أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، في 25 يونيو الجاري، مضاعفة المكافأة المعروضة في مقابل الحصول على أى معلومات تتيح القبض على زعيم تنظيم "داعش" الجديد حجي عبد الله، المعروف بـ"أبي إبراهيم الهاشمي القرشي"، المتهم بارتكاب انتهاكات ضد بعض أفراد من الأقليات الدينية في العراق، حيث نشر الحساب الرسمي لبرنامج "مكافآت من أجل العدالة" التابع لوزارة الخارجية الأمريكية على موقع "تويتر" تغريدة يعلن فيها مضاعفة المكافأة إلى ١٠ مليون دولار، مؤكداً أن "الولايات المتحدة مصممة على تحديد وإيجاد قادة التنظيم الإجراميين، على الرغم من هزيمة داعش"، واتهمت الوزارة القرشي بـ"اختطاف أفراد الأقليات الدينية اليزيدية في شمال غرب العراق وذبحهم والمتاجرة بهم".
وتطرح هذه الخطوة الجديدة، التي أعقبها نشر تغريدة أخرى للبرنامج قال فيها أن "صورة حجى عبد الله ليست جميلة"، مطالباً إياه بـ"بتوجيه زملاءه إلى إرسال صورة أخرى أجمل"، تساؤلات حول التداعيات المحتملة التي يمكن أن تفرضها على تنظيم "داعش"، الذى يحاول تجاوز أزماته المتصاعدة، في ظل الخسائر التي منى بها خلال الفترة الماضية، من خلال إعادة ترتيب صفوفه للعودة الى الساحة مجدداً، وهو ما كشف عنه تنفيذ بعض الهجمات الإرهابية التي أعلن مسئوليته عنها في الفترة نفسها.
تداعيات مختلفة:
يمكن القول إن قرار واشنطن بمضاعفة المكافأة المرصودة للقبض على زعيم تنظيم "داعش" الجديد، أبو إبراهيم القرشى، قد يفرض تداعيات عديدة على التنظيم لاسيما في ذلك التوقيت، الذي يحاول فيه الأخير تقليص حدة الخسائر التي يتعرض لها، ويتمثل أبرزها في:
1- إحكام الحصار: تشير اتجاهات عديدة إلى أن مقتل قائد "داعش" السابق أبوبكر البغدادي، خلال العملية العسكرية التي شنتها الولايات المتحدة الأمريكية في 27 أكتوبر 2019، ربما يكشف عن تعرض التنظيم لاختراقات أمنية على مستوى القيادات، خاصة في ظل الإجراءات الأمنية المشددة التي يتخذها لحماية قياداته، فضلاً عن أن المكان الذي كان يتواجد به، في محافظة إدلب السورية، كان من المفترض أن لا يكون معروفاً سوى للدائرة المقربة منه فقط.
وهنا، يبدي التنظيم قلقاً من أن يتكرر ذلك مع القائد الجديد، الذي سيضطر إلى فرض إجراءات أكثر شدة لتقليص احتمالات تعرضه للاعتقال أو القتل، بشكل سوف يحد، في الغالب، من تحركاته، وربما يقلص من قدرته على أداء مهامه وتوجيه تعليماته للقيادات الأخرى والأفرع المختلفة للتنظيم. وقد يتجه القائد الجديد إلى الاعتماد بشكل كبير على بعض المسئولين الآخرين في إدارة شئون التنظيم، وهو ما سوف يؤدي، مع مرور الوقت، إلى تراجع قدرات التنظيم بدرجة كبيرة، وربما الاتجاه إلى العمل في إطار مجموعات منفصلة.
2- انخفاض المعنويات: تكشف التأثيرات القوية التي تعرض لها "داعش" بسبب مقتل قائده السابق أبوبكر البغدادي عن أنه ليست لديه القدرة على تحمل خسارة قائده الجديد "القرشى". ومن دون شك، فإن إعلان واشنطن مضاعفة مكافاة القبض عليه، قد يفرض مزيداً من الضغوط داخل التنظيم، خاصة أن ذلك قد يرتبط بتوافر مزيد من المعلومات حول المواقع التي يحتمل أن يتواجد فيها، على نحو قد يقود في النهاية إلى انخفاض المعنويات داخل التنظيم، الذي يحاول في الفترة الحالية إعادة تنظيم صفوفه من جديد للتعامل مع المعطيات الجديدة التي فرضها مقتل البغدادي، فضلاً عن فقدانه القسم الأكبر من الأراضي والمناطق التي سبق أن سيطر عليها منذ منتصف عام 2014.
3- تصاعد الاختراقات: قد يتعرض التنظيم لمزيد من الاختراقات الأمنية، لاسيما أن الهزائم التي تعرض لها وسقوط مجمل الشعارات التي تبناها على مدار الأعوام الخمسة الماضية، كل ذلك أدى إلى اتساع نطاق ظاهرة الانشقاقات، بسبب اتجاه العديد من كوادره وعناصره إلى الخروج منه والانصمام إلى تنظيمات أخرى منافسة له.
وبالطبع، فإن ذلك سوف يهدد التماسك الداخلي للتنظيم، وقد يدفع في اتجاه ظهور كيانات موازية داخله، تتنافس على إدارة شئونه والسيطرة على الموارد التي ما زالت في حوزته وتمثل مصادر تمويله.
4- تصميم أمريكي: يطرح الإعلان عن المكافاة الأخيرة للقبض على زعيم تنظيم "داعش" دلالة مهمة تتعلق بسعى واشنطن إلى القضاء على قادة تنظيم "داعش"، باعتبار أن ذلك يمثل آلية مهمة يمكن من خلالها تقليص نفوذ التنظيم وربما القضاء على ما تبقى من الخلايا النائمة والمجموعات التابعة له سواء في العراق أو في دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط.
وبالطبع، فإن ذلك يعكس إدراكاً لقوة وتأثير القيادة الرئيسية في التنظيم، والتي يؤدي غيابها، على غرار ما حدث بعد مقتل البغدادي، إلى ارتباك واضح في نشاط وعمليات التنظيم، وتصاعد ملحوظ في ظاهرة الانشقاقات.
أخيراً، وعلى ضوء ما سبق، يمكن القول إن اعلان واشنطن عن مضاعفة المكافأة المالية للقبض على زعيم تنظيم "داعش" الجديد، يمثل ضربة جديدة للأخير في ذلك التوقيت، لاسيما وأنه يسعى خلال تلك الفترة إلى إعادة ترتيب أوراقه من جديد، في حين أن ذلك الإعلان قد يزيد من احتمالات الوصول إلى قياداته، وهو ما يمكن أن يؤدي، في النهاية، إلى انهياره بشكل كامل، لاسيما في كل من سوريا والعراق، على نحو سوف تمتد ارتداداته المتوقعة إلى المجموعات التابعة له في بعض دول المنطقة، والتي كانت تحاول في الفترة الماضية تعويض الخسائر الكبيرة والهزائم المدوية التي تعرض لها.