يستعد المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية لتحوّل كبير في عام 2024؛ إذ ستشهد القارة ستة انتخابات رئاسية في كل من فنزويلا، والسلفادور، وبنما، وجمهورية الدومينيكان، والمكسيك، والأوروغواي. وتسلط الانتخابات المقبلة الضوء على التفاعل بين الحكومات اليسارية واليمينية، وهو ما أسهم في تشكيل الهوية السياسية للقارة اللاتينية.
لا تقتصر أهمية هذه الانتخابات على الدول التي ستُجرى فيها فقط، بل تشمل المنطقة ككل؛ إذ قد تعيد تعريف المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي في أمريكا اللاتينية. كذلك، من المرجح أن تؤثر النتائج في الاستقرار الإقليمي والعلاقات الدولية؛ مما يؤكد أهمية كل صوت يتم الإدلاء به في هذه الدول.
يسعى هذا التحليل إلى استكشاف التبعات التي تحملها هذه الانتخابات على السياسات المحلية لكل دولة، وأيضاً على موقع أمريكا اللاتينية على الساحة الدولية.
بين المدين "الوردي" و"الأزرق":
يمكن الإشارة إلى التسلسل التاريخي للمشهد السياسي لدول أمريكا اللاتينية على النحو التالي:
1. الجغرافيا السياسية: أدت العوامل الجيوسياسية دوراً مهماً في المشهد الانتخابي في أمريكا اللاتينية. فخلال الحرب الباردة، تصاعدت الأهمية الاستراتيجية للمنطقة، مما أثّر في ديناميكيتها السياسية بشكل كبير. فبدءاً من الثورة الكوبية في أواخر الخمسينيات، إلى الحروب الأهلية في أمريكا الوسطى حتى أواخر الثمانينيات، يمكن القول إن تأثير القوى العالمية كان واضحاً -مثل دور الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والصين- في تشكيل النتائج الانتخابية والاستقرار السياسي في المنطقة.
2. توسع "المد الوردي": يُشير مصطلح "المد الوردي" إلى موجة الحكومات اليسارية التي اجتاحت أمريكا اللاتينية في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، والتي شهدت زعماء مثل هوغو شافيز في فنزويلا، وتميزت حكوماتهم بسياسات يسارية اجتماعية؛ وهو ما أدّى إلى خفض مستويات الفقر بشكل كبير في جميع أنحاء المنطقة. ومع ذلك، وبرغم الإنجازات الاقتصادية والاجتماعية؛ فإن هذه السياسات كانت منقوصة، وظهرت العديد من التحديات المرتبطة بالكفاءة وعدالة التوزيع، فضلاً عن تراجع الديمقراطية ومعايير الحكم الرشيد والحريات السياسية.
3. التحول إلى "المد الأزرق": في أعقاب "المد الوردي"، ظهر "المد الأزرق" للحكومات المحافظة في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، مدفوعاً بالركود الاقتصادي وفضائح الفساد واسعة النطاق. وكان قادّة مثل: ماوريسيو ماكري في الأرجنتين، وجايير بولسونارو في البرازيل، يرمزون إلى هذا التحول؛ إذ شهدت هذه الفترة اندفاعاً نحو المزيد من السياسات الموجهة نحو السوق والابتعاد عن السياسات التي تعتمد على الدور المتدخل للدولة في حال "المد الوردي".
إعادة النظر في التحالفات:
أحدثت الانتخابات الأخيرة في أمريكا اللاتينية خلال عام 2023 تحولات سياسية كبيرة بشكل يعكس المشهد السياسي المتنوع في المنطقة. واتسمت تلك التحولات بتفاعل بين التأثيرات المحلية والعالمية، وهو ما عكس مشهداً تمت من خلاله إعادة النظر في التحالفات التقليدية مع نشأة سياسات جديدة، ويمكن إبراز ذلك على النحو التالي:
1. هيمنة اليسار برغم التحديات: في البرازيل، تسلّم اليساري لولا دا سيلفا، رئاسة البرازيل للمرة الثالثة، في الأول من يناير 2023، بعد أن قضى ولايتيْن رئاسيتيْن بين 2003 و2011، مُحققاً بذلك فوزاً على منافسه اليميني المتطرف، جايير بولسونارو. وفي غواتيمالا، جرى تنصيب الاشتراكي الديمقراطي برناردو أريفالو رئيساً للبلاد في يناير 2024، وذلك على الرغم من سلسلة عقبات وضعتها في طريقه نخب سياسية واقتصادية مُتحالفة مع الطبقة الحاكمة في غواتيمالا ومتهمة بالفساد.
