عرض: جهاد عمر الخطيب - باحث مساعد بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية
أعلن الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، خلال الأشهر القليلة الماضية، أكثر من مرة نجاح التحالف الدولي الذي تقوده دولته ضد تنظيم "داعش" الإرهابي، وخسارته لمعاقله الرئيسية، واستعادة كافة الأراضي الواقعة تحت سيطرته. الأمر الذي أثار تساؤلات عدة مرتبطة بمستقبل التنظيم "داعش"، من قيبيل هل تلاشى التنظيم إلى الأبد؟، أم أنَّه في مرحلة انسحاب تكتيكي بغية إعادة ترتيب صفوفه وحشد مزيد من الأتباع والعودة من جديد؟، وهل سيعود "داعش" في نسخته الحالية، أم سيجري استنساخ نسخ جديدة لا تقل ضراوة عنه طالما وُجِدت ذات البيئة الحاضنة التي أفرزته من قبل؟
وفي أعقاب الإعلان عن هزيمة التنظيم، وفقدانه الأراضي التي كان يسطر عليها، طُرِحت كثير من القضايا للنقاش. وقد جاء في مقدمتها قضايا إعادة الإعمار، وبناء الأمة أو الدولة الوطنية في عراق وسوريا ما بعد داعش. فضلًا عن قضية إعادة دمج وتأهيل المقاتلين الأجانب الذين انضموا للتنيظم مع بدايات ظهوره.
وفي هذا السياق، تتناول ورقة نقاشية أعدتها مديرة برنامج المرأة والسياسة الخارجية بمجلس العلاقات الخارجية "راتشيل فوجلستين" والباحثة بالبرنامج "جيميل بيجيو" بعنوان "النساء والإرهاب: تهديداتٌ كامنة ومساراتٌ منسيَّة" والمنشورة في مايو المنقضي؛ بعدًا مهمًا تكاد تغفله كثير من سياسات وبرامج عدة في مجال مكافحة الإرهاب ألا وهو المشاركة النسائية في التنظيمات المتطرفة، وطبيعة الأدوار المنوط بالمرأة الاضطلاع بها لدعم تلك التنظيمات. فضلًا عن الأدوار التي يمكن لها القيام بها في مجال مكافحة الإرهاب وتجنيد النساء خصوصًا أنَّ المشاركة النسائية في الهجمات الإرهابية باتت تأخذ منحي متصاعدًا.
ووفقا لتقديرات مرصد التطرف العالمي The Global Extremism Monitor لعام 2017، قامت نحو 181 امرأة بعمليات إرهابية بما يعادل 11% من إجمالي العمليات الإرهابية التي شهدها هذا العام، وقرابة 26% من إجمالي المقبوض عليهم في أوروبا بتهمة القيام بعمليات إرهابية من النساء في عام 2016. ناهيك عن تقديرات أخرى تشير إلى أنَّ حوالي 13% من إجمالي المقاتلين الأجانب العائدين من بؤر الصراع من النساء. وتستدعي تلك الإحصائيات الانتباه إلى ضرورة فهم طبيعة أدوار النساء في التنظيمات المتطرفة وسياسات مكافحة الإرهاب والتطرف.
تسلط الورقة النقاشية الضوء على طبيعة الأدوار التي تضطلع بها النساء سواء كنَّ ضمن صفوف التنظيمات المتطرفة، أو هدف لها للتربح من الاتجار بهن واستغلالهن جنسيًا، أو ضمن برامج وسياسات مكافحة التطرف. وتعرض الورقة ذلك بالتطبيق على عدة دول تشهد معدلات مرتفعة لتجنيد المرأة في التنظيمات المتطرفة كأفغانستان، ونيجيريا، إيرلندا الشمالية، والولايات المتحدة بغية تقديم توصيات ختامية من أجل سياسات وبرامج أمريكية أكثر فاعلية في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف تقوم بالأساس على دمج المرأة وتعظيم مشاركتها في القطاعات المعنية بصياغة مثل تلك السياسات وتنفيذها.
