أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

دبلوماسية مرنة:

كيف تُفسر الجولات الخارجية المُتعددة للرئيس الفيتنامي؟

21 أكتوبر، 2024


أجرى الرئيس الفيتنامي تو لام، جولة خارجية لعدد من الدول، خلال شهر أكتوبر 2024، شملت كلاً من منغوليا وأيرلندا وفرنسا، وأسفرت تلك الجولة عن إبرام العديد من الاتفاقيات والشراكات مع تلك الدول بعدد من المجالات. وبُعيد ذلك، أبرمت فيتنام والصين مجموعة من الاتفاقات التجارية والتنموية خلال لقاء عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي لونغ كوونغ، مع الرئيس الصيني مع شي جين بينغ، في 11 أكتوبر 2024 في بكين. بينما أجرى رئيس الوزراء الصيني (رئيس مجلس الدولة) لي تشيانغ زيارة لفيتنام لمدة ثلاثة أيام انتهت في 14 أكتوبر 2024، وكانت بدعوة من رئيس الوزراء الفيتنامي فام مينه شينه. 

سياقات مُتناقضة:

جاءت تلك التحركات من السياسة الخارجية لفيتنام في ظل عدد من المُتغيرات والمُحددات، والتي يمكن إيجازها على النحو التالي: 

1. مُضايقات صينية لصيادين فيتناميين: شهدت الفترة الأخيرة توترات بين الصين وفيتنام، ناجمة عن تحركات الصين العسكرية بالمجال البحري في بحر الصين الجنوبي؛ إذ احتجت وزارة الخارجية الفيتنامية في 2 أكتوبر 2024 على الهجوم الذي تعرض له قارب صيد فيتنامي قبل ثلاثة أيام من ذلك التاريخ، في المياه المتنازع عليها قرابة جزر باراسيل؛ مما أدّى إلى إصابة العديد من الصيادين. وتم تقديم احتجاج شديد اللهجة إلى السفارة الصينية في هانوي، لمطالبة الصين باحترام سيادة فيتنام والتحقيق في الحادث والكف عن مثل هذه الإجراءات. بينما قالت وزارة الخارجية الصينية إن القوارب الفيتنامية كانت تمارس الصيد بشكل غير قانوني في مياه باراسيل دون الحصول على إذن من حكومة بكين، وإن السلطات الصينية اتخذت إجراءات لوقفها. 

2. توازن العلاقات الخارجية لفيتنام: تنتهج فيتنام سياسة خارجية مُتوازنة قوامها إبقاء قنوات الاتصال مفتوحة مع الحلفاء والخصوم على نحو قد يتسم بالتناقض، ولكنه يعكس المرونة في النهج الفيتنامي؛ وهو ما يمكن الاستدلال عليه من التحركات الأخيرة قبيل شهر أكتوبر 2024 - بما يجعل التحركات الحالية بمثابة استمراراً لها - فبالرغم من الصراع المُحتدم في بحر الصين الجنوبي؛ فإن الفلبين وفيتنام قد أبرمتا اتفاق تعاون عسكري بحري نهاية أغسطس 2024، فضلاً عن التنسيق مع كل من الولايات المتحدة والصين على السواء؛ إذ التقى الرئيس الفيتنامي نظيره الأمريكي جو بايدن، على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر 2024؛ وأكّدا خلال اللقاء ضرورة زيادة تعميق العلاقات بين البلدين. وفي أغسطس 2024؛ أجرى الرئيس الفيتنامي زيارة للصين لفتح فصل جديد في العلاقات الثنائية وتم حينها إبرام 16 وثيقة تعاون في العديد من المجالات الاقتصادية والصناعية والصحية والتقنية وغيرها. وتجدر الإشارة إلى أن الصين كانت أول وجهة خارجية لرحلة لام بعد أسبوعين من توليه منصبه.

