شهدت الفترة من 2 أغسطس وحتى 18 أغسطس الجاري وقوع عدة مناوشات بين الجيش السوري ومسلحي درعا، في ظل تهديد الحكومة السورية بالتدخل العسكري ضد المسلحين في حالة عدم التزامهم بخريطة الطريق المقترحة من جانب روسيا، والتي تهدف في النهاية إلى استعادة الجيش السوري سيطرته على جنوب البلاد.
واندلعت الأزمة في 25 يوليو بسبب مطالبة الجيش السوري أهالي المنطقة بتسليم أسلحتهم الخفيفة، وذلك بناء على اتفاق التسوية الموقع في 2018، غير أنهم رفضوا، وهو ما دفع الجيش السوري لمحاصرة المدينة للضغط على المسلحين لتسليم أسلحتهم.
مواقف الأطراف المعنية
يمكن توضيح أبرز مواقف الأطراف المختلفة من أزمة درعا في التالي:
1- طرح خريطة طريق روسية: تشمل خريطة الطريق التي قدمها الجانب الروسي في 15 أغسطس مناطق درعا كافة الخارجة عن سيطرة الدولة. وتتمثل بنودها في مطالبة مسلحي المنطقة بتسليم السلاح الخفيف والمتوسط، وتهجير الرافضين للتسوية وتسليم السلاح، إلى جانب إجراء عمليات تفتيش عن الأسلحة والذخائر في درعا البلد، وهو ما يعني إعادة سيطرة الدولة كاملة على كامل محافظة درعا، بما في ذلك درعا البلد.
وتكشف المبادرة الروسية عن انحياز واضح تجاه الحكومة السورية، وهو ما يعني أن أي عملية عسكرية سوف يقوم بشنّها الجيش السوري في المنطقة، سوف تحظى بإسناد جوي روسي، بما يعزز من فرص نجاحها. ومع ذلك، تسعى موسكو إلى جعل خيار التصعيد العسكري هو آخر الخيارات المطروحة، حتى لا يترتب عليها نزوح موجة جديدة من اللاجئين، بما يثير انتقادات المجتمع الدولي، كما أن أي عمليات عسكرية في المنطقة سوف تلاقي مخاوف من الأردن وإسرائيل، خاصة لقرب المنطقة من الجولان المحتل.
2- تشدد الحكومة السورية: تصر القوات السورية على إبعاد الشخصيات المتهمة بالإرهاب إلى خارج درعا، وإنشاء تسع نقاط عسكرية ومفارز أمنية في المنطقة، واستعادة كامل السيطرة على المدينة، مما أدى لفشل عدة جولات من المفاوضات في أغسطس برعاية الروس بين اللجان المركزية لدرعا وممثلي الدولة السورية، وفشل عدة محاولات لاحقة للوصول لهدنة واتفاق جديد.
وتتمتع منطقة درعا بأهمية حيوية بالنسبة للنظام السوري، نظراً لأنه يمر بها معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، والذي كان أحد أهم المعابر التجارية للبلدين قبل الحرب الأهلية السورية، ومن ثم فإن تأمين المعبر يشغل أولوية للنظام السوري الساعي إلى التركيز على جهود إعادة الإعمار في أعقاب انتهاء الحرب الأهلية.
3- بحث اللجان المفاوضة تعديل بعض البنود: تحاول اللجان المركزية الممثلة عن الأهالي المفاوضة تعديل الكثير من البنود التي ذكرت في الخريطة الروسية، أهمها الالتزام باتفاق التسوية القديم الموقع في 2018 والذي ينص على عدم دخول الجيش السوري إلى درعا البلد مقابل دخول الشرطة المدنية وتسهيل عملها في المنطقة، بالإضافة إلى إخراج الميليشيات الإيرانية من جنوب سوريا، وتسليم السلاح الثقيل إن وجد بإشراف لجنة التنسيق التي حددها الجانب الروسي، وسحب التعزيزات العسكرية المطوقة لمدينة درعا البلد.
كما أصدرت عشائر حوران بياناً في 5 أغسطس استهجنت فيه الحشود العسكرية المتزايدة على أرض حوران، كما أصدروا بياناً آخر يتضمن دعوة إلى لا مركزية إدارية في درعا جنوب سوريا، وهو ما قوبل برفض واستنكار من الحكومة السورية، والتي اعتبرت الدعوة محاولة انفصالية.
ويتهم المسلحون في درعا بأنهم يتبعون تركيا وقطر، اللتين تسعيان إلى تشجيع العمل المسلح ضد الدولة السورية، خاصة أنهما تسعيان لتكبيد الحكومة السورية أكبر خسائر ممكنة، بعدما فشلت المعارضة المسلحة، المدعومة من الدولتين في إسقاط الحكومة السورية.
4- مطالبة واشنطن دمشق بوقف الهجوم: دعا وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في 4 أغسطس، نظام الأسد إلى وقف الهجوم بشكل فوري، غير أن واشنطن لم تقدم على اتخاذ أي خطوات أخرى، أو محاولة فرض عقوبات على دمشق، وربما تكتفي واشنطن بانتشارها العسكري في الأردن، وإمكانية تدخلها ضد أي تهديدات تفرضها إيران.