النساء كهدف
ترتئي الورقة أنَّ المرأة بحد ذاتها تشكِّل هدفًا للجماعات والتنظيمات الراديكالية التي تجد في إخضاع المرأة كرْهًا، أو استقطابها طوعًا ورقة رابحة على المستوييْن المادي والاستراتيجي. إذ ترتكن مثل تلك التنظيمات إلى الاتجار بالبشر كأحد أبرز مصادر التمويل، والنسبة الأكبر ممن يقعون ضحايا لشبكات مافيا الاتجار بالبشر تكون من النساء والأطفال. فتنظيم إرهابي كـ"داعش"، على سبيل المثال لا الحصر، اضطلع ببيع وشراء النساء بشكل ممنهج.
وتضيف الورقة أن التنظيمات المتطرفة استغلت المرأة لاستقطاب وتجنيد الأتباع من الرجال عن طريق إغرائهم بالزواج من النساء والفتيات اللائي تعرَّضن للاختطاف أو أُخِذْن كـ "سبايا"، لاسيما الشباب من ذوي الخلفية الاجتماعية والاقتصادية الهشة التي تجعل من الزواج أمرًا بعيد المنال، والذين لديهم ميول "سادية" ونزعة استعبادية للمرأة.
وتستفيد التنظيمات المتطرفة - أيضًا - من عوائد "الفدية" التي تتلقَّاها في مقابل تحرير النساء والفتيات من قبضتها؛ إذ أنَّه بحسب تقديرات الأمم المتحدة، بلغت تلك التي حصلت عليها "داعش" ما بين 35-45 مليون دولار في عام 2013 وحده. وثمة تنظيمات متطرفة عدة تسير على خطى التنظيم الإرهابي في هذا الصدد؛ فتنظيم "بوكو حرام"، الذي يكثِّف نشاطاته الإرهابية في شمال نيجيريا والدول المشاطئة لبحيرة تشاد، يلجأ إلى سبي النساء كتكتيك يحقق له مكاسب عدة لعل أبرزها الحصول على الفدية في مقابل تحريرهن أو مقايضة أولئك المخطوفات بالمعتقلين من صفوف التنظيم أو استغلال السعي الحثيث لأجهزة الأمن في تحرير الفتيات والنساء المختطفات وموافقتهم على إتمام صفقات المقايضة مع التنظيم في نصب كمائن لتصفية رجال الأمن.
طبيعة الأدوار
في معرض الحديث عن طبيعة الأدوار التي تمارسها النساء في العمليات الإرهابية، قسَّمت الورقة هذه الأدوار إلى فئتيْن رئيسيتيْن أولهما، أدوار تتعلق بهن كعنصر ضمن صفوف الجماعات المتطرفة. وثانيهما، فتشمل الأدوار التي يُناط للمرأة تأديتها في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، وإعادة دمج وتأهيل المتطرفين ممَّن مارسوا العنف أو "الإرهابيين المحتملين".
وفيما يتصل بالفئة الأولى من الأدوار، تشير الورقة إلى أنَّ هناك العديد من الأسباب التي تدفع المرأة للانضمام، طواعيةً، للتنظيمات المتطرفة، وهي أسباب قد تكون أيديولوجية أو لتأثير جماعات الأقران، أو السعي للحرية والمغامرة وتأسيس دولة "الخلافة" المزعومة، أو تحقيق مكاسب مادية. وفي هذه الحال، تتلقَّى المرأة تدريبًا عسكريًّا شأنها في ذلك شأن الرجل، وتنهض بالمهام العسكرية ذاتها التي يُعْهد بها إلى لهم من حمل السلاح والقيام بتفجيرات إرهابية.
وتضيف الورقة أن الوقت الراهن يشهد تكثيفًا للمشاركة النسائية في العمليات الإرهابية، والتي باتت تأخذ منحنى تصاعديًا من حيث أعدادها ومستوى خطورتها. ففي تنظيم بوكو حرام، أضحت النساء عنصرًا فاعلًا فيه منذ عام 2014، وقد أفضت العمليات الإرهابية التي قامت بها نساء بوكو حرام إلى وقوع نحو 1200 قتيل خلال الفترة من عام 2014 إلى عام 2018.
