اتخذ الوضع في النيجر منعطفاً خطراً صبيحة يوم 26 يوليو 2023 عندما قام مجموعة من أفراد الحرس الرئاسي بقيادة الجنرال عمر تشياني باحتجاز الرئيس محمد بازوم، وإغلاق الطرقات المؤدية إلى القصر الرئاسي في نيامي.
وسرعان ما ترددت أصداء الأحداث الماضية في دول الجوار. سواءً أكانت مالي أم غينيا أم بوركينا فاسو أم النيجر نفسها، يبقى الموضوع المتكرر والصورة النمطية كما هي، قادة عسكريون يحاولون الاستيلاء على السلطة، باستخدام التلفزيون الحكومي كمنصة لإعلان بيانهم الأول للأمة. إنه نفس السيناريو الذي تحدثت عنه روث فيرست عام 1970 في كتابها الأشهر بعنوان: "فوهة البندقية" عن السلطة والانقلابات العسكرية في إفريقيا، وكأن الزمن لم يتغير أبداً.
وفي بيان تلاه العقيد أمادو عبدالرحمن من القوات الجوية، تم الإعلان عن الإطاحة بحكومة بازوم وتعطيل العمل بالدستور، كما تم تنصيب "المجلس الوطني لحماية الوطن"، للقيام بمهام إدارة البلاد. وفي نفس السياق المعتاد تم فرض حظر تجوال ليلي وإغلاق الحدود والمجال الجوي.
يحاول هذا المقال البحث في تعقيدات الموقف وتأثيره في النيجر ومنطقة الساحل والتداعيات المترتبة على الشركاء الدوليين فيما يتعلق بالحرب على الإرهاب في المنطقة.
دوافع وقابلية داخلية:
إذا أمعن المرء النظر في التاريخ السياسي والاجتماعي لمنطقة الساحل منذ الاستقلال وحتى الآن، ولاسيما ديناميات التكالب الدولي على المنطقة، فإنه لن يستغرب عودة الظاهرة الانقلابية مرة أخرى. ويمكن الإشارة إلى عدد من الدوافع المباشرة وغير المباشرة التي تفسر الانقلاب على حكومة الرئيس محمد بازوم المنتخبة في النيجر:
1- الصراع على السلطة: تتعلق الأسباب المباشرة للانقلاب بصورة أساسية بالصراع على السلطة داخل النظام الحاكم في النيجر. لقد كان محمد بازوم الذي ينتمي إلى قبيلة أولاد سليمان العربية، المنتشرة في ليبيا، أول رئيس من أصول عربية في النيجر. ورغم أنه كان الذراع اليمنى للرئيس السابق محمدو إيسوفو إلا أنه حاول توطيد سلطته من خلال تعيين أنصاره في المراكز الأمنية والسياسية الحساسة، وهو ما يعني التخلص من رجال الرئيس السابق في الحكومة والجيش.
وتشير بعض الروايات إلى أن بازوم ربما كان يفكر في استبدال اللواء عمر تشياني كرئيس للحرس الرئاسي، الأمر الذي (إذا كان صحيحاً) ربما يكون سبباً مباشراً لمحاولة التمرد. ولعل ما يؤكد هذا المنحى في التفسير هو ورود اسم الجنرال ساليفو مودي، كقائد للانقلاب، وهو رئيس الأركان السابق الذي أزاحه بازوم وعينه سفيراً قبل عدة أشهر.
2- الخطاب المعلن: الذي يعكس نمطاً عاماً يرفعه العسكريون دوماً للإطاحة بالحكومات القائمة. في بيان متلفز، قال العقيد أمادو عبدالرحمن وهو محاط بمجموعة من الضباط: "قررنا وضع حد للنظام الذي تعرفونه"، مشيراً إلى تدهور الوضع الأمني في البلاد وزيادة حدة الفقر وتراجع الحوكمة الاقتصادية والاجتماعية"، ومن المعروف أن النيجر التي يبلغ عدد سكانها نحو 26 مليون نسمة تُعد من أكثر دول العالم فقراً رغم ثرواتها من الموارد الطبيعية ولاسيما اليورانيوم والذهب.
