أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

نفوذ مُتراجع:

ماذا يعني إنهاء النيجر تعاونها العسكري مع الولايات المتحدة؟

31 مارس، 2024


أعلن المتحدث باسم المجلس العسكري الحاكم في النيجر، الكولونيل أمادو عبدالرحمن، في 16 مارس 2024، انسحاب بلاده من اتفاقية التعاون العسكري المُبرمة مع الولايات المتحدة، والتي سمحت للعسكريين الأمريكيين والموظفين المدنيين من البنتاغون بالوجود داخل النيجر، وجاء ذلك الإعلان بعد يوم واحد فقط من مُغادرة وفد أمريكي رفيع المستوى نيامي، في أعقاب زيارة استمرت ثلاثة أيام؛ الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات بشأن مستقبل الحضور الأمريكي في النيجر ومنطقة الساحل وغرب إفريقيا بشكل عام.

موقف مُرتبك: 

اتسم الموقف الأمريكي بحالة من الارتباك إزاء الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في يوليو 2023، بقيادة الجنرال عبدالرحمن تشياني، والذي أطاح آنذاك بالرئيس محمد بازوم، فبينما تجنبت واشنطن في البداية وصف هذه الأحداث بأنها انقلاب عسكري، في محاولة للاحتفاظ ببعض جوانب التعاون العسكري بين البلدين، عادت الولايات المتحدة في أكتوبر 2023، لتصنف تغيير الحكومة غير الدستوري في نيامي بأنه انقلاب عسكري، قبل أن تتراجع لاحقاً في ديسمبر من نفس العام؛ لتُعرب عن اعترافها بشرعية المجلس العسكري واستعدادها لاستئناف علاقاتها مع النيجر، لكنها دعت إلى ضرورة الالتزام بفترة انتقالية قصيرة. 

في المُقابل، حاولت النيجر تحقيق نوع من التوازن خلال الأشهر الماضية بين تعزيز التعاون مع روسيا وإيران من ناحية، والحفاظ على العلاقات مع الولايات المتحدة من ناحية أخرى، بيد أن الموقف الصارم الذي بدأت واشنطن تتخذه تجاه نيامي منذ يناير 2024، رداً على التقارب المتزايد في علاقة الأخيرة مع موسكو وطهران، أفرز هذا الوضع الحالي، والذي يمكن توضيح أبعاده على النحو التالي:

1- تُهم مُتبادلة: عَزت النيجر سبب إعلانها تعليق الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة إلى الزيارة الأخيرة التي قام بها وفد أمريكي رفيع المستوى إلى نيامي (بقيادة مساعدة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون الإفريقية، مولي في، ورئيس القيادة الأمريكية في إفريقيا، الجنرال مايكل لانجلي، ومساعد وزير الدفاع الأمريكي، سيليست فالاندر، في 12 مارس 2024) ورغم استمرار هذه الزيارة لمدة ثلاثة أيام، فإن رئيس المجلس العسكري النيجري، الجنرال عبدالرحمن تشياني، رفض مقابلة الوفد الأمريكي؛ إذ اعتبر المتحدث باسم المجلس، أمادو عبدالرحمن، أن الوفد الأمريكي لم يلتزم بالبروتوكول الدبلوماسي؛ إذ لم يتم إبلاغ نيامي عن تشكيل الوفد وموعد وصوله أو حتى جدول أعماله.

كذلك، اعتبرت السلطات النيجرية أن اتفاقية التعاون العسكري مع الولايات المتحدة غير متوازنة، وأن واشنطن فشلت في تبادل المعلومات الاستخباراتية التي يتم جمعها باستخدام أسطول الطائرات من دون طيار، فضلاً عن قيامها بإجبار نيامي على دفع التكلفة الباهظة لصيانة هذه الطائرات.

في المقابل، كشفت بعض التقارير عن توجيه الوفد الأمريكي تُهماً للمجلس العسكري الحاكم في النيجر بعقد صفقة سرية مع روسيا وإيران لتعزيز التعاون والشراكة معهما، ملوحاً بإمكانية اتخاذ إجراءات أكثر صرامة من قبل الولايات المتحدة حال استمرار نيامي في التقارب مع موسكو وطهران. ولعل هذا ما يُفسر تصريحات المتحدث الرسمي باسم المجلس العسكري الحاكم في نيامي، الذي كشف عن تهديدات وجهها الوفد الأمريكي للسلطات النيجرية.

