منذ 170 عاماً ومعارض إكسبو الدولية توفر منصة لعرض أهم الابتكارات وتبادل الخبرات حول العالم، وذلك منذ أقيمت أول دورة لهذه المعارض في قصر الكريستال في لندن عام 1851، والتي عُرضت فيها ابتكارات الثورة الصناعية الأولى. ومنذ ذلك الحين يعتبر معرض إكسبو أحد أهم الأحداث على الصعيد الدولي، وله آثار كبيرة على الاقتصاد العالمي ككل، وعلى اقتصاد البلد المُضِيف على وجه الخصوص. فمعرض إكسبو عادة ما يُحدث طفرة في عدة قطاعات اقتصادية، وعلى رأسها الاستثمار والسياحة والسفر وتجارة التجزئة والعقارات، والعديد من القطاعات الأخرى.
وتنطبق هذه القاعدة على "إكسبو 2020 دبي"، حيث سيجتمع العالم خلاله من جديد، وعلى مدى 6 أشهر، خلال الفترة من 1 أكتوبر 2021 إلى 31 مارس 2022، وفي مكان واحد، وهو دولة الامارات العربية المتحدة، وهي فرصة كبيرة للدولة لتظهر للعالم ما حققته من إنجازات، وكذلك خططها الرائدة للمستقبل؛ وهي مناسبة لها ليجذب أنظار المستثمرين ورجال الأعمال والشركات والمسؤولين الدوليين، ناهيك عن الزوار والسائحين، بما سيكون له مفعول السحر على اقتصادها، لاسيما في فترةٍ مازال العالم يعاني فيها التداعيات السلبية لأزمة وباء كورونا.
دلالة إكسبو دبي التنموية
يحمل معرض إكسبو 2020 دبي رمزية كبيرة، في المقام الأول، كونه المعرض الأول من نوعه في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وجنوب آسيا. كما أن المعرض يوفر فرصة للبشر من جميع أنحاء العالم للالتقاء في مكانٍ واحدٍ، وتبادل الخبرات في العلوم والتكنولوجيا والثقافة والفنون وغيرها. كما أن المعرض يعزز جسور التواصل، ويفتح آفاقاً أكبر للتبادل التجاري والاستثماري بين مناطق العالم. ليس هذا وحسب، بل إنه يساعد دول العالم على التعاون في رسم مسار المستقبل وإيجاد حلول جماعية مستدامة للتحديات العالمية الأكثر الحاحاً في الوقت الراهن، انطلاقاً من التحديات الاقتصادية والصحية والمناخية والاجتماعية والثقافية، وغيرها.
وفي وسط كل ذلك، فلدى دولة الإمارات فرصة ذهبية لتعزيز دورها وإبراز مكانتها على الساحة الدولية، والاستفادة من الزخم الاقتصادي الذي سيوفره المعرض، من أجل تعزيز نمو اقتصادها، وفتح آفاق جديدة للمزيد من التنويع وفرص الدخل والتنمية الشاملة والمستدامة، وترك إرث مستدام للأجيال القادمة. ولعل أن المردود الإيجابي لمثل هذه المعارض، وعلى النحو المتوقع أن تحققه دولة الإمارات، قد ثبُتت واقعيته وحقيقته في تجارب الدول التي استضافت معارض إكسبو السابقة، والتي كان لها أثر قوي على اقتصادها، سواءً في وقت انعقادها أو على مدى سنوات لاحقة.
طفرة استثمارية
تشير معظم التقديرات إلى أنه منذ الإعلان عن فوز الإمارات باستضافة "إكسبو 2020 دبي" فقد استقبلت دولة الإمارات استثمارات تبلغ نحو 37 مليار دولار، كما أنه من المتوقع أن تستقبل الدولة استثمارات بنحو 6 مليارات دولار خلال فترة انعقاد المعرض، ما يعني أن إجمالي الاستثمارات التي ستستقبلها الدولة منذ عام 2013 وحتى نهاية المعرض سيصل إلى 43 مليار دولار. وإذا أضيف لهذا الرقم ما سيترتب على المعرض من تدفقات استثمارية بعد انتهائه، بناءً على اتفاقيات الشراكة والصفقات الاستثمارية التي سيتم عقدها خلاله، فإن حجم الاستثمارات الكلي المتدفق على الدولة يمكن أن يتضاعف بحلول نهاية العقد الجاري.
ولا يتوقف حجم الاستثمارات المرتبطة بالمعرض على التدفقات التي تستقبلها الدولة من الخارج، بل يشمل كذلك الاستثمارات التي أعلنتها الدولة لتنفيذ مشروعات إنشاء المرافق الخاصة باستضافة المعرض، والتي بلغت نحو 8 مليارات دولار. وفي كل الأحوال، فإن مجمل تلك الاستثمارات، سواء المحلية أو الخارجية، من شأنها أن تحدث طفرة كبيرة في القطاعات المستقبلة لتلك الاستثمارات في الدولة، على المديين المتوسط والبعيد.
ازدهار عقاري وسياحي
يأتي قطاعا العقارات والسياحة على رأس القطاعات المستفيدة من الاستثمارات التي تستقبلها الدولة أو تنفذها في إطار معرض إكسبو؛ فبطبيعة الحال، أدى تطوير موقع المعرض في دبي إلى تدفق هائل للنقد إلى قطاع العقارات، وهو الذي لم يقتصر على منطقة استضافة المعرض فقط، بل أيضاً في المناطق المحيطة، التي عادة ما تستفيد من التدفق السياحي على المعرض، وقد شهدت الفترة الماضية زيادة كبيرة في حركة تطوير مشاريع تجارية وسكنية جديدة بالقرب من الموقع.
