تؤشر التحركات السياسية والتكتيكية العسكرية الجارية ميدانياً في اليمن على قرب إطلاق معركة تحرير صنعاء الفاصلة، لإنهاء السيطرة التي تفرضها عليها القوات والميليشيات الحوثية المتحالفة مع قوات الجيش الموالية للرئيس اليمني السابق على عبدالله صالح منذ 21 سبتمبر الماضي 2014.
ويأتي هذا التصور في ضوء ميل ميزان القوة العسكرية لصالح قوات التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية بعد نجاح عملية السهم الذهبي في تحقيق أهدافها الاستراتيجية الرامية إلى تطهير عاصمة الجنوب، عدن، ومحيطها من قوات الحوثي/ صالح، والتي كانت قد اجتاحتها قبل نحو أربعة أشهر.
وعلى الرغم من أهمية استثمار هذا النجاح لدى معركة صنعاء المرتقبة، فإنه من المهم الإشارة إلى أن هناك اختلافات كثيرة بين معركتي الشمال والجنوب من منظور الإطار الجيوسياسي الخاص بصنعاء من جهة، والاستعدادات التكتيكية التي يشرف عليها عبدالله صالح للتحضير لمعركة صنعاء من جهة أخرى، على اعتبار أنها المعركة الحاسمة له في تمرده على السلطة الشرعية المعترف بها دولياً في أعقاب الإطاحة به من السلطة إثر اندلاع ثورة فبراير 2011.
المؤشرات السياسية
هناك العديد من المؤشرات السياسية التي يتوقع في ضوء تفاعلاتها قرب إطلاق عملية تحرير صنعاء منها:
1 ـ إعلان الرئاسة اليمنية والحكومة في الخارج أن هناك هدفاً استراتيجياً لها، وهو العودة مرة ثانية إلى ممارسة سلطاتها كممثل للشرعية الدستورية لليمن يحظى باعتراف دولي من صنعاء بشكل نهائي، ودعم العديد من القوى السياسية اليمنية لهذا التوجه خلال العديد من المؤتمرات والجولات التي انعقدت في الرياض أو تلك التي جاء الإعلان عنها من داخل اليمن.
2 ـ تراجع استراتيجية التفاوض، سواء الإقليمية التي كانت تقودها سلطنة عُمًان، وكان آخر جولاتها في منتصف شهر أغسطس الجاري، أو الدولية التي وُئِدت من أول جولة في جنيف، وذلك لصالح استراتيجية الحسم العسكري التي يقودها التحالف العربي، في ضوء عدم وجود إرادة سياسية من جانب الحوثيين/ صالح على إنجاح أي مفاوضات، بالإضافة إلى استمرار سياسية المناورات من جانبهم بخصوص الامتثال لقرار مجلس الأمن الدولي 2216، فيما قدم مندوب اليمن في الأمم المتحدة ملفاً كاملاً بانتهاكات الحوثيين في 27 اغسطس مطالباً برفع الملف إلى مجلس الأمن الدولي.
3 ـ استمرار الدعم السياسي لدول التحالف بقيادة السعودية والإمارات لتعزيز سلطة الرئيس عبدربه هادي منصور وحكومة خالد بحاح، والتي تتضح في استمرار توفير الدعم لهم في الرياض وفي العواصم العربية التي تستقبل العديد من الجولات السياسية، وأبرز محطاتها الرياض ودبي والقاهرة والرباط والخرطوم.
4 ـ تكثيف وتعزيز الاتصالات مع القوى السياسية والقبلية في صنعاء ومحيطها، خاصة مع القوى التي تمثل أحزاب اللقاء المشترك، خاصة حزب الإصلاح "الواجهة السياسية لحركة الإخوان المسلمين في اليمن، فضلا عن القوى القبلية الداعمة للسلطة الشرعية، والتو يشرف عليها نائب رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء بحاح.
المؤشرات العسكرية
على جانب الاستعدادات العسكرية، هناك أيضاً العديد من المؤشرات التي تشير إلى اقتراب بداية معركة صنعاء، ومنها:
1 ـ تعزيز الحشود العسكرية على المحاور المركزية لصنعاء، فالحشود المقاتلة، الجديدة والهائلة، التي وفرتها قوات التحالف العربي في معركة السهم الذهبي، سوف توفر القوات الأساسية في عمليات معركة صنعاء، حيث يتوقع أن تبقى قوات تأمين كافية في المدن الجنوبية المحررة، فيما سوف يواصل الجانب الأكبر منها المعارك باتجاه الشمال بعد انتهاء معركة تعز التي لاتزال تخوضها، والتي من المرتقب أن تحسمها لصالحها في غضون الأسابيع القلية الماضية.
ويُضَاف لذلك أن ثمة حشود عسكرية وصلت إلى منطقة صعدة، المعقل الرئيسي للحركة الحوثية، وهي بالأساس قوات سعودية، تستهدف منع إطلاق الصواريخ على الحدود السعودية.