2- تمسك أمريكي بمواصلة المفاوضات: على الرغم من إعلان المجلس العسكري الحاكم بأن إنهاء الاتفاقية العسكرية مع الولايات المتحدة سيتم بأثر فوري، فإن مسؤولين من وزارة الدفاع الأمريكية ألمحوا إلى أن واشنطن لم تسحب حتى الآن أياً من قواتها الموجودة في نيامي، وأن هناك مشاورات لا تزال قائمة بين الجانبين في محاولة للتوصل إلى تفاهمات جديدة، تضمن استمرار الوجود العسكري الأمريكي في النيجر.

وفي هذا الإطار، كشفت نائبة السكرتير الصحفي لوزارة الدفاع الأمريكية، سابرينا سينغ، في 18 مارس 2024، أن الولايات المتحدة لا تزال مُستمرة في الاتصال بالمجلس العسكري الحاكم في النيجر، وأن واشنطن لم تتلق حتى الآن أي معلومات من قبل نيامي بشأن الموعد النهائي المُفترض لخروج القوات الأمريكية من البلاد.

3- خطوة مُتوقعة: ألمحت بعض التقارير الأمريكية إلى أن هذا التصعيد كان متوقعاً من قبل نيامي؛ إذ تعددت المؤشرات التي عكست وجود اتجاه من قبل المجلس العسكري الحاكم في النيجر لفك الارتباط مع الولايات المتحدة، مُقابل الدفع نحو شراكات أخرى بديلة. بل إن هناك تقريراً صادراً عن وكالة "سي أن أن" الأمريكية كان قد أشار إلى أن الولايات المتحدة بدأت بالفعل سحب عدد من قواتها في النيجر في أعقاب الانقلاب العسكري الذي شهدته نيامي منتصف العام الماضي. وهو ما يتسق مع بعض التقديرات الأخيرة التي قدرت عدد القوات الأمريكية في النيجر بنهاية ديسمبر 2023، بحوالي 648 جندياً مُقابل 1100 قبل الانقلاب العسكري. 

وجاء التصعيد الأخير من قبل النيجر في أعقاب خطوة مماثلة اتخذها المجلس العسكري الحاكم في نيامي ضد فرنسا، الشريك التاريخي والأمني الرئيس للنيجر؛ إذ طالب المجلس العسكري باريس بسحب قواتها من نيامي، وبالفعل اضطرت باريس لاحقاً إلى سحب 1500 جندي لها كانوا متمركزين في النيجر.

كذلك، تبدو هذه الخطوة متسقة مع النهج الأخير الذي بات سائداً في دول منطقة الساحل التي شهدت انقلابات عسكرية خلال السنوات الأخيرة؛ إذ تميل الأنظمة العسكرية الجديدة في هذه الدول إلى فك الارتباط بالغرب والتوجه بدلاً من ذلك إلى نسج شراكات جديدة مع روسيا. وربما أنذرت تجربة مالي وتدهور علاقتها بفرنسا، بعد الانقلاب العسكري الذي شهدته باماكو، بالمسار المحتمل للشراكة بين الولايات المتحدة والنيجر، فرغم اتباع باريس موقفاً تصالحياً في البداية إزاء المجلس العسكري المالي، فإن العلاقة بين الطرفين تمزقت في النهاية بعدما اتبعت باماكو نهجاً أقرب لروسيا ومناهضاً لفرنسا، وانتهت بنشر عناصر فاغنر الروسية في البلاد.

