تصاعدت حدة الضغوط الأمريكية على إيران خلال الفترة الأخيرة، حيث فرضت الولايات المتحدة، في 8 مايو 2019، عقوبات على قطاع التعدين بهدف حظر الصادرات الإيرانية من منتجات الصلب والنحاس والألومنيوم للأسواق الدولية، على نحو قد ينتج تداعيات اقتصادية سلبية، منها حرمان طهران من أهم مصادر عائدات صادراتها غير النفطية، وإبطاء برنامجها التوسعي للقطاع، فضلاً عن قطع إمدادات المنتجات المعدنية عن القطاعات المدنية (مثل السيارات) والعسكرية، وهو ما قد يؤدي في نهاية المطاف إلى زيادة الضغوط الاقتصادية على إيران من أجل دفعها إلى القبول بخيار التفاوض مع الولايات المتحدة.
تصعيد جديد:
أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا، في 8 مايو الجاري، يقضي بفرض عقوبات على قطاع التعدين في إيران، والتي بموجبها لن يُسمح للشركات والكيانات في العالم بإجراء أية تعاملات تجارية مع إيران في هذا القطاع، أى يحظر عليها استيراد منتجات المعادن الإيرانية، بما في ذلك الحديد والصلب والنحاس والألومنيوم.
وسبق أن أدرجت الإدارة الأمريكية قطاع التعدين في جولة العقوبات المفروضة في أغسطس 2018، بيد أن عملاء إيران في جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط استمروا في استيراد المنتجات المعدنية الإيرانية دون الأخذ في الاعتبار هذه العقوبات، وذلك بسبب الجودة العالية للمنتجات الإيرانية ورخصها.
ولدى إيران صناعات تعدينية قوية تشمل بالأساس الحديد والنحاس بجانب الألومنيوم، ويدير معظمها الشركات الحكومية أو شبه الحكومية. وخلال الأشهر العشرة الأولى من السنة المالية الإيرانية الماضية (مارس 2018- يناير 2019)، تجاوز إجمالي المنتجات المعدنية في إيران نحو 65 مليون طن، قامت بتصدير 8 ملايين طن منها أى أقل من 12% من إجمالي الإنتاج.
وفي العادة، يأتي الصلب على قائمة الصادرات المعدنية بما يتجاوز 7.5 مليون طن وبقيمة 3.9 مليار دولار، يليه النحاس بـ138 ألف طن وبما يقرب من 700 مليون دولار، وغيرهما من المعادن التي تبلغ قيمتها الإجمالية 5 مليار دولار، حيث تشكل معًا نحو 11% من الصادرات غير النفطية أو حوالي 5% من إجمالي صادراتها للعالم.
آثار محتملة:
تفرض جولة العقوبات الأمريكية الجديدة على قطاع التعدين الإيراني تداعيات اقتصادية عديدة: أولها، حرمان إيران من عائدات صادرات تقدر بـ 5 مليار دولار. وعلى الرغم من أنها لا تمثل رقمًا كبيرًا قياسًا بالخسارة المتوقعة لصادرات النفط بقيمة 50 مليار دولار، وفقًا لبعض التقديرات، إلا أنها ستؤدي على أية حال إلى زيادة الضغوط المالية عليها.
وربما تكون الشركات الحكومة أكثر المتضررين من هذه الخطوة، حيث أن أكبر ثلاث شركات منتجة للصلب في البلاد مملوكة للدولة وتنتج معًا أكثر من 50% من الحديد والصلب، فيما تعتبر صناعة الألومنيوم مملوكة بشكل شبه كامل للدولة، مع العلم بأن الحرس الثوري لديه بعض الحصص في شركات الألومنيوم، بما يعني أنه هو الآخر سيحرم من دخل إضافي بسبب العقوبات.
