أفضى انتخاب سلطة تنفيذية ليبية جديدة، في فبراير الماضي، وهي خطوة وحّدت السلطات السياسية في البلاد، إلى مسارعة العديد من الدول إلى تعزيز التعاون مع ليبيا، وكان على رأس تلك الدول تونس، التي كثّفت من اهتمامها بشكل كبير، خلال الفترة الأخيرة، من أجل دفع تلك العلاقات إلى مستويات غير مسبوقة، وهو ما تجلّى بشكل واضح في زيارة رئيس الحكومة التونسية، في 22 مايو 2021، على رأس وفد رفيع المستوى إلى طرابلس، وكان قد سبق ذلك بشهرين فقط زيارة الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي قدم كامل الدعم للسلطة الليبية الجديدة.
مؤشرات عدة
هناك رغبة حثيثة من جانب السلطات الليبية والتونسية من أجل دفع العلاقات الثنائية للبلدين إلى مستوى أفضل، وهو ما يمكن توضيحه من خلال بعض المؤشرات، وذلك على النحو التالي:
1- زيارة وفد تونسي رفيع المستوى
وصل رئيس الحكومة التونسية، هشام المشيشي، في 22 مايو 2021، إلى العاصمة الليبية طرابلس، على رأس وفد ضخم يضم مسؤولين بارزين، منهم أربعة وزراء ومحافظ البنك المركزي، إلى جانب 100 رجل أعمال، وهو ما يحمل دلالة مهمة ترتبط بالرغبة التونسية في دعم التعاون الاقتصادي بين البلدين، خصوصاً في ظل ما تشهده ليبيا من استقرار نسبي مقارنة بالأعوام السابقة، وبالتحديد منذ وصول حكومة الوحدة الوطنية إلى السلطة، في فبراير الماضي.
فيما أعلن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبدالحميد الدبيبة، أن حكومته طلبت من تونس تسهيل الإجراءات اللازمة لانسياب الحركة على البوابات الحدودية بين الجانبين، كما لفت إلى أنه ستتم تسوية أوضاع العمالة التونسية في ليبيا، ورفع القيود عن اعتمادات البضائع القادمة لتونس براً.
2- افتتاح «المنتدى والمعرض التونسي» في ليبيا
على هامش زيارة المشيشي إلى ليبيا تم افتتاح المنتدى والمعرض الليبي التونسي، وذلك بمشاركة نحو 150 مؤسسة اقتصادية تونسية في مجالات مختلفة، تتضمن التجارة والبناء والخدمات، إلى جانب القطاع المصرفي، ومن جانبه أكد وزير الاقتصاد والتجارة بحكومة الوحدة الوطنية، محمد الحويج، في 23 مايو 2021، أن هناك رغبة في تشجيع الاستثمار بالسوقين الليبية والتونسية، ودعم الصادرات المحلية، وتحفيز التبادل التجاري.
3- عودة الرحلات الجوية بعد انقطاع سبع سنوات
استأنفت الخطوط الجوية التونسية، منتصف مايو 2021، تسيير رحلاتها إلى المطارات الليبية، وذلك بعد انقطاع دام نحو سبع سنوات، على أن تكون الرحلات الجديدة بمعدل رحلة يومية نحو مطار معيتيقة في طرابلس، وثلاث رحلات نحو مطار بنغازي، وأعقب ذلك، في 24 مايو 2021، إعلان رئيس الحكومة التونسية رفع كل القيود التي تمنع أو تحدّ من إقامة المواطن الليبي في تونس أو من تنقّله في البلاد.
4- مساعي الانخراط في مشروعات إعادة الإعمار
تَعتبر تونس ملفّ إعادة الإعمار في ليبيا أحد الملفات الرئيسة في سبيل تعزيز التعاون بين البلدين، وهو ما شدد عليه رئيس الحكومة التونسية، الذي ذكر أن «السوق الليبية تُعد اليوم سوقاً استراتيجية واعدة لتونس، خصوصاً بعد التقدم الذي شهده المسار السياسي الليبي على طريق الاستقرار»، مضيفاً أن «تونس سيكون لها دور مهم في إعادة إعمار ليبيا»، وهو ما يأتي في ظل تقديرات من البنك الدولي، تشير إلى أن كلفة إعادة الإعمار في ليبيا تبلغ نحو 200 مليار دولار.