وفي تشيلي، أدى رفض الميثاق الدستوري المقترح إلى انخفاض معدلات تأييد الرئيس اليساري غابرييل بوريتش؛ مما قد يفتح الباب أمام مرشحي اليمين المتطرف لتحقيق مكاسب. وفي فنزويلا، أدى توجيه الرئيس اليساري نيكولاس مادورو باستغلال الموارد النفطية في منطقة إيسيكويبو المتنازع عليها إلى تصعيد التوترات مع غُيانا؛ مما أدى إلى مخاوف من تأزم الخلافات وإمكانية تحولها إلى حرب.
2. عودة اليمين: أدّت نتائج الانتخابات في دول مثل: الأرجنتين والإكوادور إلى ظهور زعماء جدد على الساحة السياسية؛ إذ تولى خافيير مايلي، المعروف بآرائه التحررية، الرئاسة في الأرجنتين، في نوفمبر من عام 2023، ووعد بالتحول نحو المزيد من السياسات التي يحركها السوق. وبالمثل، في الإكوادور، فاز رجل الأعمال الشاب دانيال نوبوا (35 عاماً)، و"المرشح المفضل لدى المستثمرين"، بانتخابات الرئاسة، ليصبح أصغر رئيس في تاريخ بلاده، مُتغلباً على منافسته الاشتراكية لويزا غونزاليس، بنسبة 52% مقابل 48%. ولا تعكس هذه الانتخابات التفضيلات المتغيرة للناخبين فحسب؛ بل تمهد الطريق أيضاً لإصلاحات اقتصادية وسياسية محتملة في هذه الدول.
انتخابات حاسمة للمستقبل:
من المتوقع أن تشهد أمريكا اللاتينية في عام 2024 تحولاً سياسياً كبيراً، يتسم بتقلص الانقسام بين الأيديولوجيات اليسارية واليمينية. ويعكس هذا التحول اتجاهاً يتم من خلاله تحدي التحالفات السياسية التقليدية؛ مما يؤدي إلى مشهد سياسي أكثر تعقيداً. وقد أدّى ظهور حركات وأحزاب سياسية جديدة إلى تشكيل تحدٍّ للنظام السياسي القائم، وغالباً ما تنشأ هذه الحركات من عدم الرضا العام عن الحكم الحالي، وتسعى إلى معالجة قضايا مثل: الفساد، وعدم المساواة الاجتماعية، والافتقار إلى التنفيذ الفعال للسياسات. ويؤدي صعود هذه الكيانات السياسية الجديدة إلى إعادة تشكيل الخطاب السياسي؛ مما يجعل الانتخابات المقبلة في عام 2024 حاسمة بالنسبة للاتجاه المستقبلي للمنطقة. ويمكن الإشارة إلى أبرز تلك الانتخابات على النحو التالي:
1. السلفادور.. إعادة انتخاب "أروع دكتاتور في العالم": بدأت السلفادور السباق الرئاسي لعام 2024 بإجراء انتخاباتها في 4 فبراير؛ إذ أُعيد انتخاب نجيب أبو كيلة البالغ من العمر 42 عاماً، والذي ارتفعت شعبيته في أعقاب حملته على الجريمة وعنف العصابات، والتي حوّلت السلفادور من واحدة من أكثر الدول المعروفة بالعُنف في العالم إلى واحدة من أكثر الدول أمناً في أمريكا اللاتينية. ويصف أبو كيلة نفسه بأنه "أروع دكتاتور في العالم"؛ بسبب حملته الوحشية على العصابات، التي تم فيها اعتقال أكثر من 1% من سكان البلاد. كما يواجه نجيب انتقادات من حقوقيين بحجة أن الخطوات التي اتخذها طوال ولايته الأولى تضعف نظام الضوابط والتوازنات في البلاد.
وبرغم أن الدستور في السلفادور يمنع الترشح لفترة رئاسية ثانية متتالية، فقد سمحت المحكمة الدستورية (التي يهيمن عليها أنصاره)، للرئيس بالترشح لفترة ثانية بشرط أن يتنحى خلال المدة التي تسبق الفترة الرئاسية الثانية. وبالفعل، تنحى أبو كيلة شكلياً عن منصب الرئيس قبل عدة أسابيع من أجل تلبية ذلك الشرط، وتم تنصيبه رسمياً رئيساً لجمهورية السلفادور في الأول من يونيو لهذا العام.