تعميق التعاون:

في ضوء الزيارات المتعددة واللقاءات والاستقبالات التي كانت فيتنام طرفاً رئيسياً فيها، يمكن الإشارة إلى أبرز الأبعاد المرتبطة بتلك الفعاليات على النحو التالي:

1. تعزيز التعاون الثنائي: تأتي تلك الجولة الرئاسية واختيار الدول التي شملتها زيارة الرئيس لام؛ لإحياء زخم العلاقات الثنائية بين فيتنام وتلك الدول، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى خصوصية العلاقة بين فيتنام والدول التي شملتها جولة الرئيس لام؛ إذ تحتفظ فيتنام بعلاقات راسخة مع الصين، برغم بعض التوترات السياسية والعسكرية بين البلدين، وتُعد الصين أكبر شريك تجاري لفيتنام ومصدراً حيوياً للواردات لقطاع التصنيع لديها، فقد قفزت التجارة الثنائية بينهما إلى 148 مليار دولار، بنسبة 21% خلال الأرباع الثلاثة الأولى من العام الحالي مُقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. 

وفيما يخص منغوليا فقد بلغ إجمالي حجم تجارتها مع فيتنام نحو 65.5 مليون دولار أمريكي في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام (2024)، في حين أن أيرلندا تُعد حالياً سادس أكبر شريك تجاري لفيتنام داخل الاتحاد الأوروبي؛ إذ بلغ إجمالي التجارة الثنائية 2.7 مليار دولار أمريكي في الأشهر السبعة الأولى من هذا العام. وتمتلك أيرلندا 41 مشروعاً استثمارياً في فيتنام بقيمة 44 مليون دولار أمريكي، وتحتل المرتبة 61 بين 141 دولة ومنطقة مستثمرة في فيتنام.

كما أن التعاون بين المحليات يشكل سمة فريدة في العلاقات بين فيتنام وفرنسا. وحتى الآن، تُعد فرنسا الدولة الوحيدة التي رفعت فيها فيتنام آلية الاجتماعات بين المحليات إلى مستوى المؤتمرات، والتي تعقد بالتناوب في محليات مختلفة في البلدين كل عامين إلى ثلاثة أعوام، في حين أن إجمالي حجم التجارة بين فيتنام وفرنسا بلغ 3.4 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من هذا العام، بزيادة 6.9% مقارنة بنفس الفترة من عام 2023.

ومن ثم، تُعد فرنسا خامس أكبر شريك تجاري أوروبي لفيتنام؛ إذ بلغ حجم التجارة الثنائية بينهما 4.8 مليار دولار العام الماضي و3.4 مليار دولار في الأشهر الثمانية الأولى من عام 2024، وفقاً لوزارة التجارة الفيتنامية. كما أن فرنسا واحدة من أكبر الجهات المانحة للمساعدات الإنمائية الرسمية لفيتنام في أوروبا. 

2. التوصل لشراكات استراتيجية: وهي أحد أهم مُخرجات اللقاءات التي عقدها الرئيس الفيتنامي مع نظرائه، والتي خلصت للاتفاق على ترقية العلاقات للشراكات الاستراتيجية الشاملة؛ لتحقيق المصالح المشتركة وتعضيد قنوات الاتصال على مختلف المستويات، وتوسيع آفاق التعاون في مختلف المجالات مثل: الدفاع والأمن، وإنفاذ القانون، والاقتصاد والتجارة والاستثمار، والزراعة، والعلوم، والنقل، والثقافة، والرياضة، والسياحة، والتعليم، والبيئة... وقد ركزت تلك الشراكة بشكل رئيس على ملف التعليم العالي في أيرلندا، بينما ترقت الشراكة الاستراتيجية مع فرنسا بعد 11 عاماً إلى مستوى الشراكة الشاملة.

3. التعاون الأمني مع فرنسا وأيرلندا: ولعل أبرز ما تم في هذا الإطار قد جاء خلال ترقية العلاقات مع فرنسا، التي أصبحت أول دولة في الاتحاد الأوروبي تقيم شراكة استراتيجية شاملة مع فيتنام، وقد أكد الجانبان أن التعاون في مجالي الأمن والدفاع يُعد ركيزة أساسية لشراكتهما، وتعهدا بتنفيذ اتفاقيات التعاون القائمة بشكل فعال، وعقد حوار استراتيجي قريباً، مع تعميق التعاون بشأن تدريب الضباط، وتبادل الخبرات في مجال الوقاية من الجريمة والسيطرة عليها، وتعهدا بدعم بعضهما بعضاً في المنتديات الأمنية العالمية والإقليمية.

وكذلك الحال مع أيرلندا؛ إذ تم الاتفاق على أن يعمل البلدان على تعزيز المشاورات السياسية وتدريب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في فيتنام، ومواصلة تبادل الخبرات، والعمل معاً لمكافحة الجرائم المنظمة والعابرة للحدود والمخاطر السيبرانية وكذلك نزع الألغام.

