من غير المُتوقَّع أن تشهد سياسة الهند الخارجية خلال الولاية الثالثة لرئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، تحولات جذرية مغايرة لما تأسَّس على مدار السنوات العشر الماضية، في ضوء ما حققته من نجاحات على صعيد إدارة العلاقات مع القوى الكبرى المتنافسة والحفاظ على توازن صعب وَسْط معركة الاستقطاب التي نشأت منذ الحرب الروسية في أوكرانيا؛ الأمر الذي مكَّن مودي من تحقيق مكاسب وشراكات استراتيجية أسهمت في تعزيز موقع الهند على خريطة النفوذ العالمي.
بفضل هذه السياسات أيضاً، نجحت الهند في أن تصبح خامس أكبر قوة اقتصادية عالمية، بعدما كانت تحتل المركز العاشر في عام 2014، مع طموح بأن تصبح الهند بحلول عام 2027 ثالث أكبر اقتصاد في العالم، والتطلع للتحول إلى "الهند المتقدمة" بحلول عام 2047.
ومع ذلك، تواجه الهند في الآونة الأخيرة تحديات تتعلق أولاً بتصاعد نفوذ الصين في جوارها المباشر في جنوب آسيا، وثانياً بالاستعداد للتعامل مع أية سيناريوهات غير متوقعة فيما يتعلق بالتنافس بين الولايات المتحدة والصين، وثالثاً فيما يتعلق بمساعي تكريس نفسها كدولة رائدة وقائدة لـ "الجنوب العالمي".
المسارات الرئيسية لسياسة الهند الخارجية في عهد مودي:
تزامن وصول مودي للسلطة في عام 2014 مع متغيرات دولية تتعلق بشكل أساسي بوجود مؤشرات نحو الانتقال إلى نظام متعدد الأقطاب، وهو ما تلاقى مع طموحات الهند في ممارسة دور عالمي أكبر، في ظل ما تتمتع به من قدرات تتمثل في موقعها الاستراتيجي في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، واقتصاد هو الأسرع نمواً في العالم وتعداد سكاني أصبح الأكبر بين دول العالم.
في هذا الإطار، تحركت الهند في خمسة مسارات رئيسية، من المتوقع أن تستمر في تشكيل الإطار الحاكم لسياسة الهند الخارجية خلال ولاية مودي الثالثة، وذلك على النحو التالي:
1 - الاستقلال الاستراتيجي والانحياز المتعدد: تدرك الهند حدود قدراتها كدولة مؤثرة في صعيد السياسات العالمية، وهو ما دفعها منذ وقت طويل إلى تبني سياسات خارجية تقوم بالأساس على عدم الانحياز، والذي تحوَّل بمرور الوقت إلى "الانحياز المتعدد"، مما يساعدها على استقلال قرارها في مواجهة القوى الدولية الرئيسية وفق ما تقتضيه مصلحتها الوطنية. وقد واصل مودي الالتزام بذلك النهج الذي أرسته الحكومات الهندية؛ إذ لم تجد نيودلهي تعارضاً بين مشاركتها في تجمعات متعددة الأطراف يُنظَر إليها باعتبارها مناهضة للغرب مثل: تجمع البريكس ومنظمة شنغهاي للتعاون، وتلك التجمعات الغربية ذات الطابع الأمني مثل الحوار الأمني الرباعي المعروف باسم كواد، والذي يضم إلى جانب الهند كلاً من الولايات المتحدة واليابان وأستراليا. وتمكنت الهند أيضاً من الحصول على أسلحة أمريكية متقدمة، في الوقت الذي تتفاوض فيه مع روسيا على تعزيز العلاقات الدفاعية وحصولها على صفقات أسلحة روسية أكثر تطوراً.
