أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

بين داعش والغرب:

هجوم موسكو الإرهابي.. دلالات التوقيت والتنفيذ والمصلحة

25 مارس، 2024


بعد ساعات من بدء إطلاق النار داخل قاعة للحفلات الموسيقية، في منطقة كروكوس سيتي هول شمال غرب موسكو يوم 22 مارس 2024، أعلن الفرع الأفغاني لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش - خراسان)، مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي، الذي خلف ما لا يقل عن 115 قتيلاً و121 جريحاً. ويتراوح العدد الدقيق للمهاجمين المتورطين، بحسب المصادر الأمنية الروسية، بين ثلاثة وخمسة. فيما نجحت السلطات، على نحو سريع، في اعتقال عدد من المتورطين بشكل مباشر في العملية. 

أما الأجهزة الأمنية الروسية، فقد كشفت عن أن المشتبه بهم كانت لهم "اتصالات" في أوكرانيا، دون توجيه  تهم مباشرة لسلطات كييف. وقال جهاز الأمن الفدرالي، نقلاً عن وكالة "تاس": "بعد ارتكاب الهجوم الإرهابي، كان المجرمون يعتزمون عبور الحدود الروسية الأوكرانية". ووفقاً لوسائل الإعلام الروسية، والنائب ألكسندر كينشتاين، فإن بعض المشتبه بهم المعتقلين من طاجيكستان. فيما ردت السلطات الطاجيكية بالقول إنها "لم تتلق تأكيداً من السلطات الروسية بشأن المعلومات المتداولة حالياً حول تورط مواطنين طاجيك". في المقابل، حظي الهجوم بإدانة واسعة من المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وفرنسا والمملكة المتحدة.

ملاحظات أربع:

هناك عدد من الملاحظات والرسائل الرئيسية التي انطوى عليها هجوم موسكو الإرهابي، ومنها الآتي:

1- هجوم دامٍ: يأتي هجوم موسكو في وقت تخوض فيه روسيا حرباً في أوكرانيا منذ أكثر من عامين؛ إذ تمت تعبئة كل مقدرات الدولة الأمنية والعسكرية والمعلوماتية للصراع في أوكرانيا. وعلى الرغم من أن البلاد في حالة طوارئ منذ بدء الحرب، فإن المهاجمين تمكنوا من اختراق جميع الحواجز الأمنية ووصلوا إلى العاصمة موسكو ونفذوا هجوماً إرهابياً هو الأكبر، والأكثر دمويةً منذ عام 2002. فهذا الهجوم يعيد إلى الأذهان عشرية العمليات الإرهابية الدامية، التي عاشتها روسيا بين نهاية التسعينيات وعام 2011. ففي 24 يناير 2011، أدى هجوم انتحاري إلى مقتل 36 شخصاً في مطار موسكو دوموديدوفو، نفذته جماعة إمارة القوقاز الإسلامية الشيشانية. وقبل ذلك بعام، في 29 مارس 2010، فجرت امرأتان نفسيهما في محطتي مترو لوبيانكا وبارك دو لا كولتور، مما أسفر عن مقتل 41 شخصاً وإصابة 88 آخرين. 

وفي أكتوبر 2002، احتجز مسلحون شيشان نحو 800 شخص كرهائن في مسرح بموسكو. وبعد يومين، اقتحمت القوات الخاصة الروسية المبنى، فسقط في الهجوم 128 رهينة و41 مقاتلاً شيشانياً، معظمهم اختنقوا بالغاز الذي استخدمته القوات الروسية. وفي سبتمبر 2004، قام نحو ثلاثين من المسلحين الشيشان باقتحام مدرسة في بيسلان بجنوب روسيا، واحتجزوا المئات من الرهائن. وانتهى الحصار بمقتل أكثر من 330 شخصاً، نصفهم تقريباً من الأطفال.

2- رسالة ذات مضمون سياسي: جرى هجوم موسكو بعد أيام قليلة من إعادة انتخاب الرئيس، فلاديمير بوتين، لولاية رئاسية جديدة. فالرئيس بوتين قد أسس شعبيته على فكرة "الرجل القوي"، بوصفه ينحدر من جهاز المخابرات السوفيتي، وما يمثله من خيال شعبي يتصل بالقوة والسيطرة والتحصين الأمني. لذلك فإن هذا الهجوم قد يخدش هذه الصورة؛ إذ نجح المهاجمون في الوصول إلى قلب البلاد وأوقعوا هذا العدد الكبير من الضحايا. 

