عرض: عبد المنعم محمد – باحث في العلوم السياسية
بات توظيف الطائرات بدون طيار من قبل الجماعات والتنظيمات المسلحة مصدرًا مضافًا للقوة العسكرية والتسليحية لتلك العناصر، رغم ذلك لا تساعد تلك التقنية المسلحين في الانخراط المنتظم في الإكراه الاستراتيجي، بل يتوافق استخدامها مع القدرات النسبية للجماعات وأهدافها الاستراتيجية، وعليه من المرجح أن تستخدم هذه الجماعات لتلك التقنية للأغراض العسكرية التكتيكية.
وقد نشرت دورية كلية الحرب الأمريكية في عددها الثاني لهذا العام مقالا بعنوان "المنطق القسري لاستخدام المقاتلين للطائرات بدون طيار"، أعده أوستن دكتور وجيمس والش، والذي يقيم تأثير حيازة الجماعات المسلحة للطائرات بدون طيار ومدى توظيفها في تحقيق أهدافهم الاستراتيجية.
استخدام متزايد
يُشير الكاتبان إلى أن الاستخدامات العسكرية للطائرات بدون طيار قد زادت في العقد الماضي سواء من قبل الجهات الحكومية أو الفواعل من غير الدول، إذ لجأت الجماعات المسلحة لهذه التقنية في عدد من النزاعات كما هو الحال في نيجيريا، وإندونيسيا، وسوريا، والعراق، وليبيا، ما دفع الأمم المتحدة في مايو2019 للتأكيد على أهمية بذل مزيد من الجهود للتصدي للمخاطر والتهديدات المحتملة الناجمة عن وقوع تلك الأداة في يد الإرهابيين والجماعات المسلحة.
وقد ميز الكاتبان بين نوعين من الطائرات بدون طيار، أما الأول، فهو عبارة عن طائرة تشبه هيكل الطائرة العادية، ويتم التحكم بها عبر الأقمار الصناعية، ومزوده بتقنيات متطورة حديثة وأنظمة مراقبة متطورة، كما قد تحمل عدد من الصواريخ الموجهة، ويعد الحوثيين في اليمن وحزب الله اللبناني أبرز الجماعات التي تمتلك هذا النوع. في حين يتميز النمط الثاني من تلك الطائرات بصغر حجمها، ونطاقها المحدود.
وتزايد توظيف الجماعات الإرهابية للطائرات بدون طيار لعدة اعتبارات كونها غير مكلفة ويسهل الحصول عليها، علاوة على سهولة تصنيعها وانتاجها، كما أن تزايد أعداد الدول المنتجة والمصدرة لهذا التقنية يمكن أن يسهل حصول الجماعات المسلحة عليها، كما يمكن أن توظفها دول معينة لتحقيق ودعم سياستها الخارجية، كما هو الحال بالنسبة إيران التي تزود حزب الله والحوثيين بأنواع متطورة من الطائرات بدون طيار.
وتوفر الطائرات بدون طيار عدد من المزايا للجماعات المسلحة من بينها: سهولة تشغيلها واستخدامها مقارنة بالأنظمة الأخرى الأكثر تطورًا مثل الصواريخ من طراز كروز، علاوة على تكلفتها المنخفضة، حيث يُقدر تكلفة انتاج الطائرة المستخدمة في هجمات منشآت أرامكو السعودية في سبتمبر2019 بأقل من 15 ألف دولار، وهي تكلفة منخفضة بالنسبة للجماعات الإرهابية إذ ما تم مقارنتها بالنمط القائم على تفجير انتحاري بسيارة مفخخة والتي تتراوح ما بين 13 إلى 20 ألف دولار، ناهيك عن أن تلك التقنية تُحد من المخاطرة والتضحية بالعنصر البشري، إذ لا تحتاج لطاقم على متن الطائرة لتنفيذ العملية. من ناحية أخرى، توفر للمسلحين فرصة الاشتباك مع أهداف قد تكون شديدة الخطورة ويصعب التعاطي معها عبر القوات البرية.
القدرة على الإرغام
أوضح الكاتبان، أن الجماعات المسلحة يمكنها توظيف الطائرات بدون طيار لتقويض وارغام الخصوم، واقناعهم بتقديم تنازلات، وقد اتضح ذلك بصورة كبيرة عندما قام الحوثيين باستخدام الطائرات بدون طيار ضد عناصر التحالف العربي أو عبر توجية هجمات وضربات تجاه المملكة العربية السعودية وعدد من المنشآت الحيوية أو توجيه تهديدات لعدد من الدول المشاركة في التحالف وفقًا لما أعلنت عنه جماعة الحوثيين بعملية " توازن الردع"، في دلالة على حدود توظيف تلك التقنيات في إبراز قدرات الردع أو تشكيل تهديد، الأمر ذاته لجأ إليه حزب الله في يوليو2006 عندما استخدام الطائرات بدون طيار لتعطيل سفينة حربية إسرائيلية.
