أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

"تعاون حذر":

واشنطن وتنامي النفوذ الصيني في أفريقيا

15 أغسطس، 2015


إعداد: باسم راشد


 أثار النمو الهائل للعلاقات الصينية - الأفريقية في العقد الأخير مخاوف الولايات المتحدة من الدور والحضور المتنامي للصين في أفريقيا، والذي زاد بشكل سريع على كافة المستويات السياسية والاقتصادية وكذلك الأمنية؛ فقد زاد حجم التجارة الأفريقية بشكل كبير مع الصين منذ عام 2000، كما تعد الصين أكبر مساهم في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة التي يتم إرسالها لأفريقيا، فضلاً عن وجود ما يقرب من مليون صيني يعيشون في القارة السمراء.

ومن ثم، أصبح هذا الحضور الصيني في أفريقيا بمثابة الحدث الاقتصادي والجيوسياسي الأكثر أهمية في هذه القارة منذ انتهاء الحرب الباردة. وهو يتزامن كذلك مع توتر العلاقات الصينية - الأمريكية في إقليم آسيا، مما يثير المخاوف من تجدد المنافسة الجيوسياسية على أفريقيا هي الأخرى.

في هذا الإطار، نشرت مؤسسة "راند" تقريراً بعنوان: "توسع العلاقات الصينية الأفريقية وآثارها على الأمن القومي الأمريكي" للباحث لويد ثرال Lloyd Thrall، وهو حاصل على ماجستير في الدراسات الدولية والدبلوماسية من جامعة لندن، ومتخصص في الدراسات الأمنية والعلاقات الدولية. ويتناول التقرير ملامح وطبيعة المصالح الصينية في القارة الأفريقية من النواحي السياسية والاقتصادية والأمنية، ومدى تأثيرها على الأمن الأمريكي في الفترة المقبلة.

المصالح الاقتصادية للصين في القارة الأفريقية

يشير Thrall إلى وجود ثلاثة مصالح أساسية للحكومة الصينية والجهات التجارية الفاعلة في القارة الأفريقية. فأولاً تمثل أفريقيا مصدراً لواردات الموارد الطبيعية، وثانياً سوق متزايد وغير مستغل نسبياً للصادرات وللاستثمار، وثالثاً فرصة للشركات الصينية لزيادة فرص العمل واكتساب الخبرات العالمية.

وتتحرك الاستثمارات الصينية في أفريقيا داخل الاستراتيجية الكبرى التي تتبعها بكين "Go Global"، والتي تهدف إلى زيادة الاستثمارات الخارجية الصينية وتعزيز الحضور الصيني في العالم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الغالبية العظمى من تفاعلات الاقتصاد الصيني في أفريقيا يُحرِّكها الربح بالأساس.

وتعد واردات الموارد الطبيعية المصلحة الاقتصادية الأكبر للصين في أفريقيا، حيث تمثل تلك الموارد حوالي 90% من صادرات القارة الأفريقية للدول الصناعية، وبرغم ذلك فقد كان استيراد الصين للبترول من أفريقيا أقل من الولايات المتحدة وكذلك الاتحاد الأوروبي خلال السنوات العشر الماضية، بالتزامن مع نمو متوازن فيما يتعلق بالتجارة.

ولاتزال الاستثمارات التراكمية لشركات الوقود الصينية في أفريقيا أقل بنسبة 10% من الاستثمارات الغربية، ومن ثم يمكن القول إن استثمارات الهيدروكربون الصينية في أفريقيا لا تهدد أمن الولايات المتحدة ولا أمن الطاقة العالمي، بما يقلل من احتمال التنافس بين بكين وواشنطن على الموارد الأفريقية.

ومن الناحية التجارية، يشير الكاتب إلى أن الصين تعد الشريك التجاري الأكبر للقارة الأفريقية، خاصةً في ظل عدم قدرة أي دولة كبرى على احتكار السوق التجاري الأفريقي. فضلاً عن كونها، أي الصين، أكبر مُصدِّر للأسلحة الثقيلة والخفيفة للدول الأفريقية.

كما تجدر الإشارة أيضاً إلى أن العلاقات الاقتصادية الأفريقية - الصينية تمثل أهمية كبرى للدول الأفريقية أكثر من بكين؛ إذ تمثل التجارة الصينية ـ الأفريقية حوالي 15% من حجم التجارة الكلية لدول القارة الأفريقية، فيما تمثل فقط نسبة 5% من التجارة الصينية. كما ترتبط بكين بعلاقة اقتصادية قوية وهامة مع دولة جنوب أفريقيا؛ إذ تمثل وحدها ثلث التجارة الأفريقية الصينية مجتمعة، كما تأتي في مقدمة دول القارة التي يتوجه إليها الاستثمار الصيني الخارجي.