وتضطلع النساء أيضًا بأدوار مهمة في حملات التجنيد الإلكترونية والدعم العملياتي وتمويل الجماعات المتطرفة. ففي عام 2014، ألقت السلطات الأمريكية القبض على شبكة تتألَّف من 15 امرأة إثر قيامهن بتحويل آلاف الدولارات لحركة "الشباب المجاهدين" في الصومال. فضلًا عن ذلك، خلصت إحدى الدراسات إلى تفوُّق الحملات الإلكترونية التي دشَّنتها النساء لتجنيد الشباب في تنظيم "داعش" الإرهابي من حيث القدرة العالية على التواصل ونطاق الانتشار والفاعلية إذا ما قورنت بالحملات التي قادها رجال التنظيم. ويشير الورقة إلى أن الدور التعليمي يعد أحد الأدوار المحورية التي تضطلع بها النساء داخل التنظيمات المتطرفة؛ إذ تولَّت نساء "داعش" مهمة تربية النشء على الأيديولوجية السلفية الجهادية وفقًا للمذهب الداعشي، وأنجبن ما يربو على 700 طفل كجزء من استراتيجية تأسيس دولة "الخلافة" المزعومة.
وفيما يتصل بالفئة الثانية من المهام الموكلة للمرأة، والتي تتمحور حول المشاركة الفعالة في جهود مكافحة الإرهاب والتطرف وإعادة تأهيل ودمج المتطرفين، أظهرت الورقة القدرة العالية لدى النساء على اكتشاف بوادر التطرف؛ فوقوعهن ضحايا للاعتداء الجسدي أو الجنسي يمثِّل مؤشرًا لا يُسْتهان به على تطرف المعتدي أو إمكانية تجنيده داخل التنظيمات المتطرفة. فضلًا عن قوة الملاحظة التي تتمتَّع بها المرأة لأدق التفاصيل مما يؤهِّلها لاكتشاف التغيرات الطارئة على السلوك حال تحوُّل أحد أفراد العائلة لتبني الفكر الراديكالي أو الانضمام للتنظيمات المتطرفة.
وتسلِّط الورقة الضوء على المشاركة النسائية في الأجهزة الأمنية للدول كأحد أبرز تجلِّيات دور المرأة في مكافحة التطرف والإرهاب، والتي تمثِّل قرابة 15% من إجمالي قوات الشرطة عالميًّا. فهي بما تتمتع به من قوة الملاحظة وفهم لطبيعة السلوك البشري لا سيما سلوك بني جنسها، يمكنها المساهمة بصورة أكثر فاعلية في التحري عن نساء التنظيمات المتطرفة. كما أنَّ وجودها ضمن صفوف قوات الأمن يساهم في الحيلولة دون وقوع التفجيرات الإرهابية التي تضطلع بها النساء، والتي عادةً ما تلجأ إلى كثير من الأساليب لإخفاء المواد المتفجرة، وتكشفها قوات الأمن النسائية. ولذا؛ تؤكِّد الورقة على ضرورة اتخاذ ما يلزم من تدابير لتقليل الفجوة بين الجنسيْن داخل أجهزة الأمن المحلية.
توصيات ختامية
أوضحت الورقة أنَّ الإدارات الأمريكية الثلاث المتعاقبة، بدءً من جورج بوش الابن ومرورًا بالرئيس السابق باراك أوباما وانتهاءً بدونالد ترامب في الوقت الراهن، اتخذت العديد من الإجراءات وتبنَّت سياسات ومبادرات عدة في محاولة للحد من المعدلات المتفاقمة للمشاركة النسائية المتزايدة في الجماعات المتطرفة. فإدارة بوش الابن أطلقت برامج عدة لإعداد كوادر نسائية تشارك في الحرب على الإرهاب. وقد أعلنت إدارة أوباما حزمة من الخطط والسياسات في هذا الصدد، لعل من بينها، خطة العمل الوطنية حول المرأة، والسلام، والأمن في الولايات المتحدة في عام 2011، فضلًا عن إعداد استراتيجية مشتركة بين وزارة الخارجية الأمريكية ووكالة التنمية الدولية لمكافحة التطرف العنيف. وقد أكَّدت تلك الاستراتيجية في ثناياها على محورية الدور الذي تقوم به المرأة في مجال مكافحة التطرف العنيف. وقد وقَّع ترامب على قانون المرأة، والسلام، والأمن لعام 2017، والذي كان إيذانًا بإدخال الاستراتيجية حيز التنفيذ الفعلي.
