كرس الجيش الأمريكي أولوية للتوسع في استخدام الطاقة المتجددة في المواقع والمنشآت العسكرية منذ أوائل العقد الماضي، نظرًا لدورها الجوهري في تأمين وتنويع إمدادات الطاقة، وتقليل الاعتماد على المصادر المدنية لتزويده باحتياجاته من الوقود والكهرباء. وتعمل وزارة الدفاع الأمريكية حاليًا على تنفيذ مشاريع عديدة لتزويد القواعد العسكرية بالطاقة الشمسية والرياح، إلى جانب تسيير المركبات العسكرية بمزيج يشمل الوقود التقليدي والوقود الحيوي، وذلك بغرض تلبية ربع احتياجاتها من الطاقة من مصادر الطاقة المتجددة بحلول 2025. ولكي تستطيع بلوغ ذلك الهدف، هناك حاجة إلى مواصلة عمليات دعم عملية الابتكار لتعزيز كفاءة التطبيقات العسكرية للطاقة المتجددة، بالإضافة إلى تطوير مهارات العسكريين للتعامل مع تقنياتها المختلفة.
مبادرات متعددة:
تبلور اهتمام وزارة الدفاع الأمريكية باستخدام الطاقة المتجددة بوحدات الجيش المختلفة مع تأسيس مكتب "مبادرات الطاقة بالجيش الأمريكي" (Army Office of Energy Initiatives) في عام 2014، حيث أُسند للأخير تنفيذ العديد من المشاريع العسكرية في مجال تعزيز كفاءة الطاقة، واستخدامات الطاقة النظيفة.
ولعل إنشاء هذا المكتب يأتي امتدادًا لجهود إدارة الرئيس السابق السابق باراك لتعزيز انتشار تطبيقات الطاقة المتجددة بالجيش الأمريكي، حيث أصدر أمرًا تنفيذيًا في عام 2012 يلزم كلًا من القوات الجوية والقوات البحرية بتنفيذ كل منهما مشاريع طاقة متجددة بقدرة 1 جيجاوات في منشآتها أو بالقرب منها بحلول عام 2025.
وفي ضوء الاهتمام المتنامي بالطاقة المتجددة، فقد تضاعفت مشروعات الطاقة الشمسية والرياح بوحدات الجيش الأمريكي ثلاث مرات تقريبًا إلى 1390 مشروع في الفترة بين 2011 و2015، وبطاقة تصل 10534 مليار وحدة حرارية بريطانية، أو ما يكفي لتشغيل حوالي 286 ألف منزل في الولايات المتحدة.
وبدون شك فإن الجهود السابقة سوف تساعد وزارة الدفاع الأمريكية في تحقيق هدفها بتقليص استخدام الوقود الأحفوري بالجيش الأمريكي، وبالتالي خفض الانبعاثات الكربونية الصادرة عن النشاط العسكري. وجدير بالذكر أن وزارة الدفاع الأمريكية تعد أكبر جهاز حكومي مستهلك للوقود داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وبحجم يتراوح بين 3.5 إلى 4.5 مليارات جالون نفط ومشتقاته سنويًا وبفاتورة تجاوزت في بعض الأحيان 15 مليار دولار.
مصدر مستقل:
هناك أسباب جوهرية دفعت الجيش الأمريكي للتوسع في استخدام تطبيقات الطاقة المتجددة في وحداته المختلفة، وفيما يلي أبرزها:
1- مصدر مستقل للطاقة: بالأساس يعتمد الجيش الأمريكي على المصادر المدنية في تزويده باحتياجاته من الكهرباء وذلك عبر ربط منشآته بشبكات الكهرباء العامة، أو توريد الوقود اللازم له عبر شركات خاصة على غرار "إكسون موبيل"، وعلى نحو قد يعرض إمدادات الطاقة للجيش لمخاطر مثل أحداث الطقس، والهجمات الإلكترونية على البنية التحتية للطاقة، فضلًا عن الصدمات الخارجية لارتفاع أسعار الطاقة.
ووفق تقارير أمريكية، فقد شهدت المنشآت العسكرية نحو 701 انقطاعًا للتيار الكهربائي في عام 2016 نتيجة أعطال شبكة الكهرباء العامة، وقد استمرت في المتوسط مدة ثماني ساعات أو أكثر، وبمتوسط خسائر قدرها نصف مليون دولار يوميًا، مما يعطي أهمية كبيرة للحصول على مصدر طاقة مستقل.
2- تقليل الانبعاثات الكربونية: يأتي تحول الجيش الأمريكي للتوسع لاستخدام الطاقة النظيفة اتساقًا مع الأمر التنفيذي رقم 13514، الموقع من الرئيس الأمريكي باراك أوباما في 2015، والذي يحث الوكالات الفيدرالية الأمريكية على تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الصادرة منها، وتعزيز استخدامات الطاقة المتجددة في المنشآت الحكومية.
3- الحد من المخاطر الأمنية: يمثل التحول لمصادر الطاقة المتجددة فرصة لتقليل الاعتماد على قوافل الوقود التي تتعرض لمخاطر أثناء رحلتها إلى المنشآت والمواقع العسكرية. وقد كانت قوافل الوقود العسكرية الأمريكية محط هجمات من جماعة طالبان في أفغانستان بالسنوات الأخيرة، وعلى نحو تسبب في مقتل وإصابة الكثير من العسكريين وفق تقارير الجيش الأمريكي.
4- توفير التكاليف الاقتصادية: يتيح التحول للطاقة الشمسية والرياح التحوط من صدمات ارتفاع أسعار النفط في الأسواق المحلية والدولية، مع الأخذ في الاعتبار هنا أن تقنيات الطاقة المتجددة باتت أكثر جدوى تجاريًا من ذي قبل، وانخفضت تكلفة إنتاجها بشكل كبير حاليًا. وعليه، من المرجح أن توفر القواعد العسكرية الأمريكية ملايين الدولارات مع التوسع في استخدام الطاقة المتجددة في العقدين المقبلين.