4. المشاركة في القمة الفرانكفونية: شارك الرئيس الفيتنامي في فعاليات القمة الفرانكفونية التي أُقيمت في فرنسا، في الأسبوع الأول من شهر أكتوبر 2024، وتُعد تلك هي المشاركة الفيتنامية الأولى بتلك القمة، وأكد الرئيس لام أهمية الدبلوماسية متعددة الأطراف والدور الذي توفره آليات التجمعات الفرانكفونية لتوفير منصة للحوار والمساهمة في حلحلة قضايا الدول المُشاركة. 

وقد أعرب المشاركون عن استعدادهم للتعاون مع فيتنام، وتبادل الخبرات في التنمية الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز الشراكات في مختلف المجالات، وتعزيز التنسيق في القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. بينما سلّط الرئيس الفيتنامي الضوء على البيئة الاستثمارية الجاذبة في بلاده، داعياً الاقتصادات الفرانكفونية لتعزيز انخراطها في السوق الفيتنامية. ولعل من أبرز المخرجات بلورة اتفاق التعاون الزراعي بين فيتنام وبنين خلال تلك القمة.

5. حلحلة العراقيل التجارية والاستثمارية: تم التطرق إلى حلحلة العراقيل التجارية والاستثمارية خلال المحادثات مع الجانب الفرنسي؛ إذ طالبت فيتنام البرلمان الفرنسي بتسريع التصديق على اتفاقية حماية الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي وفيتنام، وكذلك أن تقدم فرنسا دعمها لفيتنام داخل المفوضية الأوروبية لإزالة "البطاقة الصفراء" التحذيرية ضد صادرات المأكولات البحرية الفيتنامية وشجع رئيسا البلدين الشركات على الاستفادة الكاملة من اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وفيتنام.

وخلال زيارة الرئيس الفيتنامي لأيرلندا، اتفق الجانبان على الحفاظ على التنسيق الوثيق بينهما وتعظيم الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد الأوروبي وفيتنام، وشجّع الرئيس الأيرلندي شركات بلاده على الاستثمار في فيتنام في المجالات التي تتمتع أيرلندا بقوة فيها، وتتوافق مع توجهات التنمية الاجتماعية والاقتصادية بالسوق الفيتنامية، مثل: التحول الرقمي، والتحول الطاقي، والزراعة عالية التقنية. وتم التعهد أيضاً بالنظر في اقتراح فيتنام بشأن تسريع عملية التصديق على اتفاقية حماية الاستثمار بين الاتحاد الأوروبي وفيتنام.

6. التعاون التعليمي والبحثي: وهو ما اتضح في الشراكة مع أيرلندا؛ إذ ركّزت الجولة الرئاسية على زيادة التعاون بين الجامعات والمعاهد في البلدين لتبادل الخبرات وبناء القدرات في مجالات مثل: الزراعة والأغذية، وقد تضمنت الجولة زيارة عدد من المرافق التعليمية والتدريبية ومؤسسات التكنولوجيا العالية، وكذلك الالتقاء بعدد من الشركات الأيرلندية في مجالات أشباه الموصلات والزراعة عالية التقنيةً والبنية التحتية للطاقة، وتحرص تلك الشركات على توسيع الاستثمار والأعمال في فيتنام. وتم توقيع اتفاقات تعاون في تلك المجالات التدريبية والتعليمية.

فعلى سبيل المثال، تبادل رئيس شركة التكنولوجيا الفيتنامية  FPT Corporation مذكرة تعاون مع رئيس مركز أبحاث ADAPT في جامعة مدينة دبلن، بشأن تطوير القوى العاملة عالية التقنية في مجال الذكاء الاصطناعي وتنظيم ورش عمل لتبادل الخبرات التعليمية، وتوفير منح الدكتوراه.

7. الاتفاق على عدد من المشروعات المشتركة: تضمنت الزيارة الرئاسية لمنغوليا الاتفاق على إنشاء مشروع مشترك يعتمد على التكنولوجيا المتقدمة في مجال الزراعة والإنتاج الحيواني لتعزيز جهود الأمن الغذائي في منغوليا، فضلاً عن إبداء فيتنام استعدادها للتعاون في تأهيل القوى العاملة بقطاع المعلومات والتكنولوجيا.