دلالات مُهمّة: 

عكس التصعيد الأخير من قبل الحكومة العسكرية في النيجر ضد الولايات المتحدة جملة من الدلالات المهمة، ولاسيما وأن نيامي كانت تُعد حتى منتصف العام الماضي أحد أهم حلفاء واشنطن في منطقة الساحل وغرب إفريقيا، ويمكن عرض هذه الدلالات على النحو التالي:

1- تراجع النفوذ الأمريكي في منطقة الساحل: شكّل التصعيد الأخير من قبل نيامي ضربة كبيرة للنفوذ الأمريكي في منطقة الساحل، وغرب إفريقيا بشكل عام، في ظل ما تشكله النيجر من أهمية استراتيجية للمصالح الأمريكية في هذه المنطقة، باعتبارها مركزاً للعمليات في منطقتي غرب وشمال إفريقيا، وبالتالي فخسارة واشنطن لوجودها في النيجر ستكون لها انعكاسات سلبية على القدرة التشغيلية الأمريكية في المنطقة. كما يتوقع أن يكون للخروج الأمريكي المحتمل من النيجر انعكاسات سلبية على حملة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقية العسكرية التي تم إنهاؤها مؤخراً من قبل نيامي كان قد تم توقيعها في عام 2012، وبموجبها بدأت واشنطن عام 2013 في نشر 100 عسكري في قاعدة عسكرية بمطار نيامي، وكان ذلك بشكل مشترك مع فرنسا؛ إذ بدأ الجنود الأمريكيون على إثرها في إدارة قاعدة "101" العسكرية في العاصمة نيامي، قبل أن تتمكن واشنطن في عام 2018 من بناء واحدة من أكبر القواعد العسكرية للطائرات من دون طيار في إفريقيا، وهي قاعدة "201" الموجودة بالقرب من أغاديز، التي تبعد حوالي 920 كيلومتراً عن العاصمة نيامي، وقد مكنت هذه القاعدة الولايات المتحدة من القيام بأنشطة استخباراتية واستطلاع ومراقبة في منطقة الساحل الإفريقي بشكل عام، وباتت واشنطن تعتمد على هذه القاعدة في استهداف عناصر تنظيم داعش وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين التابعة لتنظيم القاعدة، كما أصبحت هذه القاعدة تمثل العمود الفقري للقواعد العسكرية الأمريكية في غرب وشمال إفريقيا؛ الأمر الذي يعكس مدى أهمية النيجر بالنسبة للمصالح الأمريكية.

2- توقيت حاسم: يُعد القرار النيجري بإنهاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة بمثابة فك ارتباط بين الجانبين، وهو ما يعزى بالأساس إلى جملة من المحددات الرئيسية التي ربما تبرر توقيت هذا القرار، فمن ناحية جاء هذا القرار بعد عدة أشهر من توقف الدعم المالي الذي اعتادت الولايات المتحدة تقديمه للنيجر؛ إذ تُعد الأخيرة إحدى أفقر دول العالم، وتعتمد بشكل رئيس على المساعدات الخارجية، وكانت واشنطن قد قررت في أكتوبر 2023 قطع مساعدات تقدر بحوالي 500 مليون دولار عن النيجر، ويبدو أن زيارة الوفد الأمريكي الأخير لنيامي عززت قناعة المجلس العسكري الحاكم هناك بأن الولايات المتحدة ستواصل الضغط بورقة المساعدات المالية. 

ومن ناحية أخرى، تزايدت الشكوك لدى السلطات النيجرية بشأن رغبة الولايات المتحدة في مواصلة التعاون العسكري معها، خاصةً وأن واشنطن توقفت عن تبادل المعلومات الاستخباراتية مع المجلس العسكري منذ الانقلاب العسكري في النيجر، وباتت عمليات الطائرات من دون طيار الأمريكية تستهدف فقط حماية الأصول الأمريكية، وجمّدت أي عمليات أخرى تستهدف مكافحة الإرهاب في نيامي.

وفي ظل تآكل مستويات الثقة بين الطرفين، واستمرار الضغوط الأمريكية، عمد المجلس العسكري الحاكم في النيجر إلى محاولة استغلال أحد بنود اتفاقية التعاون العسكري المبرمة بين البلدين، والتي تنص في أحد بنودها على أن تحصل الولايات المتحدة على حق استخدام قاعدة "201" العسكرية لمدة عشر سنوات، تنتهي في العام الجاري 2024، وبالتالي يبدو أن المجلس العسكري عمل على إنهاء التعاون العسكري مع الولايات المتحدة في هذا التوقيت؛ بحيث لا يتم تجديد استخدام واشنطن للقاعدة العسكرية في أغاديز.