أنماط الاستخدام:
تنتشر تطبيقات مختلفة لاستخدام الطاقة المتجددة في الجيش الأمريكي، ويمكن عرض أبرزها على النحو الآتي:
1- تسيير المركبات بوقود هجين: طورت وحدات الجيش الأمريكية المختلفة مركبات تعمل بوقود هجين من الديزل والوقود الحيوي، وذلك بدلًا من الاعتماد فقط على الوقود الأحفوري. وقد أطلقت القوات البحرية الأمريكية في عام 2016 مبادرة تحت عنوان "الأسطول الأخضر العظيم (Great Green Fleet) لتسيير البوارج والمدمرات وحاملات الطائرات الهجومية بمزيج يتكون من الوقود الأحفوري أو الطاقة النووية مع الوقود الحيوي بنسبة (50/50). وكان تشغيل حاملة الطائرات الهجومية Carrier Strike Group 3 بالوقود الحيوي في نفس العام أولى تجارب المبادرة. وقد يساعد تواصل عمليات الابتكار في المستقبل على تطوير أنظمة لمركبات عسكرية كهربائية، ويمكنها تحمل ضغوط القتال ومتطلباته.
2- تزويد القواعد العسكرية بالكهرباء: توسعت وزارة الدفاع الأمريكية منذ العقد الماضي في نشر مشاريع الطاقة المتجددة بالقواعد العسكرية لتزويدها باحتياجاتها الكهرباء، وذلك بالشراكة مع شركات مدنية بموجب اتفاقات طويل الأجل. وحاليًا، تغطي مصادر الطاقة الشمسية والرياح معظم احتياجات القواعد العسكرية من الكهرباء، ولعل في صدارتها قاعدة "فورت هود" بولاية تكساس، وهي أكبر قاعدة عسكرية أمريكية، وتلبي ما يقرب من نصف احتياجاتها من الكهرباء عبر مصادر طاقة متجددة وبقدرة 65 ميجاوات، وعلى نحو سوف يحقق وفورات مالية تقدر بنحو 100 مليون دولار على مدار 30 عامًا.
وفي هذا السياق أيضًا، هناك 11 مشروعًا للطاقة الشمسية تديرهم الشركة الجنوبية (Southern Company) في قواعد عسكرية بولايات مختلفة وبطاقة تصل 310 ميجاوات، فيما تشغل شركة "صن باور" حزمة من مشاريع الطاقة الشمسية في المنشآت العسكرية في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك مشروع بطاقة 28 ميجاوات في قاعدة نيليس الجوية في نيفادا، و28 ميجاوات أخرى في قاعدة فاندنبرج الجوية في كاليفورنيا، بالإضافة إلى 5.6 ميجاوات في أكاديمية القوات الجوية في كولورادوسبرينج. وبالمثل أيضًا، توفر شركة "سيمبرا إنيرجي" 150 ميجاوات من الكهرباء عبر مشاريع طاقة متجددة لنحو 14 منشأة تابعة للبحرية وفيلق مشاة البحرية (المارينز) في كاليفورنيا لمدة 25 عامًا.
3- الخطوط الأمامية: بات استخدام الألواح الشمسية شائعًا لتوليد الكهرباء للقوات العسكرية المرابطة في مواقع غير متصلة بشبكات الكهرباء، حيث تزود المقاتلين باحتياجاتهم من الطاقة اللازمة للإضاءة أو المياه الساخنة، بالإضافة إلى الاستخدامات العسكرية الأخرى. وقد بدأ مشاة البحرية الأمريكية استخدام الألواح الشمسية في أفغانستان لشحن المعدات العسكرية بما في ذلك بطاريات الاتصالات، ونظام تحديد المواقع العالمي (GPS)، ونظارات الرؤية الليلية وغيرها.
وكان لاستخدام الألواح الشمسية في أفغانستان دور حيوي، ليس فحسب تقليل الاعتماد على قوافل الوقود المتنقلة في بعض المواقع، وإنما جعل التحركات العسكرية أقل رصدًا من قبل الخصوم بسبب عدم استخدام المولدات ذات الأصوات المرتفعة. وجدير بالذكر أن قوات المارينز الأمريكية أسست مكتبًا في عام 2009 يعمل على إحلال المولدات التي تعمل بالديزل في ساحة المعارك العسكرية بالطاقة الشمسية.
وإلى جانب السابق، فقد ابتكر مختبر الطاقة المتجددة الوطني الأمريكي (National Renewable Energy Laboratory) وحدة توليد طاقة، صالحة للاستخدامات العسكرية، تسمى CUBE يمكن أن تحل محل مولدات الديزل، وهي تعمل بنظام هجين باستخدام الطاقة الشمسية والوقود التقليدي، إضافة إلى بطاريات تخزين، على نحو يسمح بتوفير مصدر دائم للطاقة دون انقطاع.
وفي الختام، يمكن القول إن تطبيقات الطاقة المتجددة شهدت قفزة غير مسبوقة في الجيش الأمريكي بالسنوات الأخيرة، على نحو ينتظر معه تحقيق العديد من المنافع الاقتصادية والأمنية، غير أن تعميم مصادر الطاقة المتجددة يتطلب مواصلة الاستثمارات في المشاريع الطاقة الشمسية والرياح، ودعم عمليات الابتكار من أجل تعزيز كفاءة استخدامها في الخطوط الأمامية، إضافة إلى تطوير مهارات العسكريين للتعامل مع أي طوارئ أو أعطال تواجه أنظمة تقنيات الطاقة المتجددة.