كما يمكن للمسلحين توظيفها ضد جماعات وتنظيمات متطرفة، ما يمكن الوقوف عليه من خلال قيام حزب الله في أغسطس 2017 باستخدام الطائرات بدون طيار لضرب بعض المواقع التي تسيطر عليها داعش بالقرب مع الحدود مع لبنان إلى جانب توجيه ضربات لجبهة النصرة، وهو الأمر الذي يبرهن على تطبيق واسع لتكنولوجيا الطائرات بدون طيار.
ويرى الكاتبان أنه من غير المرجح تغيير نمط استخدام هذا النوع من الأسلحة من أجل تحقيق استراتيجية التأثير عبر شن هجمات واسعة النطاق على مراكز حيوية للخصم، علاوة على استخدامها لأغراض جمع المعلومات الاستخبارية، وهذا الأمر يتطلب معه السيطرة على مساحات واسعة لإيواء أساطيل الطائرات بدون طيار إلى جانب تجهيز البنية التحتية الخاصة بها للحيلولة دون شن هجوم مضاد عليها.
ولعل الاستراتيجية السياسية الجوهرية لكافة الجماعات المسلحة يتمثل في الاستثمار في قدرات الطائرات بدون طيار لخلق القدرات المؤثرة على الجانب الاستراتيجي المضاد للجماعات أو الدول التي تمتلك الأسلحة الحديثة وأنظمة الدفاع والتحكم المتطورة.
أوراق ضغط
في ضوء تشابك استراتيجيات الجماعات المسلحة لتحقيق أهدافهم الميدانية، تنتهج تلك الجماعات نهج استهداف المدنيين وذلك لتحقيق ضغط على الأنظمة الحاكمة وتقديم التنازلات المختلفة علاوة على تحقيق أهداف سياسية تتمثل في كشف حالة عجز الحكومات عن الدفاع عن أراضيها، وهو ما استخدمه الحوثيين عبر تنفيذ عمليات بالطائرات دون طيار داخل الأراضي اليمنية أو في العمق السعودي وذلك بضرب البنية التحتية الحيوية مثل المطارات منذ 14 يونيو 2019، وهو ما يُمثل استراتيجية ردع بغرض تخفيف الدعم السعودي لليمن، وتُحقق تلك الاستراتيجية ما يلي:
١- خلق رأي عام مناوئ للنظام: يرى الكاتب أنه وعلى الرغم من عدم فعالية استخدام القوة الجوية لاستهداف المدنيين في النزاعات بين الدول، غير أن استخدام الطائرات بدون طيار للاستهداف بشكل منهجي للمدنيين واغتيال القادة السياسيين تٌشكل نمطاً واسعاً من التوتر العام مما يُعزز من فرضية تغير السلوك المجتمعي والضغط على الحكومات المتواجدة وتحمل رسائل تتمثل في القدرات العسكرية التي تتمتع بها تلك الجماعات المسلحة لإغراض الدعاية، ويرى الكاتبان أن ذلك النهج ربما يحقق نتائج عكسية تحول دون تأزم الموقف بل تخلق حالة من الاحتشاد للرأي العام حول النظام.
٢- إضعاف القوات النظامية: تُحقق الطائرات بدون طيار عبر استخدامها لاستهداف المدنيين والبنية التحتية حالة من إضعاف القوات في الميدان وقطع الدعم اللوجستي خاصة في ضوء استهداف المطارات والمصانع المدنية والبنية التحتية التي تخدم الغرض الاستراتيجي بما يهدد في النهاية مراكز القيادة والأسلحة والمستودعات، ولعل هذا الأثر يمتد بصورة كبيرة على الوضع الاقتصادي، وفي هذا الإطار نجد أن الحوثيين نفذت في أبريل 2018 عدد من الضربات باستخدام الطائرات بدون طيار ضد المطارات ومستودعات الذخيرة ومنشآت إنتاج النفط وعدد من المواقع الحيوية داخل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، حيث نفذ الحوثيون عدد 115 هجوماً بطائرات بدون طيار حتى أكتوبر 2019 من بينها (62) هجمات إرهابية ضد المطارات المدنية أو البنية التحتية الحيوية، وعدد(27) ضربات ضد القواعد العسكرية والقوات العسكرية وعدد (26 ) موجهة ضد أهداف غير معروفة، بالمقارنة فقد شنت قوات الحوثي 45 هجوما بالصواريخ الباليستية على القواعد والقوات العسكرية و20 هجومًا فقط ضد المدنيين المطارات أو البنية التحتية الحيوية.