2. بنما.. فوز مرشح اللحظة الأخيرة: في 5 مايو، فاز المحامي المحافظ خوسيه راؤول مولينو بالانتخابات الرئاسية في بنما بحصوله على 34% من الأصوات، مُتفوقاً على ثمانية مرشحين. وقد حلّ مولينو مكان الرئيس السابق ريكاردو مارتينيلي مرشحاً عن حزب "تحقيق الأهداف" اليميني بعدما خسر مارتينيلي استئنافاً تقدّم به ضد إدانته بغسل أموال.
وكان مولينو قد ترشح في الأصل لمنصب نائب الرئيس للرئيس السابق ريكاردو مارتينيلي، وبعد أن حكمت المحكمة على مارتينيلي بالسجن لمدة 11 عاماً بتهمة غسيل الأموال، انتقل مولينو إلى قمة القائمة.
3. جمهورية الدومينيكان.. إعادة انتخاب محارب الفساد: في 19 مايو، تم إعادة انتخاب لويس أبي نادر (اللبناني الأصل) بولاية جديدة من أربعة أعوام. وتُشير هذه النتيجة إلى تأييد سياساته الاقتصادية، ومحاربة الفساد، وتشدّده حيال الهجرة من هايتي المجاورة؛ إذ قام ببناء جدار خرساني بطول 164 كيلومتراً على طول الحدود مع هايتي لمنع المهاجرين غير النظاميين من الدخول، وذلك إثر توليه منصبه في عام 2020، وفي عام 2023، قام بترحيل أكثر من 250 ألف مهاجر.
4. المكسيك.. انتخاب أول رئيسة في تاريخ البلاد: يوم 2 يونيو، أعلن الحزب الحاكم في المكسيك فوز مرشّحة اليسار الحاكم في المكسيك، كلاوديا شينباوم، بالانتخابات الرئاسيّة بفارق شاسع عن مُنافستها اليمينيّة؛ إذ حصلت شينباوم، البالغة من العمر 61 عاماً، على 57.8% من الأصوات في مُقابل 29.1% للسيناتورة السابقة المُنتمية إلى يمين الوسط زوتشيتل غالفيز.
وبهذا الفوز، تكون شينباوم أوّل رئيسة في تاريخ البلد الذي يقوّضه عنف عصابات المخدّرات. جدير بالذكر كذلك أن هذه الانتخابات كانت هي الأكثر دموية في تاريخ المكسيك الحديث، وذلك بعد مقتل نحو 38 مرشحاً في سلسلة من الاغتيالات، وانسحاب المئات من السباق الرئاسي. فوفقاً لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية، هدفت الجماعات المسلحة إلى تعيين قادة من اختيارها في المكاتب المحلية حتى تتمكن من استغلال تلك الأوضاع بشكل أفضل. وبعد أن كان تركيز هذه العصابات منصباً إلى حد كبير على شحن المخدرات إلى الولايات المتحدة، أصبحت الآن تقوم أيضاً بتهريب المهاجرين، والفوز بعقود للشركات التي تسيطر عليها، وذلك بالإضافة إلى طموحها لاختيار رؤساء الشرطة ومديري الأشغال العامة في المدن؛ إذ إن الانتخابات شملت أكثر من 20 ألف منصب، بما في ذلك الرئاسة الوطنية وحكام تسع ولايات.
5. فنزويلا.. تعطش للتغيير: في 28 يوليو من هذا العام، ولأول مرة منذ أكثر من عقد من الزمان، سوف يصوت الفنزويليون في الانتخابات الرئاسية مع وجود مرشح من المعارضة، وتأتي هذه الانتخابات في ظل أزمة اقتصادية وديمقراطية صعبة دفعت أكثر من سبعة ملايين فنزويلي إلى ترك البلاد، في واحدة من أكبر عمليات النزوح في العالم. كما أدّى توجيه الرئيس نيكولاس مادورو باستغلال الموارد في منطقة إيسيكويبو المتنازع عليها إلى تصعيد التوترات مع غُيانا؛ مما شكل تهديداً لسيادتها ومؤسساتها الديمقراطية.
وفي مفاجأة للشعب الفنزويلي، سمح مادورو لمرشح المعارضة، غونزاليس أوروتيا، الذي يتمتع بدعم واسع النطاق، بالترشح بشكل رسمي. ورغم أن هذا المنافس غير معروف إلى حد كبير؛ فإنه يتقدم في العديد من استطلاعات الرأي؛ مما يسلط الضوء على تعطش الفنزويليين للتغيير. ومع ذلك، يبقى هناك تشكك كبير حول مدى ديمقراطية ونزاهة عملية التصويت.
