أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

اجتماع موسكو:

هل يمهد لعقد لقاء بين الرئيسين السوري والتركي قريباً؟

11 يناير، 2023


شهدت العاصمة الروسية موسكو، في 28 ديسمبر 2022، لقاء جمع وزراء دفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات لتركيا وسوريا وروسيا، وهو أول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الأتراك والسوريين منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية في مارس 2011، كما كشف وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 31 ديسمبر 2022، أنه سيعقد لقاء آخر منتصف يناير 2023 مع نظيريه الروسي والسوري.

ويمثل اللقاء السابق امتداداً لتحولات السياسة التركية تجاه دمشق، والتي بدأت مع التصريحات الإيجابية التي أدلى بها وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال لقائه بنظيره السوري، فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز، بالعاصمة الصربية بلجراد، في أكتوبر 2021، وما أعقب ذلك من اجتماعات بين مسؤولي المخابرات في كلا البلدين خلال عام 2022.

أبعاد التفاهمات الثنائية:

بمراجعة التسريبات الإعلامية في الصحافة السورية، وكذلك تصريحات المسؤولين الأتراك، فقد توصل الجانبان السوري والتركي لتوافقات مبدئية مهمة، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي: 

1- انسحاب تركي مُحتمل: كشفت وسائل إعلام موالية للحكومة السورية أن الاجتماع في موسكو تمخض عنه موافقة أنقرة ليس فقط على سحب قواتها من الأراضي التي احتلتها شمال سوريا، بل كذلك تنفيذ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في عام 2020، بشأن فتح الطريق السريع "إم 4" الذي يربط حلب باللاذقية.

ودعم من هذه الرواية تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، في 29 ديسمبر 2022، حيث أكد فيها أن بلاده تنوي نقل السيطرة بمناطق وجود القوات التركية في سوريا إلى دمشق، حال تحقق الاستقرار السياسي، ومؤكداً في الوقت ذاته ضرورة نقل اللاجئين السوريين إلى وطنهم، وهو ما يعني أن هناك اتفاقاً مبدئياً حول هذه النقطة، وإن كان ليس من الواضح ما هو المقصود تركياً بالاستقرار السياسي، وهل يعني ذلك إشراك المعارضة في الحكومة السورية أم لا، خاصة أن دمشق سبق وأن تحفظت على ذلك الأمر.  

2- محاربة الجماعات الإرهابية: أكد أوغلو العمل مستقبلاً مع دمشق لمكافحة الإرهاب، لا سيما أن البلدين قد اتفقا خلال الاجتماع على تحييد التنظيمات التي تعتبرها أنقرة إرهابية، مثل تنظيم داعش، وحزب العمال الكردستاني ووحدات حماية الشعب السورية الكردية.

ويلاحظ أن تعاون تركيا ودمشق في محاربة داعش والتنظيمات الكردية أمر بديهي، على أساس أن ذلك يحقق مصالح البلدين، غير أنه في المقابل، فإنه لم يتم الإشارة إلى وضع هيئة تحرير الشام المرتبطة بتنظيم القاعدة، والتي تتراكم الأدلة حول وجود ارتباط قوي بينها وبين أنقرة، خاصة أن الهيئة قد عمدت إلى التوسع عسكرياً على حساب باقي فصائل المعارضة المسلحة، وذلك في مناطق سيطرة أنقرة شمال سوريا، ومن ضمنها منطقة عفرين، وذلك في أكتوبر 2022. 

3- عقد قمة بين أردوغان والأسد: صرّح وزير الخارجية التركي، في 31 ديسمبر 2022، أن لقاء سيجمعه مع نظيريه السوري والروسي من المزمع أن يعقد في النصف الثاني من يناير 2023، مؤكداً على أن اللقاء قد يتم في دولة ثالثة. ومن المرجح أن يمهد هذا اللقاء لعقد لقمة بين الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، والسوري، بشار الأسد. 

