استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، د. سعيد المصري (أستاذ علم الاجتماع بجامعة القاهرة) يوم الأحد الموافق 30 أبريل 2017، حيث ألقى محاضرة بعنوان "التغيرات الاجتماعية في المنطقة العربية".
وركز د. سعيد المصري خلال محاضرته على التحولات الرئيسية الصاعدة التي تواجه المجتمعات العربية ككل، وفي صدارتها التغيرات الديمغرافية في المجتمعات العربية التي أدت إلى تزايد كتلة الشباب التي تفرض على الدول تلبية احتياجاتها الاجتماعية والاقتصادية المتزايدة لتفادي تفجر أزمات تسبب عدم الاستقرار السياسي.
وتطرق النقاش إلى قضية دور المرأة في المجتمع في ظل وجود تناقضات بين زيادة معدلات تعليم الفتيات وتزايد معدلات البطالة فيما بينهن مقارنةً بالذكور في بعض الدول العربية، وهو ما يعني أن بعض المجتمعات العربية ستتجه إلى تحقيق التوازن بين التعليم وفرص العمل بالنسبة للمرأة، وعدم تحميل السيدات أعباء التوفيق بين العمل ورعاية الأسرة.
وأشار د. سعيد المصري إلى وجود مستويات مرتفعة من الحراك الاجتماعي في المنطقة العربية نتيجة اتساع نطاق الشرائح المستفيدة من التعليم في الدول العربية مقارنةً بالأجيال السابقة، وارتبط هذا الحراك بالانفتاح على العالم، وتزايد الطلب على فرص العمل وتحقيق الذات.
ولا ينفصل ذلك عن الفجوة الجيلية المتزايدة في بعض الدول العربية نتيجة للتناقض في رؤية الأجيال للعالم، واختلاف القيم والمعتقدات لدى كل منهم، بالإضافة إلى انتظار الشباب فترة طويلة قبل حصولهم على فرص لتحقيق ذواتهم (Waithood)، وهو ما يُقصد به طول فترة الانتقال من الطفولة للبلوغ وتحقيق الاستقلالية عن الأسرة.
وتسببت هذه الإشكالية في انتشار ثقافة ريادة الأعمال في العالم العربي، والتي تقوم على قيام الشباب باكتشاف ذواتهم، والبحث عن حلول ذاتية بعيدًا عن المظلة المجتمعية، وتأسيس مشروعات صغيرة وشركات ناشئة، تقوم على الابتكار. وتتمثل خطورة هذا الاتجاه في أن البيئة غير مهيأة في بعض الدول العربية لنجاح هذه المشروعات بسبب الافتقاد للتنظيم ووجود شبكات الضمان والأمان الاجتماعي التي تسمح بحماية المشروعات الصغيرة مما يتسبب في إخفاق عددٍ كبيرٍ منها.
وعلى مستوى آخر، شهدت بعض المجتمعات العربية تراجعًا في سلطة الدولة في مقابل تقدم في قوة المجتمع وتوغله على حدود أدوار الدولة، بالإضافة إلى صعود المجتمعات الوسيطة التي لا تنتمي للدولة أو للمجتمع، مثل: المجتمعات الافتراضية، ومجتمعات المناطق الطرفية والعشوائيات، وهو ما يُطلق عليه "المجتمعات العابرة لحدود العلاقة بين الدولة والمجتمع".
ويرتبط ذلك بالتناقض بين تشبث بعض الدول العربية بمفاهيم الحكومة التقليدية، واتجاه المجتمعات لتطبيق الحوكمة التي تقوم على الشراكة في المسئولية والشراكة في الشأن العام، وهو ما يتضح في صعود أنماط اقتصاد المشاركة، وغيرها من أنماط التفاعلات التي تتم بمعزل عن سلطة الدولة، وتقوض من سلطاتها على المجتمع.
وختامًا أشار د. سعيد المصري إلى وجود حالة تراجع في ظاهرة الإسلام السياسي وانحسار التيارات الممثلة له في نسيج المجتمعات العربية بعدما أثبتت تجارب وصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر وتونس أن هذه التيارات ليس لديها مشروع حقيقي أو رؤية لإدارة الدولة، وهو ما أدى إلى خروج الدين من العباءة السياسية، وعودته إلى المجتمع. كما يُعد انتشار التطرف العنيف والإرهاب في المنطقة العربية رد فعل على إخفاق وانحسار الإسلام السياسي.