عرض: نورهان سليمان، باحثة في العلوم السياسية
"عام التكنولوجيا".. هذا هو الاسم الذي تم إطلاقه على عام 2017 من قبل مؤسسة "أريكسون" المتخصصة في مجال التكنولوجيا، وذلك في تقريرها الصادر في ديسمبر 2016، بيد أن التوسع في استخدام التقنيات قد يؤدي إلى مجموعة من التداعيات، مثل: الإدمان الافتراضي، وانعدام الخصوصية والأمن الشخصي، وأحادية الرؤية وغير ذلك. وقد تم الاعتماد في أجزاء عديدة من تقرير أريكسون على استبيان إلكتروني لما يُقدر بحوالي 7138 ألف شخص في عدد من الدول المختلفة.
وبخلاف حالة التغول التكنولوجي التي يرصدها التقرير في مختلف مناحي الحياة، سواء من جهة السيارات ذاتية القيادة، أو الواقع المعزز، أو إنترنت الأشياء؛ فقد لفت النظر إلى أنه امتد أيضًا إلى العمليات السياسية في العالم عندما طرح إمكان بناء "مستشارين آليين" يمكن أن يعطوا آراء في مجالات السياسة العامة، مثل الصحة والقانون.
التطورات القادمة:
أدى ظهور تقنيات البث المباشر والتطبيقات المختلفة التي تتيح التواصل عن طريق الفيديو إلى تحول الإنترنت من مصدر للمعلومات النصية إلى مصدر لتقنيات الصورة والفيديو، حيث يمثل هذا المحتوى الآن حوالي 70% من إجمالي محتوى الإنترنت. وتشهد الاتجاهات التكنولوجية الآن زيادة الاعتماد على تقنية الفيديو والصور المتحركة، وظهور ما يُعرف بـ"إنترنت الأشياء" و"تقنية الواقع المعزز" و"الذكاء الاصطناعي". وفي هذا الإطار يتوقع التقرير مجموعة من التطورات التكنولوجية في عام 2017، وتتمثل فيما يلي:
1- تقنية الذكاء الاصطناعي Artificial intelligence: يتم استخدام تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في قطاعات شتى، ومن المتوقع أن تصبح هذه التقنية متوافرة خلال السنوات القادمة كجزء من الهواتف الذكية، أو بناء "مستشارين آليين" في مجالات مختلفة مثل الصحة والقانون. وبناءً على الاستبيان الذي أقامته مؤسسة أريكسون، فقد فضل 35% من المشاركين في الاستطلاع استخدام تقنية الذكاء الاصطناعي في الوظائف المختلفة، فيما رفض هذا الأمر 24% ممن شاركوا في الاستبيان. كما أن فردًا من كل أربعة أفراد يفضلون أن تتولى آلات تعمل بتقنية الذكاء الاصطناعي إدارة الشركات والمصانع، فيما يخشى الآخرون من أن يؤدي التوسع في استخدام هذه التقنية إلى خسارتهم لوظائفهم وحدوث أزمة بطالة.
2- إنترنت الأشياء The internet of things: وتعني بمفهوم مبسط إمكانية أن تعتمد كافة الأشياء الموجودة حولنا قابلية الاتصال بالإنترنت وببعضها بعضًا، وهو الأمر المتاح الآن، ويتوقع أن يزداد استخدامه في عام 2017. فعلى سبيل المثال، من المتوقع التوسع في استخدام الهواتف المحمولة في التحكم في أجهزة إنذار المنزل المختلفة، والتحكم في مشغل الوسائط المتعددة.
أيضًا قد تستخدم الدول هذه التقنية في قيادة الطائرات دون طيار في المعارك العسكرية، ويوضح استبيان أريكسون أن اثنين من كل خمسة من مستخدمي الإنترنت يريدون استخدام تقنية "إنترنت الأشياء" في منازلهم، بحيث تكون لديهم أجهزة استشعار وأجهزة إلكترونية ذكية قابلة للارتداء (wearables) للتفاعل مع الأجهزة المختلفة والأشياء المادية حولهم، مما يُتيح الوقت أمامهم لممارسة العديد من المهام المختلفة بشكل أفضل.