3- نذر الانقلاب: بغض النظر عن الأسباب المباشرة، فإن التوترات بين القيادة المدنية والعسكرية، والمقاومة المتزايدة لعلاقة بازوم الوثيقة مع فرنسا، والتهديد الجهادي المتزايد والتاريخ الطويل من الانقلابات العسكرية، يعني أن النيجر كانت منذ فترة طويلة معرضة لخطر الانقلابات. ومن أهم المؤشرات على ذلك ما يلي:
أ- الثقافة السياسية وتسييس دور الجيش: لا تزال مساهمة صمويل فاينر في كتابه: "الرجل فوق صهوة الجواد"، عام 1962، بالغة الأهمية في دراسة دور الجيش في مجال السياسة. وغالباً ما تفتقر الدول النامية إلى القدرة الإدارية، والوحدة المجتمعية للحفاظ على عمل الدولة بطريقة منظمة وممكنة اقتصادياً دون تدخل عسكري.
وبالفعل شهدت النيجر أربعة انقلابات منذ الاستقلال عن فرنسا عام 1960، وقع أولها في إبريل 1974 ضد الرئيس ديوري حماني، وكان رابعها في فبراير 2010، والذي أطاح بالرئيس مامادو تانجا. ناهيك عن محاولات الانقلاب العديدة الفاشلة. ففي 31 مارس 2021، على سبيل المثال، أعلنت حكومة النيجر اعتقال عدة أشخاص بعد محاولة انقلاب، قبل يومين من أداء الرئيس محمد بازوم اليمين الدستورية. وفي إبريل 2022، سُجن عثمان سيسي، وزير داخلية النيجر السابق للنظام الانتقالي العسكري (2010-2011) لتورطه المزعوم في هذا الانقلاب الفاشل. وفي يناير 2018، حكمت محكمة عسكرية نيجرية على تسعة جنود ومدني بالسجن من خمسة إلى خمسة عشر عاماً لمحاولتهم الإطاحة بالرئيس السابق محمدو إيسوفو، سلف محمد بازوم، في عام 2015. ويعني ذلك أن ثقافة الانقلابات في النيجر تجعل بعض أفراد الجيش ينظرون إلى الانقلابات على أنها وسيلة مشروعة لنقل السلطة، مما قد يزيد من استعداد الضباط العسكريين للمشاركة في السلطة وتداولها كرهاً.
ب- التوترات المدنية العسكرية: تُعد النيجر الاستثناء الوحيد في منطقة الساحل من حيث وجود حكومة منتخبة يقودها مدنيون. على هذا النحو، فإن التوترات بين المدنيين والعسكريين تشكل خطراً كامناً، ولاسيما بشأن كيفية التعامل مع علاقة البلاد بفرنسا، وتفاقم التهديد الجهادي للمنطقة.
وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة مع الدولة المستعمرة السابقة منذ عقود، كانت هناك علامات على مقاومة دور فرنسا الكبير في عمليات مكافحة الإرهاب في البلاد، وسط موجة إقليمية من المشاعر المناهضة للإمبريالية وللوجود الفرنسي، والتي يمكن أن تكون بمثابة ذريعة للاستياء العسكري من الرئيس بازوم.
في بوركينا فاسو المجاورة، ساعدت المشاعر المعادية للفرنسيين في حدوث انقلاب عسكري في سبتمبر 2022 وطرد القوات الفرنسية لاحقاً. ومن الملاحظ ان الرئيس بازوم قد وطد العلاقات مع فرنسا منذ توليه منصبه في مارس 2021 بشكل قد يبدو مبالغاً فيه، الأمر الذي دعم قدرات القوات المسلحة النيجرية في مواجهة الجماعات الجهادية مثل جماعة نصرة الإسلام والمسلمين وداعش في ولاية الساحل الإسلامية.
تراجع ردع الانقلابات:
على الصعيد الدولي، تسبب الانقلاب العسكري في النيجر حتى قبل الإعلان عنه في التلفزيون الرسمي في صدور إدانات ومناشدات بعودة الحكومة المنتخبة. من بين أمور أخرى، دعت الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومجموعة دول غرب إفريقيا (إيكواس) إلى إطلاق سراح محمد بازوم والعودة إلى النظام الدستوري.
وبحسب المعلومات الواردة من الاتحاد الأوروبي، فقد تم التواصل مع الانقلابيين. وقال وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين خلال زيارة إلى نيوزيلندا أن الولايات المتحدة على اتصال مع حكومة النيجر وشركائها، وأنها تبذل الجهود لحل الوضع سلمياً.