وسبق أن أكد أردوغان إمكانية حدوث ذلك في منتصف سبتمبر 2022، إذ صرّح بأنه "قد يعقد اجتماع مع الأسد من أجل السلام"، كما أكد المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، عمر تشيليك، في 2 يناير 2023، أن لقاء زعيمي البلدين قد تم وضعه على جدول الأعمال. 

4- تحجيم التهديدات الكردية: اتفقت موسكو وأنقرة ودمشق على تحجيم الأكراد الموجودين في شمال سوريا. فقد تمت الإشارة إلى أن اجتماع موسكو بين وزراء دفاع ورؤساء مخابرات الدول الثلاث، تمخض عن الاتفاق على أن حزب العمال الكردستاني، يشكل "أكبر خطر على سوريا وتركيا".

وتتلاقى أهداف موسكو وأنقرة ودمشق على إضعاف سيطرة الأكراد على مساحات من سوريا، إذ تسعى الأولى إلى إضعاف قوات سوريا الديمقراطية، نظراً لأن مناطق سيطرتها تنتشر بها القوات الأمريكية، وعملت موسكو خلال الفترة الماضية على استغلال التهديدات التركية بعملية عسكرية ضد أكراد سوريا، والتخاذل الأمريكي في الدفاع عنهم، وذلك للضغط على الأكراد، وقبول خضوعهم لسيطرة الحكومة السورية، خاصة إذا ما انسحب الجيش الأمريكي من مناطق انتشاره في شرق سوريا. 

ومن جهة أخرى، ترغب تركيا في إبعاد الأكراد عن حدودها الجنوبية مع سوريا، في حين ترغب دمشق في استعادة السيطرة على أراضيها في شمال شرق سوريا، بما في ذلك حقولها النفطية، والتي تقوم الولايات المتحدة باستغلالها لصالح الأكراد. 

تداعيات استراتيجية مُحتملة:

قد يتمخض عن مساعي التقارب التركي – السوري عدد من التداعيات، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي:

1- تهديد الاستقلالية الكردية: يتمثل أحد تداعيات عملية التطبيع بين أنقرة ودمشق في إضعاف الاستقلالية الكردية. ونظراً لغياب أي أهداف أمريكية واضحة في سوريا، خاصة في ظل تراجع فرص إسقاط الحكومة السورية، وعدم امتلاك واشنطن لأي بدائل أخرى، فإن هناك مخاوف من أن تقدم الإدارة الأمريكية على الانسحاب من شرق سوريا، وهو ما يضعف أكراد سوريا، ويجبرهم على العودة طواعية إلى الدولة السورية، وهو ما يعزز النفوذ الروسي، وسوف يكون حتماً خصماً من النفوذ الإقليمي الأمريكي. 

2- توتر علاقة أنقرة الأطلسية: انتقدت واشنطن اللقاء الثلاثي في موسكو، ودعا المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، نيد برايس، إلى عدم التطبيع مع "نظام" الأسد، والذي وصفه بـ"الديكتاتور الوحشي". ويأتي هذا في إطار مساعي واشنطن لعزل الحكومة السورية بعدما تراجعت عن سياستها الرامية لإسقاطها.

ومن جهة أخرى، دعت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا، في 30 ديسمبر الماضي، أنقرة إلى التمييز بين حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا والاتحاد الأوروبي منظمة إرهابية، وبين المنظمات الكردية غير العنيفة الأخرى، إذ تعارض القوى الأوروبية تصنيف قوات سوريا الديمقراطية وقوات حماية الشعب الكردية جماعات إرهابية، مثلما تصنفهم تركيا، كما انتقدت الغارات التي شنتها تركيا على شمال سوريا في نوفمبر 2022. ونظراً لتوتر العلاقات الفرنسية – التركية حول هذا الملف، فإن مطالب باريس هذه لن تجد لها صدى لدى أنقرة. 

