أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

الهروب إلى الأمام:

كيف يتعامل حزب الله مع محاولات تحجيم نفوذه في الداخل؟

18 مايو، 2020


يُواجه حزب الله اللبناني ضغوطاً داخلية وخارجية لا تبدو هينة، لاسيما في ظل اتجاه السلطات اللبنانية لضبط الحدود مع سوريا، بالتوازي مع سعى الحكومة للاقتراض من صندوق النقد الدولي بشروط لا تتوافق مع الحزب وحلفاءه، إضافة إلى تصاعد تأثير المعارضة الداخلية رغم الخلافات العالقة فيما بينها، وتزايد اهتمام المجتمع الدولي بمخاطر انخراط الحزب في الأزمات الإقليمية، الأمر الذي دفع الأخير إلى الهروب للأمام من أجل التماهي مع الوضع الداخلي وتقليص حدة الضغوط الخارجية، عبر إبداء مرونة فيما يتعلق بالاقتراض من الصندوق، والمطالبة بالتعاون مع سوريا لمواجهة التهريب، إضافة إلى تسريع تنفيذ الخطة الاقتصادية لإنجاح الحكومة واحتواء المعارضة.

إجراءات متعددة:

اتجهت لبنان، تحت تأثير الضغوط الداخلية والخارجية، إلى اتخاذ إجراءات عديدة لمواجهة الأزمة الاقتصادية، سوف تسفر، في الغالب، عن تقليص نفوذ حزب الله داخلياً، وذلك على النحو التالي:

1- ضبط الحدود: قرر مجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون، في 13 مايو الجاري، بذل كافة الجهود لضبط الحدود منعاً لتهريب البضائع والمواد وإغلاق جميع المعابر غير الشرعية، مع وضع خطة شاملة لاستحداث مراكز مراقبة عسكرية وأمنية وجمركية، وبناءً عليه قرر مجلس الوزراء مصادرة الشاحنات والصهاريج التي تهرب الوقود والطحين من لبنان إلى سوريا مع حمولتها، وذلك بعد تزايد وتيرة التهريب بينهما، الأمر الذي قد يؤثر بالسلب على حركة عناصر حزب الله بين البلدين. 

2- الاقتراض من صندوق النقد الدولي: بدأت الحكومة في إجراء مفاوضات مع صندوق النقد الدولي، في 12 مايو الجاري، من أجل الاقتراض منه وفق برنامج يحدده الصندوق. ويُشار في هذا الصدد إلى أن الضغوط الاقتصادية دفعت الحزب لقبول ذلك التعاون، بالرغم مما يتضمنه من تدابير قد تمس نفوذه في الداخل، وعلى رأسها ضبط الحدود البرية والجوية، فضلاً عن تطبيق تدابير تقشفية قد تثير سخط الرأى العام ضد النخبة الحاكمة.

3- تعزيز دور المعارضة: شهدت الفترة الماضية تصعيداً من قبل المعارضة السياسية (قوى 14 آذار وبعض الأحزاب المستقلة مثل الحزب التقدمي الاشتراكي)، وتشير تحركات السفيرة الأمريكية في بيروت دورثي شيا، عبر عقدها عدة لقاءات مع رموز المعارضة، إلى توجه أمريكي لدعم المعارضة، مع التلويح أكثر من مرة بتقديم دعم اقتصادي للبنان شريطة تقويض نفوذ حزب الله.

4- اهتمام دولي متزايد: عقد مجلس الأمن جلسة عبر "الفيديو كونفرانس"، في 15 مايو الجاري، لمناقشة تطورات الامتثال لقرار 1559، وبالرغم من أنها جلسة دورية، إلا أن تزامنها مع المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، ومحاولة لبنان التنسيق مع مجموعة الدعم الدولي للاتفاق على مقررات "مؤتمر سيدر"، يمنحها أهمية ويضعها في مصافي الشروط المطلوبة لدعم لبنان. وكان لافتاً خلال الجلسة تأكيد مجلس الأمن على أن "الحفاظ على استقرار لبنان ضروري من أجل الاستقرار والأمن الإقليميين"، مطالباً كل الأطراف بـ"إعادة الالتزام بسياسة النأى بالنفس ووقف أى تدخل في أى نزاع خارجي"، في إشارة إلى انخراط حزب الله في الصراع السوري.