3- الحديث عن صفقة سرية مع إيران: كشفت بعض التقارير الأمريكية عن وجود تفاهمات جرت بين النيجر وإيران خلال زيارة رئيس الوزراء النيجري، علي مهمان لامين زين، إلى طهران، في يناير 2024، بموجبها أعربت الأخيرة عن استعدادها لدعم نيامي في مواجهة العقوبات المفروضة عليها في أعقاب الانقلاب العسكري الذي شهدته البلاد في يوليو 2023.

في المقابل، أشارت تقارير أخرى، غير مؤكدة، إلى اتفاق سري تم إبرامه بين طهران ونيامي؛ بموجبه ستعمل الأخيرة على تزويد إيران باليورانيوم؛ مقابل مساعدات عسكرية إيرانية يحصل عليها المجلس العسكري النيجري، ورغم نفي الأخير لهذه الادعاءات، فإن هناك تقريراً صادراً عن صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أشار إلى أن الوفد الأمريكي الذي زار نيامي مؤخراً وجه تُهماً صريحة للمجلس العسكري الحاكم في نيامي بالاتفاق مع طهران على تزويدها باليورانيوم، خاصةً وأن النيجر تُعد سابع أكبر دولة منتجة لليورانيوم في العالم. 

4- تقارب علاقات النيجر مع روسيا: منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر منتصف العام الماضي، رصدت العديد من التقارير تكرار الزيارات التي قام بها مسؤولون عسكريون روس إلى نيامي، بما في ذلك نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، وقد دافع المجلس العسكري الحاكم في نيامي عن رغبته في تعزيز التعاون مع موسكو، للحد الذي جعل بعض التقارير الأمريكية تربط بين التصعيد الأخير من قبل السلطات النيجرية ضد الولايات المتحدة وبين النفوذ الروسي المتزايد في نيامي.

5- تراجع مستوى التنسيق بين الغرب في منطقة الساحل: عكست حالة النيجر مدى تراجع مستوى التنسيق بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين في منطقة الساحل، وربما في القارة الإفريقية بشكل عام، ففي الوقت الذي اتخذت واشنطن موقفاً أكثر حذراً في التعامل مع الانقلاب العسكري في النيجر في بداية الأمر، تبنى الاتحاد الأوروبي موقفاً تصعيدياً، بقيادة فرنسا، ضد المجلس العسكري الحاكم في نيامي، وهو ما تمخض عنه تصعيد مماثل من قبل المجلس؛ تمثل بالأساس بإلغائه لقانون "تجريم تهريب المهاجرين عبر النيجر" كما ألغت السلطات النيجرية اتفاقها مع الاتحاد الأوروبي المرتبط ببناء القدرات المدنية في النيجر للمساعدة على جهود مكافحة الإرهاب، في حين جاءت استجابات ألمانيا وإيطاليا أقل حدة وأكثر رغبة في احتواء الحكام الجدد؛ الأمر الذي يعكس حالة من الانفصال وعدم التنسيق في التحركات الغربية، وهو ما قوّض كثيراً فاعلية هذه التحركات في النيجر، ومنطقة الساحل بشكل عام، وعزز قدرة السلطات الجديدة في دول الساحل على المناورة.

انعكاسات مُحتملة: 

أشار المبعوث الأمريكي السابق إلى منطقة الساحل جيه بيتر فام، إلى أن التداعيات المُحتملة لقرار النيجر فك ارتباطها مع الولايات المتحدة تتجاوز حد الارتدادات الأمنية المرتبطة بجهود مكافحة الإرهاب، لكنها تمتد لتشكل ضرراً أوسع يتعلق بالنفوذ الأمريكي في القارة الإفريقية. وفي هذا السياق يمكن عرض أبرز الانعكاسات المُحتملة للتصعيد الأخير من قبل الحكومة العسكرية في النيجر على النحو التالي:

1- تمسك النيجر بخروج القوات الأمريكية: من غير المُرجّح أن تتراجع النيجر عن تطلعاتها لتنمية العلاقات مع روسيا وإيران للحفاظ على شراكتها مع الولايات المتحدة، وبالتالي ستتمسك نيامي على الأغلب برغبتها في فك الارتباط عن واشنطن، ومُطالبة الأخيرة بسحب قواتها من النيجر.