دوافع ثنائية
تدفع السياقات الحالية، سواء في ليبيا أو في تونس، إلى ضرورة تعزيز علاقات البلدين في المجالات المختلفة، وذلك على النحو التالي:
1- توظيف التقدم السياسي
تسعى تونس إلى استغلال تدشين مرحلة انتقالية في ليبيا، عبر انتخاب الحكومة والمجلس الرئاسي، وصولاً إلى عقد انتخابات نهاية العام الجاري، وهي تطورات تعكس إنهاء عقد دامٍ في البلاد، خصوصاً أن تونس قد لعبت دوراً مهماً، على مدار السنوات القليلة الماضية، من أجل إنهاء العنف والتوتر في البلاد، حيث استضافت، في نوفمبر 2020، ملتقى الحوار السياسي الليبي، وقد كشفت المسؤولة الأممية السابقة، ستيفاني وليامز، عقب انتهاء الملتقى، أنه قد نجح في إحداث توافق حول ثلاثة ملفات مهمة تشمل اختصاصات السلطة التنفيذية، ومعايير الترشح، وخارطة الطريق، وهو ما مثّل خطوة مهمة أمام انتخاب السلطة التنفيذية الليبية بجنيف في مرحلة لاحقة.
كذلك فقد توجه الرئيس التونسي، قيس سعيد، في مارس 2021، إلى ليبيا، في أول زيارة لرئيس تونسي للبلاد منذ عام 2012، وهي زيارة هدفت بشكل رئيس إلى دعم المسار الديمقراطي في ليبيا، عقب تأدية الحكومة الجديدة اليمين الدستورية.
2- إنقاذ تونس اقتصادياً
تمثل ليبيا بالنسبة للحكومة التونسية نافذة فرص حقيقية يتوجب استغلالها، خصوصاً في ظل ما يشهده الاقتصاد التونسي من أزمات حادة فاقمتها جائحة «كورونا» بشكل أكبر، حيث انكمش الاقتصاد التونسي في عام 2020 بنحو 8.8%، مع تسجيل عجز في الموازنة بلغ نحو 11.4% من الناتج المحلي الإجمالي، وبالتالي يمكن أن يشكل تعزيز التعاون الاقتصادي بين البلدين قوة دفع مهمة للاقتصاد التونسي.
3- تحييد الأزمات السياسية
يعد ملف تعميق التعاون مع ليبيا أحد الملفات التي تحظى بتوافق سياسي واسع في الداخل التونسي، نظراً إلى أهميته المتعددة، وفي هذا الإطار فإن التحركات التونسية في ليبيا تسعى لتجاوز خلافات الرئاسات الثلاث، إذ إن الدعم القوي الذي يوليه الرئيس التونسي لتعزيز التعاون مع ليبيا، منسجم بشكل كبير مع تحركات رئيس الحكومة، وكذلك لا يختلف كثيراً عن موقف رئيس البرلمان، راشد الغنوشي، الذي يدعو بشكل مستمر إلى دور تونسي قوي في ليبيا.
4- مقاربة «دول الجوار»
أكد الرئيس التونسي، قيس سعيد، في أكثر من مناسبة أن دول الجوار الليبي قادرة على بذل دور كبير من أجل تحجيم الصراع الممتد منذ سنوات، ويأتي تصاعد الاهتمام التونسي بتعزيز التعاون مع ليبيا، متوازياً مع اهتمام مماثل من جانب مصر، وهو ما تجلّى مع زيارة رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، إلى طرابلس، في أبريل 2021، على ترأس وفداً مكوناً من 11 وزيراً، وهي زيارة شهدت توقيع اتفاقات تجارية واقتصادية مختلفة.
عقبات
على الرغم من تصاعد اهتمام دول الجوار، وعلى رأسها تونس، بتعزيز التعاون مع ليبيا، إلا أن هناك العديد من العقبات التي يمكن أن تحول دون إتمام ذلك، خصوصاً في ظل استمرار الوضع الأمني المتدهور، ولاسيما في غرب ليبيا، في ظل سطوة المليشيات المسلحة وانتشار المرتزقة الأجانب، جنباً إلى جنب مع احتمالية تصاعد حدة الخلافات حول آليات إنهاء المرحلة الانتقالية، وعقد الانتخابات في نهاية العام الجاري، وبما يتطلب ضرورة تعزيز الدعم للسلطة التنفيذية الليبية، من أجل تجاوز تلك المرحلة وصولاً إلى تسليم البلاد لسلطة منتخبة من الشعب الليبي.
الصدر : الإمارات اليوم