يُشكل خليج البنغال جزءاً من منطقة المحيطيْن الهندي والهادئ، وتتزايد أهميته مع تزايد اهتمام الدول المُطلّة عليه، وتوسع المصالح الاستراتيجية للهند إلى ما هو أبعد من انشغالاتها التقليدية في جنوب آسيا، إضافة إلى الاهتمام المتزايد من جانب الصين بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.
ويحد خليج البنغال خمس دول هي: تايلاند، وإندونيسيا، وميانمار، وسريلانكا، والهند التي تُعد أكبر دولة في العالم من حيث عدد السكان، وبنغلاديش، ثامن أكبر دولة من حيث عدد السكان. وعلى هذا النحو، يُعد خليج البنغال فضاءً اقتصادياً طبيعياً مُزدهراً، يربط جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا في كيان واحد، ومن الناحية الجغرافية، يُوفر خليج البنغال الوصول إلى الخطوط البحرية الرئيسية التي تؤدي إلى مضيق ملقا وتفتح على بحر الصين الجنوبي.
أهمية مُتزايدة:
يمكن الإشارة إلى الأهمية المتزايدة لمنطقة خليج البنغال على النحو التالي:
1. أهمية جيوسياسية: تكمن أهمية هذه المنطقة في طرقها البحرية الحيوية التي تسمح بالتجارة الدولية عبر المحيطات وتعمل كـ"طرق سريعة استراتيجية"، تربط هذه الطرق الشرق الأوسط وجنوب شرق آسيا وشرق آسيا وأوروبا والأمريكيتيْن، وهي حاسمة للأمن الاقتصادي العالمي؛ إذ تدور المنافسات الاستراتيجية في المنطقة حول الحفاظ على الهيمنة العسكرية والاستراتيجية بالقرب من نقاط الاختناق الحاسمة على طول الممرات البحرية الدولية؛ إذ تتدافع الدول لحماية حرية الملاحة أو حرمان الآخرين منها، هذا بالإضافة لما تحتويه من موارد هيدروكربونية هائلة.
وتُعد منطقة المحيط الهندي وخليج البنغال منطقة حيوية استراتيجياً بالنسبة للهند؛ لأن ما يقرب من 80% من نفطها الخام و95% من تجارتها يتم نقلها عبر البحار والمحيطات؛ ما يضاعف من أهمية منطقة خليج البنغال المجاورة لها.
2. مخاوف هندية من احتمالات السيطرة الصينية: حثّ انتشار النفوذ الصيني من خلال مُبادرة الحزام والطريق نيودلهي على أخذ تهديد "التطويق الصيني للهند" على محمل الجد؛ إذ انضمت خمس من الدول الست المجاورة للهند في جنوب آسيا إلى مُبادرة الحزام والطريق؛ وهي: بنغلاديش، وجزر المالديف، ونيبال، وباكستان، وسريلانكا. وكل هذه الدول، باستثناء نيبال، دول مُطلة على المحيط الهندي، واثنتيْن منها تطلان على خليج البنغال، كما استثمرت بكين في مشروعات البنية الأساسية وسعت إلى استخدام الموانئ في بنغلاديش، وجزر المالديف، وميانمار، وباكستان، وسريلانكا. وفي حين قد يكون استخدام الصين لهذه الموانئ لأغراض تجارية؛ فإن إمكانية استخدامها عسكرياً تشكل مصدر قلق دائم بالنسبة لنيودلهي.
تحولات استراتيجية:
على مدى العقديْن الماضييْن، خضع المشهد الجيوسياسي للمحيط الهندي لتحوّل عميق؛ فالصين، عززت نفوذها في شرق آسيا. وبرزت الهند كقوة بحرية مهيمنة في المحيط الهندي. وفي الوقت نفسه، لاحتواء الهند، استثمرت الصين مليارات الدولارات في دول جنوب آسيا، بما في ذلك أفغانستان وباكستان وبنغلاديش ونيبال وسريلانكا وميانمار. وقد جعلت هذه المناورة الاستراتيجية، إلى جانب الوجود العسكري للصين في بحر الصين الجنوبي، خليج البنغال بمثابة نقطة محورية لطموحات واشنطن لتأكيد الهيمنة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ. وفي ضوء ذلك يمكن الإشارة إلى الآتي:
1. رغبة الهند في مُجابهة النفوذ الصيني: ترغب الهند في تعزيز وجودها في خليج البنغال ليس فقط لتعزيز التنمية الإقليمية، ولكن أيضاً لمواجهة جهود الصين لزيادة نفوذها في فنائها الخلفي، بالإضافة إلى ذلك، تدرك دول خليج البنغال أن الاتصال والتجارة باتا يشكلان مفتاح التنمية عن طريق دفع القوى الإقليمية للتنافس إقليمياً على النفوذ في هذه الدول، وأحد المؤشرات على ذلك هو الإسراف في الإنفاق على البنية الأساسية في الموانئ والطاقة من قبل الصين والهند والدول الغربية.
2. تنافس الصين والهند على إنشاء الموانئ: بدأت كل من الصين والهند في التنافس على البنية التحتية والموانئ في دول خليج البنغال، من بناء أول ميناء للمياه العميقة في بنغلاديش، في ماتارباري في أعلى الخليج، إلى التوسع الهائل لميناء كولومبو في سريلانكا، الذي يقع على طرق الشحن الرئيسية عبر المحيطات، وتقوم الصين بتطوير جزء من ميناء كولومبو؛ بينما تقوم مجموعة أداني الهندية بتطوير جزء آخر منه، فيما تقود الهند محاولة لإحياء مجموعة بيمستيك (اختصار لمبادرة خليج البنغال للتعاون التقني والاقتصادي المتعدد القطاعات).