هذا الاستقلال الاستراتيجي وضح جلياً مع نشوب الحرب الروسية على أوكرانيا؛ فعلى الرغم مما يجمع بين الهند والقوى الغربية من علاقات استراتيجية، ولاسيما الولايات المتحدة، التي يصف رئيسها جو بايدن علاقات بلاده مع الهند بأنها "الشراكة المميزة للقرن الحادي والعشرين"؛ فإن الهند حافظت على علاقتها القوية مع موسكو، ولم تقم بإدانة روسيا رغم المطالب الأمريكية الضمنية، ولم تلتزم بما أقرته القوى الغربية من عقوبات ضد روسيا، بل على العكس كثفت تعاونها التجاري مع روسيا، وأصبحت أكبر مشترٍ للنفط الخام الروسي، بنسبة تصل إلى نحو 35%، وفقاً لبيانات السنة المالية 2023-2024، وذلك بعدما كانت هذه النسبة لا تتجاوز 10% في الفترة التي سبقت الحرب الأوكرانية.
2 - التحوط تجاه تزايُد نفوذ الصين: يُشكِّل تنامي الدور الصيني، إقليمياً وعالمياً، تهديداً جوهرياً للهند، وذلك على الرغم من أن الصين هي ثاني أكبر شريك تجاري للهند بعد الولايات المتحدة، وأن الدولتين تتوافقان بشأن وجود نظام دولي متعدد الأقطاب. وقد ألقت الاشتباكات الحدودية بين الهند والصين في عام 2020 وما أعقبها من إجراءات عسكرية تتخذها الدولتان في مناطق الحدود المتنازع عليها، خاصةً في أورناشال براديش، الضوء على تصوُر الهند للتهديد الذي تمثله جارتها الصين؛ الأمر الذي قد يُفسِّر جزئياً دوافع التقارب الهندي مع روسيا، فهو يتأسس على قناعة نيودلهي بأن العزلة الدولية المفروضة على روسيا ستعزز بالضرورة ارتباطها غير المحدود مع الصين؛ الأمر الذي قد يتطور خلال مرحلة لاحقة ليتخذ شكلاً من التحالف الذي قد يهدد المصالح الهندية.
من ناحية أخرى، باتت الهند جزءاً أساسياً في الجهود التي تقودها الولايات المتحدة على الصعيد الدولي بهدف احتواء الصين وتقييد وصولها إلى التكنولوجيا الحيوية والناشئة وتنويع سلاسل التوريد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ؛ وهو ما يتضح في مشاركتها بالحوار الأمني الرباعي الذي يتمثل غرضه الرئيسي في "الحفاظ على المنطقة حرة ومنفتحة".
3 – "الجوار المباشر أولاً": عملت الهند طويلاً على تأسيس نفوذ إقليمي بإمكانه احتواء التهديد القادم من الصين وباكستان؛ ففي ظل استمرار خلافاتها الحدودية مع الجانبين دون حل يلوح في الأفق، اتجهت الهند نحو تطوير علاقاتها مع دول جنوب وجنوب شرق آسيا. فعلى جبهة الصراع مع باكستان، أيدت المحكمة العليا في الهند، في ديسمبر 2023، قرار الحكومة الهندية الصادر في عام 2019، بخصوص إلغاء الحكم شبه الذاتي في جامو وكشمير (الشطر الهندي من كشمير)، وتحويل الإقليم إلى ولاية، وإجراء انتخابات تشريعية بها على غرار الولايات الهندية الأخرى، وهو ما حدث في انتخابات لوك سابها 2024؛ الأمر الذي من شأنه أن يزيد من تعقيد أية مباحثات ما بين الحكومتين الهندية والباكستانية.
أما على جبهة الصين، فقد سعت الهند إلى تعزيز علاقاتها ونفوذها في العديد من الدول الواقعة في محيطها الشرقي والجنوبي، في محاولة لإحداث التوازن مع الصين، ولكن يبدو أن هذه نقطة ضعف أصابت سياسات مودي الإقليمية مؤخراً؛ إذ واجهت الهند خلال الأعوام الأخيرة صعوداً للنفوذ الصيني في جنوب آسيا، منطقة النفوذ التقليدية للهند؛ وهو ما يظهر في جزر المالديف ونيبال؛ إذ صعدت إلى السلطة حكومات موالية للصين، هذا علاوة على أن الرأي العام في بنغلاديش يشهد معارضة أكبر للتقارب مع الهند. وفيما يتعلق بسريلانكا، فعلى الرغم من تقديم نيودلهي مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار خلال الأزمة الاقتصادية التي مرت بها سريلانكا في عام 2022، ودعمها لآلية التعاون الثلاثي التي تجمع كليهما مع اليابان في مجال التنمية، فإن الصين تقوم بتطوير موانئ في سريلانكا، وتدخل في مجال قروض البنية التحتية هناك.