3- المواجهة مع تنظيم داعش: تتعلق هذه الملاحظة بالجهة التي تبنتّ الهجوم؛ وهي تنظيم "داعش –خراسان" الإرهابي؛ إذ تبدو العملية على أنها تذكير من التنظيم للعالم بأنه ما زال قوياً وقادراً على ضرب خصومه، بالرغم من تراجعه خلال السنوات الأخيرة وهزائمه في سوريا وليبيا والعراق، وتفكك خلاياه النائمة في أوروبا. وكذلك تذكير لروسيا ونظام بوتين، بأن الحرب معه ما زالت سجالاً، بوصفه أحد الأطراف الأساسية في هزيمة داعش في سوريا، بعد تدخلّ القوات الروسية هناك منذ سبتمبر 2015، وكذلك في ليبيا عبر المساعدات العسكرية والاستشارية التي قدمها الروس للجيش الوطني الليبي الذي يقوده المشير خليفة حفتر في شرق البلاد.

4- تطابق التوقعات الأمنية الأمريكية مع الواقع: حذرت السفارة الأمريكية في موسكو، في 7 مارس الجاري، أي قبل أيام قليلة، من هجوم وشيك من قِبل "متطرفين يستهدف التجمعات الكبيرة في موسكو، بما في ذلك الحفلات الموسيقية" ونصحت مواطنيها بتجنب التجمعات الكبيرة. وقالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي: "في وقت سابق من هذا الشهر، حصلت الحكومة الأمريكية على معلومات حول هجوم إرهابي مخطط له في موسكو، يحتمل أن يستهدف تجمعات كبيرة، بما في ذلك الحفلات الموسيقية، وشاركت واشنطن هذه المعلومات مع السلطات الروسية"، مشيرةً إلى أن إدارة جو بايدن تنفذ منذ فترة طويلة سياسة "واجب التنبيه" الذي بموجبه تحذر الولايات المتحدة الدول المستهدفة عندما تتلقى معلومات استخباراتية حول تهديدات محددة بالاختطاف أو الاغتيالات. 

لكن الرئيس بوتين وصف، في ذلك الوقت، التحذيرات التي أرسلتها واشنطن إلى موسكو بأنها "ابتزاز" و"رغبة في زعزعة استقرار وتخويف مجتمعنا"، حسبما ذكرت وكالة "تاس" في 19 مارس الجاري. ويأتي ذلك بالرغم من أن السلطات الروسية كانت قد أعلنت في 3 مارس الجاري أنها قتلت ستة مقاتلين مشتبه بهم من تنظيم داعش في عملية نفذتها في إنغوشيا (جنوب)، وهي جمهورية صغيرة في القوقاز ذات غالبية مسلمة.

فرضيات الهجوم:

منذ الساعات الأولى للهجوم الإرهابي في موسكو، برزت فرضيتان حول المنفذ وصاحب المصلحة، هما كالتالي:

1- الفرضية الأولى: تتعلق بتنظيم داعش، الذي أعلن صراحةً تبنيه للهجوم. وتقوم هذه الفرضية على أن داعش هو المخطط والمنفذ وصاحب المصلحة في الهجوم، ولها ما يدعمها في الواقع وفي المنطق السياسي والتاريخي للعلاقة بين الطرفين، خاصةً أن التنظيم قد ركز في دعايته خلال السنوات الماضية على ما يُسميه بـــ "العدو الروسي"، كما أعلن في سبتمبر 2022، مسؤوليته عن تفجير انتحاري مميت في السفارة الروسية في كابول. وربما يعود هذا العداء إلى أن تنظيم داعش مكون أساساً من عناصر أفغانية، لديها عداء تاريخي مع الروس، بوصفهم "الغزاة السوفييت" الذين حاربوا آباء وأجداد هؤلاء في نهاية السبعينيات. وقال التنظيم، في بيان نشرته "وكالة أعماق" التابعة له، إنه "هاجم تجمعاً كبيراً للنصارى في مدينة كروكوس على مشارف العاصمة الروسية موسكو؛ مما أسفر عن مقتل وإصابة المئات". وبالرغم من أن إعلانات التبني التي يصدرها التنظيم لم تكن دائماً دقيقةً، وكان بعضها يقع ضمن خانة الاستعراض الإعلامي، للإيحاء بأنه ما زال قوياً وفاعلاً. ومع ذلك فقد قال مسؤول أمريكي لشبكة "سي بي أس نيوز" إن الولايات المتحدة لديها معلومات استخباراتية تؤكد ما أعلنه تنظيم داعش عن مسؤوليته عن الهجوم، وأنه ليس لديهم أي سبب للشك في ذلك.

2- الفرضة الثانية: ما تحدث عنه الجانب الروسي على نحو ضمني، وهو تورط أوكرانيا ومن ورائها الدول الغربية في دعم ذلك الهجوم. وهذه الفرضية تقوم على درجتين من التورط، الأولى، وهي المنفذ المباشر للهجوم، ويمكن أن يكون تنظيم داعش أو أي جماعة إسلامية أو انفصالية ناشطة داخل الاتحاد الروسي، ولاسيما في القوقاز: الشيشان وداغستان وإنغوشيا. والدرجة الثانية، هي المخطط والداعم وصاحب المصلحة الحقيقي، وهنا يبدو الجانب الروسي ميالاً إلى اتهام كييف وحلفائها الغربيين. 

