أوضح التيار الصدري، في بيان صدر يوم 4 أكتوبر 2022، أنه يتطلع إلى مساعدة الأمم المتحدة في مساعيها نحو الإصلاح، وذلك رداً على تجديد البعثة الأممية في العراق دعوتها إلى الحوار بين القوى السياسية العراقية للخروج من أزمة تشكيل الحكومة، غير أن الصدر رأى أن الإصلاح يبدأ بعدم مشاركة الوجوه القديمة وأحزابها وأشخاصها في الحكومة المقبلة، في إعادة للتأكيد على موقفه الذي تبناه منذ بداية الأزمة العراقية.
تحديات أمام التنسيقي:
شهدت الساحة السياسية العراقية عدداً من التطورات، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1- طرح الصدر شروطه للحوار: وضع السيد مقتدي الصدر، في 4 أكتوبر 2022، عدة شروط للمشاركة في أي حوار للخروج من أزمة تشكيل الحكومة العراقية الراهنة. وتمثلت هذه الشروط في عدم مشاركة الوجوه القديمة وأحزابها وأفرادها في الحكومة المقبلة، في مؤشر على استمرار رفضه لقيام الإطار التنسيقي بتشكيل الحكومة العراقية القادمة.
كما طالب fأن يكون الحوار علنياً، بالإضافة إلى ضرورة ضبط النفس وعدم اللجوء للعنف والسلاح من جميع الجهات، في إشارة إلى الميليشيات المرتبطة بالحشد الشعبي. وأكد الصدر كذلك ضرورة تشكيل حكومة بعيدة عن الفساد والتبعية والميليشيات والتدخلات الخارجية لكي تكون مستقلة، وأخيراً، احترام سيادة العراق والحفاظ على أمنه.
2- استقطاب التنسيقي للمستقلين: سعى التنسيقي لمخاطبة ود المستقلين، وهو ما وضح في تصويت البرلمان الأخير على انتخاب النائب، محسن المندولاي، كنائب أول لرئيس البرلمان، خلفاً للقيادي الصدري حاكم الزاملي. ويعد المندلاوي محسوباً على النواب المستقلين، والمقدر عددهم بحوالي 40 نائباً، وهو ما يؤشر إلى سعي التنسيقي لاستقطابهم ودفعهم للمشاركة في الاستحقاقات القادمة، وذلك لكي يتوفر النصاب القانوني لعقد جلسة البرلمان المخصصة لانتخاب رئيس الدولة، والمقدرة بأغلبية الثلثين.
3- تمسك السيادة بمطالبه: على الرغم من إعلان التنسيقي تأسيس تحالف إدارة الدولة بالتوافق مع السنة والأكراد، فإنه من الملحوظ أن المؤشرات على الأرض تكشف أن هذا التحالف لم يقم بعد بشكل رسمي، فما هو قائم حتى الآن، لا يعدو إلا أن يكون تفاهمات مبدئية، وهو ما وضح في تقديم تحالف السيادة السني لجملة من المطالب من التنسيقي، حتى يوافق على الانضمام له في تشكيل الحكومة القادمة.
وتتمثل هذه المطالب في إعادة نازحي منطقة جرف الصخر في محافظة بابل، وإنهاء وجود الميليشيات الشيعية في تلك المناطق، بالإضافة إلى سحبهم بشكل كامل من المحافظات الغربية كافة، ذات الأغلبية السنية، وإحلال قوات من الشرطة المحلية محلهم، فضلاً عن فتح الباب أمام السنة للتطوع في وزارات الداخلية والدفاع، بالإضافة إلى إعادة إعمار المدن المحررة. كما طالب السيادة بإطلاق سراح المعتقلين الأبرياء ممن لم تثبت إدانتهم في أي قضايا، وإعادة بعض المحاكمات، التي كانت مثار شك، وكذلك إنهاء العمل بهيئة المساءلة والعدالة، والمعنية باجتثاث البعثيين من السلطة، وإحالة أمورها إلى المحاكم المختصة.