4 – التوجه غرباً: واصل مودي تبني سياسة التوجه غرباً، التي أرساها سلفه مانموهان سينغ في عام 2005، والتي عمل في إطارها على تعزيز حضور الهند في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لما تشكله من أهمية متزايدة ترتبط بوجود أعداد كبيرة من الجالية الهندية بالمنطقة، فضلاً عن الحاجة إلى ضمان أمن الطاقة في الهند؛ إذ تشكل واردات الهند من نفط الشرق الأوسط نسبة 46% من إجمالي وارداتها النفطية. ويُضاف إلى ما تقدم وجود رغبة هندية في تقديم نفسها كبديل أو موازن للصين إزاء دول المنطقة، فضلاً عن تأمين تجارتها البحرية المارة عبر المنطقة.
وقد أسفرت جهود الهند عن تطوير شراكات سياسية واقتصادية واستثمارية مع العديد من دول المنطقة، فعلى سبيل المثال، وقَّع صندوق الاستثمارات العامة السعودي في نوفمبر 2020 اتفاقية استثمار بنحو 1.3 مليار دولار مع إحدى الشركات الهندية الرائدة في قطاع التجزئة المتنامي بالهند؛ إذ استحوذ الصندوق على حصة تبلغ 2.04% من أسهم الشركة. وفي مايو 2022، توصلت الهند والإمارات العربية المتحدة إلى اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة؛ التي من شأنها تحسين مناخ وفرص التجارة والاستثمار بين الدولتين.
ولقد أدت تطورات الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتصاعُد هجمات الحوثيين بمنطقة البحر الأحمر وباب المندب، إلى تقديم الهند نمطاً جديداً من المشاركة في المنطقة؛ ففي أواخر عام 2023، أعلنت البحرية الهندية عزمها على نشر 3 مدمرات حربية مزودة بصواريخ في بحر العرب "للحفاظ على وجود رادع" في ضوء الهجمات المتزايدة بالمنطقة. وفي فبراير 2024، قامت بنشر ما لا يقل عن 12 سفينة حربية قرب البحر الأحمر، بغرض "توفير الحماية من القراصنة"؛ وهو الأمر الذي نجحت فعلياً في تحقيقه من خلال تحرير سفينة "أم في روين" في شهر مارس الماضي بعد 3 أشهر من اختطافها.
5 - صوت الجنوب العالمي: في إطار المنافسة مع الصين، تسعى الهند نحو تأكيد موقعها كمتحدث باسم الجنوب العالمي، وقد منح تسلُّم نيودلهي رئاسة مجموعة الـ 20 في ديسمبر 2022 مساحة أمام تأكيد هذا الدور، وهو ما ظهر في إصدار رئيس الوزراء الهندي، مودي، بياناً تعهد في إطاره "بمعالجة مشكلات العالم من خلال التشاور والتعاون ليس مع شركاء الهند في مجموعة العشرين فحسب، وإنما أيضاً مع الجنوب العالمي".
وفي يناير 2023، استضافت الهند القمة الأولى لـ "صوت الجنوب العالمي"، التي شارك فيها أكثر من 120 دولة من إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية؛ بهدف توفير إطار جامع للدول النامية يُمكِن من خلاله طرح أفكارها بشأن سبل معالجة الأزمات العالمية، تمهيداً لطرحها خلال اجتماع قمة مجموعة العشرين، وأعلن مودي مجموعة من مشروعات التعاون المشترك فيما بين الدول المشاركة، منها "مركز الجنوب للتميز"، و"مبادرة الجنوب للعلوم والتكنولوجيا"، ومشروع توفير المواد الطبية الأساسية، و"برنامج مِنَح الجنوب" المُوجَّه إلى طلبة الدول النامية، و"منتدى الجنوب للدبلوماسيين الشباب" للربط بين مسؤولي وزارات الخارجية الشباب في الدول المشاركة. وفي نوفمبر 2023، عقدت الهند الدورة الثانية لقمة صوت الجنوب العالمي؛ التي استهدفت منها إطلاع دول الجنوب العالمي على نتائج مُختلَف اجتماعات مجموعة العشرين خلال فترة رئاسة الهند، ومناقشة التحديات العالمية، وسبل الحفاظ على الزخم القائم فيما يتعلق بجهود تأسيس نظام عالمي أكثر شمولاً.
