تسعى دول مجلس التعاون الخليجي لتنويع اقتصاداتها وتبني استراتيجية مستدامة لتنمية هذه الاقتصادات، وهنا يُعد قطاع السياحة من بين القطاعات المستهدفة لتحديث وتطوير بنية اقتصاداتها، وزيادة عائداتها المالية، إلى جانب إيرادات النفط. وتبنت دول الخليج حزمة من السياسات في الفترة الماضية بهدف إرساء أسس خلاقة لتنمية القطاع السياحي، وشمل ذلك التوسع في تنظيم الأحداث الكبرى، وتنمية المشاريع السياحية، إلى جانب تقديم تسهيلات السفر للسياح، ومن شأن تلك الحزمة أن تدعم آفاق السياحة في منطقة الخليج.
مساهمة السياحة:
حقق قطاع السفر والسياحة في دول مجلس التعاون الخليجي معدلات نمو قوية قبل جائحة كورونا، وساهم بنسبة وصلت في المتوسط إلى 9.7% من الناتج المحلي للاقتصادات الخليجية في عام 2019، ولكن بسبب تبعات جائحة كورونا انخفضت هذه النسبة إلى 6.5% في عام 2021، طبقاً لبيانات مجلس السياحة والسفر العالمي. وفي المُجمل، ساهمت دول الخليج بنسبة 3% من إجمالي حركة السياحة العالمية في عام 2019.
وفي دولة الإمارات، وصلت مساهمة قطاع السفر والسياحة إلى 11.7% من الناتج المحلي في عام 2019، بينما بلغت 9.7% في السعودية خلال العام نفسه. جدير بالذكر أن مؤشرات الأداء السياحي اضطربت بمختلف الدول السياحية حول العالم بعد جائحة كورنا، ومن ثم لا يمكن الاعتداد بأرقام 2020 و2021 كمؤشر يعكس الأداء التاريخي للقطاع.
ويعتبر السفر الشخصي والترفيه الغرض الأساسي للمسافرين إلى دول الخليج بحصة تصل إلى حوالي 75% من إجمالي المسافرين سنوياً، بينما تستحوذ الأعمال والمؤتمرات على النسبة المتبقية. وبصفة عامة، تشير الإحصائيات السابقة إلى ارتفاع معدلات مساهمة قطاع السياحة في الناتج المحلي الإجمالي لدول الخليج، ونمو القطاع مدعوماً بسياسات قوية لتطويره خلال السنوات الماضية.
عوامل النمو:
ثمة مجموعة من السياسات الجديدة التي تتبناها الحكومات الخليجية لتنمية القطاع السياحي فيها، وأبرزها ما يلي:
1- مواصلة دعم بنية الطيران: تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي شبكة طيران واسعة تربطها بالعالم، وتضم 13 شركة أبرزها طيران الاتحاد، والإماراتية، وفلاي دبي، والعربية للطيران، والخطوط الجوية السعودية، وغيرها. وتعمل شركات الطيران الخليجية على الانضمام لتحالفات طيران دولية مثل "سكاي تيم"، و"وون ورلد"، وتوقيع اتفاقات شراكة بالرمز مع شركات الطيران الدولية، بغرض تعزيز نموها وتقديم خدمات أكبر للمسافرين، وتيسير عدد أكبر من الرحلات الدولية لمختلف الوجهات.
وتمثل الإمارات والسعودية سوقين رئيسيين للطيران في المنطقة، وتساهمان معاً بنسبة 73% من إجمالي حجم أسطول قطاع الطيران في دول مجلس التعاون. كما تستحوذ المطارات الرئيسية في الإمارات والسعودية على ما يقرب من 80% من حركة الركاب الإقليمية، طبقاً لشركة "موردور إنتلجنس" لأبحاث السوق.
2- تنظيم الأحداث العالمية الكبرى: تأثرت الأنشطة الخدمية في العالم، بما في ذلك السياحة، نتيجة حالة الإغلاق التي شهدها العالم بسبب جائحة كوفيد-19، لكن سرعان ما حاولت الحكومات استعادة الزخم السياحي عبر مجموعة من السياسات، من بينها تنظيم الأحداث والفعاليات الكبرى.
