رغم تمكن حركة طالبان على السيطرة على 33 ولاية من إجمالي 34، دون عناء كبير، خلال أسابيع، إلا أن إقليم بانشير الذي يقع في شمال وسط أفغانستان ظل صامدا أمام هجمات الحركة المتكررة على مدار الأيام الماضية.
ومرارا أكد أحمد مسعود، حاكم الإقليم، الذي يبعد عن العاصمة الأفغانية نحو 150 كيلومترا، أنه لن يستسلم لحكم طالبان وسيقاوم ومن معه إلى النهاية، مستدعيا بذلك تاريخ والده أحمد شاه مسعود الذي تصدى للحركة قبل نحو عقدين، قبل أن يتم اغتياله على أيدي تنظيم القاعدة عام 2001.
وصباح الخميس، تصدت جبهة المقاومة في بانشير لمحاولة جديدة من جانب طالبان لاقتحام الولاية، فيما تكبدت الثانية خسائر فادحة، ووفقا للمتحدث الرسمي باسم قوات الولاية سقط مئات القتلى والأسرى من طالبان جرّاء الاشتباكات العنيفة.
ومنذ سيطرة طالبان على العاصمة كابل، منتصف أغسطس الماضي، تحولت أفغانستان إلى محط اهتمام الباحثين والدارسين في محاولة لفهم الواقع واستشراق المستقبل، وحظيت بانشير بقدر كبير من اهتمام المتابعين للشأن الأفغاني بسبب صمودها في وجه الحركة.
ويقول عبد القادر فقير زادة وهو أحد أبناء الإقليم، ومقرّب من أحمد مسعود، إن المقاومة على أتم استعداد للتصدي دائما للهجمات التي تشنها حركة طالبان على الإقليم.
وأوضح زادة لموقع "سكاي نيوز عربية" أن الجميع في بانشير مستعدون لمقاومة طالبان، ومتمسكون بما تم الإعلان عنه من جانب مسعود بشأن تقاسم السلطة وضمان الحريات للجميع.
وتُرجع دراسة صادرة عن مركز المستقبل للدراسات المتقدمة عوامل صمود الإقليم الشهير بـ"وادي الأسود الخمسة"، إلى عدة أسباب، في مقدمتها الطبيعة الجغرافية الوعرة، و"بسبب هذه الطبيعة الجبلية الوعرة، فإنه لم يتم الاستيلاء عليها من قبل أي قوة خارجية، فقد كانت المنطقة بمنأى عن الإمبراطورية البريطانية أثناء محاولتها غزو أفغانستان خلال القرن التاسع عشر، وفشل السوفييت في الاستيلاء عليها في الثمانينيات من القرن الماضي، كما فشلت حركة طالبان في السيطرة عليها خلال التسعينيات".
السبب الثاني وفقا للدراسة، يرتبط بسعي أحمد مسعود إلى تقديم نفسه على أنه امتداد لوالده، أحمد شاه مسعود، الذي تمكن من مقاومة السوفييت وطالبان خلال العقدين الأخيرين من القرن الماضي.
وتلعب الديموغرافيا دورا هاما في مقاومة بانشير لطالبان، حيث تقول الدراسة إن "الولاية تقطنها أغلبية من عرقية الطاجيك، المناهضة لحركة طالبان، لأسباب عرقية وتاريخية، ويعتقدون أن طالبان، الذين ينتمون في أغلبيتهم إلى إثنية الباشتون سوف يسعون للهيمنة على كامل أفغانستان، بالإضافة إلى الانتقام منهم، بسبب دورهم في مناهضة الحركة على مدار سنوات".
أما السبب الرابع والأهم فيتعلق بالقدرة العسكرية، حيث "تشير التقديرات إلى أن بانشير تمتلك 20 قاعدة عسكرية، كما أنها استقبلت قرابة 10 آلاف مقاتل أفغاني، من الذين فروا من العاصمة كابل، ومدينتي مزار شريف وقندوز الشماليتين، وبالتالي، فإن تمركز مقاتلي الولاية مع القوات الأفغانية التي لم تستسلم لطالبان ربما يؤهلها لتحقيق انتصار عسكري في مواجهة الحركة".
وكان قائد جبهة المقاومة الأفغانية المتمركزة في ولاية بانشير أحمد مسعود، قد عرض شرطا لإلقاء سلاحه والانسحاب من السياسة في أفغانستان، تزامنا مع سيطرة حركة طالبان على مطار كابل بعد الانسحاب الأميركي ونهاية حرب الـ20 عاما، حيث قال لمجلة "فورين بوليسي": "إذا ما اعتزمت طالبان تقاسم السلطة مع الجميع وإقامة العدل ومنح المساواة والحرية للجميع في أفغانستان، حينها سوف أتراجع وأنسحب من السياسة".
وصرّح زعيم القوى المعارضة لطالبان بأن التسوية المقبولة مع الحركة لا يمكن تحقيقها إلا إذا شكلت حكومة شاملة ولامركزية في أفغانستان، واصفا جميع الخيارات الأخرى بأنها غير مقبولة لممثلي المقاومة، وإلا فإن المواجهة مع طالبان ستستمر.