٣- دعم القوات الجوية وجمع المعلومات الاستخبارية: تستهدف الجماعات المسلحة في دعم عمليات القوات البرية بما يسمح من هامش حركة أوسع ويعزز من الخطوط الأمامية للقوات الميدانية وذلك من أجل خلق ثغرات ونقاط ضعف في الجانب المضاد، ولعل المثال المدلل على ذلك يتمثل في قيام تنظيم داعش بتعديل الطائرات بدون طيار لتعزيز قدرة وإمكانياتها المختلفة لحمل الذخائر الصغير وذلك في مسرح العمليات في العراق وسوريا كما حدث في معركة الموصل، حيث تم تسجيل عدد (208) هجمة بطائرات بدون طيار في عام 2017 في العراق وسوريا وذلك على النقيض من العمليات التي قام بها الحوثيون وحزب الله، حيث استهدفت الدولة الإسلامية بتحقيق تطوير تكتيكي في الهجوم على ذات القيمة الاستراتيجية والتي تركز على المركبات العسكرية والقوات، فأقل من 5 بالمائة من العمليات استهدف البنية التحتية المتمثلة في المراكز العسركية وأبراج الاتصالات، وكان لتلك العمليات تأثير استراتيجي ضئيل نسبياً بسبب المعضلات التشغيلية والتكتيكية.
لقد بات استخدام الطائرات بدون طيار في عمليات استخبارية ومراقبة واستطلاع هي السمة الرئيسية لغالبية الجماعات المسلحة، ففي عام 2018 قامت حركة طالبان باستخدام تلك الطائرات على نطاق واسع لمراقبة مواقع وتحركات القوات الأمريكية، وهو الأمر المماثل الذي استخدمته ولاية غرب أفريقيا – التابعة لتنظيم داعش في نيجيريا- لجمع المعلومات الاستخبارية التكتيكية والتخطيط لهجمات الكر والفر التي تمتاز بفاعلية ودقة عالية وتجنب الهجمات المضادة، ولهذا باتت للطائرات بدون طيار هدف يعزز من دعم العمليات بشكل فعال وعلى نطاق واسع على الأرض، وهو ما أوضحه قائد قيادة العمليات الخاصة الأمريكية الجنرال "ريموند توماس" بأن المشكلة الأكثر صعوبة كانت مشكلة تكيفية مع العدو الذي بات يتمتع بتفوق تكتيكي في المجال الجوي.
يوضح الكاتبان أن هناك توجهاً لدى جماعة الحوثي لاستخدام الطائرات بدون طيار لاستهداف أهداف سهلة وحيوية في ذات الوقت، بينما تستخدم الصواريخ البالستية لضرب أهداف استراتيجية ذات نظام دفاع جوي وهو الأمر الذي يُعزز من قدرة تلك الجماعة على الأرض، وقد حققت تلك الاستراتيجية في نجاحاً محدود خاصة في ضوء بالرغم من عدم تغيير الحسابات الاستراتيجية للتحالف الذي تقوده السعودية، ومن زاوية أخرى فقد استخدمت جماعة الحوثي نمطاً غير مسبوق في توجيه التهديدات لكلاً من السعودية والإمارات.
وفي الأخير؛ توصل الكاتب إلى أن استراتيجية الطائرات بدون طيار تساهم في تعزيز القوة الجوية واستخدامها كجزء من الاستراتيجيات السياسية والعسكرية، وبالرغم من ذلك فإن الجماعات المسلحة تفتقر بصورة كبيرة في استخدام الطائرات بدون طيار بشكل منهجي في الاستهداف الأوسع، غير أنها يتم تطويعها بصورة لدعم المجموعات المسلحة في مسرح العمليات، على سبيل المثال استخدامها في عمليات الاعتراض ودعم المجموعات الميدانية، وهذا الأمر يرتبط بحجم القدرات والأهداف الاستراتيجية لدى الجماعات المسحلة.
المصدر:
Austin C. Doctor and James I. Walsh, The Coercive Logic of Militant Drone Use, Parameters 51, no. 2 (2021),pp 73- 84.