المصالح السياسية الصينية في أفريقيا

لدى الصين أربع مصالح سياسية رئيسية في أفريقيا؛ وهي كما وردت في التقرير:ـ

1- تعزير الصورة الدولية للصين ونفوذها السياسي: إذ تسعى بكين دوماً إلى التركيز على تحقيق التنمية السلمية لقوتها، ومن ثم فإن الجهود التي تبذلها في القارة الأفريقية تعزز من مصداقية هذا التوجه العام، فضلاً عن حصولها على مزايا دبلوماسية من خلال الدعم الأفريقي لها.

 2- عزل تايوان: فالمنافسة الدبلوماسية بين الصين وتايوان تعد خامدة في الوقت الحالي، إلا أن لبكين مصلحة مستمرة في عزل تايوان، والتي اعترفت بها حتى الآن ثلاثة دول أفريقية، ومن ثم يكون الضغط على دول أخرى بعدم الاعتراف بها وسيلة لعزلها.

3- التصدي للتدخل الدولي في الشؤون الداخلية: حيث تعتمد الصين في سياستها الخارجية على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومن ثم فإنها تسعى لتحقيق ذلك مع دول القارة، وقد ظلّ هذا المبدأ موضع تقدير من جانب الحكومات الأفريقية وتبادلته مع الصين أيضاً. ومن ثم حثت الأخيرة دول القارة على رفض التدخل الدولي في السياسات الداخلية للدول، خاصةً في موضوعات حقوق الإنسان والحكومة الديمقراطية، بما يُمكنها من مواجهة ومنع هذا المبدأ الدولي المُتَّبع لما يمثله من خطورة على السياسات الداخلية لدول القارة الأفريقية، وكذلك على النظام الداخلي للصين على حد سواء.

4- دعم استقرار الشركاء الاقتصاديين في القارة: وهو ما يتناسب مع تنامي الاستثمارات الاقتصادية والسياسية الكبيرة للصين في القارة الأفريقية، وكذلك مع رغبتها في أن تظهر بمظهر القوة العالمية المسؤولة داخل الإقليم.

المصالح الأمنية للصين داخل أفريقيا

تنبع المصالح الأمنية للصين في القارة الأفريقية من حماية استثماراتها الاقتصادية والحفاظ على نفوذها السياسي المتنامي، وقد بدا ذلك ملحوظًا في انخراط "جيش التحرير الشعبي الصيني" في استراتيجية "المهام التاريخية الجديدة" التي بدأت عام 2004، والتي تؤكد على توسع الدور العالمي للصين في "حماية السلام الدولي وتعزيز التنمية المشتركة".

وقد أشار الكاتب إلى أن الصين تعمل في المرحلة الحالية على تعريف مصالحها الأمنية في العديد من مناطق العالم غير المستقرة؛ حيث لدى الشركات الصينية مجموعة من الاستثمارات والعقود تزيد قيمتها عن أكثر من مليار دولار في 12 دولة من الدول "الفاشلة"، ومن ثم تزداد مصالحها الأمنية في حماية هذه الاستثمارات، وكذلك العدد المتزايد من مواطنيها داخل القارة وإمكانية تأثير مشكلات عدم الاستقرار السياسي، والحروب الأهلية، والإرهاب، وجرائم الاختطاف، عليهم بالسلب.

وتعد مشاركة "جيش التحرير الشعبي الصيني" في عمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة هي أكبر مساحة للمشاركة المسلحة للصين في أفريقيا؛ إذ يساهم في 7 مهمات من أصل 8 تتم داخل القارة الأفريقية، من أبرزها عملية خليج عدن 2008 لمكافحة القرصنة، وعملية إجلاء غير المقاتلين من ليبيا عام 2011، وعملية نشر قوات "جيش التحرير الشعبي" من المشاة في بعثات الأمم المتحدة إلى مالي وجنوب السودان عام 2013.

مستقبل المصالح الصينية - الأمريكية داخل أفريقيا

يؤكد الكاتب أن الارتباط الصيني بالقارة الأفريقية قد ازداد بشكل كبير في السنوات العشر الأخيرة، ورغم أن هذا يعد أمراً جيداً في إطار دورها الدولي، إلا إنه قد يتناقض مستقبلاً مع مبادئ سياستها الخارجية التي تنص بشكل صارم على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، خاصةً مع ظهور حركات شعبية علانية مضادة للصين داخل القارة الأفريقية، بالإضافة إلى تزايد جرائم الإرهاب والاختطاف المتكررة لمواطنيها، بما قد يدفعها إلى ضرورة التدخل من أجل تعزيز استقرار تلك الدول للحفاظ على مصالحها داخلها.

ومن المرجح أن يشهد العقد القادم زيادة قدرات الصين في التفاعل مع الأزمات المختلفة، وإجلاء رعاياها في حالة الخطر، أما المخاوف من أن تعمل الصين على تطوير شبكة من القواعد البحرية داخل القارة، فهي مخاوف في غير محلها.

