عرض: عدنان موسى
تشكِّل التغييرات الديمغرافية تحدياً متصاعداً في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاصة أن زيادة معدلات النمو السكاني تؤثر على التنمية الاقتصادية، والخدمات الاجتماعية والبنية التحتية والحوكمة الفعَّالة، ناهيك عن دور هذا النمو في تأجيج الصراعات الداخلية والاضطرابات والعنف السياسي، لكن الملحوظ أن الدراسات الغربية بشكلٍ عام لا تولي أهمية لهذا النمو السكاني وتداعياته في المنطقة، مقارنة بتركيزها الكثيف على الأوضاع السياسية والاقتصادية.
لذلك، تنطوي سلسلة التقارير التي نشرها مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية CSIS في العام 2022 على أهمية كبيرة، حيث تتضمن تقديرات لاتجاهات النمو السكاني التي تغطي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إذ تظهر الرسوم البيانية للفترة من 1950 إلى 2021، مع تقديرات الأمم المتحدة والبنك الدولي حتى عام 2050 أن جميع بلدان المنطقة شهدت زيادات هائلة في عدد السكان حتى عام 2021، تمخضت عنها ضغوطات على اقتصاداتها واستقرارها الاجتماعي والسياسي، فضلاً عن قضايا أخرى مثل المياه وتغير المناخ، ويتعرض هذا التقرير لاتجاهات التغيرات الديمغرافية المتوقعة في بعض دول المنطقة وتأثيراتها.
دول شمال أفريقيا:
1) المغرب: أحرز تقدماً كبيراً في الإصلاح السياسي والاقتصادي خلال السنوات الماضية، لكنه واجه أيضاً تحديات عديدة، لعل أبرزها، زيادة عدد السكان بنحو ثلاث مرات بين عامي 1960 و2020، بيد أن الرباط خففت من وطأة مشاكلها السكانية من خلال الهجرة الواسعة إلى أوروبا. وتشير البيانات إلى أن عدد سكان المغرب قد ارتفع بمعدل 86.5% خلال الأربعين عاماً الماضية، حيث وصل إلى 37.3 مليون نسمة في عام 2021 مقارنة بـ20 مليون نسمة في عام 1980. وقد قدَّر البنك الدولي معدل النمو السكاني السنوي بـ0.91% خلال عام 2022. ووفقاً لتوقعات البنك، فقد يصل عدد السكان إلى حوالي 40، 43, 45 مليون نسمة، بحلول أعوام 2023، 2040، 2050 على التوالي.
ويشير الإصدار الحالي من كتاب "حقائق العالم" لوكالة المخابرات المركزية CIA World Fact book إلى أنه برغم التقدم الاقتصادي في المغرب، فإنه لم يتمكن من خلق فرص عمل كافية لتلبية الطلب المتزايد لخلق فرص عمل للشباب، وسيظل يمثل مشكلة حتى عام 2040 على الأقل، كما يرجح حدوث زيادات هائلة في عدد سكانها الذين تزيد أعمارهم على 65 عاماً. كما يُظهر تحليل البنك الدولي لاستخدام المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن المغرب لديه احتياطيات عالية نسبياً من المياه الجوفية المستدامة، ويستخدم بشكل فعَّال نسبياً موارده المائية.
2) الجزائر: رغم كونها مُصدراً رئيسياً للطاقة، فإن عائدات هذه الصادرات لم تكن كافية لتلبية الاحتياجات السكانية، بينما كانت التنمية الاقتصادية العامة معتدلة في أحسن الأحوال، ولم يواكب النمو السكاني تطورات مناسبة في التنمية الحضرية ومستوى التحديث في الاقتصاد الجزائري، كما أن التحديث والإنتاجية في القطاع الزراعي لا يزالان أيضاً يواجهان تحديات كبيرة. ومن المحتمل أن يمثل ضغط تشغيل الشباب تحدياً متصاعداً في الجزائر حتى عام 2040 على الأقل، بالتوازي مع إشكالية النمو الحاد في عدد السكان الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً أو أكثر.
