أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

مصالح متداخلة:

دلالات تحول الموقف العراقي حيال الاستثمارات الروسية بقطاع النفط

11 مارس، 2018


تبدي العراق تجاوبًا ملحوظًا تجاه مشاركة الشركات النفطية الروسية في قطاع النفط المحلي، على نحو يعكس تجاوز القضايا الخلافية بين الطرفين، لا سيما بشأن الصفقات الروسية الموقعة مع إقليم كردستان في الأشهر الماضية والتي لم تعترف بها الحكومة في بغداد. وبحسب مؤشرات عديدة، تعمل الآن الشركات الروسية على زيادة استثماراتها في الأراضي العراقية بالتزامن مع تعزيز التعاون في مجالات أخرى على رأسها المجال العسكري.

ووفقًا لرؤية اتجاهات عديدة، فإن بغداد باتت ترى أن إلغاء الاتفاقات الروسية التي أبرمت مع كردستان يواجه عقبات عديدة، كما أنها في الوقت نفسه تحتاج إلى استثمارات الشركات الروسية لإعادة تأهيل القطاع النفطي بالبلاد وخاصة في كركوك. وفي الجانب المقابل، يمكن أن يساهم التقارب مع الحكومة في بغداد في تمكين موسكو من مواصلة مشروعاتها بكردستان، إلى جانب الحصول على امتيازات أكبر في باقي الأراضي العراقية، وبما سيدعم من النفوذ الروسي بشكل عام في منطقة الشرق الأوسط.

مؤشرات تقارب:

تشهد العلاقات بين العراق وروسيا تقاربًا اقتصاديًا غير مسبوق خلال الآونة الأخيرة، انعكس في تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في 10 فبراير 2018، والتي قال فيها أن "الحكومة الاتحادية في بغداد تدعم شركات النفط الروسية العاملة"، مشيرًا إلى حل القضايا الخلافية بين الطرفين بشأن إقليم كردستان.

وعلى ضوء ذلك، دعمت العراق الاتجاه نحو زيادة استثمارات الشركات الروسية بقطاع النفط العراقي وخاصة في محافظة كركوك، فعلى هامش اجتماع اللجنة الحكومية العراقية- الروسية المشتركة الذي عقد بموسكو في 28 فبراير الماضي، أكد وزير النفط العراقي جبار اللعيبي عدم ممانعة الوزارة قيام شركة "روسنفت" الروسية، في حالة ما إذا كانت لديها رغبة في ذلك، بتوسيع نطاق عملها في جميع حقول محافظة كركوك، وذلك بعد التنسيق والاتفاق مع شركة "بي بي" البريطانية.

كما يبدو أن تقليص مساحة الخلافات بين الطرفين بشأن ملف كردستان مهد المجال أيضًا للشركات الروسية الأخرى لتعزيز استثماراتها في باقي الأراضي العراقية، حيث التقى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في 4 مارس الجاري، مسئولي شركة "لوك أويل" النفطية الروسية لمناقشة تسريع عملية الإنتاج لمشروع "الرقعة الاستكشافية العاشرة" بين محافظتى ذي قار والمثنى. وبالتزامن مع ذلك أيضًا، تعمل بعض الشركات الروسية على تطوير إنتاجها من حقول النفط العراقية، ومنها شركة "جازبروم" التي سوف تستثمر 2.5 مليار دولار أخرى لتطوير حقل "بدرة" حتى عام 2030.

ولا يقتصر التعاون بين الدولتين على مجال النفط فحسب، بل إنه امتد في الآونة الأخيرة إلى مجالات أخرى مثل المساهمة في إعادة إعمار العراق، وهو ما أشار إليه نائب وزير الطاقة الروسي كيريل مولودتسوف خلال لقائه مع مسئولي الحكومة العراقية، في 21 فبراير الماضي، حيث قال أن "الشركات الروسية تضع على أولوياتها أيضًا المشاركة في إعادة تأهيل محطات الكهرباء في العراق"، وذلك بالتوازي مع نمو التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 53%  ليصل إلى 1.4 مليار دولار في عام 2017 بحسب التقديرات الروسية.

