أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

تقنين الفوضى:

كيف أثر تخزين الأسلحة على عدم الاستقرار الإقليمي؟

22 يوليو، 2018


صار "تخزين الأسلحة"، سواء الخفيفة أو المتوسطة أو الثقيلة (مثل القاذفات والصواريخ) التي يلجأ إليها الأفراد أو القبائل أو الميلشيات المسلحة أو التنظيمات الإرهابية، أحد المضاعفات الرئيسية لعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة في بؤر الصراعات العربية في ليبيا واليمن وسوريا والعراق والصومال ومالي، وربما في بعض الدول المستقرة نسبيًا مثل السودان وتونس، وخاصة في المناطق الجبلية والصحراوية الحدودية، وبنوعيات وكميات مختلفة، ومن دون أية إجراءات حماية، بحيث تؤدي إلى إذكاء المواجهات الميدانية بين أطراف الصراعات المسلحة بالإقليم، واستغلال جماعات مسلحة الحرب ضد التنظيمات الإرهابية لتخزين الأسلحة، واتخاذ الميلشيات المسلحة معاقلها الجغرافية لإطلاق الأسلحة في مواجهة الخصوم، وحفر التنظيمات الإرهابية الأنفاق لتخزين الأسلحة في مواجهة الفصائل المناوئة، وحل الخلافات الفردية أو العائلية بقوة نيران الأسلحة، وتهديد دول الجوار بل "جوار الجوار".

الجيوش الهجينة:

لم يعد امتلاك السلاح قاصرًا على أجهزة ومؤسسات الدولة، سواء العسكرية أو الأمنية، التي تمتلك حق الاستخدام الشرعي والقهري للقوة، بل ساعدت موجة الثورات الشعبية، وما تمخض عنها من الصراعات الممتدة، على بروز نمط السيادة المتعددة وتعاظم تأثير العناصر المسلحة غير النظامية لدرجة تطلق عليها الأدبيات "الجيوش الموازية أو الهجينة"، والتي تتمثل في بقايا أو كتل رئيسية من الجيوش النظامية والميلشيات المسلحة والكتائب المناطقية والجماعات الطائفية والأجنحة العسكرية واللجان الأمنية والتشكيلات الشعبية والفيالق الثورية والتنظيمات العشائرية والمنظمات الإرهابية والعصابات المرتزقة، فيما يشبه مجازًا "جيوش قطاع خاص" عابرة للحدود الرخوة بالشرق الأوسط.

لقد أصبحت إدارة مخزونات الأسلحة والذخيرة إحدى الظواهر التي تثير قلقًا في الإقليم، لا سيما بعد تزايد الأسلحة والذخائر التي تحوزها الجماعات المسلحة السابق ذكرها، فضلاً عن انعدام فعالية إدارتها، وهو ما يعكسه انتشار شبكات التهريب، وخاصة بالنسبة للأسلحة الصغيرة غير الخاضعة للرقابة بشكل دائم، والتي يتم تداولها في مناطق الأزمات وبؤر النزاعات بشكل غير قانوني من خلال التوزيع أو السرقة أو التسريب أو التحويل أو إعادة البيع، وخاصة عبر حدود يسهل اختراقها بواسطة مجموعات من التجار والوكلاء والسماسرة والممولين لتلك الأنشطة.

وتشير الكتابات إلى أن هناك عدة أبعاد تفسر أثر تخزين الأنواع المختلفة من الأسلحة على عدم الاستقرار الممتد لدول الصراعات بالإقليم، يمكن تناولها على النحو التالي:

وقود الصراعات:

1- إذكاء المواجهات الميدانية بين أطراف الصراعات المسلحة: على نحو يفسر استمرار الموجة الحالية من الصراعات لمدة زمنية تتجاوز سبع سنوات، ولا يوجد في الأفق ما يشير إلى تسويتها أو حسمها لأحد أطرافها، بل إن ثمة تعقيدات عديدة تواجه الجهود المبذولة للخروج من أتون تلك الصراعات، لا سيما مع سيطرة بعض الميلشيات المسلحة على معظم المخازن الخاصة بقوات الجيوش النظامية، فضلاً عن السيطرة على بعض المنافذ الجوية والبحرية التي تتيح لها استقبال المزيد من الأسلحة والصواريخ.

كما أدت موجة الصراعات الداخلية المسلحة التي نشبت في بعض دول الإقليم بعد اندلاع الثورات العربية، إلى تكوين "اقتصادات حرب" أو "اقتصاديات الصراعات الداخلية"، والتي تدفع جماعات المصالح على طرفى الصراع في اتجاه تغذيتها واستمرارها لكونها تمثل مصدرًا رئيسيًا للحفاظ على ديمومة مكاسبها المالية الضخمة، والتى بالضرورة سوف تتهدد فى حالة ما إذ توقفت الحروب الأهلية والصراعات المسلحة أو حتى هدأت وتيرتها على أقل تقدير.