6. الأوروغواي.. عودة مرتقبة لليسار: تشهد الأوروغواي انتخابات رئاسية في 27 أكتوبر 2024؛ إذ سيتم التصويت لاختيار الرئيس، ونائب الرئيس، وجميع مقاعد مجلس الشيوخ الثلاثين، وجميع مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 99 مقعداً. وفي حالة عدم حصول أي من المرشحين على نسبة 50%+1 من الأصوات، فسيتم حسم الانتخابات في جولة ثانية بين المرشحين الحاصلين على أكبر عدد من الأصوات في 24 نوفمبر.
وقد أشار استطلاع أجرته مؤسسة "إيكويبوس كونسولتوريس" في نهاية عام 2023 إلى أن حزب "الجبهة العريضة"، اليساري المعارض في الأوروغواي قد يحصد 45% من الأصوات مقابل 38% للأحزاب الثلاثة الكبرى المشكلة للائتلاف الحاكم بقيادة لويس لاكال بو (الحزب الوطني).
تأثيرات دولية محتملة:
تؤدي الانتخابات في أمريكا اللاتينية دوراً محورياً في تشكيل العلاقات الدولية، وما يترتب على ذلك من عواقب بعيدة المدى على الاستقرار الإقليمي، والسياسة العالمية، والتنمية الاقتصادية.
ويمكن لنتائج هذه الانتخابات أن تشكل المشهد السياسي في أمريكا اللاتينية؛ مما يؤدي إلى تحولات في السلطة والعلاقات الدبلوماسية مع الدول الأخرى. كما أن احتمال حدوث تغييرات في أيديولوجيات الحكومات من اليسار إلى اليمين، أو العكس، يمكن أن يؤثر في التحالفات الإقليمية والتعاون مع الدول الأخرى.
1. الاستقرار الإقليمي: إن انتخابات أمريكا اللاتينية لها تأثير مباشر في الاستقرار الإقليمي؛ إذ تحدد نتائجها في كثير من الأحيان المسار المستقبلي للتحالفات والصراعات السياسية. ويمكن أن يكون للتحولات السياسية في بلد ما آثار غير مباشرة على الدول المجاورة؛ مما يؤدي إلى تغييرات في العلاقات الدبلوماسية والاتفاقيات التجارية. وتؤدي المنظمات الإقليمية، مثل: منظمة الدول الأمريكية (OAS) واتحاد دول أمريكا الجنوبية (UNASUR)، دوراً حاسماً في التوسط في النزاعات وتعزيز الحوار بين الدول الأعضاء. وكثيراً ما يتوقف استقرار هذه المنظمات على نتائج الانتخابات الرئاسية داخل المنطقة. كما تخلف انتخابات أمريكا اللاتينية أيضاً تأثيرات في القضايا العابرة للحدود الوطنية، مثل: الاتجار بالمخدرات، والهجرة، والحفاظ على البيئة. وتتأثر قدرة البلدان على العمل معاً لمواجهة هذه التحديات المشتركة بالديناميكيات السياسية الناتجة عن الانتخابات. ومن خلال تعزيز الحكم الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان، تستطيع دول أمريكا اللاتينية أن تسهم في الاستقرار والتعاون الإقليميين.
2. السياسة العالمية: تتمتع انتخابات أمريكا اللاتينية بالقدرة على التأثير في القضايا العالمية مثل: تغير المناخ وحقوق الإنسان والتنمية الاقتصادية؛ إذ تؤدي دول مثل: البرازيل والمكسيك والأرجنتين دوراً رئيسياً في صياغة جدول الأعمال العالمية. لذا، فإن انتخاب قادة ذوي أيديولوجيات تقدمية أو محافظة يمكن أن تكون له آثار على التعاون العالمي والتعددية. كذا، فإن الموارد الطبيعية للمنطقة، وإمكانات السوق، والأهمية الجيوسياسية تجعل من المشهد الانتخابي في أمريكا اللاتينية موضع اهتمام. ومن المتوقع أن يراقب الفاعلون العالميون، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي، عن كثب الانتخابات في أمريكا اللاتينية بحثاً عن آثارها على المصالح الاستراتيجية والشراكات الاقتصادية.
