أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

عواقب سلبية:

كيف يؤثر التدخل العسكري التركي على صناعة النفط في ليبيا؟

30 ديسمبر، 2019


يفرض التدخل العسكري التركي في ليبيا تهديدات واسعة لصناعة النفط في البلاد، ضمن التداعيات السلبية التي قد ينتجها بشكل عام، حيث من المحتمل أن يزيد من وتيرة الصراع السياسي والعسكري بشكل غير مسبوق في البلاد، وبما قد يكرس حالة النزاع على موارد النفط بين مختلف الأطراف الليبية كما حدث في السنوات الماضية. وتسعى أنقرة لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا لدعم قوات حكومة الوفاق الوطني من أجل وقف تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة طرابلس، الأمر الذي قد يُعرِّض المنشآت النفطية، ولاسيما في غرب البلاد، لأعمال تخريبية قد تتزايد إذا اتسع نطاق القتال بين الطرفين في المستقبل، وهو ما قد يعطل بلا شك إمدادات النفط الليبية.

استقرار الإمدادات:

كانت موارد النفط في ليبيا في السنوات الماضية محط نزاع بين حكومتين إحداهما في الشرق والأخرى في الغرب، بما تسبب في تعطل عمليات الإنتاج وتصدير النفط بين الحين والآخر. فضلاً عن ذلك، تعرَّضت منشآت النفط للإغلاق بصفة متكررة، إما بسبب هجمات بعض التنظيمات الإرهابية مثل "داعش"، أو نتيجة إضرابات العمال وحراس المنشآت النفطية للضغط من أجل تنفيذ مطالبهم الخاصة بتحسين أجورهم وأحوالهم المادية.

إلا أنه مع سيطرة الجيش الوطني الليبي منذ أواخر عام 2017 على غالبية البنية التحتية للنفط والغاز في ليبيا بما في ذلك حقول النفط في منطقة الهلال النفطي، استقر إنتاج النفط الخام بشكل ملحوظ، وتجاوز القطاع الصعاب التي واجهته في السنوات الماضية بسبب الانقسام السياسي القائم في البلاد منذ عام 2011.

وطبقاً لبيانات منظمة "أوبك"، فقد استقر إنتاج ليبيا من النفط الخام عند أكثر قليلاً من مليون برميل يومياً في المتوسط منذ بداية العام الجاري وحتى نوفمبر الفائت، بما يزيد عن مستواه البالغ 951 ألف برميل يومياً في عام 2018 ونحو 811 ألف برميل يومياً في عام  2017، إلا أنه لم يصل إلى مستواه القياسي البالغ 1.6 مليون برميل يومياً قبل عام 2011.

وعلى الرغم من ذلك، لازالت ملامح الانقسام السياسي تنعكس بشكل واضح على قطاع النفط، إذ أن بعض المنشآت النفطية الأخرى في البلاد لازالت تخضع، عملياً، لسيطرة أطراف في الغرب، بما في ذلك محطة مليتة للنفط والغاز وحقل الفيل النفطي الذي يبلغ إنتاجه حوالي 70 ألف برميل يومياً. 

وبالإضافة إلى السابق، تعرَّضت منشآت النفط في الفترة الأخيرة لهجمات- محدودة- نتيجة تصاعد حدة المواجهات العسكرية بين أطراف مختلفة بالقرب من العاصمة طرابلس منذ بداية العام الجاري وحتى الآن. وعلى هذا النحو، حذرت المؤسسة الوطنية للنفط، في 28 ديسمبر الجاري، من احتمال وقف العمليات في ميناء الزاوية نتيجة تجدد الاشتباكات بالقرب من المنشآت التابعة لها، بما قد يهدد بوقف تصدير ما يوازي 300 ألف برميل يومياً من حقل الشرارة النفطي.  