تهديد الدولة:

2- استغلال جماعات مسلحة الحرب ضد التنظيمات الإرهابية لتخزين الأسلحة: بشكل يسلط الضوء على زيادة خطر الانفجارات غير المخطط لها في مواقع تخزين الأسلحة والذخيرة، وخاصة في المناطق المكتظة بالسكان، مسببة سقوط ضحايا من المدنيين، وهو ما سبق أن تعرضت له ليبيا والعراق، حيث تستغل ميلشيات مسلحة المخاطر التي يمثلها تنظيما "داعش" و"القاعدة" وغيرهما على أمن الدولة والمجتمع للتواجد في المواجهات الميدانية وامتلاك الأسلحة والذخائر بل وتخزينها بشكل متراكم.

وقد اتهم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، خلال محاضرة في جامعة الدفاع للدراسات العسكرية في المنطقة الخضراء في 23 يونيو 2018، جماعات باستغلال الحرب على تنظيم "داعش" لـ"تخزين السلاح وتهديد الدولة"، وهو ما جاء في أعقاب مقتل عدد من الأشخاص في 6 يونيو الماضي بانفجار مخزن للذخيرة في مدينة الصدر. وقد أكد العبادي على أن "هناك تخطيطًا عاليًا وحكمة للوقوف بوجههم. هناك من المواطنين من امتلك سلاحًا بهدف الدفاع عن نفسه في وقت مضى، ويختلفون عن تلك الجماعات. لن يكون هناك أى سلاح خارج إطار الدولة".

الميلشيا-الدولة:

3- اتخاذ الميلشيات المسلحة معاقلها الجغرافية لتخزين الأسلحة: وهو ما ينطبق على سلوك الحوثيين وتخزينهم للأسلحة في صعدة ومدن أخرى لإطلاق الصواريخ الباليستية باتجاه السعودية والمناطق اليمنية المحررة. يضاف إلى ذلك، اتهام وزارة الخارجية اليمنية، في 12 إبريل الماضي، لإيران بتحويل مبنى سفارتها في العاصمة صنعاء إلى مخازن للأسلحة والمتفجرات والصواريخ، علاوة على كونها مركز تدريب للميلشيا وغرف عمليات يجتمع فيها المستشارون العسكريون الإيرانيون مع قياداتها. وقد استنكرت الخارجية، في بيان رسمي، تدخل إيران في الشأن اليمني لدعم الانقلاب وتشجيع الفوضى وعدم الاستقرار.

أنفاق الإرهاب:

4- العثور على أنفاق حفرها "داعش": وذلك بهدف تخزين الأسلحة والمعدات والتنقل من منطقة لأخرى، والاختباء من ضربات الجيوش النظامية والغارات الجوية لقوات التحالف الدولي، وهو ما ينطبق على كوادر "داعش" بعد سقوط مشروع التنظيم وخروجه من مناطق نفوذه الرئيسية في العراق وسوريا وتوجهه نحو المناطق الحدودية بنهاية عام 2017، حيث بدأ يعتمد على استخدام آلات حفر الأنفاق وبناء مدن تحت الأرض.

مكانة العائلات:

5- حل الخلافات الفردية أو العائلية بقوة نيران الأسلحة: نتيجة انتشار نمط التسلح الشخصي، باعتباره حقًا مكتسبًا للمواطنين في الكثير من بؤر الصراعات، والذي لا يمكن التخلي عنه في مواجهة أية خلافات، خاصة ذات الأبعاد القبائلية والعشائرية، وهو ما تعاني منه ليبيا والعراق، خاصة بعد انهيار نظامى معمر القذافي وصدام حسين، إذ ورثت جماعات وأفراد ترسانات أسلحة ضخمة، وقامت بتخزينها في المنازل. وتنامى هذا التوجه بعد تزايد الشعور بعدم الأمان في ظل انهيار الأجهزة الأمنية وجميع هياكل الدولة الموروثة عن النظم السياسية السابقة.

وقد حذر جهاز المباحث العامة التابع للحكومة المؤقتة في مدينة البيضاء، في بيان صادر في 17 يوليو الجاري، المواطنين الليبيين من تخزين الأسلحة والذخيرة في منازلهم، حيث سيقود الجهاز حملة تفتيش في الأماكن التي تحوي أسلحة وذخائر قصد مصادرتها ووضعها في الأماكن المخصصة لها، وطالب وزارة الأوقاف بالتأكيد على خطباء المساجد توعية المواطنين بعدم تخزين الأسلحة في منازلهم، التي تحتل مكانة خاصة بعد انهيار نظام القذافي، على نحو دفع الأفراد والقبائل إلى الاحتماء بترسانة من الأسلحة التي تظهر أهميتها وقت الخلافات، لا سيما في ظل الانتشار المفزع للأسلحة لدى بعض الأشخاص الخطرين والمجموعات المسلحة.