2- إعادة تمركز القوات الأمريكية في غرب إفريقيا: يُرجّح أن تعمد واشنطن خلال الفترة المقبلة إلى إعادة تمركز قواتها في منطقة غرب إفريقيا، من خلال البحث عن خيارات أخرى بديلة تضمن استمرار النفوذ الأمريكي وقدرتها على المراقبة. وفي هذا الإطار، قد تشمل هذه الخيارات غانا وكوت ديفوار وبنين؛ بحيث يتم نقل قاعدة الطائرات من دون طيار لإحدى هذه الدول. كما تجري الولايات المتحدة حالياً مشاورات مع فرنسا بشأن إقامة قواعد مشتركة في إفريقيا.

بل إن هناك بعض التقارير التي ألمحت إلى أن الولايات المتحدة بدأت فعلياً في البحث عن مواقع بديلة للتمركز منذ الانقلاب العسكري الذي شهدته النيجر في يوليو 2023، بيد أن هناك تحديات لا تزال تواجه هذه الخطوة؛ بسبب الشكوك المتعلقة بما إذا كانت هذه الخيارات البديلة يمكن أن توفر نفس الوصول السريع الذي تتيحه القواعد الأمريكية الحالية في النيجر. خاصةً وأن الولايات المتحدة كانت تستخدم طائرات من دون طيار من طراز (MQ9) في قاعدة أغاديز، والتي يصل مداها إلى حوالي 1150 ميلاً؛ ومن ثم سيؤدي نقل قاعدة الطائرات من دون طيار الأمريكية إلى خليج غينيا إلى إبعادها لنحو 500 ميل على الأقل جنوباً؛ الأمر الذي سيحد كثيراً من قدرتها على الحركة والانتشار في منطقة الساحل وشمال إفريقيا. أما نقل القاعدة إلى أقصى الغرب الإفريقي، في كوت ديفوار على سبيل المثال، فسيقيد قدرة الطائرات على الوصول لحوض بحيرة تشاد. في المقابل، فالوضع الداخلي المضطرب حالياً في تشاد ربما يجعلها شريكاً غير مستقر وبديلاً مُستبعداً بالنسبة للولايات المتحدة.

ويتسق هذا الطرح مع بعض التقارير الفرنسية التي كشفت خلال الأيام الأخيرة عن عملية تقييم شاملة تقوم بها الولايات المتحدة حالياً لمُستقبل عملياتها الخاصة بمكافحة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، في ظل ما كشفه التصعيد الأخير من قبل النيجر عن مدى تراجع النفوذ الأمريكي في المنطقة. 

3- تصاعد النشاط الإرهابي في النيجر: رجّحت كثير من التقديرات أن يكون للخروج الأمريكي من النيجر تداعيات سلبية على الأوضاع الأمنية في نيامي، ولاسيما في ظل الزيادة الملحوظة في الهجمات التي تشنها المجموعات الإرهابية في أعقاب الانقلاب العسكري الأخير في البلاد. وفي ظل محورية الدور الذي تمثله القاعدة الأمريكية في أغاديز لمراقبة الجماعات المتطرفة المرتبطة بتنظيميْ داعش والقاعدة في منطقة الساحل؛ يتوقع أن يزداد نشاط هذه الجماعات خلال الآونة الأخيرة؛ الأمر الذي ستكون له ارتدادات أمنية سلبية على الداخل النيجري، وكذلك منطقة الساحل بشكل عام. 