وعلى صعيد التعاون مع فرنسا، ترغب فيتنام في تعزيز التعاون مع الشركات الفرنسية في البنية التحتية والنقل الحضري والسكك الحديدية والطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر والاقتصاد الرقمي والاقتصاد الدائري. وقد اتفق الجانبان على تعزيز التعاون في العديد من تلك المجالات مثل: التدريب والبحث في مجال الطاقة والتكنولوجيا النووية المدنية، وكذلك توسيع نطاق التعاون في مجال الأقمار الاصطناعية والتعدين وغيرها.

8. التنسيق بشأن مواجهة تغيُّر المناخ: جاء ذلك بشكل متبادل، إذ أكد الجانب الفيتنامي أيضاً مشاركته في المؤتمر السابع عشر لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر، المقرر عقده في عام 2026. واتفقت مع منغوليا على إجراء دراسات لإيجاد أنواع الأشجار المناسبة للزراعة في التربة المنغولية في إطار حملة المليار شجرة المنغولية والتعاون الوثيق في المساهمة في الجهود العالمية لحماية البيئة ومنع تغير المناخ ومكافحة التصحر. كما أن الرئيس لام أشار إلى أن بلاده ستقدم 500 ألف دولار كمساعدات إنسانية.

ومن ناحية أخرى، توجه الرئيس لام بالشكر للحكومة الأيرلندية على تقديم حزم المساعدات الإنمائية لفيتنام، في مجالات مثل: التكيف مع تغير المناخ، وسبل العيش، والمساعدات الإنسانية لمعالجة عواقب القنابل والألغام، والتغذية، والتعليم العالي، والحوكمة. ورحب الجانبان بتوقيع مذكرة تفاهم بشأن التعاون في الانتقال إلى نظام غذائي مستدام. ومن جانبه، رحّب ماكرون بجهود فيتنام في الاستجابة لتغير المناخ، مُشيداً بالتزامها بشراكة التحول العادل للطاقة (JETP) ومُبادرات التحول الأخضر. وأعرب الجانبان عن التطلع لتعميق التعاون في هذا المجال، فضلاً عن إقرار التعاون في مجال المحيطات خاصة في ظل استضافة فرنسا مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات في نيس في يونيو 2025؛ بما يدفعهما لتعميق التعاون في مجال مصايد الأسماك المستدامة.

9. تعزيز التعاون الدبلوماسي: إذ تمت الإشادة بالتعاون الوثيق بين منغوليا وفيتنام في إطار المنظمات الدولية والإقليمية. وأكد الجانب الفيتنامي التزامه بمواصلة دعم مساعي منغوليا لتصبح شريكة في حوار رابطة دول جنوب شرق آسيا والمشاركة في عمليات منتدى التعاون الاقتصادي لدول آسيا والمحيط الهادئ. ومن ناحية أخرى، أسفرت زيارة أيرلندا عن افتتاح السفارة الفيتنامية هناك، بما يفتح فصلاً جديداً للعلاقات الثنائية بين البلدين. أما في فرنسا، فقد تعهد البلدان بدعم بعضهما بعضاً في المنتديات المتعددة الأطراف والمنظمات الدولية والإقليمية ودعم التعاون والانخراط في آسيان والاتحاد الأوروبي والفرانكوفونية والأمم المتحدة.

10. تهدئة التوترات مع الصين: بالتزامن مع تلك الجولة الرئاسية الفيتنامية، استقبل الرئيس الصيني شي جين بينغ، عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي والعضو الدائم في أمانة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفيتنامي لونغ كونغ، في بكين يوم الجمعة 11 أكتوبر، كما سبقت الإشارة، وأكّد الطرفان اعتزامهما تعزيز قوة العلاقات الثنائية وتعميق التعاون رفيع المستوى في إطار الدبلوماسية الجوارية لكل منهما.

كما جرى خلال زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لفيتنام، توقيع نحو 10 اتفاقيات تعاونية في العديد من المجالات التجارية والاقتصادية والتنموية وفي المجال الزراعي والمدفوعات الإلكترونية، فضلاً عن الترابط من خلال شبكة السكك الحديدية بين البلدين؛ إذ استقبل نائب رئيس الوزراء الفيتنامي تران هونغ ها، قادة شركة بناء السكك الحديدية الصينية (CRCC) وشركة مجموعة المكتب السادس عشر للسكك الحديدية الصينية المحدودة (CRCC16) في هانوي للاستفادة من خبراتها والتطلع لتنفيذ مشروعات البنية التحتية للنقل الذكي بين البلدين.