جغرافيا متحركة: 

6- تهديد دول الجوار و"جوار الجوار": لا يمثل تخزين الأسلحة تهديدًا مباشرًا للأمن المحلي فحسب، وإنما جرس إنذار لدول الجوار أيضًا، نظرًا لاحتمال دخول تلك الأسلحة إلى الجماعات الإرهابية التي تستهدف مصالحها، على نحو يبرز مخاطر انتقال السلاح الليبي إلى بعض دول الجوار، لا سيما في ظل تدفق الأسلحة على الجماعات الليبية المختلفة رغم الحظر الدولي، حيث أصبحت ليبيا نقطة كبيرة لتخزين الأسلحة وتوزيعها في الشرق الأوسط، الأمر الذي يفسر مغزى ضبط خمسة مخازن أسلحة في بلدة بنقردان على الحدود الليبية- التونسية، تحتوي على أسلحة مضادة للطائرات في ديسمبر 2016.

وقد طالب المبعوث الأممي لدى ليبيا الدكتور غسان سلامة، في أكثر من محفل دولي، بضرورة استمرار الحظر الدولي المفروض على تصدير الأسلحة إلى ليبيا منذ عام 2011، وقال في إفادة سابقة أمام مجلس الأمن: "لم يكن الحظر الدولي المفروض على السلاح أكثر أهمية في أى وقت مضى من الوقت الحالي، فهذا البلد به أكثر من 20 مليون قطعة سلاح". كما دعا رئيس مجموعة الاتصال الروسية حول التسوية الليبية ليف دينغوف، في 13 ديسمبر 2017، إلى توخي الحذر في مسألة رفع الحظر المفروض على الأسلحة إلى ليبيا.

آليات المواجهة:

خلاصة القول، يمثل تخزين الأسلحة من جانب المقاتلين والمدنيين المصدر الرئيسي لموجات العنف العابر للحدود في دول الإقليم، فضلاً عن أنه يعتبر عقبة ضاغطة أمام إعادة إعمار الدول المنهارة أو المتصدعة، على نحو يتطلب تبني حزمة من الآليات التي يمكن من خلالها مواجهة تخزين الأسلحة، ولا سيما الصغيرة والمتوسطة، داخل المنازل والمستشفيات والمدارس والمتاحف والحدائق والمزارع والملاعب، وتستخدم على نطاق واسع داخل الدول، خاصة في ظل اشتعال الخلافات بين الفصائل والميلشيات المسلحة، الأمر الذي يشير إلى تعقيدات التخلص من عادة أو استراتيجية تخزين الأسلحة.

وفي هذا السياق، يمكن اقتراح بعض المداخل للتعامل مع مخاطر تخزين الأسلحة في الشرق الأوسط، وهى:

1- تقوية الجيوش الوطنية: يتطلب دعم الأمن في المجتمعات المتأثرة بالعنف المسلح مساندة الجيوش النظامية، ودمج العناصر غير الرسمية القابلة للانخراط في أطر شرعية.

2- منح الأجهزة المعنية في الدول التي تتجه للاستقرار نسبيًا السكان مهلة زمنية لتسليم أسلحتهم وتجديد تلك المهلة إذا اقتضت الظروف ذلك، مع وضع تشريع صارم يجرم تخزين تلك الأسلحة من خلال عقوبات مشددة ورادعة، وربما يمكن اعتبار مبادرة مقتدى الصدر بتسليم أسلحة الفصائل العراقية إلى الدولة حالة معبرة عن هذا التوجه.

3- إنشاء صندوق دولي يعني بجمع وتخزين الأسلحة في بؤر الصراعات مثل ليبيا، وهى الدعوة التي أطلقها وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي خلال المؤتمر الوزاري الدولي حول الأوضاع في ليبيا الذي عقد في روما في 6 مارس 2014، بحيث يتم ذلك بالتنسيق بين الأمم المتحدة والجيش، لمنع الحوادث التي تهدد أمن ليبيا عبر الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة المنظمة.

4- التواصل بين إدارات ووكالات وبرامج وبعثات نزع الأسلحة وإعادة الدمج التابعة للأمم المتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي، لدعم الدول التي ستخرج لتوها من النزاعات، خاصة أنها عملية متعددة الأبعاد وتتطلب نهجًا متكاملاً لضمان أن هذه الجهات الفاعلة والعمليات تعمل بتناسق وفي الاتجاه نفسه لتصل إلى نهاية واحدة.

5- إطلاق حملات توعية من مخاطر تخزين الأسلحة، سواء عبر منظمات المجتمع المدني أو وسائل الإعلام، حيث ينظم نادي "أنا أقرأ" للكتاب في مدينة مصراتة بليبيا معارض ثقافية تعرض فيها الكتب في صناديق أسلحة وذخائر، وتهدف الفكرة، بشكل رمزي، إلى استبدال سنوات العنف بعادة القراءة وسلاح الكتب، باعتبار أن "الكلمة أقوى من الرصاص" و"الكتاب أهم من البندقية" حسب تعبير مؤسس النادي سفيان قصيبات.