أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

رسائل القمة الخليجية الـ44 بين حرب غزة وتركيا وروسيا

11 ديسمبر، 2023


ثمة عدد من الرسائل والمضامين السياسية ذات الصلة بالعمل الخليجي المشترك، حملتها القمة الـ44 لقادة دول مجلس التعاون الخليجي، التي استضافتها العاصمة القطرية الدوحة يوم 5 ديسمبر 2023. ومن أبرز تلك الرسائل، تمسك دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست بتعزيز التعاون فيما بينها وتدعيم آليات العمل المشترك.

وبالتالي كان من الطبيعي أن تشارك دول المجلس كافة في هذه القمة، وأن يكون التمثيل على مستوى القادة لأربع من دول المجلس، فضلاً عن مشاركة كل من سلطنة عُمان بوفد ترأسه نائب رئيس الوزراء لشؤون مجلس الوزراء، فهد بن محمود آل سعيد، والكويت من خلال الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح، وزير الخارجية وممثل صاحب السمو أمير البلاد. 

وعلى الرغم من أن حضور الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قمة الدوحة قد أثار تساؤل المراقبين، فإن مشاركة رئيس دولة ليست عضواً في مجلس التعاون في قمة خليجية ليست أمراً جديداً وليست سابقة. وقد حدث ذلك أكثر من مرة، منها حضور الرئيس الإيراني الأسبق، محمود أحمدي نجاد، في عام 2007. وبالتأكيد فإن الجديد الذي فرض نفسه على القمة الـ44، هو تطورات حرب غزة التي تهيمن على التفاعلات في منطقة الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر الماضي.

ظرف تاريخي:

من المُفترض أنها قمة خليجية اعتيادية، تنعقد بشكل دوري من أجل تعزيز العمل الخليجي المشترك. بيد أن الظرف التاريخي الذي تمر به المنطقة جعل منها قمة ذات أهمية كبرى. وربما هذا أحد تفسيرات حرص القادة الخليجيين على المشاركة في القمة شخصياً أو بوفود رفيعة المستوى. فالمنطقة تشهد في قطاع غزة إحدى أكثر الحروب انتقامية وتصفية للمدنيين منذ الحرب العالمية الثانية، بداعي القضاء على حركة حماس. وهي الحرب التي أحرجت الضمير الإنساني الدولي، بسبب عجز الجميع عن إيقاف أو وضع حد للآلة العسكرية الإسرائيلية المستمرة في القتل والتدمير، والتي دخلت شهرها الثالث. 

بل إن حرب غزة تثير قلقاً لدى دول المنطقة؛ خشية أن تؤدي تداعياتها وإطالتها إلى اتساع نطاقها، فتشمل دولاً أخرى مثل إيران. وبالتالي بدأ يتردد الحديث عن إعادة رسم خارطة جيوسياسية جديدة في الإقليم.

نتائج خليجية وإقليمية:

كان يمكن أن تقتصر نتائج القمة الخليجية الـ44 على الأجندات الخليجية المتعلقة بالمسائل المجدولة مسبقاً وأغلبها اقتصادية، والتي تهدف بالأساس إلى تعزيز العمل الجماعي المشترك. ولكن تطورات حرب غزة وسعت أجندة القمة لتشمل أبعاداً إقليمية بل ودولية؛ أخذاً في الاعتبار زيارة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى كل من دولة الإمارات والمملكة العربية السعودية بعد يوم واحد فقط من انعقاد القمة. لذا يمكن سرد نتائج هذه القمة في الآتي: 

1- على المستوى الخليجي: انعقدت القمة الخليجية في الدوحة، بعد أن كانت تنعقد لخمس سنوات متواصلة في الرياض، وهو ما يمكن اعتباره إشارة واضحة وعملية لما وصلته دول الخليج من نضج وتوافق سياسي. وهنا يجدر الانتباه إلى دلالتين مهمتين، هما:

أ- دلالة رمزية وسياسية، موجهة خصوصاً للمراقب من خارج منطقة الخليج حول طبيعة العلاقة الخليجية الرسمية والشعبية. فدول الخليج الست تؤكد، بحضور قادتها ومسؤوليها رفيعي المستوى إلى الدوحة، أن قرار تشكيل هذه المنظومة أمر استراتيجي وعميق ومستمر، وأن العمل الخليجي الجماعي ليس خياراً أو رفاهية سياسية، بقدر ما هو حاجة تفرضها المعطيات الإقليمية والدولية في كل يوم، وبالتالي لا يمكن التنازل عنه. كما تؤكد أن هناك قناعة على المستوى القيادي بأن هذا العمل الجماعي هو أحد الأسباب التي تجعل من دول الخليج مؤثرة في الملفات الإقليمية والدولية. 