3- السيارات ذاتية القيادة Self-driving cars: سوف يزداد الاعتماد على تقنية السيارات ذاتية القيادة خلال عام 2017، ويشير استبيان أريكسون إلى أن واحدًا من كل أربعة من المُشاة سوف يشعر بالأمان إذا تحولت السيارات إلى ذاتية القيادة، بل إن واحدًا من كل ثلاثة من الذين أُجرِيَ عليهم الاستبيان يريدون أن تكون هناك علامات للطريق وإشارات على الأرصفة أيضًا حتى يتم تقليل الاصطدام بين المارة الذين يركزون أعينهم على شاشات هواتفهم الذكية.
4- الواقع المعزز Augmented Reality: يُقصد بهذه التقنية إمكانية رؤية الأشياء التي تعرضها الأداة الإلكترونية في البيئة الحقيقية للمستخدم، وبالرغم من أن تقنيات الواقع المعزز ظهرت خلال عام 2016 في مجال الألعاب، فإن عام 2017 سيشهد استخدام هذه التقنية في الأنشطة اليومية.
ولكن تبقى تقنيات الواقع المعزز بحاجة إلى إدخال بعض التعديلات لتجعل مستهلكي هذه التقنية يحظون بتجربة أكثر إحكامًا وواقعيةً، فأربعة من كل خمسة من مستخدمي تقنيات الواقع المعزز -بحسب استبيان أريكسون- يؤمنون بأن تجربتهم الافتراضية لن يمكن تمييزها عن الواقع المادي في المستقبل، ونصف من تم سؤالهم عبروا عن رغبتهم في ارتداء حذاء أو قفاز يمكّنهم من التفاعل مع الأشياء الافتراضية بصورة طبيعية مثلما يتم التفاعل مع محيطهم المادي، كما يتوقع أربعة من كل خمسة أفراد أن تصبح تقنية "الواقع المعزز" شائعةً خلال السنوات القادمة مثل استخدام الإنترنت حاليًّا.
تداعيات سلبية:
يرتبط انتشار هذه الأجهزة بعددٍ من التداعيات السلبية، إلا أن التقرير أشار إلى أنه سيركز على ثلاثة تداعيات سلبية لهذه التكنولوجيا، وتتمثل في:
1- الأمن المتخيل: يعتمد أغلب مستخدمي الهواتف الذكية على تلك الأجهزة لإنقاذهم في حالات الخطر والظروف الطارئة، فاثنان من كل خمسة مواطنين -وفقًا لاستبيان أريكسون- يعتقدون أن للهواتف الذكية خصائص وإمكانيات تساعدهم في الشعور بالأمان بصورة أكبر، إلا أن المبالغة في الاعتقاد في إمكانيات التكنولوجيا سوف يؤدي إلى ظهور معضلة "الأمن المتخيل"، حيث إن مستخدمي تلك الأجهزة يعتمدون عليها للشعور بالأمان، فواحد من ثلاثة مستخدمين للهواتف الذكية واثق من أنه سوف تكون لديه في المستقبل القريب أجهزة إلكترونية قابلة للارتداء لها استخدامات مختلفة وقادرة على فعل أشياء غير متوقعة، وهو الأمر الذي قد يحمل بعض المبالغة، بالإضافة إلى أن وجود هذه التفضيلات لدى مستهلكي التكنولوجيا يمكن أن تؤدي إلى مزيد من الأفعال المتهورة ما دامت تُوجد الثقة على قدرة تلك الهواتف والأجهزة الذكية على تأمينهم وإبعادهم عن أماكن الخطر.
