أبوظبي - وجه فرع تنظيم داعش في أفغانستان بوصلته نحو الصين، حيث أعلن التنظيم المعروف باسم داعش خراسان، مسؤوليته عن الهجوم الإرهابي الذي استهدف فندقاً يقطنه رعايا صينيون بالعاصمة الأفغانية كابول في 12 ديسمبر الجاري، وهو الهجوم الذي صدم بكين بشدة لاستهدافه مواطنيها، على الرغم من كونها إحدى الدول القليلة التي تربطها علاقات وطيدة مع حركة طالبان الحاكمة.
وذكر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة في تقرير له أن الدوافع تتعدد وراء استهداف الصين من قبل التنظيم الجهادي ويمكن تفسيرها في عدة نقاط لعل أولها انتقاد تنظيم داعش خراسان، عبر وسائطه الإعلامية، التوسع الاقتصادي العالمي لبكين. حيث وصف التنظيم ذلك بـ”الإمبريالية الصينية”، وهو أمر يمثل تطوراً لافتاً في خطاب التنظيم المتشدد ضد النفوذ الاقتصادي المتزايد للصين في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
ويتهم التنظيم الصين بأنها تسعى للهيمنة على العالم. بالإضافة إلى ترديده السرديات العالمية ذاتها عن التهديد الصيني، وطرحه منظوراً جهادياً للتوسع الاقتصادي العالمي للصين، وينظر إلى مبادرة الحزام والطريق الصينية على أنها ترقى إلى التوسع الإمبراطوري المعاصر، ولا تختلف عن الدور التاريخي الذي لعبته شركة الهند الشرقية البريطانية في الاستعمار الغربي، وهو ما يعني إمكانية اتجاه التنظيم لاستهداف مشروعات المبادرة الصينية، سواء في أفغانستان، أو حتى باكستان المجاورة.
وتُعدّ إساءة معاملة الصين لمسلمي الإيغور من الاعتبارات المهمة وراء عداء داعش لبكين، حيث يعتقد بأنها تقوم بحملة تطهير عرقي ضدهم في منطقة شينجيانج الإيغورية ذاتية الحكم، وذات الأغلبية المسلمة في شمال غرب الصين، والتي يُطلق عليها الانفصاليون المسلمون تسمية تركستان الشرقية.
وتبنت السلطات الصينية خلال الفترة الأخيرة سلسلة من المواقف تعكس توجهاً حازماً ومتشدداً تجاه تنظيم داعش، حيث حذرت من موجة إرهابية جديدة وعودة التنظيم منطلقاً من ثلاث دول عربية، وكذلك انتشاره بوتيرة أسرع في أجزاء كثيرة من أفريقيا، كما دعت المجتمع الدولي إلى إيلاء اهتمام شديد للتهديدات الإرهابية التي تشكّلها حركة تركستان الشرقية الإسلامية، في ظل وجود ما يتراوح بين ألف إلى ثلاثة آلاف من مقاتليها في سوريا. وهو ما يجعلها في مرمى هجمات التنظيم.
وتتسبب العمليات الإرهابية التي تستهدف المواطنين الصينيين في الخارج في إثارة ردود فعل قوية وحازمة من جانب الصين، الأمر الذي قد تنظر إليه الدول المعنية على أنه تدخل في شؤونها الداخلية، كما يبدو من الواضح أن التنظيم يعمل على تفريغ كابول من أيّ وجود دبلوماسي أجنبي، وعدم تشجيع أيّ دولة على إقامة علاقات مع الحكومة الأفغانية المؤقتة الحالية.
وكذلك، يحاول التنظيم إثارة السخط الشعبي ضد الصين، من خلال ما يتم الترويج له من تسبب مشروعات مبادرة الحزام والطريق الصينية في فساد المسؤولين وتدنّي ظروف العمل واستغلال الموارد وتزايد الديون للدول المشاركة في مشاريعها.
وقال تقرير مركز المستقبل إن الهجوم الإرهابي الأخير ينطوي على مجموعة من الدلالات المتنوعة الأمنية والسياسية والاقتصادية، والتي يمكن توضيحها في أن تنظيم داعش وفروعه المحلية يتجه إلى استهداف المشاريع التي تندرج في مبادرة الحزام والطريق، والمقدرة بالمليارات من الدولارات.
ويسعى التنظيم لإعاقة عمليات التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق، مما يؤثر على المردود المتوقع من المبادرة ذاتها. وكذلك يهدد الاقتصادين الصيني والعالمي.
ويلاحظ أيضا أن تصاعد الإرهاب في الدول المجاورة يهدد مصالح بكين الأمنية والاقتصادية في الخارج. وسبق وحذرت التحليلات الإستراتيجية والأمنية الصينية من إمكانية تصاعد التهديدات الإرهابية التي تشهد درجة من عدم الاستقرار السياسي في الدول الواقعة على طول مشاريع الحزام والطريق، وهو ما يؤثر على المصالح الاقتصادية لبكين.
