أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

اتجاهات متوازية :

كيف تخرج لبنان من المأزق الاقتصادي الراهن؟

22 أكتوبر، 2019


ينذر اندلاع الاحتجاجات الشعبية في لبنان، والناجمة عن سوء الأحوال المعيشية، بمزيد من تفاقم الأوضاع الاقتصادية في البلاد، التي تعاني بالأساس من تحديات مالية ونقدية واسعة منذ سنوات طويلة. ومن شأن التطورات الأخيرة أن تؤثر بشدة على نشاط القطاعات الرئيسية مثل السياحة والعقارات، ما قد ينتج عنه انكماش الاقتصاد وتقويض المركز المالي للبلاد. وللخروج من المأزق الاقتصادي والسياسي الراهن، تحتاج لبنان لإقناع شركائها بتقديم مساعدات عاجلة منخفضة التكلفة لها من أجل مساندة اقتصادها ودعم موقفها المالي وتنفيذ المشروعات بالقطاعات الحيوية مثل الكهرباء وتوفير السلع الأساسية من الوقود والقمح بما يساعد في نهاية المطاف في التخفيف من حدة الاحتقان الشعبي. 

ضغوط معيشية:

 تواجه لبنان احتجاجات شعبية مستمرة منذ أيام عدة اعتراضاً على الأعباء الضريبية الجديدة التي فرضتها الحكومة على المواطنين مؤخراً، وفي صدارتها رسوم على المكالمات عبر تطبيقات الإنترنت مثل "واتس آب"، قبل أن تتراجع عن تطبيقها لاحقاً بسب الاحتقان الشعبي. وسبق أن شهدت لبنان احتجاجات متكررة في الأشهر الماضية بالتوازي مع اتجاه الحكومة لتقليص الرواتب الحكومية وزيادة الأعباء الضريبية في مسعى لاحتواء عجز الموازنة العامة وتصاعد الديون الحكومية. 

فضلاً عن ذلك، فقد تأثر المستوى المعيشي للسكان بشدة بسبب النمو الهزيل للاقتصاد في السنوات الماضية مع تفاقم الاضطرابات الإقليمية وسوء الإدارة الاقتصادية، والتي أثرت بشكل واضح على القطاعات الرئيسية مثل السياحة والعقارات. وطبقاً للبنك الدولي، فقد شهد الناتج المحلي اللبناني نمواً محدوداً بنسبة 0.2% في عام 2018، قبل أن ينكمش بحسب التوقعات بنسبة 0.2% بنهاية العام الجاري. 

 وبالأساس، تعاني الحكومة ضعفاً متزايداً في مركزها المالي بسبب ارتفاع مستوى الدين الحكومي إلى نحو 150.3% في العام الماضي طبقاً لبيانات البنك الدولي وذلك نتيجة العجز المستمر في الموازنة العامة على مدار العقود الماضية، هذا في الوقت الذي تناقصت فيه احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي نتيجة انحسار عائدات السياحة وودائع غير المقيمين في الفترة الأخيرة.

 وقد تسببت هذه الأوضاع الاقتصادية في تصاعد المخاوف الدولية من احتمال تخلف لبنان عن سداد الالتزامات المالية المستحقة عليها. ووفقاً للتقديرات، فإن لبنان بصدد سداد ديون بقيمة 1.5 مليار دولار في نوفمبر المقبل وديون أخرى بقيمة 2.5 مليار دولار في الفترة بين مارس ويونيو عام 2020. وكنتيجة لذلك أيضاً، قامت الوكالات الدولية بخفض التصنيف الائتماني للبنان. وفي أغسطس الماضي، خفضت وكالة "فيتش" تصنيفها لديون لبنان من B- إلى CCC، في مؤشر على تصاعد المخاطر المالية للسندات اللبنانية، بينما وضعت المؤسسات الأخرى مثل وكالة "ستاندرد آند بورز" و"موديز" تصنيف لبنان قيد المراجعة.

تبعات محتملة:

 من دون شك، سوف تؤدي التطورات الأخيرة إلى إرباك الأوضاع الاقتصادية في لبنان بشكل أكبر. ففور اندلاع الاحتجاجات الشعبية في الأيام الماضية، تأثر سوق الاقتراض الحكومي بشكل واضح، حيث انخفضت سندات لبنان السيادية الدولارية بشكل ملحوظ، كما ارتفعت تكلفة التأمين على ديون لبنان لأجل 5 سنوات يوم الجمعة الماضية 14 نقطة أساس مقارنة مع إغلاق الخميس إلى 1208 نقاط أساس.

