أعلنت حركة طالبان، في تغريدة لها على موقع تويتر في 18 نوفمبر الجاري، أن القوات الخاصة التابعة لها، تمكنت من كشف خلية لتنظيم داعش في منطقة قلعة مراد بيك، بولاية كابول الأفغانية، والتي كانت تخطط لتنفيذ هجمات ضد المدنيين. ويأتي هذا بعد ثلاثة أيام من قيام طالبان بشن هجمات على عدة مخابئ لداعش في ولاية قندهار بجنوب البلاد، مما أسفر عن مقتل أربعة واعتقال عشرة من عناصر التنظيم.
أهداف عمليات طالبان العسكرية:
تكثف طالبان في الآونة الأخيرة جهودها لمواجهة التهديدات المتصاعدة من جانب تنظيم داعش خراسان، وهو ما يكشف عن سعي طالبان لتحقيق عدد من الأهداف، والتي يمكن تفصيلها على النحو التالي:
1- الحصول على الدعم الاقتصادي: يُعد التحدي الاقتصادي، هو التهديد الأكبر لحركة طالبان في سعيها لإحكام السيطرة على أفغانستان وإثبات قدرتها على حكم البلاد. وتسعى الحركة من خلال تكثيف الهجمات لمواجهة مخاطر داعش، إلى توظيف ذلك في الحصول على المساعدات المالية ورفع التجميد عن الأرصدة الأفغانية في الخارج، والتي تمكنها من تسيير أمور الدولة وتقديم الخدمات، ودفع الرواتب للموظفين.
ولذا دعت إسلام آباد، حليف طالبان، المجتمع الدولي لاستئناف الدعم الاقتصادي لأفغانستان بسرعة، مُحذرة من أنها على شفا انهيار اقتصادي. كما أن استتباب الأمن في أفغانستان، سيمكنها من إقامة علاقات اقتصادية مع الخارج، وجذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة الصينية، للاستفادة من الثروات الطبيعية التي تتمتع بها، مثل النحاس والكوبالت والذهب والحديد والليثيوم واللازورد.
ومن جهة أخرى، تقع أفغانستان على أهم طرق وممرات تجارية تربط الجنوب الآسيوي بالوسط والشمال، وترغب، بالتعاون مع حليفتها باكستان، أن تصبح من الممرات الرئيسية لمشروع الطوق والطريق البري، فقد أشار منصور أحمد خان، السفير الباكستاني لدى أفغانستان، في 28 سبتمبر الماضي، إلى أن بلاده ناقشت انضمام حكومة "طالبان" إلى مشروع البنية التحتية للممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني.
2- ضمان الاعتراف الدولي: تسعى طالبان منذ سيطرتها على زمام الأمور في أفغانستان، إلى الحصول على الاعتراف الدولي، إلا أنها تدرك أن هذا الاعتراف يتوقف بدرجة أكبر على التزام طالبان بمنع استخدام الأراضي الأفغانية من قبل الجماعات الإرهابية وتحويلها لبؤرة تصدر الإرهاب للدول الأجنبية.
ولعل تصاعد الهجمات الانتحارية من جانب داعش خلال الشهرين الماضيين، والتي أسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 90 شخصاً وإصابة مئات آخرين، قد أثار مخاوف المجتمع الدولي من إمكانية إخفاق طالبان في التصدي لهذا التهديد، خاصة في ضوء وجود تقييمات سلبية لمسؤولين غربيين باحتمالية اكتساب داعش القدرة على ضرب أهداف دولية في غضون ستة إلى اثنى عشر شهراً.
ونجحت طالبان في استثمار دورها في محاربة داعش لنيل الاعتراف الدولي بها، حيث التقى ممثلو دول "ترويكا بلس"، والتي تضم الولايات المتحدة والصين وروسيا وباكستان، في 11 نوفمبر الجاري، بوزير الخارجية في حكومة طالبان، أمير خان متقي، والذي مثّل أكبر مشاركة أجنبية مع الحكومة الأفغانية، فضلاً عن لقاءات متعددة بين وفد من طالبان مع مسؤولين أمريكيين وأتراك وقطريين في الدوحة في يومي 26، و27 نوفمبر الجاري، بما يوحي باستمرار المفاوضات بين طالبان والدول الأجنبية لبحث الاعتراف بحكومة طالبان، مقابل الالتزام بشروط معينة.
3- التأييد الشعبي وفرض الأمن: تأتي محاولات طالبان لدحر تنظيم داعش، في إطار مساعيها لإحكام السيطرة على أفغانستان، وفرض النظام والأمن، لكسب الشرعية الشعبية في الداخل، لاسيما في الوقت الذي تتزايد فيه مخاطر التنظيم.
وتُشير التقديرات إلى أنه في الفترة من 18 سبتمبر إلى 28 أكتوبر 2021، نفذ داعش ما لا يقل عن 54 هجوماً في أفغانستان، تنوعت بين التفجيرات الانتحارية والاغتيالات ونصب الكمائن، وطالت المدنيين والبنى التحتية والمساجد الشيعية، سواء في شمال البلاد أو جنوبها.