ولعل انسحاب واشنطن من أفغانستان، واضطرارها إلى تنفيذ عمليات إجلاء سريعة من هناك، بعد سقوط العاصمة الأفغانية كابول في 15 أغسطس في يد طالبان قد ساهم في انشغال الإدارة الأمريكية عن متابعة تطورات الوضع في درعا.
5- تحذير أممي من النزوح: وثقت الأمم المتحدة نزوح 18 ألف مدني من مدينة درعا البلد في 5 أغسطس، نتيجة قصف القوات السورية المدينة بشكل متقطع، وفرض إجراءات أكثر صرامة على مداخل ومخارج منطقة درعا البلد، ومناطق أخرى للضغط على المجموعات المعارضة للنظام، للاستسلام وتسليم أسلحتهم والانتقال إلى الشمال، فضلاً عن مخاوف من تنفيذ الجيش السوري تهديداته باقتحام مدينة درعا البلد وغيرها، في حالة عدم استجابة المسلحين لبنود المصالحة الروسية.
هواجس إقليمية متصاعدة:
تتابع كل من الأردن وإسرائيل تطورات الوضع في درعا، خوفاً من انعكاسها سلباً على أمنهما الداخلي، وهو ما يمكن تفصيله على النحو التالي:
1- مخاوف أمنية أردنية: يخشى الأردن من أن يؤدي الاقتتال في درعا، المحاذية للحدود الأردنية، إلى حركة نزوح جماعية للسكان باتجاهه، ما يضاعف أعباء اللاجئين السوريين، والذين تقدر أعدادهم بأكثر من مليون لاجئ سوري.
كما تنبع مخاوف عمان من الوجود المكثف لقوات وميليشيات إيرانية قرب الحدود وداخل مدينة درعا، وكان العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني أشار في السابق إلى تعرض بلاده للهجوم من طائرات مسيرة إيرانية الصنع. ولعل التهديدات الإيرانية كانت الدافع وراء إبرام اتفاقية الدفاع المشترك بين عمان وواشنطن، وإقامة قاعدة عسكرية أمريكية على الأراضي الأردنية، خاصة أنه لم يتم تنفيذ الاتفاق الأمريكي – الروسي في عام 2018، والذي نص على إبعاد الميليشيات الإيرانية لمسافة 60 كيلومتراً بعيداً عن الحدود الأردنية.
ويفضل الأردن نشر قوات من اللواء الثامن، أحد ألوية الفيلق الخامس، الذي تم تأسيسه بإشراف روسي من أبناء درعا والمنطقة الجنوبية التي تحظى كثير من عائلاتها وعشائرها بامتداد ديمغرافي في الأردن، وذلك لإبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود السورية.
2- ترقب إسرائيلي حذر: يثير الوضع في درعا اهتمام الدوائر الأمنية في إسرائيل بسبب قربها من الحدود الإسرائيلية، وإنما لأنها تعكس مساعي إيران في التمركز في جنوب البلاد، واتخاذها قاعدة أمامية لمهاجمة إسرائيل. وعلى الرغم من أن الرئيس السوري، بشار الأسد، وفقاً للتقييمات الإسرائيلية، لا يدافع عن بقاء القوات الإيرانية داخل سوريا، فإنه يقوم بتوظيفها على أساس مصلحي لاستعادة المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة السورية.
وتشير بعض التقديرات إلى أنه ليست هناك قوات إيرانية موجودة بشكل مباشر في درعا، ولكن مئات من عناصر حزب الله وعناصر من ميليشيات موالية لطهران، كما أن هذه العناصر مزودة بالأسلحة الثقيلة والخفيفة وطائرات مسيرة، وهو ما يقلق إسرائيل، خاصة في ظل وجود سابقة تتمثل في محاولة إيران مهاجمة إسرائيل باستخدام طائرات مسيرة انطلقت من سوريا.
ووفقاً للتفاهمات الروسية – الإسرائيلية السابقة، فإن تل أبيب لن تقدم على استهداف أي قوات إيرانية تقدم دعماً وإسناداً لنظام الأسد، ولكنها تستهدف تلك القوات التي تسعى لإقامة قواعد دائمة تتبع إيران، ولذا فإن إسرائيل سوف تكتفي بمراقبة تطورات الوضع في درعا، وما ستسفر عنه المفاوضات الجارية حول المدينة.
3- مخاوف تركية حول إدلب: تدرك أنقرة أن نجاح النظام السوري في السيطرة على جنوب البلاد، سوف يدفعه إلى تركيز جهوده على الشمال، خاصة محافظة إدلب، والتي لاتزال تتركز بها قوات إرهابية مدعومة من تركيا. ولذا، فإن أفضل وضع بالنسبة لتركيا هو إخفاق الجانب السوري في استعادة السيطرة على درعا، وإن لم تمتلك عملياً أي آليات لتغيير الوضع العسكري في جنوب سوريا، بالنظر إلى فرض النظام السوري حصاراً حول درعا.
وفي التقدير، فإن الحكومة السورية قد تتجه لاستعادة السيطرة على درعا عسكرياً، خاصة في ضوء الدعم الإيراني والروسي للعملية العسكرية المحتملة، وذلك في حالة فشل الاتفاق على خريطة الطريق الروسية، والتي تسعى إلى تصفية وجود المسلحين في المدينة، الذين يرفضون تسليم أسلحتهم، ونقلهم إلى الشمال.