3. الاقتصاد العالمي: تؤدي الاعتبارات الاقتصادية دوراً مهماً في تشكيل نتائج الانتخابات في أمريكا اللاتينية وتأثيرها في العلاقات الدولية؛ إذ إن الموارد الطبيعية للمنطقة وحجم السوق والسياسات الاقتصادية تجعلها فاعلاً رئيسياً في الاقتصاد العالمي. ومن الممكن أن يؤدي انتخاب قادة ذوي أجندات اقتصادية مختلفة إلى تحولات في الاتفاقيات التجارية، والاستثمارات الأجنبية، وأنظمة السوق. وتمتد العواقب الاقتصادية المترتبة على انتخابات أمريكا اللاتينية إلى ما هو أبعد من المنطقة؛ إذ تؤثر في الأسواق العالمية وتدفقات الاستثمار. ويرتبط استقرار اقتصادات أمريكا اللاتينية ارتباطاً وثيقاً بأنماط التجارة الدولية والأسواق المالية. ويمكن أن تؤدي نتائج الانتخابات إلى تغييرات في ثقة المستثمرين، وتقييمات العملة، وتقييمات الديون السيادية.
4. العلاقات مع القوى الدولية: تؤثر انتخابات أمريكا اللاتينية بشكل كبير في العلاقات الدولية للمنطقة؛ مما يؤثر في العلاقات مع كل من القوى العظمى حول العالم والدول المجاورة. فعلى سبيل المثال، تواجه إدارة بايدن، التي تتصارع مع أزمة الهجرة والاستقطاب السياسي، تحديات في إعادة التعامل مع أمريكا اللاتينية؛ وهو الأمر الذي تزيد من تعقيده القيود المفروضة على المساعدات الأمريكية. وفي الوقت نفسه، يسعى الاتحاد الأوروبي إلى تعزيز التحالفات مع دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، مع التركيز على إحياء العلاقات من خلال مجموعة دول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (CELAC)، وتعزيز التعاون عبر مختلف القطاعات.
نحو اضطراب أم استقرار؟
من المتوقع أن يكون عام 2024 عاماً مضطرباً بالنسبة لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي؛ إذ يواجه المشهد السياسي العديد من التحديات بما في ذلك التراجع الديمقراطي والاضطرابات الاجتماعية، والتي لا تزال تشكل مصدر قلق كبير. ففي الإكوادور وكولومبيا، يشكل تصاعد العنف المرتبط بعصابات المخدرات الدولية تحديات أمنية كبيرة؛ مما يهدد استقرار المنطقة وسلامتها. وفي بيرو، لا يزال المشهد السياسي مضطرباً؛ إذ تواجه الرئيسة دينا بولوارتي معركة مستمرة بسبب عزل الرئيس السابق بيدرو كاستيّ؛ مما يعكس اتجاهاً أوسع لعدم الاستقرار السياسي في المنطقة.
كذلك، تمثل الانتخابات المُقبلة في فنزويلا منعطفاً حاسماً؛ إذ من المحتمل أن تفتح الانتخابات في فنزويلا الباب أمام تغييرات ديمقراطية، على الرغم من أن التزام النظام بعملية انتخابية تنافسية حقيقية يظل موضع شك. وفي الوقت نفسه، وعلى ضوء تشكيل حكومة جديدة في يونيو من هذا العام، تواجه هايتي مهمة شاقة تتمثل في محاولة استعادة الأمن بعد سيطرة العصابات المسلحة على أجزاء واسعة من العاصمة بورت أو برنس.
وتسلط هذه السيناريوهات الضوء على الطبيعة الهشة للحكم في أمريكا اللاتينية؛ إذ غالباً ما تؤدي التحولات السريعة في السلطة السياسية إلى تغييرات كبيرة في السياسات المحلية، والتي يمكن أن تؤثر في كل شيء، بدءاً من البرامج الاجتماعية وحتى الاستراتيجيات الاقتصادية؛ مما يؤثر بشكل مباشر في حياة المواطنين. علاوة على ذلك، أدت فضائح الفساد في مختلف أنحاء أمريكا اللاتينية إلى تآكل ثقة عامة الناس في المؤسسات الديمقراطية بشدة.
ولا يمكن المبالغة في أهمية هذه الانتخابات ونتائجها، نظراً لقدرتها على التأثير في الاستقرار الإقليمي، والنمو الاقتصادي، والتحالفات الجيوسياسية. ومع تأرجح بندول الأيديولوجيات السياسية، تظل الرغبة في معالجة الفساد، وعدم المساواة الاجتماعية، والحكم غير الفعّال ثابتة. ومن الممكن أن تحفز نتائج انتخابات 2024 بالفعل التحول نحو تحسين الحكم، وتعزيز التعاون الإقليمي، والمشاركة الأكثر قوة مع الشركاء العالميين.