ووفقاً لدبلوماسيين من الاتحاد الأوروبي، تحدث كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، شارل ميشيل، مرتين إلى بازوم في نفس يوم الانقلاب. كما ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشدة بالانقلاب العسكري. وطالب غوتيريش بإطلاق سراح الرئيس المعتقل محمد بازوم، بحسب بيان للأمم المتحدة في جنيف. ودعا غوتيريش جميع الأطراف إلى الامتناع عن العنف واحترام سيادة القانون. وكما هي العادة أدان الاتحاد الإفريقي والمجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) الانقلاب في النيجر، ودعوا إلى إطلاق سراح الرئيس محمد بازوم.
ومع ذلك، يشير انقلاب النيجر والانقلابات السابقة في المنطقة إلى تحديين مهمين لإطار الاتحاد الإفريقي بشأن التغييرات غير الدستورية للحكومات وقضية ردع الانقلابات، هما:
1- تراجع قدرة المؤسسات الإقليمية على الردع: على الرغم من أن الاتحاد الإفريقي قد صار أقل تسامحاً مع الانقلابات العسكرية، فإن استجابته للتمسك بالسلطة بشكل غير دستوري لم تكن رادعة. ونظراً لأن القارة تشهد استعداداً متزايداً من قبل بعض الزعماء بتجاهل المؤسسات التي سمحت لهم بالوصول إلى السلطة، فإن فقدان الشرعية الشعبية قد حفز بشكل مباشر أو قدم شرعية ولو مؤقته للانقلابات ضد ما يُنظر إليهم على أنهم حكام فاسدون.
2- شعبوية الانقلابات: شهدت السنوات الأخيرة قبولاً للانقلابات العسكرية التي كانت في بعض الأحيان أكثر انسجاماً مع الشعبوية المعادية للنفوذ الغربي في المنطقة. ولعل ذلك يقدم إشارات مهمة لمن يخطط لعمل انقلاب في المستقبل المنظور. وبما أن المجتمع الدولي يُظهر عدم استعداده أو عدم قدرته على تحمل تكاليف كافية لمواجهة الانقلابات في إفريقيا ربما بسبب انشغاله بالحرب في أوكرانيا، فسوف يستمر المجتمع الدولي في فقدان قدرته على ردع الانقلابات
تداعيات خارجية ممتدة:
في السنوات الأخيرة، صارت النيجر محور الجهود الغربية لمواجهة التقدم العنيف للجهاديين في غرب إفريقيا وأيضاً النفوذ العسكري المتزايد لروسيا ومجموعة فاغنر. فقد رافق الانقلابات في الدول المجاورة مثل مالي وبوركينا فاسو منذ عام 2020 ابتعاد عن الشركاء الأوروبيين، وأخيراً صدور دعوات لبعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي للانسحاب. وعليه فإن التداعيات المحتملة لانقلاب النيجر تتجاوز الفضاء المحلي الداخلي لتشمل السياق الإقليمي والدولي الأوسع نطاقاً، كالتالي:
1- احتمالات زيادة عدم الاستقرار: إن نضالات النيجر متعددة الأوجه، مع وجود قضايا مهمة على مستويات مختلفة. وتواجه الأراضي الصحراوية الشاسعة في البلاد موجات جفاف متزايدة بسبب تغير المناخ، مما يؤدي إلى تدمير سبل العيش للبدو الرحل والمزارعين على حد سواء. وتؤدي مثل هذه الظروف إلى تفاقم أزمة الفقر، حيث يعيش ما يقرب من نصف السكان عند خط الفقر أو تحته. بالإضافة إلى ذلك، فإن النزاعات العرقية بين الجماعات المختلفة والانتفاضات المسلحة التي يقوم بها الجهاديون الإسلاميون تزيد من زعزعة استقرار النسيج الاجتماعي الهش في البلاد. وعلى الرغم من هذه التحديات، كانت النيجر تُعد منارة للاستقرار في منطقة مضطربة. وعلى سبيل المثال، يُعد التنازل عن فترة ولاية ثالثة أمر نادر الحدوث في غرب إفريقيا، وهو ما أهل الرئيس السابق إيسوفو للحصول على جائزة مو إبراهيم للحكم الصالح المرموقة في عام 2021. وفي المقابل شهدت البلدان المجاورة، بما في ذلك بوركينا فاسو ومالي، انقلابات متعددة في السنوات الأخيرة، مما زاد من الشعور بعدم اليقين على طول حدودها. ولا يخفى أن الأهمية الجيوسياسية للنيجر تجعل الوضع الحالي بعد الانقلاب أكثر إثارة للقلق بالنسبة للجهات الفاعلة الإقليمية والدولية.