وتشير البيانات إلى أن عدد سكان الجزائر قد شهد زيادة بلغت 132.3% خلال الأربعين عاماً الماضية، حيث وصل إلى 44.6 مليون نسمة في عام 2021 مقارنة بـ 19.2 مليون نسمة في عام 1980. وقدَّر البنك الدولي معدل النمو السكاني السنوي بـ 1.34% خلال عام 2022. ووفقاً لتوقعات البنك، فقد يصل عدد السكان في الجزائر إلى حوالي 50، 55, 60 مليون نسمة، بحلول أعوام 2023، 2040، 2050 على التوالي. ويُظهر تحليل البنك الدولي لاستخدام المياه في المنطقة أن الجزائر تواجه إجهاداً مائياً متزايداً في المناطق المكتظة بالسكان على طول ساحلها منذ عام 2010.
3) تونس: على الرغم من جهود الإصلاح المختلفة، لا تزال الحكومة التونسية تحت الضغط لتعزيز النمو الاقتصادي بسرعة للتخفيف من التحديات الاجتماعية والاقتصادية المزمنة منذ 2011، حيث تشير تقديرات البنك الدولي لشهر أبريل 2022 إلى أن الانتعاش الاقتصادي في عام 2021 كان متواضعاً نسبياً بالنظر إلى الانكماش القوي في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 9.2٪ في عام 2020، وهو الأكثر حِدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وقد بلغ معدل البطالة حوالي 18.4٪ في عام 2021 إلى جانب انخفاض طفيف في القوى العاملة. وبينما كان الارتفاع في إجمالي عدد السكان أقل حِدة مما هو عليه في العديد من بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، لكنه لا يزال يمثل مشكلة كبيرة. ويُتوقع أن تستمر الضغوطات المتعلقة بمحاولة توفير فرص عمل للشباب حتى عام 2040. وكذلك الحال بالنسبة للزيادة في عدد السكان فوق سن 65 عاماً.
وتشير البيانات إلى أن عدد سكان تونس قد تضاعف خلال الأربعين عاماً الماضية، حيث وصل إلى 11.9 مليون نسمة في عام 2021 مقارنة بـ 6.4 مليون نسمة في عام 1980. وقدر البنك الدولي معدل النمو السكاني السنوي بـ 0.69% خلال عام 2022. ووفقاً لتوقعات البنك، فقد يصل عدد السكان في تونس إلى حوالي 13، 14، 14.5 مليون نسمة، بحلول أعوام 2023، 2040، 2050 على التوالي. ويُظهر تحليل البنك الدولي لاستخدام المياه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أن تونس لديها احتياطيات مياه مستدامة إلى حد ما، وتستخدم مواردها المائية بشكل معتدل.
4) ليبيا: لا تزال تتمتع بعائدات بترولية عالية مقارنةً بالزيادة في عدد سكانها بموجب تعافي صادراتها النفطية وارتفاع أسعار النفط العالمية بعد مرحلة من عدم الاستقرار الأمني والسياسي، ورغم أن الضغط السكاني ليس حاداً كما هي الحال في بعض دول الشرق الأوسط الأخرى، فإنه لا يزال يمثل مشكلة قائمة، إذ يُتوقع أن تصبح بطالة الشباب مشكلة متفاقمة حتى عام 2040، كما أن الأعمار في سن 65 وما فوقه آخذة في الارتفاع بشكلٍ حاد، في ظل ضعف التنمية الحضرية والريفية.
وتشير البيانات إلى أن عدد سكان ليبيا قد تضاعف خلال الأربعين عاماً الماضية، حيث وصل إلى 6.9 مليون نسمة في عام 2021 مقارنة بـ 3.2 مليون نسمة في عام 1980. وقد قدَّر البنك الدولي معدل النمو السكاني السنوي بـ 1.65% خلال عام 2022. ووفقاً لتوقعات البنك، فقد يصل عدد السكان في ليبيا إلى حوالي 7.8، 8، 8.5 مليون نسمة، بحلول أعوام 2023، 2040، 2050 على التوالي.
دول المشرق العربي:
1) العراق: تشير توقعات البنك الدولي إلى أن إجمالي النمو السكاني في العراق سيظل مرتفعاً حتى عام 2050 على الأقل، بيد أن هذا النمو المتوقع يبقى محدوداً، فالزيادات المتوقعة لمن هم فوق سن 65 معتدلة، لكن هناك ارتفاع في معدلات البطالة بين الشباب. وتشير البيانات إلى أن عدد سكان العراق سجل معدل زيادة بلغ 207.3% خلال الأربعين عاماً الماضية، حيث وصل إلى 41.2 مليون نسمة في عام 2021 مقارنة بـ 13.7 مليون نسمة في عام 1980.
وقدَّر البنك الدولي معدل النمو السكاني السنوي بـ 2% خلال عام 2022. ووفقاً لتوقعات البنك، فقد يصل عدد السكان في العراق إلى حوالي 50، 65، 75 مليون نسمة، بحلول أعوام 2023، 2040، 2050 على التوالي. ويوضِّح تحليل البنك الدولي لاستخدام المياه في المنطقة أن العراق يعاني إجهاداً مائياً متزايداً، حيث تستخدم بغداد مواردها المائية بشكل غير فعَّال نسبياً، ولديها أسوأ مستوى من إنتاجية المياه في المنطقة.
2) الأردن: يواجه هذا البلد ضغوطاً سكانية مقارنةً بموارده، وسيؤدي النمو السكاني وتأثير تغير المناخ إلى تحديات متنامية على المدى القريب، حيث يعتمد الأردن بشكل شبه كامل على الطاقة المستوردة، معظمها من الغاز الطبيعي، وتشكل الطاقة نحو 25-30٪ من واردات الأردن. وقد أدت أزمة كورونا إلى تفاقم تحديات الوظائف في الأردن، حيث بلغت البطالة 23.3٪ في الربع الرابع من عام 2021، بينما وصلت هذه النسبة بين الشباب إلى ما يقرب من 50٪ في نهاية عام 2021، ويُظهر تحليل البنك الدولي لاستخدام المياه أن الأردن هو رابع أكثر البلدان التي تعاني من ندرة المياه في العالم.
3) لبنان: تعكس البيانات المتعلقة بالسكان في لبنان مستويات نمو سكاني مرتفعة لا تستطيع استيعابها بشكلٍ فعَّال، كما تُظهر هذه البيانات انخفاضاً في طلب الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 على الوظائف؛ مما يعني وجود معدلات هجرة كبيرة خارج البلاد، كما يتوقع أن تشهد لبنان زيادة كبيرة لمن هم فوق 65 سنة. وتشير البيانات أن عدد سكان لبنان سجل معدل زيادة بلغ 161.5% خلال الأربعين عاماً الماضية، حيث وصل إلى 6.8 مليون نسمة في عام 2021 مقارنة بـ 2.6 مليون نسمة في عام 1980.
وقدَّر البنك الدولي معدل النمو السكاني السنوي بـ 0.66% خلال عام 2022. ووفقاً لتوقعات البنك فقد ينخفض عدد السكان في لبنان إلى حوالي 4.8 مليون نسمة بحلول عام 2030، ثم يرتفع مرة أخرى إلى 5 ملايين نسمة، بحلول عام 2050. ويُظهر تحليل البنك الدولي لاستخدام المياه في المنطقة أن لبنان بالفعل على أعتاب الوصول إلى مرحلة ندرة المياه، كما تشير بعض التقديرات أيضاً إلى احتمال تصاعد وتيرة هجرة العقول للخارج مع تفاقم الأزمة الاقتصادية.
4) سوريا: شهد هذا البلد واحدة من أكثر الحروب الأهلية تدميراً في التاريخ الحديث، وقد أدى ذلك إلى تدفق أعداد كبيرة من اللاجئين إلى الخارج، فضلاً عن تشرذم السكان داخلياً، وهو ما يجعل أي تقييمات وتوقعات تقليدية للضغط السكاني غاية في الصعوبة. وتشير البيانات إلى أن عدد سكان سوريا قد تضاعف خلال الأربعين عاماً الماضية، حيث وصل إلى 18.3 مليون نسمة في عام 2021 مقارنة بـ 8.9 مليون نسمة في عام 1980.
وقدَّر البنك الدولي معدل النمو السكاني السنوي بـ 5.91% خلال عام 2022. ووفقاً لتوقعات البنك، فقد يصل عدد السكان في سوريا إلى حوالي 30، 35، 38 مليون نسمة، بحلول أعوام 2023، 2040، 2050 على التوالي. ويوضِّح تحليل البنك الدولي لاستخدام المياه في المنطقة أن سوء إدارة الموارد المائية والتخطيط قد أدت بسوريا إلى أزمة حادة، حيث تشير بعض التقديرات إلى أن نقص المياه في البلاد قد يتجاوز 3.5 مليار متر مكعب بحلول عام 2050.
الدول غير العربية:
1) إيران: تشير تقديرات البنك الدولي لشهر أبريل 2022 إلى أنه من المتوقع أن يظل متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي متواضعاً على المدى المتوسط في إيران، حيث تشير البيانات أن عدد السكان في إيران سجَّل معدل زيادة بلغ 131.6% خلال الأربعين عاماً الماضية، حيث وصل إلى 85 مليون نسمة في عام 2021 مقارنة بـ 36.7 مليون نسمة في عام 1980. وقدَّر البنك الدولي معدل النمو السكاني السنوي بـ 0.98% خلال عام 2022.
ووفقاً لتوقعات البنك، يرجح أن يصل عدد السكان في إيران إلى حوالي 92، 95، 98 مليون نسمة، بحلول أعوام 2023، 2040، 2050 على التوالي. كما يرجح أن يكون هناك ارتفاع منخفض نسبياً في ضغط الشباب للحصول على المزيد من الوظائف حتى عام 2040 على الأقل، فضلاً عن ارتفاع عدد السكان ممن تزيد أعمارهم على 65 عاماً حتى عام 2050، ومن ثم سيكون هناك ارتفاع مقلق بالتبعية مع تقدم السكان في السن. وتظل قضية تغير المناخ وإمدادات المياه تشكل تحدياً خاصاً بالنسبة لطهران، حيث تُظهر تحليلات البنك الدولي لاستخدام المياه أن إيران تعاني إجهاداً مائياً مرتفعاً.
ختاماً، شهدت منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا زيادة هائلة في عدد السكان منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، ويجب الأخذ في الاعتبار أنه لا توجد أرقام موثوقة تماماً للنمو السكاني، وغالباً ما تختلف تقديرات السكان في الماضي والحاضر والمتوقع لكل بلد حسب المصدر، ولم تتوفر تقديرات واسعة موثوقة للاتجاهات السكانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلا في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، بيد أن البيانات الخاصة بالفترة من 1950 إلى 2021 تبدو دقيقة بدرجة كافية لقياس الاتجاهات الرئيسية في الزيادات السكانية حتى عام 2050.
المصدر:
1- Anthony H. Cordesman and Paul Cormarie, Demographic Change in North Africa: A Case Study by Country, Center for Strategic and International Studies (CSIS), September 7, 2022.
2- Anthony H. Cordesman and Paul Cormarie, Demographic Change in Greater Levant: A Case Study by Country, Center for Strategic and International Studies (CSIS), September 12, 2022.
3- Anthony H. Cordesman and Paul Cormarie, Demographic Change in Arab/ Persian Gulf: A Case Study by Country, Center for Strategic and International Studies (CSIS), September 7, 2022.