ب- تأتي قمة الدوحة بعد فترة من تحركات خليجية فردية في اتجاهات مختلفة حول العالم، أقامت فيها بعض دول الخليج علاقات جديدة مع دول أخرى؛ وذلك بحثاً عن مصالحها الوطنية، لكن دون أن تتسبب تلك العلاقات الجديدة في المساس بالمصلحة الخليجية الموحدة. أي أن ما حدث هو إعادة ترتيب أولويات كل دولة خليجية بما يتوافق ومصلحتها الوطنية. وبالتالي فإننا أمام مرحلة جديدة من مسيرة هذه المنظومة تقوم على المزج بين المصلحة الوطنية والمصلحة الخليجية في الوقت نفسه.   

2- على المستوى الإقليمي: يمكن فهم حضور الرئيس أردوغان لأعمال القمة الخليجية من خلال ثلاث زوايا رئيسية، هي:

أ- إن تركيا واحدة من الدول الإسلامية التي تقع تحت ضغط إعلامي وسياسي كبير في ظل ممارسات إسرائيل في غزة، والتي تتعدى الدفاع عن النفس بكل المقاييس، ولكنها لم تفعل شيئاً. وتركيا، مثل دول الخليج، لديها قلق حقيقي من توسعة نطاق هذه الحرب في حالة إطالتها. وهي الاستراتيجية التي يعمل بها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ويركز عليها باعتبارها هروباً من "الموت السياسي" الذي ينتظره بمجرد انتهاء الحرب الحالية. 

ب- إظهار المرحلة الجديدة التي تعيشها العلاقات الخليجية التركية، خاصةً بعد فترة المصالحة مع كل من دولة الإمارات والسعودية. ويؤكد حضور أردوغان لقمة الدوحة تلك الأجواء التعاونية الجديدة بين الجانبين التركي والخليجي، والتي تتجسد بوضوح في الاتجاه المشترك نحو مزيد من التعاون الاقتصادي والعسكري، بما يخلق حالة من التوازن الإقليمي في إدارة شؤون المنطقة. 

ج- تركيا وقطر ضمن مجموعة الاتصال التي أقرتها القمة العربية الإسلامية التي عُقدت في السعودية يوم 11 نوفمبر الماضي. وبالتالي طبيعي أن يكون الرئيس أردوغان موجوداً في القمة الخليجية التي ناقشت أحداث غزة، بل وسيطرت على مجرياتها، وهذا المبرر لا يمكن تجاهله. 

أما الحقيقة الكبرى فهي أن دول مجلس التعاون الخليجي تشكل مع تركيا "كتلة سياسية" فاعلة في المنطقة، ولها تأثيرها في مجريات الأحداث. بيد أن هذا لا يعني وجود سياسات مشتركة ومتوافقة تماماً بين الطرفين في التعامل مع إسرائيل أو باقي القوى في الإقليم، وإنما الظرف التاريخي للمنطقة يحتاج إلى توحيد المواقف للحفاظ على الوضع القائم.  