3- دعم الحكومتين السورية والتركية: تُسهم المصالحة بين سوريا وتركيا في تحقيق مصالح اقتصادية لكليهما، وهو ما يساهم في تخفيف الأزمة الاقتصادية التي يعانيها الجانبان، إذ إن التقارب بينهما سوف يعزز من فتح الطرق الدولية، والمعابر التجارية أمام حركة البضائع التركية باتجاه دول الخليج العربية.

كما أن التوصل لتفاهمات بين أنقرة ودمشق سوف يساعد الأولى في إعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم مجدداً، ومن ثم تخفيف العبء على الاقتصاد التركي، وتعزيز شعبية الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، خاصة مع تنامي مشاعر الرأي العام التركية السلبية بحق اللاجئين السوريين، فقد أعلن وزير الخارجية التركي عن رغبة وقبول نظام الأسد بعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم.

4- تعزيز الدور الروسي: سوف يؤدي التقارب التركي – السوري لزيادة الدور الروسي في المنطقة، على أساس أن ذلك التقارب يمثل تأكيداً على استمرار النفوذ الروسي الإقليمي، وأنه لم يتراجع بسبب الحرب الروسية – الأوكرانية، كما كانت تشير مصادر الإعلام الغربية، بل أنه سوف يمثل تأكيداً على استمرار الدور الروسي الفاعل في المنطقة، خاصة مع إعلان وزير الدفاع التركي، في 4 يناير 2023، أن القوات التركية والروسية يمكن أن توسع دورياتها المشتركة في شمال سوريا كجزء من جهود إحلال الأمن في المنطقة.

5- تهديد المعارضة السورية: احتج عشرات الآلاف من السوريين في مناطق سيطرة المعارضة، الخاضعة للنفوذ التركي، في إدلب وريف حلب وريف الرقة الشمالي، مرددين هتافات "المصالحة خيانة ومسامحة الظالم ظلم للمظلوم"، وذلك احتجاجاً على محاولات التقارب بين أنقرة ودمشق.

ويلاحظ أن احتجاجات مماثلة اندلعت في أعقاب لقاءات سابقة بين مسؤولين سوريين وأتراك، ولم يؤثر ذلك على مسار تطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا. وسعت تركيا إلى طمأنة المعارضة، إذ قامت، في 3 يناير الجاري، باستضافة رئيس المجلس الوطني السوري المعارض، محمود المسلاط، وقادة آخرين، من أجل تهدئة مخاوفهم بعد خطوات التطبيع مع الحكومة السورية، إذ أكد وزير الخارجية التركي، عقب اللقاء، تمسك بلاده بالشعب السوري والمعارضة السورية، كما أكد التمسك بالقرار 2254 الذي يدعو إلى وقف النار والتسوية السياسية في سوريا، في مؤشر على أن أنقرة تسعى إلى ضمان مصالحهم في أي تسوية مرتقبة مع دمشق.

وفي التقدير، يمكن القول إن الجهود الرامية إلى محاولة حلحلة الخلافات التركية – السورية قد بدأت تنتج أثاراً إيجابية ممثلة في التوافقات الأخيرة المعلنة من جانب الطرفين، وإن كان من الملحوظ أن هناك العديد من الملفات الخلافية بينهما، والتي تحتاج إلى توافقات مشتركة، مثل مدى جدية تركيا في تسليم مناطق سيطرتها في شمال سوريا إلى دمشق، وما يرتبط بذلك من مصير المعارضة المسلحة، خاصة هيئة تحرير الشام، والمصنفة كجماعة إرهابية من جانب الحكومة السورية. وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن هناك مصالح مشتركة قد تدفع الجانبين إلى المضي قدماً في تطبيق العلاقات، مثل إضعاف الأكراد، وعودة اللاجئين السوريين، وفتح المعابر والطرق التجارية الدولية، بما يرتبه ذلك من أثار إيجابية لكليهما.