2- تراجع النفوذ الفرنسي والغربي: تُعد النيجر قاعدة مهمة للجيش الفرنسي بعد الانسحاب من مالي وبوركينا فاسو. كما يخطط الجيش الألماني لتنفيذ جزء على الأقل من انسحابه المرتقب من مالي عبر قاعدة النقل الجوي في نيامي. وتتلقى القوات الخاصة للنيجر التدريب والدعم اللوجستي من الولايات المتحدة وفرنسا. وقد أثار نقل الوحدات العسكرية نوعاً من الازدهار في العاصمة نيامي في الفترة الأخيرة. فارتفعت إيجارات العقارات في الأحياء الأفضل، وكان من الصعب الحصول على غرف في الفنادق. كما خططت المنظمات غير الحكومية لفتح مكاتب لها في نيامي.
ويتمركز حالياً حوالي 1000 إلى 1500 جندي فرنسي في العاصمة نيامي ويساعدون القوات المسلحة النيجرية في التدريب ودعم المعدات ومهام مكافحة الإرهاب. وخلال العام الماضي، عززت كل من فرنسا والولايات المتحدة دعمهما للنيجر لمكافحة الإرهاب بعد انسحاب القوات الفرنسية من بوركينا فاسو ومالي المجاورتين. وإذا تم إخراج بازوم من السلطة، فقد يؤدي النظام العسكري الجديد في النهاية إلى تقليل اعتماد النيجر على فرنسا، وبالتالي فتح فراغ أمني جديد في المنطقة لاستغلاله من قبل الجماعات الجهادية والقوى العالمية البديلة مثل روسيا والصين.
من جهة أخرى تُعد النيجر أكبر مصدر لليورانيوم في إفريقيا، حيث تقوم الشركات الفرنسية بتعدين وتصدير غالبية خام البلاد. في حين أن هذا لن يتغير بالضرورة بعد نجاح الانقلاب، إلا أن النظام العسكري الجديد قد يطالب بدفع رسوم أعلى. وفي سيناريو أكثر تطرفاً، قد يرفض مثل هذا النظام أيضاً الشراكات الفرنسية لصالح مثيلتها مع روسيا أو الصين، مما يزيد من توجيه النيجر بعيداً عن الغرب.
3- التداعيات على الجيش الألماني والاتحاد الأوروبي: الانقلاب في النيجر له تداعيات على وجود الجيش الألماني في البلاد. فمع وجود حوالي 100 جندي يتمركزون في نيامي للحفاظ على قاعدة نقل جوي، عملت النيجر كمركز حيوي للأفراد والمواد في غرب إفريقيا. لكن الانقلاب عطل الخطط وأثار مخاوف بشأن مستقبل مهمة الاتحاد الأوروبي العسكرية، التي تأسست في ديسمبر الماضي. ولا يزال الإجلاء يمثل تحدياً بسبب إغلاق الحدود والمجال الجوي، مما ترك الجنود عالقين مؤقتاً.
علاوة على ذلك، فإن عدم الاستقرار في النيجر يلقي بظلال من الشك على الانسحاب المخطط للقوات المسلحة الألمانية من مالي المجاورة، حيث كانت الخطة الأصلية هي إعادة مواد الجيش الألماني عبر النيجر في نهاية العام. ويريد "البوندسفير" (القوات المسلحة الألمانية) إنهاء مهمته في غرب إفريقيا التي مقرها مالي بحلول نهاية هذا العام. وقد كان من المخطط له سابقاً سحب حوالي 1100 جندي بحلول 31 مايو 2024، وذلك بعد تزايد حدة النزاع مع الحكومة العسكرية في مالي حول حقوق الطيران لطائرات المراقبة من دون طيار، بيد أن برلين أرادت تسريع وتيرة الانسحاب. وفي منتصف يونيو 2023، طالبت الحكومة العسكرية في مالي بسحب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة البالغ عددها 12 ألف فرد. ومع ذلك، نظراً للظروف الحالية، فإن جدوى هذه الخطة غير واضحة. والسلطات الألمانية على اتصال بشركاء من فرنسا وإيطاليا والولايات المتحدة، لكن الوضع لا يزال غير مؤكد.