4- نشر طائرات من دون طيار روسية وإيرانية في النيجر: يتوقع أن يشكل الخروج المحتمل للولايات المتحدة من النيجر فرصة كبيرة لروسيا، وكذلك إيران؛ لتعزيز نفوذيهما في منطقة الساحل، وتوسيع انتشارهما في نيامي، وفي هذا الإطار نشر "معهد دراسة الحرب" الأمريكي تقريراً، في 21 مارس 2024، رجّح فيه أن احتمالية أن تعمد عناصر "الفيلق الإفريقي" الروسي إلى ملء المواقع الأمريكية حال انسحاب القوات الأمريكية منها، كما فعلت العناصر الروسية في مالي عقب انسحاب القوات الفرنسية عام 2022، وهو ما سيزيد من التهديدات التي تشكلها موسكو على الجناح الجنوبي لحلف "الناتو"، فضلاً عن تعزيز الخدمات اللوجستية الروسية في القارة الإفريقية.

كذلك، يُتوقع أن تتجه موسكو لمحاولة إعادة استنساخ قاعدة للطائرات من دون طيار في منطقة أغاديز، مُستفيدةً في ذلك من الزيادة الهائلة في الإنتاج الروسي من الطائرات من دون طيار خلال الفترة الأخيرة؛ ومن ثم محاولة دعم المجلس العسكري الحاكم في النيجر، خاصةً وأن وزارة الدفاع الروسية كانت قد أعلنت في يناير 2024 عن توصلها لاتفاق مع النيجر لتعزيز مستوى التعاون الدفاعي بين البلدين. 

وعلى المنوال ذاته، رجّحت بعض التقارير احتمالية أن تسمح النيجر خلال الفترة المقبلة بنشر طائرات "شاهد 136" (المعروفة في روسيا باسم جيرانيوم) في قاعدة "201" العسكرية المتاخمة لأغاديز، في أعقاب الانسحاب الأمريكي المتوقع من البلاد، ويبلغ مدى هذه الطائرة حوالي 1553 ميلاً تقريباً، ما يعني أنها ستكون قادرة على بلوغ أهداف تصل إلى حدود صقلية والطرف الجنوبي للبر الرئيسي لإيطاليا وجبل طارق، وربما تصبح قادرة على الوصول إلى القواعد الجوية والبحرية الأمريكية الإسبانية بجنوب مدريد.

ورغم أن العقيدة العسكرية الروسية لم تكن مهتمة خلال الفترة الماضية بتزويد المليشيات التابعة لها في إفريقيا بطائرات من دون طيار، حتى أن عناصر فاغنر في مالي كانت تعتمد على الطائرات التركية من دون طيار من طراز (TB2)، فإن هناك تقديرات تشير إلى أن موسكو باتت مهتمة بتغيير عقيدتها ونشر طائرات من دون طيار في إفريقيا، ولاسيما في ظل الكفاءة التي أثبتها هذا النوع من الطائرات في الحرب الأوكرانية.

من ناحية أخرى، تشكل التحركات الراهنة من قبل موسكو لإعادة هيكلة إرث فاغنر في إفريقيا، من خلال "الفيلق الإفريقي" الروسي أداة قادرة على تحقيق مصالح موسكو في منطقة النيجر، ومنطقة الساحل بشكل عام. خاصةً في ظل اهتمام المجلس العسكري النيجري منذ أيامه الأولى في السلطة بالاستعانة بعناصر فاغنر الروسية لمواجهة التدخل المحتمل آنذاك من قبل مجموعة "الإيكواس"، ومنذ ذلك الحين يواصل المجلس النيجري اجتماعاته بالمسؤوليين الروس تمهيداً لتوقيع اتفاقية دفاعية جديدة والتعاقد مع "الفيلق الإفريقي" لسد الفجوة الأمنية في البلاد.

وفي التقدير، يمكن القول إنه على الرغم من إعلان الولايات المتحدة أنها تنتظر حتى الآن توضيحات أكثر من قبل النيجر بشأن قرار الأخيرة إنهاء التعاون العسكري المشترك، فإنه من المُرجح أن تضطر واشنطن إلى الانسحاب من نيامي، وهو ما سيشكل اعترافاً ضمنياً من قبل الولايات المتحدة بخطئها في تقدير التوازنات الجديدة في النيجر بعد الانقلاب الأخير، وبالتالي انتكاسة للنفوذ الأمريكي في المنطقة، تُضاف للتراجع المطرد في النفوذ الغربي بشكل عام في منطقة الساحل الإفريقي.