 ومعنى ذلك أن لبنان ستواجه تكلفة إضافية عند الاقتراض من الأسواق الدولية في الفترة المقبلة طالما كانت الحكومة غير قادرة على احتواء الاحتجاجات الشعبية الحالية وتقليص المخاطر السياسية، علماً بأن الحكومة كانت تنوي إصدار سندات "يوروبوند" بقيمة تتراوح بين 2 و3 مليار دولار في الشهور المقبلة لتغطية احتياجاتها والتزاماتها المالية.

 إلى جانب ذلك، فمن شأن التطورات الأخيرة أن تفرض ضغوطاً إضافية على القطاعات الرئيسية مثل السياحة والعقارات، حيث ستقوض الطلب عليها مع مخاوف المستثمرين الأجانب من ضخ رؤوس أموال فيها بسبب حالة القلق السياسي والاقتصادي الراهنة، وهو ما سيُعرِّض الاقتصاد للانكماش بمستوى أكبر من توقعات المؤسسات الدولية. 

 وعلى هذا النحو، سوف تضعف الأحداث من قدرة الدولة على حشد موارد النقد الأجنبي بما في ذلك عائدات السياحة وودائع غير المقيمين والاستثمارات الأجنبية، الأمر الذي قد يجعل من الصعب على المصرف المركزي دعم الاحتياطيات وبالتالي قد تواجه الحكومة مشاكل في سداد التزامات الديون واستيراد السلع الأساسية.

 وإذا كان من المستبعد أن يقوم المصرف المركزي، رغم ضعف الاحتياطيات وشح العملات الصعبة، بفك ربط الليرة مع الدولار في الوقت الحالي بسبب الآثار الاقتصادية السلبية والاجتماعية لمثل هذا القرار حالياً، فمن المحتمل للغاية أن تتسع الهوة بين سعر صرف الليرة في السوقين الرسمي والموازي، والتي تخطت قيمتها غير الرسمية بالأشهر الأخيرة أكثر من 1600 مقابل الدولار في حين أن سعرها الرسمي ثابت عند 1507.5 ليرة. 

الخروج من المأزق: 

 تحت وطأة الضغوط الشعبية الراهنة، سوف تضطر الحكومة، على الأرجح، إلى تأجيل تنفيذ بعض الإصلاحات الاقتصادية المطروحة، مثل خفض أجور الموظفين العموميين، بجانب تجميد الزيادات الضريبية المقررة مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة الاتصالات وغيرها لحين الوصول إلى توافق سياسي ومجتمعي حولها.

 وأمام هذا السيناريو، ربما لن يكون أمام الحكومة خيار آخر سوى مواصلة الاستدانة لتمويل الإنفاق الجاري والاستثماري بما قد يؤدي إلى زيادة عجز الموازنة، وهذا ما قد يجعلها في القريب العاجل بحاجة لإعادة جدولة ديونها. ولتفادي هذا الإجراء الخطر، ربما تتحرك الحكومة سريعاً نحو طلب الحصول على مساعدات مالية منخفضة التكلفة من شركائها في المنطقة والعالم أو تسهيل حصولها على جزء من تعهدات المانحين لها في مؤتمر "سيدر" في باريس والبالغة 11 مليار دولار.

 ولاشك أن حصولها على هذه المساعدات في مثل هذا التوقيت يحظى بأهمية جوهرية لإنقاذ الاقتصاد في جوانب مختلفة منها توفير تمويلات لصالح استيراد السلع الأساسية مثل الوقود والخبز والأدوية، وإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية من أجل دعم قيمة الليرة مقابل الدولار في سوق الصرف، وتنفيذ المشروعات في القطاعات الحيوية مثل الكهرباء.

 ومن ناحيته، ربما لن يسمح المجتمع الدولي بتفاقم الأوضاع الاقتصادية والسياسية في لبنان أكثر من ذلك، بما قد يدفعه نحو تقديم مساعدات عاجلة لإنقاذ الاقتصاد، بيد أن ذلك لا ينفي حاجة الحكومة للالتزام أمام المانحين بالقيام بالإصلاحات الضرورية الداعمة لتوازن الاقتصاد وتعزيز تنافسيته في المستقبل، وذلك بعد التوافق المجتمعي والسياسي حولها، على أن تراعي في الوقت نفسه الأبعاد الاجتماعية.