ولا شك أن التنسيقي سوف يجد صعوبة في الاستجابة لهذه المطالب، بالنظر إلى أن حرص إيران على وجود ميليشيات الحشد الشعبي، الموالية لها، في محافظة الأنبار السنية ذات الحدود مع سوريا، نظراً لمساعي طهران لإقامة ممر بري يربطها بسوريا ولبنان عبر العراق، كما أن هناك شخصيات بارزة داخل التنسيقي، مثل نوري المالكي وغيره، ممن تورط في محاكمات صورية ضد القوى السنية من أجل إقصائها عن المشهد السياسي، ولذلك، فإنه من غير المتوقع أن يستجيب التنسيقي لهذه المطالب.
4- تعثر جهود اختيار رئيس الجمهورية: أدى استمرار الخلاف بين الحزبين الكرديين، الحزب الديمقراطي الكردستاني، والاتحاد الوطني، حول مرشح رئاسة الجمهورية إلى عرقلة جهود التنسيقي لتشكيل الحكومة الجديدة، في ظل تمسك كل حزب بمرشحه.
ولذلك منح التنسيقي الحزبين مهلة لمدة أسبوع واحد تنتهي في الأسبوع الثاني من أكتوبر 2022 لحسم الخلاف حول مرشح رئاسة الجمهورية، وفي حال عدم الحسم تعقد جلسة البرلمان الخاصة بانتخاب الرئيس، ليعرض الأمر على نواب المجلس لاختيار أي من المرشحين للحزبين، على غرار ما حدث في 2018، وهو الطرح الذي رفضه الديمقراطي الكردستاني، والذي هدد بمقاطعه جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إذ طرح فيها أكثر من مرشح للمنصب، بما يشير إلى تمسكه بمرشحه ريبر أحمد لرئاسة الجمهورية.
ولا شك أن مقاطعة الديمقراطي الكردستاني سوف تعني عدم توفر النصاب القانوني لعقد جلسة اختيار رئيس الدولة، والتي تحتاج إلى أغلبية الثلثين، وهو ما يعني استمرار إخفاق جهود التنسيقي لتشكيل الحكومة القادمة.
استمرار خيار التصعيد:
شهدت بعض المحافظات العراقية الجنوبية عودة الاحتجاجات من جديد، فضلاً عن وقوع استعراض عسكري بين الصدر وخصومه في التنسيقي، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- عودة التظاهرات إلى الجنوب: اندلعت احتجاجات في عدد من المحافظات الجنوبية، لاسيما البصرة وذي قار، مع خروج عدد من المتظاهرين احتجاجاً على الفساد وسوء الحكم، فضلاً عن وقوع عدة اشتباكات بين المتظاهرين وأفراد الأمن، مما أدى إلى فرض حظر تجوال في المحافظة واعتقال عدد من الأفراد، وجاءت الاحتجاجات في بعض محافظات الجنوب انعكاساً لاستمرار أزمة تشكيل الحكومة العراقية.
2- استعراض عسكري بين الخصوم: استمرت حالة الاستنفار بين الفصائل المسلحة التابعة للقوى السياسية المتصارعة، فقد قام المئات من عناصر سرايا السلام، الجناح العسكري التابع للصدر، باستعراض عسكري بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة في البصرة، وهو الاستعراض الذي جاء رداً على قيام فصائل تابعه لعصائب أهل الحق باستعراض عسكري مماثل في البصرة، وهو ما يشير إلى استمرار التوتر بين الصدر وخصومه في التنسيقي، خاصة عصائب أهل الحق.