ثلاث رسائل:

يمكن للمراقب لتطورات الوضع الراهن في منطقة الشرق الأوسط، وأبرزها فشل السياسات الأمريكية أو تخبطها في تحقيق الاستقرار الإقليمي، أن يخرج بثلاث رسائل مهمة من القمة الخليجية في الدوحة، وتتمثل في التالي:

1- رسالة خليجية: أهم رسالة يمكن فهمها من هذه القمة أن دول الخليج مجتمعة ترفض ما يحدث في غزة من حرب تحولت إلى أداة عسكرية يوظفها نتنياهو لاستمرار حكومته التي يُعتقد أنها ستسقط بمجرد إنهاء هذه الحرب. أضف إلى هذه الرسالة، مطالبة دول الخليج الست بإدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بدلاً من المنع الإسرائيلي الذي يزيد معاناة الفلسطينيين ويسهم في قتلهم. ولذا جدد مجلس التعاون الخليجي إدانته للعدوان الإسرائيلي على غزة، مؤكداً وقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني خلال التطورات الراهنة في القطاع ومحيطه، مطالباً بالوقف الفوري لإطلاق النار والعمليات العسكرية الإسرائيلية، وضمان توفير وصول كافة المساعدات الإنسانية والإغاثية، والاحتياجات الأساسية، واستئناف عمل خطوط الكهرباء والمياه والسماح بدخول الوقود والغذاء والدواء، ودعوة المنظمات الدولية إلى المشاركة في هذه العملية.

كما أكد مجلس التعاون الخليجي مواقفه الثابتة تجاه القضية الفلسطينية، ومطالبته بإنهاء الاحتلال، ودعمه لسيادة الشعب الفلسطيني على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ يونيو 1967، وتأسيس الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وضمان حقوق اللاجئين، وفق مبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، وضرورة مضاعفة جهود المجتمع الدولي لحل الصراع بما يلبي جميع الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني الشقيق. وبالتالي أرسلت قمة الدوحة إشارة إلى أن الحل الحقيقي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي هو حل الدولتين من خلال ممارسة الراعي الدولي (الولايات المتحدة) الضغط على إسرائيل للجلوس على طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين لمنحهم حقوقهم. 

2- رسالة إقليمية: بجانب العلاقات الخليجية التركية كأحد مبررات حضور الرئيس أردوغان القمة الخليجية، ثمة رسالة إقليمية يمكن استخلاصها؛ وهي أن أنقرة باتت تنشغل بما يهم دول الخليج من ملفات لها أبعاد إقليمية، على اعتبار أن تفجير الملفات الصراعية في المنطقة يعرقل كل المشروعات الاقتصادية والتنموية.

3- رسالة دولية: نظرياً لا يوجد رابط بين القمة الخليجية والزيارة المفاجئة للرئيس بوتين لكل من الإمارات والسعودية، باعتباره المنافس الأوضح والأبرز للسياسة الأمريكية في المنطقة، مقارنةً بالصين التي ما زالت تتردد في التدخل في ملفات الإقليم بالرغم من نجاحها في الوساطة بين السعودية وإيران، وإعادة العلاقات بين البلدين. ولكن من خلال المقاربة التي تطرحها الأطراف الثلاثة (دول الخليج، وتركيا، وروسيا) لحل القضية الفلسطينية، ربما يمكن فهم مغزى الرسالة، فالقضية بحاجة إلى راعٍ دولي جديد غير الولايات المتحدة، أو راعٍ آخر بجانب واشنطن التي فشلت حتى الآن في حلها بسبب انحيازها لإسرائيل.

الخلاصة، أكدت القمة الخليجية الـ44 حقيقتين؛ أولاهما، أن العمل الخليجي المشترك ليس خياراً يمكن التراجع أو التنازل عنه، خاصةً في ظل المتغيرات العالمية الدافعة نحو خلق تكتلات كبرى. والثانية، أن ثمة أطرافاً إقليمية ما زالت مشغولة بتفجير المنطقة من خلال إشعال الحرب كأداة لتحقيق أهدافها دون تحمل تداعياتها. وبالتالي يتعين على دول الخليج أن تضطلع بمسؤوليتها في إدارة شؤون منطقتها والشرق الأوسط عموماً، من خلال إعادة هندسة علاقاتها مع بعضها، وكذلك مع الدول الإقليمية المنشغلة بملفاتها الأساسية مثل التنمية والاستقرار الإقليمي، مع الاستعانة بحليف دولي لديه رؤية متقاربة مع دول المنطقة ويبحث عن مصالحه، في ظل حالة العجز المُتكرر للولايات المتحدة سواءً في إيقاف ممارسات إسرائيل أو الفشل في التوصل إلى حل نهائي لقضية امتدت لأكثر من سبعة عقود لكن دون نتيجة.