مخاطر عديدة: 

بدأت تركيا منذ عام 2014 في تقديم الدعم المالي والعسكري لحكومة الوفاق الوطني، وبما لاقى معارضة دولية واسعة نظراً لما ترتب على ذلك من تصاعد حدة الصراع الداخلي في ليبيا. فضلاً عن ذلك، رفعت أنقرة مستوى دعمها العسكري لحكومة الوفاق مؤخراً، وأشار الرئيس رجب طيب أردوغان إلى إمكانية إرسال قوات عسكرية تركية إلى ليبيا وذلك بعد إرسال مذكرة للبرلمان التركي للموافقة على هذه الخطوة، مدعياً أن ذلك يأتي بناءً على طلب من حكومة الوفاق الوطني من أجل وقف تقدم الجيش الوطني الليبي نحو العاصمة طرابلس.

وبالتوازي مع تلك الخطوة، تشير بعض الاتجاهات إلى أن أنقرة ستدفع بإرسال قوات غير نظامية من الميليشيات الموجودة في سوريا إلى ليبيا، مما قد ينذر بتصاعد وتيرة الصراع العسكري بين مختلف الأطراف في ليبيا. وقد نشرت تقارير عديدة عن تسجيلات مرئية تظهر وجود مقاتلين تابعين لتركيا نقلوا من سوريا إلى معسكر تابع لإحدى الميليشيات الموالية لحكومة الوفاق جنوب العاصمة طرابلس.

وإلى جانب ذلك، صادق البرلمان التركي، في 5 ديسمبر الجاري، على مذكرة التفاهم التي تم إبرامها مع حكومة الوفاق الوطني حول ترسيم الحدود البحرية في 27 نوفمبر الفائت، في خطوة اعتبرتها أطراف عديدة غير شرعية وتهدد بشكل واسع استقرار منطقة حوض شرق المتوسط.

اضطرابات الإنتاج:

من دون شك، سوف يؤدي التدخل العسكري التركي في ليبيا إلى تصعيد حدة المواجهات العسكرية، الأمر الذي سيجعل من البنية التحتية للنفط هدفاً للتنظيمات المسلحة، أو ربما تتعرض لأعمال تخريب على أقل تقدير. وسبق أن أعلنت حكومة الوفاق الوطني في أكثر من مناسبة عزمها استعادة السيطرة على حقول النفط في ليبيا من الجيش الوطني الليبي، وذلك بعد أن نجحت في السيطرة في بعض الحقول النفطية في غرب البلاد خلال الأشهر الماضية. 

ومن المحتمل أن يؤدي اتساع نطاق المواجهات العسكرية بين مختلف الأطراف بالقرب من طرابلس إلى تعرض البنية التحتية للنفط في غرب البلاد لمخاطر واسعة، وهى تشمل محطة تصدير الزاوية بطاقة 300 ألف برميل يومياً، ومصفاة نفط بقدرة 120 ألف برميل يومياً، إلى جانب محطة مليتة للغاز والمكثفات، وبعض الحقول النفطية الصغيرة، والتي قد تتوقف بسببها عمليات الإنتاج والتصدير، وبما يضر بالاقتصاد الليبي بشدة.

كما لا يمكن استبعاد أن تمتد المواجهات العسكرية بين الأطراف المختلفة لتشمل منشآت النفط في منطقة الهلال النفطية- المُؤمَّنة بشكل جيد إلى الآن من قبل قوات الجيش الوطني الليبي-والتي قد تتعرض لهجمات خاطفة من قبل قوات حكومة الوفاق الوطني والميليشيات الموالية لها، بما قد يتسبب في تعطيل الإنتاج والتصدير منها من فترة لأخرى، لاسيما إذا تصاعدت وتيرة القتال بين هذه الأطراف خلال الأشهر المقبلة. 

وعليه، يبدو أن قطاع النفط الليبي بات على المحك في ظل التدخل العسكري التركي في ليبيا، حيث سيزيد بلا شك من وتيرة الصراع العسكري في البلاد، الأمر الذي سوف يؤدي إلى حدوث اضطرابات محتملة في إمدادات النفط الليبي.