وكان أحدث تلك العمليات استهداف مستشفى كابول العسكري في 2 نوفمبر الجاري، والذي أودى بحياة ما لا يقل عن 19 شخصاً، وهو الأمر الذي يُضعف من سيطرة طالبان على الأوضاع في أفغانستان، بما قد يمهد لنشوء معارضة مسلحة ضد حكمها في فترة لاحقة، وبدعم من إحدى الدول الإقليمية.
4- الانتقام من داعش: تُدلل الهجمات التي يشنّها مقاتلو طالبان على معاقل داعش، على رغبتهم في الانتقام من التنظيم، خاصة بعد مقتل القيادي العسكري في حركة طالبان، حمد الله مخلص، في الهجوم على مستشفى كابول العسكري، وهو أحد عناصر القوات الخاصة لحركة طالبان "بدري 313"، وهي القوات المعنية بمواجهة داعش في أفغانستان. ويُعد "مخلص" أعلى مسؤول في طالبان يقتل منذ تولت الحركة السلطة في أفغانستان في منتصف أغسطس الماضي.
فرص القضاء على داعش
يمكن إلقاء الضوء على بعض سيناريوهات المواجهة بين طالبان وداعش خلال الفترة القادمة، وذلك على النحو التالي:
1- تمكن طالبان من دحر داعش: يفترض هذا الاحتمال أن تتمكن حركة طالبان من تحجيم داعش، والحيلولة دون تنامي نشاطه الإرهابي داخل أفغانستان، وذلك بالاستناد إلى الدعم الباكستاني العسكري والاستخباراتي، وكذلك الدعم الدولي، والذي وضح في اتفاق المشاركين في اجتماع "ترويكا بلس"، على ضرورة استقرار الدولة الأفغانية، وعدم تحويلها إلى ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية.
كما أن طالبان تعتمد في محاربة تنظيم داعش على شبكة حقاني وتنظيم القاعدة الإرهابي والسكان الموالين لطالبان، بما لديهم من خبرة ميدانية في قتال داعش، أو التبليغ عن أماكن وجودهم، وهو ما قد يساعدها في القضاء على التنظيم.
2- فشل طالبان في مواجهة داعش: يقوم هذا الاحتمال على تراجع قدرة طالبان على القضاء على داعش، وذلك في ضوء استمرار تعليق الحكومات الأجنبية تقديم المساعدات الاقتصادية، واستمرار تجميد الأصول الأفغانية المحتجزة في الخارج، بما يرتبه ذلك من تنامي الغضب الشعبي، وتمكن داعش من استثمار ذلك لتجنيد عناصر جديدة.
ويشير تقرير صحفية وول ستريت جورنال، في مطلع نوفمبر الجاري إلى تمكن داعش من تجنيد عناصر من قوات الجيش الأفغاني وجهاز المخابرات السابق، والذين تلقوا تدريباً على أيدي القوات الأمريكية، وهو ما يزيد من مخاطر التنظيم.
وتتراجع فرص تحقيق مثل هذا السيناريو بالنظر إلى تمتع داعش بجاذبية محدودة في أفغانستان، حيث لم يستطع في السابق السيطرة، إلا على ولايتي كونار وننجارهار في الشرق، لما تحظى به الولايتان من انتشار لفكر السلفية المتشددة، في حين ينتمي السواد الأعظم من الأفغان للمذهب الحنفي المعتدل، بما يعني وجود قيود على توسيع قاعدة المنتمين إليه والمؤيدين لفكره.
3- تبادل الضربات بين الطرفين: يفترض هذا السيناريو فشل طالبان في القضاء بشكل كامل على تنظيم داعش، ولكنها في الوقت نفسه تضعف قدراته بشكل كبير، بما يجعله لا يستطيع السيطرة على أماكن وحكمها، ولكنه في الوقت نفسه لا يفقد القدرة على تنفيذ هجمات إرهابية، بما يمثله ذلك من إضعاف لطالبان وإحراجها أمام الداخل والخارج.
وختاماً، يمكن القول إن قدرة طالبان على إحكام سيطرتها على الأوضاع في أفغانستان واستتباب الأمن، والقضاء على داعش، يتوقف بالأساس على تماسكها الداخلي، واستمرار الدعم الباكستاني لها، فضلاً عن تهدئة مخاوف القوى الدولية حيالها، بما يؤهلها للحصول على الدعم الاقتصادي.
ومن المُتوقع أن تستغل طالبان العمليات الإرهابية التي يقوم بها داعش بهدف تقديم نفسها للمجتمع الدولي باعتبارها حركة متمايزة فكرياً عن داعش، وتسعى للقضاء عليه، للحصول على الاعتراف الدولي والمساعدات الاقتصادية اللازمة، حتى لا تدخل أفغانستان في فوضى، وتتحول إلى ملاذ آمن للتنظيمات الإرهابية.