ورغم الجهود الأمريكية المبذولة بغية إشراك المرأة في سياسات وبرامج مكافحة الإرهاب والتطرف إلا أنه لا يزال هناك تفاوت في تمثيل المرأة في مؤسسات وهيئات الدولة؛ فبينما تشغل المرأة نحو ثلث المناصب القيادية في كلٍ من وزارة الخارجية ووكالة الاستخبارات الأمريكية فإنها تمثِّل المرأة حوالي 16% فقط من القوات المسلحة التي في الخدمة الفعلية، وتشغل نحو 10% فقط من المواقع القيادية في وزارة الدفاع (البنتاجون).
وتُخْتتم الورقة بتقديم جملة من التوصيات بشأن سياسات أمريكية أكثر فعَّالية في مجال مكافحة تجنيد المرأة من قِبل التنظيمات المتطرفة، لعل أبرزها:
1- تقديم وكالة الاستخبارات الأمريكية تقيمًا استخباريًا وطنيًا ليكون بمثابة مسحًا شامًلا لطبيعة أدوار النساء ودعمهن للتنظيمات المتطرفة. وتأسيس مجلس استشاري لمكافحة الإرهاب في محاولة لفهم أفضل لدور المرأة في تلك التنظيمات، وكذلك دورها في تنفيذ استراتيجيات مكافحة الإرهاب.
2- إعداد دراسات وأوراق بحثية يكون جوهرها التحليل الجندري (النوعي) للعوامل ذات الصلة بتبني الفكر المتطرف، وآليات تجنيد المرأة في التنظيمات المتطرفة على أن توضع توصياتها موضع التنفيذ الفعلي.
3- تخصيص مخصصات مالية بما يعادل 250 مليون دولار سنويًا على الأقل لتعزيز مشاركة المرأة في برامج وسياسات مكافحة الإرهاب لاسيما برنامج المساعدة في مكافحة الإرهاب Anti-Terrorism Assistance Program (ATA) التابع لوزارة الخارجية، على أن يكون الهدف مضاعفة أعداد النساء الخاضعات للتدريب في إطار البرنامج خلال ثلاث سنوات.
4- ضرورة توجيه المساعدات الأمريكية الخارجية لمكافحة تهميش المرأة وإعادة تأهيل النساء العائدات من بؤر الصراع.
5- تعزيز نسبة تمثيل المرأة في القطاعات الأمنية. فالكوادر الأمنية النسائية وكذلك القيادات النسائية من منظمات المجتمع المدني تبدي تفوقًا نوعيًا في مجال مكافحة تجنيد المرأة في التنظيمات المتطرفة أكثر مما يبديه الرجال.
6- تشجيع القطاع الخاص للنهوض بمسئوليته الاجتماعية. فعلى غرار توفير فرص العمل والتدريب للشباب لحمايتهم من التطرف وممارسة العنف، لابد من دعم المرأة وتوفير فرص عمل وتدريب لها بما يقطع على التنظيمات المتطرفة سبل تجنيدها ضمن صفوفها.
وختامًا، تؤكِّد الورقة النقاشية على ضرورة بذل الإدارة الأمريكية الحالية مزيدًا من الجهود لوقف تجنيد المرأة في التنيظمات المتطرفة. ولن يتأتَّى ذلك إلا من خلال إيلاء قدرًا كافيًا من الاهتمام والفهم لأهمية دمج النساء في برامج وسياسات مكافحة الإرهاب والتطرف، فضلًا عن تعزيز المشاركة النسائية في الأجهزة والقطاعات الأمنية المعنية بمكافحة الإرهاب على المستوييْن المحلي والدولي.
المصدر:
Jamille Bigio and Rachel Vogelstein, “Women and Terrorism: Hidden Threats, Forgotten Partners”, Discussion Paper, Council on Foreign Relations, May 2019.