وعلى الرغم من أن المعرض سيستمر لستة أشهر، لكن المرافق الخاصة بالمعرض ستظل بمنزلة الفرصة الاستثمارية الكبيرة، وتوفر العديد من خيارات الاستغلال في النشاط السياحي والترفيهي، وبشكل مستدام بعد انتهاء المعرض. وقد حدث ذلك بالفعل في معارض إكسبو الدولية السابقة، وهناك الكثير من المعالم السياحية العالمية الشهيرة القائمة حتى الآن، والتي تم تشييدها خصيصاً بمناسبة استضافة معارض إكسبو في دولها، ومنها برج إيفل في باريس، ومتحف التاريخ الطبيعي ومتحفي فيكتوريا وألبرت في لندن، وغيرها الكثير، وهي المعالم التي تظل مصدراً للجذب السياحي حتى الآن، وستظل كذلك في المستقبل.
ومن هذا المنطلق، فمن المتوقع أن يمثل إكسبو دبي بداية لعصر سياحي جديد للدولة، فخلال المعرض ستستقبل الدولة وفوداً من أكثر من 190 دولة، وكذلك نحو 25 مليون زائر. واستعداداً لهذا التدفق الكبير، فقد تم إنشاء ما يصل إلى 99 فندقاً جديداً في الدولة، بطاقة تبلغ 45,000 غرفة فندقية، سواءً في مدينة دبي أو المناطق المجاورة في الإمارات الأخرى، لخدمة زوار المعرض.
وفيما بعد انتهاء المعرض، فمن المتوقع أن يستمر التدفق السياحي على الدولة بأعداد أكبر مما كان في فترة ما قبل المعرض، في ظل رغبة السائحين من جميع أنحاء العالم في زيارة معالم إكسبو 2020 دبي، وهو ما سيعزز الدخل السياحي للدولة، ويزيد تنافسيتها على خريطة السياحة العالمية، ويحفز جهود التنويع الاقتصادي على المدى البعيد.
نمو متوقع لتجارة التجزئة
باعتبار أن معرض إكسبو 2020 دبي سيجذب ملايين الزوار سواءً خلاله أو بعد انتهائه، فإنه سيساعد قطاع تجارة التجزئة في الدولة على تحقيق أرباح كبيرة ونمو سريع في المبيعات. فعلي سبيل المثال، تشير التقديرات إلى أن هناك فرصةً فريدةً لنمو قطاع الأغذية والمشروبات في الدولة، حيث من المتوقع تقديم 85,000 وجبة كل ساعة خلال المعرض، سواءً بالنسبة للمنظمين أو الزائرين. يضاف إلى ذلك أن هناك زيادةً متوقعةً في الانفاق على البيع بالتجزئة في الإمارات تقدر بأكثر من 10 مليارات دولار خلال فترة المعرض، وهي لن تكون قاصرة على إمارة دبي فقط، بل إنها ستشمل جميع أسواق التجزئة في الدولة.
زخم في سوق العمل
من أهم المؤشرات البارزة للتأثير الإيجابي لإكسبو دبي على الاقتصاد الإماراتي، أن المعرض خلق العديد من فرص العمل الجديدة في الإمارات في مختلف القطاعات الاقتصادية، ومنذ الإعلان عن فوز الدولة بحق استضافته، والذي كان إيذاناً ببدء استعدادات الدولة والدول المشاركة، للمعرض، والشروع في تنفيذ مشروعات البنية التحتية والعقارات والأجنحة الوطنية، وغيرها. وقد تم توظيف عشرات الآلاف من الأيدي العاملة من جميع أنحاء العالم في تلك المشروعات. وبحسب الموقع الرسمي للمعرض، ففي المجمل، يقدر عدد فرص العمل التي يتم توليدها في أنشطة اقتصادية لها علاقة بالمعرض، بما يتراوح بين 50,000 إلى 90,000 وظيفة بدوام كامل، خلال الفترة من عام 2013 حتى عام 2031.
القيمة المضافة لإكسبو دبي
يعد إكسبو 2020 دبي استثماراً طويل الأجل للإمارات، لما يمثله من دعم للرؤية المستقبلية للدولة، ودوره في تعزيز فرص التنمية الشاملة المستدامة، والتحرك نحو الاقتصاد القائم على الابتكار، وخلق بيئة أعمال مواتية للقطاعات الرئيسية، مثل الخدمات اللوجستية والنقل والسياحة والعقارات والتعليم والرعاية الصحية وسوق العمل، وصناعة المعلومات والمعرفة والثقافة، والذكاء الاصطناعي، والأنشطة البيئية، والطاقة النظيفة، والأبعاد الاجتماعية، وغيرها.
وفي المجمل، فإن ذلك الاستثمار، والطفرة التي ستشهدها العديد من القطاعات، عبر تنفيذ المشروعات الكبرى، من شأنهما تعزيز القيمة المضافة للاقتصاد الإماراتي، ويساعد على توليد المزيد من الناتج بالنسبة له، بما يمكنه من تحقيق مكاسب تقدر بنحو 33 مليار دولار، وذلك وفق تقديرات الموقع الرسمي لإكسبو، كما أنه سيساعد على رفع معدل النمو الاقتصادي للدولة بنحو 1.5 نقطة مئوية، وذلك في سنوات ما بعد انتهاء المعرض.