السياسة الخارجية في برنامج حزب بهاراتيا جاناتا الانتخابي:
حدد البرنامج الانتخابي لحزب بهاراتيا جاناتا لعام 2024 مجموعة من الأهداف التي ستعمل حكومة الحزب على تطبيقها في حال وصولها إلى السلطة مجدداً. وقد تضمن البرنامج تعزيز مكانة الهند كصوت للجنوب العالمي، وسمعتها كشريك عالمي موثوق به، والسعي للحصول على العضوية الدائمة للهند في مجلس الأمن الدولي، ومواصلة الجهود للتوصل إلى توافق في الآراء بين جميع أعضاء الأمم المتحدة بشأن الاتفاقية الشاملة لمكافحة الإرهاب الدولي وغيرها من الجهود المماثلة لمكافحة الإرهاب، وتأكيد استمرار العمل على تعزيز التعاون الإقليمي والبحري في شِبْه الجزيرة الهندية وكذا مع دول منطقة المحيطين الهندي والهادئ، والتعهد بتسهيل حركة التجارة الدولية من خلال تعزيز الاتصال بأوروبا عبر ممر الهند والشرق الأوسط وأوروبا.
وأشار البرنامج أيضاً إلى استمرار الهند في تشكيل وقيادة تحالفات من الشركاء ذوي التفكير المماثل في المجالات ذات الاهتمام المشترك مثل: التحالف الدولي للطاقة الشمسية، والتحالف من أجل البنية التحتية المقاومة للكوارث، وتحالف المستقبل الواحد، والتحالف العالمي للوقود الحيوي، هذا بالإضافة إلى إبراز استعداد الهند مُشارَكَة ما تمتلكه من خبرة في مجال البنية التحتية الرقمية مع الدول الشريكة. كما تضمن البرنامج أهدافاً ترتبط بتعزيز قوة الهند الناعمة العالمية، وذلك عبْر إنشاء مراكز ثقافية هندية في جميع أنحاء العالم لعرض ثقافتها الغنية الفنية والرياضية والسياسية أيضاً باعتبارها "أم الديمقراطية".
جدير بالذكر أنه في وقت سابق من عام 2020، أشار وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، إلى أن التوترات بين الولايات المتحدة والصين هي التي تحدد "الخلفية العالمية لخيارات الهند"، موضحاً أن طموحات الهند كقوة كبرى تتطلب القيام بمعادلة تتضمن: "إشراك أمريكا، وإدارة الصين، وتنمية أوروبا، وطمأنة روسيا". وبالنظر إلى معطيات الواقع الراهن، يبدو أن هذه المعادلة لا تزال هي الصيغة الأكثر واقعية لمسار سياسة الهند الخارجية المحتمل خلال ولاية مودي الثالثة.
الملفات الخارجية الأكثر أولوية في ولاية مودي الثالثة:
بناءً على ما سبق، من المُتوقَّع أن تتمثل أولويات السياسة الخارجية الهندية خلال ولاية مودي الثالثة، بإيجاز، فيما يلي:
أ – على الصعيد الدولي: يُتوقَّع أن تمضي الهند قدماً نحو تعزيز العلاقات مع الشركاء الغربيين؛ إذ هناك المزيد من الفرص للتعاون العسكري والأمني والمناخي والطاقة والتكنولوجيا مع أوروبا والولايات المتحدة. وفي سبيل تنويع وارداتها من الأسلحة، بعيداً عن الواردات العسكرية الروسية، قد تتجه نيودلهي نحو التفاوض مع دول في الاتحاد الأوروبي، ولاسيما فرنسا، بشأن صفقات أسلحة جديدة، وتكثيف التدريبات المشتركة مع شركائها الأمنيين. ومع ذلك، تظل هناك العديد من العوامل التي بإمكانها عرقلة مثل هذا المسار، يتعلق أهمها باستمرار الشراكة الاقتصادية والدفاعية بين الهند وروسيا، فضلاً عن تخوُف نيودلهي من تحولات السياسة الأمريكية، والتي قد تميل إلى الانعزالية في حال وصول دونالد ترامب مجدداً إلى السلطة.
