أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

أزمة "ماهان":

رسائل اعتراض الطائرة الإيرانية فوق الأراضي السورية

26 يوليو، 2020


رغم أن الولايات المتحدة الأمريكية سارعت إلى تأكيد أن الخطوة التي قامت بها إحدى مقاتلات "إف 15"، في 23 يوليو الجاري، بالتحليق على مسافة ألف متر بالقرب من طائرة شركة "ماهان" الإيرانية التي كانت تقوم برحلة من إيران إلى بيروت، تمثل إجراءاً روتينياً في إطار عملية مراقبة بصرية للطائرة، إلا أن المسألة قد لا تخلو من رسائل "إقليمية" مباشرة من واشنطن إلى طهران.

ومن دون شك، فإن هذه الجولة الجديدة من التصعيد لا تنفصل عن ما سبق من مواجهات جرت بين الطرفين في فترات سابقة، بدت جلية في ضبط البحرية الأمريكية شحنات من الأسلحة الإيرانية كانت في طريقها إلى حركة المتمردين الحوثيين في اليمن.

ويشير ذلك في مجمله إلى أن واشنطن تسعى إلى تأكيد أن خلافاتها مع طهران لا تنحصر في الاتفاق النووي وإنما تمتد أيضاً إلى الملفات الأخرى، ولاسيما الدور الإقليمي الذي تمارسه إيران في دول الأزمات.

ملفات متشابكة:

يكشف إعلان الولايات المتحدة الأمريكية مسئوليتها عن اقتراب مقاتلة من طراز "إف 15" بمسافة ألف متر من طائرة مدنية إيرانية تابعة لشركة "ماهان"، عن أنها تسعى إلى توجيه رسائل مباشرة إلى إيران، في سياق التصعيد القائم بين الطرفين حول العديد من الملفات.

إذ أن المسألة قد تتجاوز، بدرجة كبيرة، مجرد إجراء روتيني لرصد الطائرة بصرياً، خاصة أنها كانت تعبر المجال الجوي العسكري فوق قاعدة التحالف الدولي في منطقة التنف، وهى في طريقها من إيران إلى بيروت.

 كما أن مسارعة طهران إلى اتهام إسرائيل بالمسئولية عن ذلك، فضلاً عن انخراط بعض حلفاءها في الجدل الذي دار حول الحادث، على غرار حركتى حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتين اللتين نددتا باعترض الطائرة، كل ذلك يوحي بأن الحادث اتخذ طابعاً إقليمياً واضحاً من اللحظة الأولى.

دلالات عديدة:

يطرح تصاعد حدة التوتر مجدداَ بين طهران وواشنطن حول الاقتراب من الطائرة المدنية الإيرانية، دلالات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- تهديدات متبادلة: ربما لا تكون الخطوة الأخيرة منفصلة عن التهديدات المتبادلة بالتصعيد التي يطلقها الطرفان. فقد بدا جلياً في الفترة الأخيرة أن نبرة الانتقام لقائد "فيلق القدس" قاسم سليماني عادت مرة أخرى للظهور في تصريحات المسئولين الإيرانيين، وفي مقدمتهم المرشد الأعلى للجمهورية علي خامنئي، الذي قال خلال لقاءه رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، في 21 يوليو الجاري، أن "إيران سوف تنتقم لمقتل سليماني". 

وكرر المسئولون الإيرانيون الآخرون، مثل أمين مجلس الأمن القومي علي شمخاني ومستشار المرشد للعلاقات الدولية علي أكبر ولايتي التهديدات نفسها، رغم أن إيران كانت قد سبق أن اعتبرت أن ضرباتها الصاروخية التي وجهتها بعد خمسة أيام من مقتل سليماني إلى قاعدتين عراقيتين تتواجد بهما قوات أمريكية مثلت انتقاماً للأخير، وأكد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حينها أن "إيران لا تسعى إلى التصعيد أو الحرب" في إشارة إلى أنها اكتفت بهذه الضربات في إطار أول مواجهة مشتركة بين الطرفين خلال العقود الأخيرة.

وهنا، فإن هذه الخطوة تكشف عن مسعى أمريكي لتأكيد أن أى تصعيد جديد سوف يوسع نطاق المواجهة بين الطرفين، والتي ستنتقل إلى مرحلة جديدة ربما تفرض عواقب وتداعيات أكثر تأثيراً عن ما سبق من مواجهات.

2- "أقلمة" الخلافات: لا يمكن استبعاد أن تكون إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد سعت عبر تلك الخطوة إلى تأكيد أن المواجهة مع إيران لا تنحصر في الاتفاق النووي، رغم أهميته بالطبع، وإنما تمتد أيضاً إلى الدور الإقليمي، ليس في العراق فحسب وإنما في دول الأزمات الأخرى على غرار سوريا واليمن.