واستمع أعضاء المجلس إلى إحاطة من وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشئون السياسية وبناء السلام روز ماري ديكارلو، التي أبدت قلقها من التطورات في لبنان بسبب استمرار حزب الله في تورطه في أزمات وحروب خارج حدود لبنان واستمراره في بناء قدرات عسكرية رئيسية تتحدى سلطة الدولة اللبنانية.

محاولات الاحتواء:

رغم تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها حزب الله، إلا أنه سعى للتهدئة من أجل احتواء اتساع نطاق الاستياء الشعبي ضده، وتحسين صورته أمام مناصريه، وعدم المغامرة بالانخراط في أزمة داخلية خاصة مع بيئته الحاضنة، وهو ما انعكس في تصريحات رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد (في حديث لإذاعة النور) التي قال فيها أن "التحدي اليوم أمام المقاومة يتمدد ويأخذ مداه الواسع من خلال استهداف بيئتها والضغط عليها"، وفي هذ السياق اتبع الحزب سياسة الهروب إلى الأمام، وهو ما يبدو جلياً في المؤشرات التالية:

1- التعاون مع سوريا: في رده على ملف ضبط الحدود البرية مع سوريا (بعد قرار المجلس الأعلى للدفاع)، دعا الأمين العام للحزب حسن نصر الله، في 13 مايو 2020، إلى المسارعة في ترتيب العلاقات مع سوريا لفتح الحدود والمعابر وإحياء القطاعات الإنتاجية، لافتاً إلى وجود تعطيل من الجانب اللبناني، وأن لبنان لا تستطيع أن تعالج التهريب وحدها، بل تحتاج التعاون الثنائي بين حكومتين وجيشين.

2- قبول قرض صندوق النقد: كان لافتاً أن الحزب حرص على تقليص حدة نبرته المعارضة للاقتراض من صندوق النقد الدولي، وذلك بعد تزايد تدهور الوضع الاقتصادي في ظل جائحة "كورونا". ويبدو أن الحزب أدرك أن موقفه من القرض لا يحظى بتأييد داخلي، مما دفعه لإعادة النظر في التعاون مع الصندوق تجنباً لتحميله مسئولية الانهيار الاقتصادي. وفي هذا السياق، قال رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" محمد رعد، خلال اللقاء الوطني المالي في قصر بعبدا في 6 مايو الجاري، أن "الحزب ليس ضد مبدأ طلب مساعدة من أى جهة في العالم"، مشيراً إلى "رفض الحزب مبدأ الوصاية".

3- تفعيل العمل الحكومي: ركزت قيادات حزب الله في الفترة الماضية على تسريع تنفيذ الخطة الاقتصادية التي أقرتها الحكومة، على اعتبار تقديمها معالجات ملموسة لحاجات المواطنين، فضلاً عن ملء المواقع الشاغرة في الإدارة (التعيينات المالية والقضائية تحديداً، وهى التي تثار حولها أزمة حالياً بسبب اتباعها مبدأ المحاصصة الطائفية والسياسية)، إضافة إلى منح مكافحة الفساد أولوية في تلك الخطة، ويُشار في هذا الصدد إلى أن الحزب يعتمد على الخطة الاقتصادية لإنجاح حكومة حسان دياب، بما قد يساهم في تقليص الضغوط الخارجية والداخلية التي تمارس على الحزب، حيث يعتبرها المناص الأخير لإنقاذ الاقتصاد، وبالتبعية الإبقاء على شرعية الحكومة الحالية. 

ختاماً، يتعرض حزب الله لضغوط خارجية وداخلية تدفعه لعدم التصعيد في مواجهة الإجراءات التي تقلص نفوذه في الداخل، وذلك ضمن سياسة الهروب إلى الأمام، وبما يضمن له عدم إثارة الرأى العام الداخلي، وفي الوقت نفسه يستهدف الحزب عبر حلفاءه الإبقاء على حد أدنى من نفوذ قوى "8 آذار"، من خلال تكثيف جهود إنقاذ الدولة من الانهيار الاقتصادي بأى ثمن، وتشتيت المعارضة، الأمر الذي يشير إلى مدى انكشاف الحزب وارتباك مواقفه في التعامل مع القضايا الرئيسية.