4- التأثير في القاعدة الأمريكية: أنفقت الولايات المتحدة نحو 500 مليون دولار لمساعدة القوات المسلحة في النيجر لتحسين قدراتها في مواجهة التحديات الإرهابية. وتُعد قاعدة النيجر الجوية 201 بمثابة قاعدة جوية أمريكية للطائرات المسيرة من دون طيار بالقرب من أغاديز. وتقع القاعدة على بعد حوالي 5 كيلومترات جنوب شرق أغاديز، وهي مملوكة للجيش النيجري لكن الولايات المتحدة قامت ببنائها ودفعت تكاليفها. كما يتم تشغيلها من قبل الجيش الأمريكي كقاعدة للطائرات من دون طيار. ولا يخفى أن أي حكومة في مرحلة ما بعد الانقلاب قد تُعيد النظر في مثل هذه الالتزامات من أجل كسب شرعية شعبية.
5- إمكانيات التمدد الإرهابي: إذا أسفر الصراع الحالي على السلطة في النيجر عن قيام نظام عسكري يرفض تماماً الوجود الفرنسي والغربي في البلاد، فمن المرجح أن يستغل مقاتلو تنظيم داعش في الساحل وجماعة نصرة الإسلام والمسلمين الفراغ الأمني الناتج في المقاطعات الغربية للنيجر. وبالمثل من المرجح أن تستغل ولاية داعش في الصحراء الكبرى الفراغ في حوض بحيرة تشاد لتوسيع نفوذها. في ظل هذا السيناريو، من المرجح أن يؤدي تخفيف الضغط على الجماعات الجهادية المنبثقة من النيجر إلى زيادة التوسع الإقليمي في منطقة الساحل الغربي وتسريع وتيرة الهجمات الإرهابية في هذه المنطقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الخروج الفرنسي من النيجر سيفتح الباب أمام احتمال تقدم مجموعة فاغنر الروسية، التي أعلنت أخيراً عن "مسار جديد" لإفريقيا. ومن المؤكد أن مثل هذه العلاقة مع التنظيم شبه العسكري الروسي ليست مضمونة بعد نجاح الانقلاب. لكن وجود فاغنر في النيجر من شأنه أن يسهل على الأرجح نفوذاً روسياً أكبر، ويعزز موقعها كثقل موازن لفرنسا في منطقة الساحل.
ختاماً، فإن الانقلاب على الحكومة المنتخبة للرئيس محمد بازوم في النيجر يؤكد هشاشة عملية التحول الديمقراطي في منطقة الساحل وغرب إفريقيا من جهة وتراجع النفوذ الغربي من جهة أخرى. فلقد انضم الجنرال ساليفو مودي في النيجر إلى رفاقه في دول الجوار الذين أطاحوا بالحكومات الموالية للغرب (العقيد عاصمي غويتا في مالي والعقيد ممادي دومبويا في غينيا كوناكري والكابتن إبراهيم تراوري في بوركينا فاسو). وعلى أي حال فإن تداعيات الانقلاب في النيجر تمتد إلى ما هو أبعد من دينامياته الداخلية، لتشمل سياقات إقليمية ودولية أوسع.
في السنوات الأخيرة، كانت النيجر في طليعة الجهود الغربية لمواجهة الجماعات الإرهابية في غرب إفريقيا، في ظل التأثير العسكري المتزايد للجهات الفاعلة الأخرى مثل روسيا ومجموعة فاغنر. وقد شهدت البلدان المجاورة، مثل مالي وبوركينا فاسو، انقلابات، ونأت بنفسها عن الشركاء الأوروبيين، ووجهت دعوات لسحب بعثات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في مالي. وعليه فإن مستقبل أمن منطقة الساحل التي تشكل مُركباً أمنياً بالغ التعقيد والتشابك يبدو غير واضح المعالم في ظل تفاعلات إقليمية ودولية مرتبكة.