وبالتوازي مع ذلك، سمحت مُشاركة بكين في بناء ميناء كياوكبيو في ميانمار بتحدي هيمنة البحرية الهندية التي لم تكن محل نزاع من قبل في خليج البنغال؛ وهو ما أثار مخاوف نيودلهي من احتمال عسكرة ميناء جوادر في باكستان، والذي تستثمر فيه الصين. وفي المقابل؛ أبرمت الهند عقداً مع إيران بخصوص إدارة وتطوير ميناء تشابهار الإيراني المنافس لميناء جوادر الباكستاني؛ الأمر الذي أثار قلق باكستان والصين.
3. تعاون هندي أمريكي لاحتواء النفوذ الصيني: تُعد استراتيجية واشنطن للمحيطيْن الهندي والهادئ بمثابة بداية لتحالف تقوده الولايات المتحدة بهدف احتواء الصين؛ بينما تهدف مشروعات البنية الأساسية الاستراتيجية التي تنفذها الصين، بما في ذلك الموانئ البحرية مثل: جوادر في باكستان، وهامبانتوتا في سريلانكا، وكياوكبيو في ميانمار، كجزء من استراتيجية "سلسلة اللآلئ"، إلى احتواء الهند وتأمين ميزة استراتيجية في منطقة المحيطيْن الهندي والهادئ، وقد نجحت علاقات الصين مع كوريا الشمالية وإندونيسيا وتايلاند وسريلانكا وجزر المالديف وبنغلاديش وميانمار في موازنة المناورات الجيوستراتيجية الأمريكية والهندية.
تنافس هندي صيني:
لخليج البنغال أهمية استراتيجية حيوية بسبب قربه الجغرافي وأمنه وتجارته، وتعتبر الهند الخليج فناءً خلفياً لها وتأمل من خلال إظهار الدعم لدول مثل: سريلانكا وبنغلاديش، في استعادة ثقة الدول الساحلية الصغيرة الأخرى التي قد تحتاج إلى المساعدة لحماية مياهها وتعزيز النمو الاقتصادي. وعلاوة على ذلك؛ إذا كانت الهند تريد أن تظل مزوداً للأمن؛ فيجب عليها إنشاء حضور أقوى في منطقة غرب المحيط الهندي؛ إذ تعاني الصين من عيب جغرافي بسبب موقعها الأكثر بعداً ولكنها تسعى لزيادة حضورها في المنطقة.
1. سعي نيودلهي لتضييق الفجوة البحرية مع الصين: تعمل الهند على تضييق الفجوة الواسعة بين قدراتها البحرية وقدرات الصين. فقد عزّزت نيودلهي ميزانيتها البحرية، وكانت أكبر زيادة في ميزانية الدفاع الإجمالية في عام 2023 مُخصصة للبحرية؛ لتحديث سفنها الحربية، وتعزيز أسطولها، ودمج التقنيات الجديدة. كما وافقت وزارة الشؤون الخارجية الهندية على اقتراح شركة India Ports Global، لإدارة عمليات ميناء سيتوي في ميانمار، والذي تم بناؤه أيضاً بمساعدة نيودلهي.
ولإظهار صداقتها الراسخة مع سريلانكا؛ قدّمت نيودلهي أكثر من 4 مليارات دولار كمساعدات عندما كانت سريلانكا غارقة في أزمة اقتصادية في عام 2022. وعلاوة على ذلك، في عام 2023، أصبحت مجموعة أداني الهندية جزءاً من اتحاد يعمل على توسيع محطة الحاويات الغربية في المياه العميقة بميناء كولومبو، والتي تم تمويلها بقرض بقيمة 550 مليون دولار من مؤسسة التمويل الإنمائي الدولية الأمريكية.
2. استفادة دول خليج البنغال من التنافس الصيني الهندي: تسعى دول خليج البنغال لاستغلال أهميتها المتزايدة والتنافس الصيني الهندي؛ إذ حافظت بنغلاديش، على سياسة خارجية مُتوازنة مع الهند والصين والولايات المتحدة. ولكن على مدى العقد الماضي؛ تقاربت الاستثمارات الصينية الكبيرة في مشروعات بمليارات الدولارات مع أجندات التنمية لرئيسة وزراء بنغلاديش المعزولة الشيخة حسينة. وقد أثار ذلك حفيظة صناع السياسات في الولايات المتحدة الذين لاحظوا نفوذاً هائلاً للصين على بنغلاديش. وعلاوة على ذلك، أثار اقتراح الشيخة حسينة -حينذاك- على الصين ببناء ميناء بحري عميق في سوناديا شكوك الهند واليابان وباكستان.
وفي التقدير، يمكن القول إنه رغم تأكيد بكين وجود مصالح تجارية بحتة في مُشاركتها في خليج البنغال، فإنه من المُلاحظ أن أنشطتها تنطوي على عنصر أمني، وبينما تستثمر الصين في البنية الأساسية الاقتصادية في بلدان خليج البنغال، فإنها تبني أيضاً علاقات عسكرية قوية معها. ولديها روابط أمنية مُتنامية مع بنغلاديش وميانمار وسريلانكا. كما أنها المورد الرئيسي للأسلحة لهذه البلدان الثلاثة، وبالمقارنة فإن التجارة التي تجريها دول خليج البنغال اليوم مع العالم الخارجي ضئيلة، على الرغم من قربها من أحد أكثر طرق الشحن التجاري ازدحاماً في العالم؛ مما يجعلها منطقة خصبة للاستثمارات خاصة فيما يتعلق بالموانئ والمناطق الاستراتيجية.