فبالرغم من أن الكرملين لم يقم بإلقاء اللوم على أي جهة في هجوم موسكو، لكن بعض المشرعين الروس سارعوا إلى اتهام أوكرانيا بالوقوف وراءه. فقد حمّل النائب الأول لرئيس لجنة الدفاع والأمن بمجلس الدوما، فيكتور بونداريف "أوكرانيا مسؤولية المأساة التي وقعت". وكتب بونداريف في قناته على "تلغرام"، وفقاً لوكالة "أنترفاكس" المحلية: "ما حدث في قاعة مدينة كروكوس هو هجوم إرهابي وتخريبي من جانب أوكرانيا.. يجب القضاء عليهم على الفور". وردت وزارة الخارجية الأوكرانية بالقول: "نعتبر مثل هذه التهم بمثابة استفزاز مخطط له من قِبل الكرملين بهدف إثارة الهستيريا المناهضة لأوكرانيا في المجتمع الروسي"، متهمةً في الوقت نفسه الأجهزة الروسية الخاصة، بالوقوف وراء الهجوم.

وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه القطع بطبيعة الجهة المنفذة والمخططة وأصحاب المصلحة في هجوم موسكو، فإن الشكوك الروسية حول مدى تورط تنظيم داعش في تقاطع مع المصالح الأوكرانية والغربية، ربما لها ما يدعمها من شواهد في التجربة التاريخية، لنشاط الجماعات الإسلامية الإرهابية؛ إذ إن جزءاً مهماً من تاريخ هذا النشاط ارتبط على نحو وثيق بسياسات التوظيف الغربية لهذه المجموعات، بدايةً من حملة الجهاد الأفغاني انطلاقاً من عام 1979 حتى بداية التسعينيات، والتي كانت تستهدف الاتحاد السوفيتي السابق والنظام الأفغاني الشيوعي المتحالف معه آنذاك. وكذلك في التجربة اليوغسلافية، عندما تقاطعت مصالح القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة مع الجماعات الإسلامية الجهادية لإسقاط نظام سلوبودان ميلوشيفيتش وتقسيم البلاد إلى كيانات عرقية ودينية. وخاصةً أن الحرب التي تخوضها روسيا ضد أوكرانيا، ذات طبيعة هجينة، وتستعمل فيها جميع الأسلحة الاقتصادية والديمغرافية والمعلوماتية وتوظف فيها الكيانات العسكرية غير النظامية والمليشيات والجماعات المسلحة العرقية والدينية.

تداعيات مختلفة:

هناك تداعيات محتملة لهجوم موسكو الإرهابي خلال الفترة المقبلة، لعل أبرزها ما يلي:

1- إعادة تنظيم الأجهزة الأمنية الروسية: لا شك في أن تداعيات هذا الهجوم ستكون أساساً على الجانب الروسي وما يتعلق بتنظيم الأجهزة الأمنية والمخابرات؛ إذ إن أسبقية الجانب الأمريكي في الوصول إلى معلومات تفيد بإمكانية وقوع هجمات، تكشف عن تقدم أمني مخابراتي أمريكي وغربي في مواجهة روسيا. لذا من المُحتمل أن يدشن الرئيس بوتين ولايته الجديدة بتغييرات جذرية على مستوى القيادات الأمنية والاستخباراتية. وكذلك على مستوى النهج الأمني، الذي استحوذت الحرب الأوكرانية على جزء واسع من عمله. 

2- الانتقام من أوكرانيا: ستكون التداعيات أشد خطورةً على أوكرانيا في حالة استقرت القيادة الروسية على اتهام واضح للجانب الأوكراني في دعم الهجوم أو التخطيط له. وضمن هذا السيناريو، من الممكن أن يكون الرد الروسي في شكل هجوم عسكري قوي، أو هجمات متلاحقة، تعيد الاعتبار للأجهزة الروسية وترمم صورة بوتين، التي ربما خدشها الهجوم.

3- استئناف الحرب الروسية على الإرهاب داخل البلاد: من المُتوقع أن يعيد بوتين نشر قوات خاصة في القوقاز وعلى الحدود مع دول وسط آسيا، وربما تنفذ السلطات عمليات أمنية خاصة خارج حدود البلاد؛ إذ توجد معاقل تنظيم "داعش – خراسان"، في وسط وجنوب آسيا، ولاسيما في أفغانستان وباكستان. وهذا التوجه يمكن أن يقوي التحالف الروسي الإيراني في مجال مكافحة التنظيم؛ إذ تعاني إيران من تهديدات دائمة له. فقبل أشهر، وتحديداً في 3 يناير 2024، فجر انتحاريان ينتميان للتنظيم نفسيهما على الطريق التذكاري لاغتيال الجنرال، قاسم سليماني في مدينة كرمان، مما أسفر عن مقتل 84 شخصاً وإصابة 284 آخرين، في هجوم هو الأكثر دموية في البلاد منذ الثورة الإسلامية عام 1979.