وثانيها، إبطاء برنامج إيران للتوسع في الصناعات المعدنية، حيث كان لدى الأخيرة طموح في أن تصبح سادس أكبر منتج للصلب في العالم ومضاعفة الطاقة الإنتاجية من 30 مليون طن إلى 55 مليون بحلول عام 2025. فيما كان من المقرر خلال هذا العام تشغيل بعض مصاهر الألومنيوم الجديدة، والتي من المفترض أن تضيف 300 ألف طن منه.
وبناءً عليه، يمكن القول إن حظر الصادرات الإيرانية من المنتجات المعدنية سيدفع طهران إلى خفض طاقتها التشغيلية وغلق بعض خطوط الإنتاج الجديدة والقديمة وتسريح عدد ليس بقليل من العمالة في هذا القطاع، فيما لم تتمكن من استيراد المواد الخام اللازمة للصناعات المعدنية بسبب العقوبات الجديدة أو العقوبات المالية والمصرفية المفروضة عليها.
وثالثها، توسيع نطاق الضغوط على القطاعات الأخرى، حيث من المتوقع أن ينتقل أثر هذه العقوبات إلى الصناعات الأخرى مثل السيارات أو حتى الصناعات العسكرية، التي لن تتمكن من الحصول على احتياجاتها من المنتجات المعدنية بسبب صعوبات الاستيراد من الأسواق الدولية أو ركود القطاع المحلي. وفي العادة، كانت إيران تحصل على احتياجاتها من المواد الخام اللازمة للقطاع من دول خارج المنطقة على غرار الصين وكوريا الجنوبية وكازاخستان وروسيا.
ورابعها، تضييق الخناق على الاقتصاد الإيراني، حيث أن هذه الخطوة تأتي بعد أن ألغت الإدارة الأمريكية، في 2 مايو الجاري، الإعفاءات الممنوحة لثماني دول لمواصلة شراء النفط الإيراني بهدف حرمان إيران من إيرادات نفطية حيوية تبلغ قيمتها نحو 50 مليار دولار سنويًا، الأمر الذي سيؤدي إلى تصاعد حدة المشكلات الاقتصادية مثل تدهور قيمة العملة وارتفاع معدلات التضخم واتساع عجز الموازنة العامة.
وخامسها، تعرُض الأسواق المستوردة للمنتجات المعدنية الإيرانية لمشكلة مؤقتة بانقطاع الإمدادات لحين استبدالها بمنتجات من أسواق أخرى. ولكن، في المجمل، تشير التقديرات إلى أن إيران منتج صغير نسبيًا للمعادن عالميًا، حيث يبلغ إنتاجها أقل من 3% من الإمدادات العالمية من المعادن، ومن ثم لا يتوقع أن يكون لهذا القرار تأثير كبير على استقرار الأسواق الدولية أو أسعار خامات الحديد والصلب والنحاس.
وبخصوص فعالية هذه العقوبات، تشير بعض التقديرات إلى أن الإدارة الأمريكية ربما تواجه صعوبات في وقف الصادرات الإيرانية من المنتجات المعدنية بشكل كامل. فبخلاف تجارة النفط، تعد تجارة المعادن في إيران غير مركزية، حيث يتم إجراء المعاملات التجارية في هذا القطاع بين عدد كبير من الشركات الإيرانية من ناحية وشركات أجنبية صغيرة ومتوسطة الحجم من ناحية أخرى، ما يعني صعوبة تتبع هذه المعاملات. فضلاً عن أن إيران قد تلجأ إلى تصدير منتجاتها أو تهريبها لبعض أسواق التصدير الرئيسية القريبة منها مثل العراق وأفغانستان والتي يصعب مراقبتها بسب القرب الجغرافي وسيولة الحدود معها.
ورغم ذلك، يمكن القول إن الولايات المتحدة ربما لن تسمح لعملاء إيران بمواصلة استيراد المنتجات المعدنية من أجل تطبيق العقوبات بفعالية وزيادة الضغوط الاقتصادية على إيران لدفعها نحو التفاوض مرة أخرى حول اتفاق جديد.