وقد كان تنظيم الإمارات معرض "إكسبو دبي 2020" خلال الفترة من 1 أكتوبر 2021 إلى 31 مارس 2022، محفزاً رئيسياً لتنشيط قطاع السفر والسياحة في الدولة، حيث بلغ عدد المسافرين عبر مطار دبي نحو 11.8 مليون شخص في الربع الأخير من عام 2021، وحققت الإمارة أعلى نسبة إشغال فندقي في العالم بنسبة بلغت 85% خلال الشهر الأخير للمعرض في مارس 2022.
ومن المقرر أيضاً أن تستضيف دول الخليج أحداثاً كبرى خلال المتبقي من عام 2022، حيث من المتوقع أن يجذب كأس العالم في قطر 2022 أكثر من مليون زائر، بعائدات مالية قد تصل إلى 17 مليار دولار، بحسب المستهدف الحكومي المُعلن. كما ستُعقد القمة العالمية السنوية الـ 22 للمجلس العالمي للسياحة والسفر في الرياض خلال الفترة من 29 نوفمبر إلى 1 ديسمبر 2022.
3- توسيع البنية السياحية: لاستيعاب طفرة الزائرين في المنطقة، استثمرت دول الخليج بكثافة لتطوير وتوسيع طاقة المنشآت الفندقية على مدار السنوات الماضية. ففي دولة الإمارات، ارتفع عدد المنشآت الفندقية بنسبة 5% على أساس سنوي إلى 1144 منشأة في عام 2021. وفي الفترة نفسها، زاد عدد الغرف الفندقية بنسبة 8% لتصل إلى 194 ألف غرفة. وستواصل الإمارات ضخ رؤوس أموال في القطاع السياحي خلال السنوات المقبلة بغرض تطوير طاقة المنشآت الفندقية، وتقديم منتجات سياحية متنوعة.
وتخطط السعودية لتطوير البنية السياحية عبر سلسلة من المشاريع الكبيرة الحجم مثل مشروع مدينة "نيوم"، ومشروع الريفيرا، وتطوير المدن التراثية. كما تسعى قطر، عبر برنامج للشراكة بين القطاع العام والخاص، لتطوير البنية التحتية والفنادق والسياحة الرياضية تمهيداً للوصول إلى 5.6 مليون سائح بحلول عام 2023.
4- تنويع نظام التأشيرات السياحية: يعد تيسير سُبل الانتقال والسفر بين الدول الخطوة الأهم في جذب أعداد إضافية من الزائرين، وذلك بالتزامن مع تقديم تسهيلات خاصة بالتأشيرات السياحية. وفي هذا الإطار، أتاحت دولة الإمارات، في سبتمبر 2022، للأجانب من جميع الجنسيات، التقدم بطلب الحصول على تأشيرة سياحية متعددة الدخول صالحة لمدة 5 سنوات من تاريخ الإصدار، شريطة البقاء في الدولة لمدة لا تزيد على 90 يوماً في السنة الواحدة. فيما أتاحت قطر لنحو 80 جنسية الدخول من دون تأشيرة، بجانب التأشيرات الإلكترونية.
وضمن خطتها لتطوير القطاع السياحي، أطلقت السعودية في عام 2019 تأشيرة لمدة عام للزوار من خارج المملكة بمدة إقامة تصل إلى 90 يوماً، ومكنت 49 جنسية في آسيا وأوروبا وأمريكا الشمالية من الحصول على التأشيرة الإلكترونية. كما أتاحت المملكة التأشيرة السياحية للمقيمين في دول الخليج إلكترونياً منذ الأول من سبتمبر 2022، ومدتها 90 يوماً متعددة الدخول لمدة عام كامل، كما يمكن لحامل هذه التأشيرة أداء مناسك العمرة خارج موسم الحج الذي تحدده وزارة الحج والعمرة كل عام.
كذلك، أصدرت عُمان، في 29 أكتوبر 2022، تعميماً إلى مطارات السلطنة يقضي بالسماح لجميع المقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي بدخول البلاد لجميع المهن التجارية دون تأشيرة مسبقة.
