يواجه العرب والمسلمون تحديات وتهديدات في الأمن الاستراتيجي، وفي استقرار المجتمعات والدول. ويأتي الرئيس الأميركي ترامب إلى المملكة العربية السعودية للتشاور والنظر في التحديات والتهديدات التي يواجهها حلفاء الولايات المتحدة بعد حقبتي الحرب الباردة والهيمنة الأميركية. فعلى أثر الحرب الباردة قامت الولايات المتحدة بحربين على العراق، في الأولى أرادت إعادة الانضباط لأنّ العراق غزا الكويت، وفي الثانية (على العراق وأفغانستان) أرادت إزالة آثار هجمة «القاعدة» ضدها عام 2001. وطوال فترتي بوش الابن وأوباما، اللتين تزعزعت فيهما الهيمنة الأميركية، صار الهمّ كيف يمكن الخروجُ من المنطقة المضطربة لسببين: تحطُّم العراق، والهجمة الاستراتيجية الإيرانية.
الرئيس ترامب يبحث عن سياسة جديدة بعد أن فشلت السياستان السابقتان: سياسة التدخل الشديد، وسياسة الانسحاب الشديد، فالتدخلية الشديدة خلّفت بؤرةً للفوضى استغلتْها إيران، واستغلتها التيارات والحركات المتطرفة. أما سياسة الانسحاب منذ عام 2007-2008، فصنعت منطقة فراغ كبيرة، تحاول إيران وتركيا وروسيا الحلولَ محلَّ الولايات المتحدة فيها. هذا فضلاً عن التحفز الإسرائيلي لإلغاء الشعب الفلسطيني وقضيته.
لقد اتخذت دول الخليج من دون سائر الدول العربية، وفي الأعوام الثلاثة الأخيرة، سياسات وقائية وأُخرى دفاعية. ومن ذلك دعم البحرين، والتحالف العربي لوقاية اليمن من الضياع، والاتجاه صوب الأمن الاستراتيجي بوسائل غير تقليدية، أهمّها إنشاء التحالف العسكري الإسلامي. ما نفعت الجامعة العربية، ولا نفع مجلس التعاوُن الإسلامي. لذلك اتجهت السعودية والإمارات إلى تقوية جيوشهما ودفاعاتهما الخاصة، وولّت وجهها شطر الدول الإسلامية في آسيا وأفريقيا. وبالطبع فإنّ الدول الإسلامية لا تُواجِهُ المشكلات ذاتها التي تواجُهها مشارق العالم العربي ومغاربه. لذلك فإنّ تركيا وباكستان من تحمستا كثيراً للمساعدة في اليمن. لكنْ لهذه الدول جميعاً مصالح مهدَّدة وبخاصة في البحرين الأبيض والأحمر والمحيط الهندي، وعلى الحدود البرية، وفي بعض الدواخل. ذلك أن الانطلاقة الإيرانية هددت وتهدد باكستان وتركيا. وكان من سوء الحظ أن الإسلام عانى في الحقبة نفسها من انشقاقات سهّلت على المتربصين التدخل من دون روادع من وحدة أو تماسُك.
هل على الولايات المتحدة إعادة النظر في سياساتها السابقة؟ مرة أخرى فإن الولايات المتحدة ليست مسؤولة بالضرورة عن كل الفوضى، لكنها تسببت في أمرين: تسهيل الهجمة الإيرانية بتحطيم العراق، وتسهيل الهجمتين الإيرانية والروسية بغضّ النظر عن الجرائم المهولة بحق الشعب السوري من جانب نظامه وحلفائه.
إنّ زيارة الرئيس ترامب هي إعلان عن العودة الأميركية إلى المنطقة بعد نحو عشر سنوات من الغياب حيناً، والتواطؤ حيناً آخر مع إيران وحلفائها بالعراق وسوريا. لذلك فالأعباء كثيرة وكبيرة، فالإيرانيون منهمكون بتخريب العراق وسوريا، وهم مستولون من خلال «حزب الله» على لبنان، ويحاولون تخريب اليمن وشرذمته كما فعلوا في أماكن أخرى. وترامب وقد أتى إلى المملكة يجد أنّ دول الخليج صنعت التحالف العربي الذي هبَّ لإنقاذ اليمن، وأقامت التحالف العسكري الإسلامي من أجل استعادة الاستقرار وسدّ الفراغ في مناطق التدخلات الخارجية والاضطرابات الداخلية. لقد ظهرت مخاطر عدم القدرة على التدخل في سائر الأنحاء ومن ليبيا إلى سوريا. ولولا التدخل باليمن لصارت أفظع من سوريا وليبيا.
لدى ترامب بشأن المنطقة عنوانان وضعهما قبل مجيئه: مكافحة الإرهاب، وكبح جماح التدخلات الإيرانية. وليست هناك مشكلة في التعاون في مكافحة الإرهاب. إنما كيف يمكن كبح الجماح الإيراني؟ فالإيرانيون يتصرفون في العراق وسوريا ولبنان تصرف المالكين. وقد حققوا غلبةً مؤقتةً بضمّ روسيا إلى قائمة حلفائهم. فما لا يستطيعون القيام به، يقوم به الطيران الروسي. أمّا في العراق فعندهم الجيش، وعندهم الميليشيات الداخلة تحت المظلة الإيرانية.
ولذا فعلى الأميركيين عدة مهمات: التسوية والتقاسم مع روسيا، وتهدئة الملف الكردي، وإرغام الميليشيات المتأيرنة على الانسحاب. والتحالف العسكري الإسلامي، كما يمكنه أن يقمع الاضطراب، يمكنه أن يشكّل قوات رقابة وسلام لإعادة المهجَّرين وفرض وقف النار، وبالطبع وقف الحصار والتهجير والتمييز العرقي، وهذه العملية كما تفترض الاتفاق مع روسيا، تفترض أيضاً استعادة الثقة مع الولايات المتحدة، وإعادة السوية إلى العمل العربي المشترك.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد