تتوقع المؤسسات الدولية تحسن أداء أسواق الطيران والسفر العالمية في عام 2021 بفضل إعادة فتح الأجواء بين دول العالم مرة أخرى وتخفيف قيود السفر العالمية. ومن المرجح أن يزيد عدد المسافرين الدوليين بأكثر من مليار مسافر في العام الجاري، وعلى نحو سوف يُنشِّط الطلب العالمي على وقود الطائرات، ويصب بالنهاية في إنعاش أسواق النفط العالمية. وفي العام الماضي، تراجعت حركة المسافرين الدوليين بشدة مع انتشار فيروس كورونا في العالم، وبما خفَّض الطلب على وقود الطائرات بأكثر من ثلاث ملايين برميل يومياً، وما يمثل حوالي ثُلث مستويات تراجع الطلب العالمي الكلي على النفط. ورغم التعافي المحتمل لأسواق الطيران العالمية، غير أن عودة الطلب العالمي على وقود الطائرات إلى مستويات ما قبل الجائحة غير وارد في العام الجاري في ظل ركود الاقتصاد العالمي، وتباطؤ حملات التطعيم ضد فيروس كورونا، والأقرب حدوثه مع انتعاش حركة المسافرين الدوليين في عام 2023 أو 2024.
ظروف ضاغطة:
شهدت الاقتصادات العالمية إغلاقاً طويلاً وواسعاً في عام 2020 بسبب جائحة كورونا، وعلى نحو أدى إلى أضرار كبيرة لكافة الأنشطة الاقتصادية وعلى رأسها قطاعى السفر والطيران العالمي. وقد اتخذت معظم الحكومات العالمية في العام الماضي قراراً بإغلاق الأجواء الجوية بالإضافة إلى فرض قيود شديدة على السفر محلياً ودولياً، وعلى نحو خفَّض حركة المسافرين بشكل لافت. وبحسب اتحاد النقل الجوي الدولي "إياتا"، انخفض الطلب العالمي على السفر إلى 1.8 مليار مسافر، أى أقل بنسبة 60.5%، مقارنة بعام 2019 (4.5 مليار مسافر).
وفي ضوء هذه المعطيات، تكبدت شركات الطيران العالمية خسائر صافية تقدر بنحو 118.5 مليار دولار في 2020، بينما انخفضت إيراداتها بمقدار نصف تريليون دولار ومن حوالي 838 مليار دولار في 2019 إلى 328 مليار دولار في العام الماضي، وعلى نحو اضطرت معه شركات الطيران لخفض التكاليف بمقدار 365 مليار دولار من 795 مليار دولار في 2019 إلى 430 مليار دولار في 2020.
وكان من آثار ركود قطاع الطيران العالمي أن تراجع الطلب العالمي على وقود الطائرات بما يتراوح بين 3 إلى 3.5 ملايين برميل يومياً، وفق تقديرات متفاوتة، ويمثل ذلك ثُلث التراجع الكلي في الطلب على النفط العالمي والمُقدَّر بنحو 8.8 مليون برميل يومياً في عام 2020، مع العلم بأن العالم يستهلك في المعتاد ما نحوه 16 مليون برميل يومياً من وقود الطائرات. ومن الملاحظ أن تراجع استهلاك وقود الطائرات كان أكثر وضوحاً في عام 2020 في أسواق الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا.
آفاق جديدة:
منذ الربع الأخير لعام 2020، تحسنت آفاق أسواق الطيران والسفر العالمية نسبياً مع إعادة فتح الأجواء بين دول العالم واستئناف الرحلات الجوية الدولية، في الوقت الذي بدأت دول العالم بتنظيم حملات تطعيم لشعوبها ضد فيروس كورونا، على نحو قد يسمح برفع تدريجي لقيود السفر الدولية. وعلى ضوء السابق، توقع "إياتا" ارتفاع عدد الركاب الدوليين إلى 2.8 مليار في عام 2021. ورغم أن ذلك يزيد بمقدار مليار مسافر أكثر من عام 2020، إلا أنه لا يزال أقل من أداء 2019 بـ1.7 مليار مسافر.
وبناءً عليه، من المحتمل أن يشهد الأداء المالي لشركة الطيران العالمية تحسناً إيجابياً نوعاً ما في عام 2021. ومن المتوقع أن تنمو الإيرادات الإجمالية للشركات إلى 459 مليار دولار، أى بزيادة بنحو131 مليار دولار مقارنة بعام 2020، ولكن لا تزال أقل بنسبة 45% من مستوياتها في عام 2019، كما ستظل هناك خسائر صافية قدرها 38.7 مليار دولار في عام 2021.
وسوف ينعكس تعافي قطاع الطيران العالمي على استهلاك وقود الطائرات في العالم، الذي من المرجح أن يحقق زيادة بين مليون إلى 1.5 مليون برميل يومياً في 2021 وفق ترجيحات مختلفة. وعلى صعيد الولايات المتحدة، التي تعد من أكبر أسواق الطيران في العالم، فمن المتوقع انتعاش الطلب على وقود الطائرات إلى 1.4 مليون برميل يومياً في 2021، على أن تزيد إلى 1.71 مليون برميل يومياً في 2022. في حين تشير التوقعات إلى أن الطلب الآسيوي على وقود الطائرات سيبدأ في الانتعاش فقط في نهاية الربع الثالث مع تسارع حملات التطعيم ضد فيروس كورونا.
أما على الصعيد الإقليمي، فمن المتوقع أن يرتفع استهلاك وقود الطائرات في المنطقة بنسبة 24% إلى 400 ألف برميل يومياً في عام 2021، لكن هذا سيظل أقل بنسبة 34% من مستويات ما قبل الجائحة لعام 2019، ومن المرجح ارتفاع الطلب على السفر بالشرق الأوسط إلى 45% من المستويات المسجلة في عام 2019 ليصل إلى 90 مليون مسافر في 2021.
مخاطر قائمة:
لازالت هناك مخاطر قائمة تواجه صناعة السفر والطيران العالمية، والتي ستنعكس بدورها على آفاق استهلاك وقود الطائرات في الأجلين القصير والمتوسط، وتتمثل في احتمالية تصاعد الإصابات بفيروس كورونا عالمياً على نحو قد يدفع بعض الدول لإعادة غلق الأجواء أو تشديد قيود السفر العالمية مرة أخرى، ويتصل بذلك احتمالية تباطؤ حملات التطعيم ضد فيروس كورونا لاسيما بالدول النامية بسبب انخفاض قدرتها على شرائه. وإلى جانب السابق، فإن استمرار تباطؤ الاقتصاد العالمي في بعض المناطق، والتي تؤثر بدورها على مستويات الدخول بجانب ارتفاع معدلات البطالة، سوف يقلل من قدرة الأفراد على تحمل تكاليف السفر والسياحة خاصة بالنسبة للرحلات الطويلة الأكثر تكلفة.
وختاماً، يمكن القول إن هناك مخاطر جادة ما زالت تواجهها أسواق السفر والطيران العالمية، لذا سوف يظل تعافي الطلب العالمي على وقود الطائرات محدوداً في عام 2021، وربما لن يعود إلى مستوياته المعتادة ما قبل الجائحة إلا عام 2024 مع عودة حركة المسافرين الدوليين لذروتها السابقة.