5- التطوير المؤسسي لقطاع السياحة والسفر: سلطت جائحة كورونا الضوء على أمرين جوهرين، هما أهمية البيانات في توقع سوق واحتياجات المسافرين، والدور الحيوي لتسريع عمليات التحول الرقمي لجذب السياح، خاصةً مع تغير أنماط السفر بعد عام 2020. وتشرع دولة الإمارات حالياً في تطوير نظام البيانات السياحية فيما يُعرف بمشروع "الحساب الفرعي للسياحة"، حيث يسهم المشروع في معرفة وتوفير كافة المؤشرات والبيانات الاقتصادية عن القطاع السياحي في الدولة. بينما تهدف السعودية لرقمنة القطاع السياحي عبر 9 برامج جاري العمل على تنفيذها حتى عام 2025 لتبسيط إجراءات السفر، إلى جانب إطلاق منصة للبيانات الإحصائية السياحية.
سياسات داعمة:
توجد سياسات إضافية قد تعمل على تحفيز الإمكانات الكبيرة للقطاع السياحي في منطقة الخليج، ومنها الآتي:
1- تنفيذ برامج سياحية مشتركة: يؤدي اعتماد دول الخليج على سياسات تنويع اقتصادها نفسها إلى مشاركة حصة الحركة السياحية الدولية نفسها الوافدة للمنطقة، وعليه ربما تعد سياسات الاندماج بين قطاعات السياحة في دول المجلس ركناً أساسياً لتعزيز المكاسب المشتركة من السياحة. وهناك فرص قوية بين دول الخليج لإطلاق برامج سياحية مشتركة، إلى جانب تكامل قطاعات الطيران المحلية من أجل تعظيم عوائد النشاط السياحي.
ويظهر ذلك جلياً في اتجاه دولة الإمارات والسعودية وسلطنة عُمان لاستضافة العديد من زوار قطر أثناء تنظيم كأس العالم لكرة القدم 2022، حيث قررت الدول الثلاث السماح لحاملي بطاقة "هيّا" المخصصة للجماهير القادمين لمشاهدة المونديال، بدخول أراضيها ومنحهم تأشيرات لعدة سفرات من دون الحاجة إلى موافقات مسبقة. ومن المتوقع أن تصل إلى الدوحة 90 رحلة دولية يومياً خلال تنظيم هذا الحدث العالمي، وستستقبل الإمارات 40 رحلة يومية من الدوحة في التوقيت نفسه.
2- تنويع الأسواق السياحية: تأتي الهند في المرتبة الأولى بين الأسواق الدولية الوافدة لدول الخليج، تليها المملكة المتحدة، بالإضافة إلى بلدان أخرى مثل لبنان ومصر وتركيا. وتتنوع الأسواق الوافدة إلى دبي لتضم أسواقاً غير تقليدية مثل روسيا وبريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وغيرها.
ويتطلب تنويع الأسواق السياحية الوافدة إلى الخليج طرح حملات تسويقية وبرامج سياحية لجذب أسواق جديدة، خاصةً من الدول التي تحقق معدلات نمو مرتفعة للسياحة الخارجية. وبالتوازي مع ذلك، سيوفر التوسع في برامج سياحة الأعمال، بجانب السياحة الترفيهية والرياضية والتسوق، فرصاً قوية لجذب فئات جديدة من السياح، بالإضافة إلى أهمية تشجيع السياحة الموسمية باعتبار الخليج وجهة مميزة في الشتاء.
3- تطوير السياحة الداخلية والبينية: تُعد السوق الخليجية من الأسواق المهمة في تصدير السياحة، مما قد يمثل عاملاً مُحفزاً لهذا القطاع، ويؤكد أهمية تقديم برامج مخصصة للسياحة المحلية أو البينية.
في ضوء ما سبق، يمكن أن تدخل السياحة في منطقة الخليج مرحلة جديدة من التعاون، مع إطلاق استراتيجيات متكاملة للسياحة الخليجية المستدامة، وهو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى تعزيز المكانة السياحية لدول الخليج، وزيادة الحصة السوقية لها من حركة السياحة الدولية.