفط بستين دولاراً للبرميل، وهو توقّع يساير التوقعات العالمية لسعر النفط في 2022، غير أنه يتجاهل أن طهران لا تصدر النفط بصورة طبيعية، كما أن إيران تدفع رسوماً لتهريب النفط، وهو ما يحد بشكل كبير من الحصول على الإيرادات المتوقعة. 

2- التعويل على العلاقات مع دول الجوار: تسعى حكومة رئيسي، من خلال الكشف عن الموازنة في هذا التوقيت، إلى التأكيد على أن الأفضلية ستكون في الاعتماد على الاكتفاء الذاتي والتعاملات التجارية مع الدول المجاورة، بديلاً عن الغرب، وهو ما أعلنه رئيسي منذ اليوم الأول له. 

وقد وجه رئيسي انتقادات متكررة لحكومة الرئيس السابق حسن روحاني، على أساس أنها كانت تعول على ربط اقتصاد إيران بالغرب، وإن كان من الملاحظ أن هذه السياسة لم تنجح، حتى الآن، بسبب رفض أغلب الدول الآسيوية الدخول في تعاملات مالية مع إيران بسبب العقوبات الأمريكية. 

3- تعزيز المخصصات المالية للحرس الثوري: كشف مشروع الموازنة للعام المالي الإيراني المُقبل، عن ارتفاع غير مسبوق في المخصصات المالية في ميزانية الحرس الثوري الإيراني، حيث بلغت 930 تريليون ريال إيراني (22 مليار دولار)، ارتفاعاً من 4.6 مليار دولار التي خصصت فعلياً للجيش الإيراني والحرس الثوري معاً في العام السابق. ووفقاً للتقديرات، فإن نصيب الحرس الثوري منها هو 42٪، أي حوالي 1.9 مليار دولار، أي أن زيادة المخصصات للحرس الثوري الإيراني تقدر بنحو 11.5 ضعف. 

وليس من الواضح ما إذا كانت الحكومة الإيرانية سوف تتجه فعلياً لدعم الحرس الثوري الإيراني بهذه المبالغ في ظل تدهور أوضاع الاقتصاد الإيراني، أو أنها مجرد حرب دعائية، أو أنها كشفت عن إجمالي ميزانية الحرس الثوري، والتي لا تقتصر على المخصصات الحكومية، ولكنها تمتد كذلك لتشمل شركات الحرس الثوري العاملة في الاقتصاد الإيراني، في مجالات عدة مثل الاتصالات والصحة والزراعة والنقل والمصارف، فضلاً عن الدعم المقدم له من صندوق التنمية الوطني الإيراني الخاضع لأوامر المرشد الأعلى علي خامنئي. ويعتقد أن الخيار الأرجح هو أنها تدخل في إطار الحرب الدعائية إقليمياً ودولياً.

كما نص مشروع الموازنة الجديدة على السماح للقوات المسلحة الإيرانية ببيع النفط الخام بما يعادل 4.5 مليار يورو، والتي سوف توجه لبرنامج تعزيز الدفاع وبحوث الدفاع الاستراتيجي في المجال العسكري، وليس من الواضح كيف سيقوم الجيش ببيع هذه الكميات في ظل العقوبات الأمريكية. 

وتُدلل تلك المؤشرات، بغض النظر عن مصداقيتها، عن رغبة إيران في إرسال لرسالة لتل أبيب وواشنطن، وهي أنها ستواصل سلوكها التصعيدي في المنطقة، لاسيما في ضوء تعثر المفاوضات، فضلاً عن التحسب من أي هجوم مُحتمل ضد أهداف إيرانية في ضوء تزايد حدة التصعيد مع الجانب الإسرائيلي.

4- الحصار الإعلامي والعزل الإلكتروني: شهد مشروع الموازنة الجديد ارتفاعاً كبيراً في نسبة المخصصات الموجهة لقطاع الإذاعة والتلفزيون الإيراني، والخاضع للمرشد الأعلي حيث بلغت تلك النسبة 56%، بواقع 5.289 مليار تومان، مقارنة بـ 3.384 مليار تومان للعام السابق.

ويلاحظ أن هذه الزيادة كبيرة جداً، بالنظر لما يعانيه الاقتصاد الإيراني من ظروف صعبة، خاصة إذا ما قورنت بالمخصصات الموجهة لقطاعات أخرى مثل التعليم، والذي بلغت نسبة الزيادة في مخصصاته 14% فقط. ويعكس ما سبق وجود إدراك إيران بأهمية توظيف الإعلام الموجه لنشر الرواية الرسمية للنظام. 

ومن جانب آخر، فقد مثّلت الزيادة المُقررة لقطاع الاتصالات، في الموازنة الجديدة، عن حلولها في المرتبة الثانية من حيث الزيادات بعد تلك المُقررة للحرس الثوري، حيث بلغت نسبة الزيادة لوزارة الاتصالات 134%، بما يعادل 9 تريليونات تومان، وهو ما يمكن تفسيره بالرجوع إلى تصريحات وزير الاتصالات عيسى زارع بور، والذي أكد أن استكمال مشروع "شبكة المعلومات الوطنية" سوف تكون ضمن أولويات وزارته، في استمرار النهج الهادف للسيطرة على مصادر المعلومات كافة.