دلالات مُتعددة:

تحمل تلك التحركات الدبلوماسية المُكثّفة والمُتسارعة العديد من الدلالات وقد تترتب عليها بعض التداعيات المحتملة، وهو ما يمكن إيجازه على النحو التالي. 

1. أولوية المصالح الاقتصادية والتنموية: كان الدافع الرئيس لأغلب تلك التحركات الفيتنامية هو تعظيم المصالح والمكاسب الاقتصادية وتبادل المنافع، وتعزيز فرص الاستثمار والتبادل التجاري، حتى في ظل وجود توترات سياسية وعسكرية متصاعدة كما هو الحال مع الصين. 

2. التطلع للخبرات التكنولوجية: تركّزت اتفاقات التعاون التي أبرمتها فيتنام مع مُختلف الدول على تبادل المعارف في مجال التكنولوجيا والتقنيات المُتقدمة والذكاء الاصطناعي، وقد حرصت على الاستفادة من الدول ذات المكانة في هذا الإطار وفي مقدمتها أيرلندا التي تُعد "وادي السيليكون الأوروبي".

3. استثمار توجه بعض الدول نحو آسيا: وهو ما تجلى في الاستفادة من الاهتمام الفرنسي بمنطقة آسيا، وكذلك استراتيجية أيرلندا العالمية الموجهة نحو آسيا والمحيط الهادئ 2025، والاهتمام كذلك بالدور الروسي في آسيا؛ بما يعزز فرص تنويع الشراكات على نحو يعزز المصالح والمكانة الفيتنامية، ولعل أبرز مؤشر على ذلك أن فيتنام نجحت في تأسيس شراكة استراتيجية شاملة مع 8 دول كبرى بعد أن نجحت في ترقية الشراكة مع فرنسا خلال الجولة الرئاسية الأخيرة؛ لتصبح أول دولة من الاتحاد الأوروبي لديها تلك الشراكة مع فيتنام، إلى جانب كل من الولايات المتحدة والصين والهند وكوريا الجنوبية واليابان وروسيا وأستراليا.

4. فرص بناء السلام مع الصين: من خلال البناء على مكتسبات الاتفاقات المبرمة واستغلال الفرص الواعدة على صعيد التعاون التجاري والاستثماري وتدشين المشروعات التنموية المشتركة، وتعزيز الاتصال وضمان استمرار سلاسل التوريد وتعزيز تنفيذ خطوط سكك حديدية تربط فيتنام والصين. 

بالإضافة إلى تعزيز العلاقات بين الأحزاب الشيوعية الفيتنامية والصينية والتي تُعد رابطة ذات خصوصية لكليهما، والتطلع نحو بناء مُجتمع فيتنامي صيني بمستقبل مُشترك على نحو يتماشى مع مبادئ الجوار الودي والتعاون الشامل والاستقرار الدائم والتسوية السلمية للخلافات، خصوصاً في ظل دعوة شي؛ لتعميق آلية الحوار في مجال الدفاع والأمن، والتنسيق للاحتفال العام المقبل بمناسبة الذكرى الخامسة والسبعين للعلاقات الدبلوماسية الثنائية بين البلدين، فهي إحدى أولويات دبلوماسية الجوار للصين.

وفي التقدير، تظل السياسة الخارجية لفيتنام مُتمسكة بمبدأ دبلوماسية الخيزران؛ بما يعكسه من توجه نحو التعددية في تشكيل التحالفات والمرونة من أجل تعظيم المصالح والحل السلمي للنزاعات، دون التغاضي عن مهددات الأمن القومي ودون تنازل عن تلك الاعتبارات، مع التطلع لتعظيم مكانتها كفاعل وشريك إقليمي ودولي. إلّا أن اختبار فعالية ذلك النهج يظل مرهوناً بإمكانية تعارض المصالح بين الحلفاء المتناقضين؛ بما سيكشف عن مدى تمسك فيتنام بذلك النهج المرن والمتوازن، ومدى قدرتها على تجنب إلحاق الضرر بأمنها وسلمها في مواجهة التطورات الجيوسياسية في محيطها الإقليمي.