كما يلاحظ أن أيّ حدث يرتبط ببكين، حتى ولو كان مجرد استهداف بضعة أفراد من مواطنيها في الخارج، يحظى بأهمية كبيرة من جانب القوى الدولية والإقليمية الأخرى، ناهيك عن المتابعة الإعلامية الدولية، في ظل تشعّب علاقات الصين وامتدادها إلى أعضاء المجتمع الدولي كافة.
ولذلك، فإن استهداف بلد بحجم الصين ومكانته وتأثيره من قبل تنظيم إرهابي، مثل داعش، لا يتجاوز عدد أعضائه المئات أو الآلاف، يعزز من مكانة التنظيم بين مختلف التنظيمات الإرهابية على أساس أنه هدد مصالح إحدى القوى العظمى.
ويعكس تكرار الأعمال الإرهابية التي تستهدف العمالة الصينية في الخارج وجود درجة من درجات الانكشاف الأمني الخطير بالنسبة إلى هؤلاء، وهو ما يشير إلى إخفاق الجانب الصيني في التوصل إلى إجراءات محددة مع السلطات الأمنية في الدول التي توجد فيها عمالة صينية بهدف حمايتها ومنع استهدافها من قبل التنظيمات الإرهابية. ولعل ذلك ما يفسّر لجوء بكين إلى الاستعانة بشركات أمنية خاصة من أجل حماية مصالحها ومواطنيها في الخارج من الاستهداف من قبل التنظيمات الإرهابية.
وعلى الجانب الآخر، فإنه من الواضح أن التنظيمات الإرهابية على اختلافها عاجزة عن استهداف الداخل الصيني بعمليات إرهابية، وذلك بسبب الإجراءات الأمنية المشددة التي تتبعها السلطات الصينية، والتي أكدت فاعليتها في إجهاض أيّ تهديد إرهابي ناشئ.
وما يؤكد تعاظم تهديدات تنظيم داعش هو تحوله من مجرد تنظيم صغير يقتصر وجوده على شرق أفغانستان إلى تنظيم بات يوجد في معظم المناطق الأفغانية، خصوصاً العاصمة كابول. ويتزامن ذلك مع تحذيرات باحتمالات قيام العديد من جنود المشاة التابعين لحركة طالبان بالانضمام إلى الجماعات المعارضة والمتطرفة، لعدم استفادتهم بشكل مباشر من استيلاء الحركة على السلطة.
ويطرح الهجوم الإرهابي الأخير الذي تعرضت له المصالح الصينية في أفغانستان، مجموعة من التداعيات المحتملة، حيث يعكس تهديدات محدودة للداخل الصيني، حيث تجاور أفغانستان الصين، وتحديداً منطقة شينجيانج الإيغورية، ولذلك تتخوف بكين من أن تتخذ الجماعات الانفصالية الإيغورية من أفغانستان قاعدة للتدريب ونقطة انطلاق لشن هجمات داخل الصين، خاصة حركة تركستان الشرقية الإسلامية الإيغورية، والتي تتهمها الصين بإثارة النزعات الانفصالية والهجمات الإرهابية.
ولدرء هذا التهديد، عرضت الصين تقديم الدعم الاقتصادي والاستثماري لإعادة إعمار أفغانستان في مقابل وعد حركة طالبان بعدم استخدام الأراضي الأفغانية كقاعدة للمسلحين ضد بكين، فضلاً عن تأمين الاستثمارات والعمالة الصينية، غير أنه في ظل تراجع قبضة حركة طالبان الأمنية على أفغانستان في مواجهة داعش، فإنه من غير الواضح مدى قدرة الحركة على الوفاء بتعهداتها لبكين، وإن كان من الواضح أن الصين لاتزال قادرة على منع اختراق حدودها من جانب أفغانستان.
وعلى الرغم من صعوبة قيام التنظيمات الإرهابية بتنفيذ هجمات إرهابية داخل الصين، فإن هناك إمكانية لحدوث زيادة في الهجمات على المواطنين الصينيين والبنية التحتية للصين ومصالحها في الخارج.
ويضيف تقرير مركز المستقبل أن قيام تنظيم داعش خراسان باستهداف الصين مؤخراً يمثل تحولاً كبيراً في إستراتيجية التنظيم تجاه دولة تُعد من القوى الكبرى في النظام الدولي الحالي، والتي تتمتع بدرجة كبيرة من الاستقرار السياسي والأمني الداخلي الذي يجعل من إمكانية قيام التنظيم بشن هجمات إرهابية داخلها مسألة صعبة، إن لم تكن مستحيلة الحدوث. وعلى الرغم من لجوء الصين إلى الرد على الهجوم الذي استهدف رعاياها مؤخراً عبر القنوات الدبلوماسية المعتادة، فإن تكرار هذه الهجمات في دول قريبة جغرافياً من الصين سيدفعها في المستقبل إلى الرد عليها عسكرياً، عبر توظيف الشركات الأمنية والعسكرية الخاصة.