كما قامت جماعة تنتمي إلى التيار الصدري بمهاجمة مقر القناة الرابعة الفضائية، المقربة من التنسيقي، في 4 أكتوبر 2022، وتكسير أجهزتها، وذلك رداً على أحد البرامج الحوارية في القناة، والتي اتهمت جيش المهدي ببيع السلاح للقوات الأمريكية، وهو ما اعتبره التيار الصدري إساءة له، وهو ما يكشف عن تصاعد حجم الاحتقان بين الصدر وخصومه.
خيار مؤجل للصدر:
على الرغم من رد المحكمة الاتحادية العليا للطعن المقدم بعدم صحة استقالة نواب التيار الصدري من مجلس النواب العراقي لعدم توفر المصلحة العامة لدى المدعين، فإنه قد يكون ملف عودة نواب الكتلة الصدرية إلى البرلمان أحد أهم خيارات الصدر المؤجلة، وهو ما يمكن استعراضه في التالي:
1- توفر المسوغات القضائية لعودة نواب الصدر: أشار عدد من القانونين في العراق إلى أن عملية قبول استقالة نواب الكتلة الصدرية قد جاءت مخالفة للقوانين العراقية المنظمة لاستقالة النواب من البرلمان العراقي، إذ إن البند ثالثاً من المادة 1 من قانون استبدال أعضاء مجلس النواب تشير إلى أن الموافقة على استقالة النائب تخضع للتصويت عليها في مجلس النواب بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه، كما يجب أن تكون مدة عضوية النائب في المجلس لا تقل عن عام، حيث جاء في النص "تسري الفقرة أولاً من الأمر رقم 9 لسنة 2005 على عضو مجلس النواب وأعضاء هيئة الرئاسة في حالة تقديم استقالته وقبولها من قبل المجلس بالأغلبية المطلقة، على أن لا تقل فترة عضويته في مجلس النواب عن سنة واحدة".
ويلاحظ أنه لم يتم التصويت على استقالة نواب الصدر في البرلمان، فقد قبلها رئيس مجلس النواب من دون عرضها على المجلس، كما أن عضوية نواب الصدر في البرلمان لم يمر عليها عام كامل، وهو ما يعني أنه بإمكان نواب الصدر أن يلجؤوا إلى المحكمة الاتحادية العليا للعودة للبرلمان من جديد.
2- دعم قوى داخل التيار للعودة للبرلمان: تشير عدة تحركات للهيئة السياسية للتيار الصدري وبعض قيادته إلى وجود إرادة سياسية لعودة النواب المستقيلين، وأن هناك فريق داخل التيار غير راضٍ عن استقالة نواب الكتلة الصدرية، لما لها من آثار سلبية على مكاسب التيار الصدري التي حصل عليها خلال الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إذ إنها تفتح المجال أمام التنسيقي لتشكيل الحكومة واستبعاد الصدر.
ولذلك من المتوقع أن يبقي خيار إمكانية عودة نواب الكتلة الصدرية مرة أخرى إلى البرلمان أحد الخيارات المؤجلة التي يمتلكها التيار الصدري، والتي قد يعيد فتحها أو اللجوء إليها خلال الفترة القادمة، في حال نجاح التنسيقي في مساعيه الخاصة بتشكيل الحكومة مع تجاهل مطالب الصدر.
وفي الختام، تكشف مجمل التطورات السابقة أن جهود التنسيقي لتشكيل الحكومة العراقية القادمة لاتزال متعثرة، سواء بسبب استمرار الخلاف الكردي الداخلي حول مرشحهم لرئاسة الدولة، أو بسبب مطالب تحالف السيادة السني التي قدمها للإطار التنسيقي للموافقة على الدخول معه في ائتلاف واحد لتشكيل الحكومة العراقية القادمة. وحتى إذا استطاع التنسيقي تجاوز العقبتين السابقتين، فإن الصدر يستطيع اللجوء إلى المحكمة الاتحادية لإعادة نوابه إلى البرلمان العراقي، وتحويل التنسيقي إلى أقلية من جديد، وإجهاض جهوده لتشكيل الحكومة العراقية.