أيضاً، سوف تستعد الهند لأية احتمالات تتعلق بالعلاقات الأمريكية مع الصين وباكستان على وجه خاص؛ إذ يساورها قلق بشأن ما قد يؤول إليه تطور العلاقات الأمريكية مع باكستان، والتي شهدت تطوراً منذ الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس 2021، لتشمل قضايا غير أمنية مرتبطة بالتجارة والاستثمار. وبالنسبة للصين، تدرك الهند جيداً أنه يقع في قلب تقاربها الراهن مع الولايات المتحدة توحُد أهدافهما بشأن مواجهة وتقويض النفوذ الصيني المتنامي في آسيا والعالم، ولكن هذا الأمر قد يطرأ عليه تحوُل مفاجئ في أحد اتجاهين، أولهما: احتمال توصل أكبر قوتين عالميتين إلى توافق بشأن سبل إدارة المنافسة بشكل مسؤول، وثانيهما: احتمال اتخاذ الدولتين في سياقات معينة قراراً بالدخول في مواجهة مباشرة، على سبيل المثال حول مضيق تايوان.
وسوف تكمل حكومة مودي الجديدة مساعيها لقيادة "الجنوب العالمي"، ومحاولة اتخاذ خطوات للتعامل مع المستجدات المرتبطة بالحرب الإسرائيلية في غزة؛ إذ اختلف الموقف الهندي كثيراً عن مواقف دول عديدة في الجنوب، خاصةً في أمريكا الجنوبية. كما سيتعين على الهند تقديم حلول مُبتكرَة فيما يتعلق بمسألة إدارة ديون دول الجنوب.
ب – على الصعيد الإقليمي: من المُتوقَّع أن تستمر الهند في مسار تعميق صلاتها مع دول جوارها الآسيوي، في سبيل التحوط ضد الصين وباكستان. وربما قد تدخل بقيادة مودي في مفاوضات جديدة خلال المرحلة المقبلة مع الحكومة الباكستانية التي تولَّت السلطة في مارس الماضي بقيادة شهباز شريف، خصوصاً في ظل ما يتردد بشأن العلاقات الطيبة بين مودي وشريف، وربما رغبة الأول في توطيد إرثه عبْر حل التوترات مع باكستان، في سبيل توجيه الجهد لصالح تعزيز البنية التحتية الدفاعية في المناطق الحدودية مع الصين. ولكن، سيظل هذا الأمر مرهوناً بموقف الرأي العام والتطورات الداخلية في الجانبين إزاء المضي في مثل تلك المفاوضات.
والأهم أن الهند ستحاول إيجاد سبل لمعالجة الخلل الذي حدث مؤخراً في علاقاتها بدول الجوار المباشر في جنوب آسيا، وسوف تكثف هذا التوجه في سياساتها الإقليمية في ظل دخول الصين على خط النفوذ في نيبال وسريلانكا والمالديف وبنغلاديش، علاوة على وصول البحرية الصينية إلى مناطق عديدة في أعالي البحار في المحيط الهندي، وهو ما يُشكِّل تهديداً لنفوذ الهند التقليدي بالمنطقة.
أخيراً، سوف تعزز الهند تواصلها وتوثيق علاقاتها مع مناطق الجوار غير المباشر، من خلال سياسة "العمل شرقاً" مع دول جنوب شرق آسيا؛ بهدف مواجهة الصين في محيطها الخلفي، وكذلك سياسة "التوجه غرباً" صوب المنطقة العربية ودول منطقة الخليج العربي، خاصةً في ظل تهديدات أمن الملاحة البحرية وكثافة التفاعلات الصينية مع دول المنطقة.