وتشمل هذه الاستعدادات أيضاً تزويد المقاومة الشعبية، كما هو الوضع في محافظة مأرب المجاورة لصنعاء، بتعزيزات عسكرية من التحالف العربي، أبرزها المدرعات والدبابات وناقلات الجند وراجمات الصواريخ ومدافع ذاتية الحركة وعتاداً عسكرياً. وتتركز هذه الإجراءات في منطقة صافر، استعداداً لإرسالها إلى جبهات القتال لتحرير محافظتي مأرب والجوف بشكل أساسي، ثم استخدامها في التحضيرات الخاصة بمعركة تحرير صنعاء.
2 ـ إعادة تنظيم وهيكلة العديد من الألوية العسكرية استعداداً للمعركة، حيث تجري الاستعدادات السابقة في محيط المحافظات التي تطوق صنعاء، بل ويجرى تشكيل ألوية جديدة، وفقاً لمنهجية تدريب القوات اليمنية التي تتبنها قوات التحالف. وعلى سبيل المثال فقد أعلن مؤخراً عن تشكيل لواء عسكري جديد يضم آلاف المقاتلين المدربين بقيادة كل من قائد المنطقة العسكرية الثالثة وقائد محور الجوف، وذلك في محافظة مأرب.
3 ـ القيام بمجموعة من العمليات التكتيكية، والتي من أبرزها عملية صعدة، حيث توغل القوات السعودية وتمركزها على جبال صعدة في 26 أغسطس الجاري، وتم خلالها شن قوات سلاح الجو 100 غارة جوية على أهداف حوثية، بالإضافة إلى عملية اعتراض صاروخ سكود كان في اتجاه الأراضي السعودية.
ولهذه العملية على وجه التحديد أثر استراتيجي مهم في كل من العمليات الراهنة والمعركة القادمة في صنعاء على المستويين السياسي والعسكري، فعلاوة على أنها تهدف إلى إرجاع الحوثيين إلى صعدة ميدانياً، فإن لها أيضاً دور سياسي يتمثل في توضيح أن الحوثيين هم مجرد ميليشيا في الداخل اليمني.
وتتضمن العمليات التكتيكية استهداف أهداف ثابتة ومتحركة في صنعاء ومحيطها، إذ توجه قوات التحالف ضربات انتقائية لاستهداف القيادات الحوثية البارزة بهدف ممارسة مزيد من إحباط الروح المعنوية لميليشيات الحوثي، وذلك بالتزامن مع استمرار استهداف الأهداف العسكرة الثابتة في معسكرات الجبال التي تطوق صنعاء، وكان أبرزها استهداف جبال النهدين التي يعتقد أنها مركز رئيسي لتخزين الأسلحة والمعدات الثقيلة والصواريخ، خاصة بعد الهجمات المتكررة على معسكر فج عطان الذي كان المركز الأساسي لتخزين الصواريخ. كما أن قاعدة العند الجوية التي نجحت قوات التحالف في استرادها من الحوثيين في إطار عملية السهم الذهبي تشكل هي الأخرى احتياطياً إضافياً للمعركة المقبلة.
المعوقات الخاصة بالعملية المتوقعة
من الصعوبة بمكان الإشارة إلى أن أي عملية عسكرية تبدو ممكنة وسهلة، خاصة في ضوء إدارة المعارك في اليمن، والتي تمثل واحدة من المعارك الفريدة حديثاً؛ حيث يمتزج فيها نموذج الحروب اللامتماثلة التي تخوضها ميليشيا وقوات من جيش نظامي في وقت واحد، مع نموذج "حرب المراحل المختلفة في الأبعاد الجيواستراتيجية"، حيث يختلف الجنوب على المستوى السياسي والديموغرافي والجغرافي إلى حد كبير عن الشمال.
ويمكن في هذا الإطار التطرق إلى ثلاثة معوقات رئيسية، تتمثل فيما يلي:
1 ـ ميدان معركة صنعاء، فهو شديد التعقيد بالنظر لما يلي:
- الكثافة السكانية: حيث يصل تعداد سكان العاصمة صنعاء إلى نحو مليوني نسمة، وفقاً لأحدث التقديرات الإحصائية، ومن الصعوبة إدارة معركة يتم فيها تفادي عدد كبير من المدنيين، ففي عدن تصل الكثافة السكانية إلى ثلث هذا العدد تقريباً.
- طبيعة الجغرافيا: تقع صنعاء وسط سلاسل جبلية – السروات – وترتفع عن سطح البحر بنحو 2300م، وتشكل غالبية هذه الجبال معسكرات موالية لقوات على عبدالله صالح. ووفقاً لمرحلة ما بعد المبادرة الخليجية، فإن صالح احتفظ بنحو 30 ألف من القوات العسكرية في حين أن قوات الحرس الجمهور الموالية لنجله أحمد تشكل هي الأخرى قوة إضافية، بالإضافة إلى ميليشيات موالية للحوثي تصل إلى نصف هذا العدد تقريباً.