5- إيجاد مصادر أخرى لتعزيز إيرادات الميزانية: تُشير الأرقام الخاصة بالموازنة الإيرانية الجديدة إلى السعي للاعتماد بشكل أكبر على الموارد الذاتية، إذ تفترض إيرادات ضريبية تقدر بـ62% من إجمالي الإيرادات الحكومية. 

وعلى الرغم من أن الميزانيات الإيرانية السابقة كانت دوماً تعتمد على توقعات غير واقعية للإيرادات الضريبية، فإن رئيسي يقترح زيادات حادة، وهو تدبير سوف يحد كثيراً من النمو الاقتصادي. فمن المتوقع أن ترتفع عائدات الضرائب من السفر إلى الخارج بمقدار أربعة عشر ضعفاً، في حين ستبلغ الضرائب المفروضة على الأملاك والمركبات التي تتجاوز قيمتها عتبة محددة، 4 في المائة سنوياً. وسوف تؤثر هذه الضرائب سلباً على الطبقة الوسطى، وهو أمر لا يبدو أن رئيسي يعبأ له كثيراً.

6- تصحيح الاختلال في سعر صرف العملة: يُعد إلغاء الدعم الحكومي المُقدم لسعر الدولار، المؤشر الأبرز في تلك الموازنة، إذ يخطط رئيسي للاستغناء التدريجي عن سعر الصرف الرسمي للريال الإيراني البالغ 42 ألف ريال للدولار لصالح اعتماد سعر السوق الذي يقف عند مستوى 300 ألف ريال للدولار. 

وسوف يساهم هذا الإجراء في وقف المضاربات والسمسرة على الدولار، غير أنه سوف يزيد من أسعار السلع الأساسية التي يتم شراؤها من الخارج. كما أن أسعار الواردات الإيرانية تكون عادة مرتفعة عن المعدلات الطبيعية بسبب ارتفاع معدلات التأمين والنقل، فقد أكد نائب الرئيس الإيراني السابق إسحاق جهانجيري ومسؤولون آخرون أن التجارة الدولية أغلى بنسبة 25 في المائة بسبب العقوبات الأمريكية، إذ تبتعد شركات التأمين عن التعامل مع أي شحنة إيرانية تجنباً للعقوبات الأمريكية.

وسوف تقوم حكومة رئيسي بمحاولة تخفيف أثر ذلك على المواطنين عبر دفع مبلغ نقدي يتراوح بين 3 و4 دولارات شهرياً لجميع العائلات، بتكلفة إجمالية قدرها 3.4 مليار دولار (1000 تريليون ريال إيراني)، وذلك لمساعدة الأسر على استيعاب الارتفاع المتوقع في أسعار المواد الغذائية. ومن غير الواضح ما إذا كان هذا الإجراء سوف يتمكن من دعم الأسر الفقيرة على شراء السلع الأساسية أم لا، خاصة أن معدلات التضخم الحالية في الاقتصاد الإيراني وصلت في أسعار المواد الغذائية لنحو 60%، حسب تقديرات مركز الإحصاء الإيراني عن شهري أكتوبر ونوفمبر. 

كما أن إجراءات رئيسي سوف ترفع معدل التضخم لمستويات أعلى، وهو الأمر الذي من شأنه أن يزيد من مخاطر التظاهرات الفئوية التي تتعرض لها إيران بشكل دوري إلى تظاهرات شاملة، إذا ما شعر المواطنين بتدهور شديد في أوضاعهم الاقتصادية، وعجز الحكومة عن دعمهم.

وفي الختام، فإن هدف طهران من الإعلان عن هذه الموازنة هو التأكيد على أنها لديها خيار التشدد، وإفشال المفاوضات النووية، وذلك عبر وضع ميزانية للعام الجديد تتحسب ليس فقط لاستمرار العقوبات الأمريكية، ولكن كذلك تحقق نسبة نمو تصل إلى 8%. 

وعلى الرغم من بعض الإجراءات الاقتصادية السليمة، مثل تصحيح سعر صرف العملة الإيرانية، فإن الموازنة لاتزال تستند إلى فرضيات غير مؤكدة، خاصة فيما يتعلق بحجم صادرات النفط، أو التعاون مع دول الجوار، والتي سوف تحتاج إلى تخفيف العقوبات الأمريكية حتى تتمكن إيران من تحقيق أهدافها المعلنة، كما أنه يصعب توقع أن تتمكن طهران من زيادة مستوى الضرائب إلى الحد الذي تطمح إليه، وهي كلها مؤشرات أن هدف الميزانية دعائي أكثر منه مؤشراً على السياسة الاقتصادية للبلاد للعام القادم.