أسباب متعددة:

يعكس هذا التقارب منهجًا براجماتيًا في التعامل مع الخلافات العالقة بشأن إقليم كردستان. إذ لا يبدو أن الحكومة العراقية سوف تصر على موقفها تجاه العلاقات الاقتصادية بين روسيا والإقليم، رغم حرصها في الوقت ذاته على تأكيد سيادتها في هذا السياق، وهو ما بدا جليًا في تصريحات المسئولين العراقيين التي أشاروا فيها إلى ضرورة احترام السلطات المركزية في بغداد وعدم تجاوزها خلال توقيع اتفاقيات مع الإقليم.

ومن دون شك، فإن ما يمكن أن يزيد من دوافع بغداد نحو رفع مستوى التعاون مع روسيا في هذا المجال هو حرصها على استقطاب دعم من جانب القوى الدولية لعمليات إعادة الإعمار والتي تصل تكلفتها إلى نحو 88 مليار حسب بعض التقديرات.

وفي مقابل ذلك، باتت موسكو تدرك أن التطورات التي شهدها الإقليم في مرحلة ما بعد إجراء الاستفتاء تفرض ضرورة الدخول في شراكة مع الحكومة المركزية من أجل تنفيذ المشروعات النفطية فيه. وقد باتت المشاريع النفطية في كامل الأراضي العراقية، بما فيها إقليم كردستان، ذات جاذبية استثمارية كبيرة، حيث تمتلك المنطقة موارد وفيرة من النفط، خاصة أن الاتفاق الذي تم إبرامه بين كردستان وشركة "روسنفت" الروسية للتنقيب عن النفط في 5 مواقع قد يوفر لها السيطرة على موارد نفطية كبيرة تصل إلى 670 مليون برميل باستثمارات مبدئية لا تتجاوز 400 مليون دولار في مقابل حصولها على 80% من أرباح المشروع.

فضلاً عن ذلك، لن يساهم خط الأنابيب الذي سوف تنفذه الشركة الروسية بالإقليم في تعزيز الأهمية الجيوستراتيجية للإقليم فقط، وإنما سيزيد من النفوذ الروسي في إقليم الشرق الأوسط، ويحول روسيا إلى المُصدِّر الأساسي للغاز الطبيعي لكل من تركيا وأوروبا، وخاصة أنه بموجب خطة الشركة، من المتوقع أن تصل طاقة خط الأنابيب إلى 30 مليار متر مكعب من صادرات الغاز سنويًا ستزود السوق التركية والأوروبية بالغاز بداية من عام 2020.

ولذا، لم يكن مفاجئًا أن تساهم الشركة الروسية في جهود تقليص حدة التوتر بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان في الفترة الماضية وتعمل على تعزيز فرص توصل الطرفين لتفاهم مبدئي بشأن استئناف صادرات النفط كاملة من الإقليم، على نحو يساعدها في تنفيذ مشاريعها النفطية بالعراق دون أن تواجه صعوبات كبيرة.

وقد أدى ذلك أيضًا إلى اتجاه العراق نحو تعزيز علاقات التعاون العسكري مع روسيا، حيث تدرس الحكومة العراقية حاليًا إمكانية شراء منظومات صواريخ روسية مضادة للطائرات من طراز "S 400"، وفق تصريحات وزير الخارجية إبراهيم الجعفري، رغم تحذير المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية هيثر ناويرت من مغبة تنفيذ هذه الصفقة وتعرضها لعواقب وخيمة وفق قانون "مكافحة أعداء أمريكا من خلال العقوبات".

عقبات محتملة:

مع ذلك، فإن ثمة صعوبات قد تعترض مسار التعاون بين الطرفين، وخاصة في المجال النفطي. ففضلاً عن الضغوط الأمريكية المتواصلة على الحكومة العراقية لوقف الصفقة العسكرية الأخيرة مع روسيا، فإن احتمال تجدد التوتر بين بغداد وإقليم كردستان مرة أخرى، ما زال قائمًا، خاصة مع تخصيص الموازنة الاتحادية حصة بنسبة 12.5% للإقليم بدلاً من 17% في السابق، على نحو قد يؤدي إلى تفاقم الخلافات مجددًا بين الطرفين، لا سيما في ظل مقاطعة الأحزاب الكردية للتصويت على الموازنة.

وختامًا، يمكن القول إن التقارب العراقي- الروسي، لا سيما في المجال النفطي، يعكس مصالح اقتصادية وجيوسياسية ملحة لدى الطرفين ترتبط برؤية كل منهما لتطورات ما بعد هزيمة تنظيم "داعش" في العراق واستمرار الصراع المسلح في سوريا.