فقد بدا لافتاً أن المواجهة المباشرة التي اندلعت بين الطرفين في يناير 2020 وقعت في العراق، عندما وجهت واشنطن اتهامات لطهران والميليشيات الطائفية الموالية لها بتهديد مصالحها بشكل سافر، ولم تشهد الساحات الإقليمية الأخرى مناوشات تذكر بين الطرفين. إلا أنه بدأت تظهر بعد ذلك بوادر تحركات أمريكية على الأرض لتعقب مسارات الدعم الإيراني للحلفاء الإقليميين. 

فقد تمكنت البحرية الأمريكية من ضبط أكثر من شحنة أسلحة كانت متجهة عبر البحر من إيران إلى المتمردين الحوثيين في اليمن، على غرار ما حدث في 9 فبراير 2020، عندما أوقفت على متن السفينة "يو إس إس نورماندي"، مركباً شراعياً واكتشفت فيه مخبأ كبيراً للأسلحة، منها 150 صاروخاً مضاداً للدبابات من طراز "دهلاويه".

وفي هذا السياق، تبدو الرسالة واضحة، ومفادها أن واشنطن سوف تتعقب مصادر الدعم الإيراني للحلفاء من الأنظمة والتنظيمات المسلحة، أياً كانت وسيلة النقل التي تعتمد عليها في هذا السياق، حتى لو كانت طائرة مدنية.

3- تطبيق العقوبات: قد تكون لدى واشنطن رغبة في تأكيد جديتها في تطبيق العقوبات المفروضة على إيران. فقد بدا لافتاً أن شركة "ماهان" التي تمتلك الطائرة التي اقتراب منها مقاتلة "إف 15" الأمريكية، مدرجة على القائمة السوداء للعقوبات الأمريكية منذ عام 2011 بعد اتهامها بالمساعدة في تقديم الدعم وتهريب الأسلحة ونقل المقاتلين وتوفير الدعم المادي للحرس الثوري والعمليات الخارجية التي يقوم بها في دول المنطقة. كما أنها أدرجت أيضاً على قائمة العقوبات التابعة للأمم المتحدة في عام 2019، بسبب اتهامها بالمشاركة في نقل أسلحة الدمار الشامل والصواريخ والمواد النووية غير المسموح بها إلى إيران.

وقد وجدت الإجراءات العقابية الأمريكية ضد شركة "ماهان" صدى لدى بعض الدول الأوروبية، وفي مقدمتها ألمانيا، التي اتخذت، في 21 يناير 2019، قراراً بمنع الطائرات التابعة للشركة الإيرانية من الهبوط في المطارات الألمانية لأسباب تتعلق بدور الشركة في دعم النظام السوري والمخاوف الأمنية لدى ألمانيا، بعد أن كانت الشركة تقوم بتسيير رحلات جوية منتظمة إلى كل من دوسلدورف وميونيخ قبل ذلك.

ويعني ذلك أن واشنطن قد تسعى إلى اتخاذ خطوات إجرائية على الأرض لتطبيق تلك العقوبات، من بينها تفتيش الطائرات المدنية، التي تتهم إيران باستخدامها في نقل الأسلحة والمقاتلين إلى مناطق الصراع في الشرق الأوسط. وسبق أن تصاعد الجدل حول تلك القضية في عامى 2011 و2013 على سبيل المثال، عندما كانت الولايات المتحدة الأمريكية تضغط على بعض الدول، مثل العراق وتركيا، من أجل تفتيش الطائرات المدنية الإيرانية.

حدود الرد:

توعدت إيران بالرد على الخطوة الأمريكية، حيث بدأت في تقدم شكوى إلى منظمة الطيران المدني الدولية "إيكاو"، وربما تقدم شكوى مماثلة إلى الأمم المتحدة، إلا أن الأهم من ذلك هو ظهور تلميحات بإمكانية اتخاذ إجراءات مماثلة. لكن هذه الخطوة المحتملة سوف ترفع مستوى التصعيد بين الطرفين بشكل غير مسبوق، وقد لا تستطيع إيران ضبط إيقاعه في هذه المرحلة الصعبة.

 فضلاً عن أن إيران قد تغامر في هذه اللحظة بالتعرض لضربة قوية على غرار تلك التي تعرضت لها في بداية يناير 2020 وأسفرت عن تصفية المسئول الأول عن إدارة عملياتها الخارجية.

 إلى جانب أن مثل هذا التصعيد يمكن أن يعزز موقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبيل الانتخابات الرئاسية، وهو مسار لا يتوافق مع حسابات طهران في الوقت الحالي، التي تراقب الحملة الانتخابية الأمريكية بشكل دقيق وترى أن نتائج الانتخابات سوف تؤثر بشكل كبير على اتجاهات علاقاتها مع واشنطن خلال المرحلة القادمة.