- تجنيد المرتزقة: نجح تحالف صالح / الحوثي في تعزيز قواته بمقاتلين من المرتزقة، خاصة الأفارقة الذين يتسللون إلى اليمن عبر جيبوتي. ورغم استهداف العديد من هؤلاء، فإن تقديرات غير رسمية تشير الى أن عددهم لا يقل عن 3 آلاف شاركوا في معارك عديدة.
- القبائل الموالية: هناك موالون من القبائل للرئيس السابق علي عبدالله صالح، خاصة من قبائل مديرية سنحان التي ينحدر منها، إضافة إلى عديد من القبائل الصغيرة في ميحط صنعاء، والتي شكلت طبقة الحكم والجيش والبيروقراطية في عهد صالح، ولايزال على اتصال مع بعضها من خلال حزبه المؤتمر الوطني العام الذي بقي دون حل وأصبح صالح زعيمه؛ وبالتالى هناك ضرورة للتفاوض مع العديد من هذه القبائل لإقناعها بفشل مشروع صالح وحلفائه الحوثين قبيل بدء المعركة.
- الاستعداد التكتيكي: تفيد بعض التقارير بأن الحوثيين بصدد الاستعداد أيضاً لخوض حرب شوارع في المدن اليمينة الشمالية، وتوقعات بقيامهم كما حدث في المعارك السابقة بتفخيخ أكبر قدر من المباني استعداداً لمعركة صنعاء، وهو ما يشكل أيضاً مشكلة، حيث يتخذ الحوثي/ صالح من المدنيين ومناطقهم دروعاً في الحرب.
2 ـ العامل الزمني، فمن المتوقع أن معركة صنعاء سوف تستغرق وقتاً أطول بكثير من معركة عدن وغيرها، كونها المعركة الفاصلة في الحرب الشاملة لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه قبل اجتياح الحوثيين لصنعاء، وقد يمثل عنصر طول الوقت أزمة كبيرة ، فقد عانت صنعاء كثيراً منذ بداية الانقلاب الحوثي من تفاقم مظاهر الفوضى وغياب الاستقرار وانهيار الاقتصاد وغياب السلع الاستراتيجية، ويتوقع أن تتفاقم هذه المعاناة أيضاً في حالة نزوح عدد كبير من سكان صنعاء إلى مناطق أخرى.
3 ـ القدرات العسكرية للمعركة، من المؤكد أن معركة صنعاء ستحتاج إلى حشد قدرات تسليحية ضخمة، في ضوء وجود المعسكرات الجبلية التي تشكل مخازن للسلاح، وبالتالي تحتاج لمعركة جوية طويله المدى، تستخدم فيها نوعيات خاصة من الأسلحة والقذائف الموجهة لانتقاء الأهداف، وبعضها موجه بالليزر وبعضها خارقة للحصون.
كما أن المعركة البحرية هنا تبدو أكثر صعوبة أيضاً، فعدن مدينة ساحلية بالكامل، أما الاعتماد على ميناء الحديدة لإمداد للقوات سيشكل خطورة، لاسيما وأن الطريق الرئيسي إليه يخترق جبال صنعاء التي تشكل ملاذاً لقوات صالح/ الحوثي. بيد أن هذه الميزة قد تفقدها قوات صالح نظراً لسيطرة القوات المصرية على البحر.
أخيراً يمكن القول إن معركة صنعاء المرتقبة، والتي صرح وزير الخارجية اليمني رياض ياسين يوم 27 أغسطس الجاري، أنها قد تبدأ في غضون شهرين، سوف تمثل المعركة الحاسمة لتحرير اليمن من قوات الحوثي/ صالح، لكنها ستمثل في الوقت ذاته نموذجاً جديداً في التخطيط العسكري الخاص بقوات التحالف، بالنظر إلى صعوبات المعركة، ومن المتوقع أن قوات التحالف سوف تنجح فيها من خلال الاستثمار الجيد لمعركة تحرير الجنوب، والدفع بتشكيلات وأسلحة جديدة إلى المعركة من أجل تفوق الميزان الاستراتيجي لصالح قوات التحالف والمقاومة الشعبية. ولن يمنع هذه المعركة سوى متغير وحيد يتمثل في إعلان الحوثين وصالح الامتثال لقرار مجلس الأمن 2216؛ ومن ثم الانتقال إلى ترتيبات مختلفة، بالعودة إلى المسار السياسي، لكن يبقى هذا الأمر غير يقيني في إطار استراتجية المناورات السياسية التي خيمت على أسلوب صالح والحوثي منذ بداية انطلاق المعارك.