ومن ناحية العلاقات الاقتصادية الصينية مع الدول الأفريقية، فإنها يجب أن تتباطأ في الفترة المقبلة، مع تباطؤ النمو الصيني؛ نتيجة لتزايد أزمة الديون لدى دول القارة. أما على صعيد العلاقات بين الصين والولايات المتحدة فستكون أقل خطورةً وتبايناً في المستقبل؛ فكلتا الدولتين لديها مصلحة أساسية في تحقيق استقرار الدول الأفريقية وأسواقها الاقتصادية من أجل تحقيق منافعهما الاقتصادية، وتعميق العلاقات مع دول القارة.

ويضيف الكاتب أن كلاً من بكين وواشنطن لا تروج لأيديولوجيات سياسية معينة أو أهداف اقتصادية بحتة من شأنها أن تقود إلى صراع في المنطقة، لكنهما تختلفان جذرياً حول طرق تحقيق الاستقرار والنمو داخل القارة، وتختلفان تماماً في طبيعة دور القوى الدولية في مبادئ الحوكمة وحقوق الإنسان في أفريقيا. ففي حين استطاعت بكين تخفيف الضغط الدولي على كل من السودان وزيمبابوي، فإنها استغلت في الوقت ذاته علاقاتها القوية معهما لتحجيم سلوكهما السياسي حينما بدأ يضر باستقرار الإقليم أو بسمعة بكين الدولية.

توصيات عامة

في نهاية التقرير، طرح الكاتب Thrall بعض التوصيات التي يمكن لصانع القرار الأمريكي أخذها بعين الاعتبار في التعاطي مع النمو الصيني في القارة الأفريقية، وهي:ـ

1- عدم النظر للأنشطة الصينية غير المرغوبة في أفريقيا بشكل منفرد، بل في إطار سياقها العام؛ فكلا الطرفان - الصين والولايات المتحدة - لديهما طرق مختلفة في التعاطي مع القارة، وكل منهما يوجه انتقادات للآخر، إلا أن صراع واشنطن مع السلطوية والديكتاتورية في أفريقيا قديم وسابق على دور الصين المتنامي في القارة، وبرغم ذلك تواصل واشنطن تعاملها مع تلك الأنظمة وكافحت طويلاً من أجل تنظيم سلوكها التجاري، وكذلك تفعل بكين مع الفاعلين الاقتصاديين التابعين لها.

ومن ثم، فإن السياق العام هو الذي يحكم طبيعة النظر لسلوك الصين في القارة، ورغم أن نفوذها يتنامى في أفريقيا، بيد أنها، بأي حال من الأحوال، لن تحل محل الولايات المتحدة أو الدول الأوروبية في المنطقة.

2- يتعين على صُنَّاع القرار الأمريكيين تجنب تصعيد المنافسة منخفضة المستوى إلى درجة التوتر الاستراتيجي في العلاقات الثنائية مع الصين، كما يجب العمل على فصل العلاقات الصينية ـ الأمريكية في أفريقيا عن الإطار الأوسع للعلاقات الثنائية بينهما؛ خاصةً أن استثمارات الصين في الدول المنبوذة داخل أفريقيا، فضلاً عن مقاومتها للمعايير الدولية الخاصة بالحوكمة وحقوق الإنسان، لا تفرض تهديداً جديداً للمصالح الأمريكية في القارة.

ومن ناحية أخرى، فإن حجم العلاقات الاقتصادية بين بكين وواشنطن كبير، وليس من المرجح أن يتراجع، ومن ثم يتعين على الولايات المتحدة في هذا الإطار أن تركز على تنشيط علاقاتها الأفريقية بدلاً من التركيز على تعزيز المنافسة مع الصين.

3- ضرورة سعي "القيادة الأمريكية في أفريقيا" (AFRICOM) لتوفير فرص التعاون والانخراط بشكل أكبر مع "جيش التحرير الشعبي الصيني" في أفريقيا؛ خاصةً في ظل وجود تهديدات مشتركة تواجه الدولتين رغم الاختلافات الجوهرية فيما بينهما. كما أن هذه المبادرة من شأنها تقليل حدة التوتر، وتخفيف قلق العواصم الأفريقية من التنافس بين القوتين، وربما يُعد ذلك التعاون في أفريقيا بمثابة الخطوة الأولى في علاقات أوسع بين الجيشين الأمريكي والصيني، خاصةً في ظل سعي الجيش الأمريكي للعب دور أكبر في إعادة التوازن داخل منطقة آسيا والمحيط الهادي.


* عرض مُوجر لتقرير بعنوان: "توسع العلاقات الصينية الأفريقية وآثارها على الأمن القومي الأمريكي"، والصادر عن مؤسسة "راند" الأمريكية في مايو 2015.

المصدر:

Lloyd Thrall, China’s Expanding African Relations: Implications for U.S. National Security (USA, RAND Corporation, May 2015(.