2- تداعيات صحية: بعض هذه الأجهزة يحمل آثارًا جانبية صحية. فعلى سبيل المثال، يزداد "داء دوار السيارة" في السيارات ذاتية القيادة، وقد رأى واحد من كل ثلاثة من الذين أُجْرِيَ الاستبيان عليهم أنهم بحاجة إلى حبوب لمنع دوار الحركة، كما رأى نصف المستخدمين أن من المقبول أن يعطي الآباء مثل تلك الأقراص لأبنائهم.
3- الصوامع الاجتماعية Social silos: عادةً ما تقوم لوغاريتمات مواقع التواصل الاجتماعي بحجب بعض المعلومات التي تكون بعيدة عن اهتمام المستخدمين، وهو ما يقلل من إمكانية تعرفهم على الأفكار المختلفة، ومن ثم تصبح هذه المواقع صدى لأفكاره (Echo chamber) أكثر من كونها مواقع تهدف للتواصل بين المجموعات ذات الأفكار المختلفة.
ويُشير تقرير أريكسون إلى أن شخصًا من كل أربعة أشخاص يؤمنون بأن آراء معارفهم أكثر أهميةً من آراء السياسيين أنفسهم، ونصف هؤلاء يوافقون على فكرة أن يتولى أحد أجهزة الذكاء الاصطناعي الزعامة السياسية، مما يعكس انعدام الثقة في الآخرين خارج المجال الافتراضي، وينذر بتكون ما يعرف بالصوامع الاجتماعية (Social silos) غير القابلة للاختراق من أفكار أخرى.
4- معضلة الخصوصية: يشتعل الخلاف الآن بين فريقين، فريق لا يريد استخدام خدمات تكنولوجية سوى تلك المؤمَّنة من أي اختراق، وفريق آخر يرى أنه لا يوجد ما يعرف بالخصوصية (Privacy) في الوقت الحالي، وأننا في عصر "ما بعد الخصوصية"، فاثنان من كل خمسة أشخاص يريدون استخدام الأجهزة المؤمَّنة فقط.
كما انقسم المستهلكون حول ما إذا كان من المفترض السماح للحكومة بالوصول للمعلومات الشخصية الخاصة بمستخدمي تلك التقنيات أم لا؛ حيث أشار 45% ممن أُجري عليهم استبيان أريسكون إلى أن الشركات يجب أن تمتثل للحكومات عندما تطلب منها السلطات بيانات حول عملائهم بغرض مكافحة الجريمة والإرهاب، إلا أن حوالي نصف من تم سؤالهم يفضلون أن يتمتعوا بالقدر الجيد من الخصوصية reasonable privacy، حيث يريد واحد من كل ثلاثة من هؤلاء المستهلكين أن يحصل على تنبيه (notification) إذا ما حاول أحدهم اختراق حسابه على تلك التطبيقات.
فيما يعتقد واحد من كل ثلاثة أشخاص أنه لا يوجد ما يُسمى الآن بالخصوصية؛ حيث إن المستخدم لا يعلم فيما تستخدم تلك التطبيقات بيانات مستخدميها، وسوف تتوافر كافة المعلومات الخاصة بكل الأشخاص والمؤسسات والحكومات على الملأ في المستقبل القريب بحسب اعتقاد البعض.
ختامًا، قامت شركة أريكسون بسؤال المستخدمين حول رغباتهم المستقبلية، وقد أشار اثنان من أصل خمسة من مستخدمي الإنترنت إلى رغبتهم في وجود شركة معلوماتية كبيرة تمدهم بكافة الخدمات التي يرغبون فيها، فيما رأى بعضهم أن احتكار شركة واحدة لكافة الخدمات التكنولوجية سوف يجعل هذه الشركة أقوى من الحكومات ذاتها بسبب امتلاكها للبيانات الشخصية لمليارات المستخدمين.
المصدر:
Consumer Lab Ericsson, "Hot Consumer Trends 2017”, Stockholm: Consumer Lab Ericsson, December 2016.