حفلت الدورة الثالثة لقمة المعرفة التي عقدت في مدينة دبي في الفترة من 5 إلى 7 ديسمبر 2016، تحت رعاية الشيخ "محمد بن راشد آل مكتوم" نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم إمارة دبي، بنقاشات عديدة حول قضايا المستقبل والتكنولوجيا ، فضلا عن أبرز الاتجاهات الجديدة في آليات ومنهجيات نشر وإنتاج المعرفة في المنطقة العربية.
فتحت عنوان "تكنولوجيا المستقبل.. ماذا تخفي؟" تحدث "توماس فري" المدير التنفيذي وكبير الباحثين المستقبليين بمعهد دافينشي أولي جلسات قمة المعرفة عن التطورات التكنولوجية المختلفة وتأثيرها الراديكالي على المستقبل، محاولا تلمس الملامح لـ"كيف سيكون شكل العالم في عام 2062؟"؛ إذ أنه سيكون هناك صعود في عملية "أتمتة الوظائف" أي تحولها إلى وظائف يتم تأديتها بواسطة الآلات الذكية دون تدخل من الإنسان وهو ما قد يؤدي إلى اختفاء ما يقدر بحوالي 2 مليون وظيفة، وسيمتد هذا ليشمل الوظائف الإدارية العليا التي تعتمد على التفكير واتخاذ القرارات، ولا يعني هذا أن البشر سيصبحون عاطلين عن العمل بل ستظهر مهن جديدة مبتكرة ومختلفة كلية عن الوظائف الموجودة حالياً.
وفي جلسة أخرى، بعنوان "المعرفة.. والمستقبل" طرح "ثيودور جاي جوردون" –أحد أهم الخبراء في دراسات المستقبل- سؤال مفاده "لماذا نعجز عن التنبؤ رغم توفر المعلومات والأساليب التكنولوجية الحديثة؟" .
ورأي "فيليب إي تيتلوك" المؤسس المشارك لشركة (Good Judgment) أن هذا يرجع إلى ميل الأفراد للصور النمطية واعتقادهم بأن ما حدث في الماضي سيتكرر في المستقبل ويمكن معالجة هذا عن طريق عدد من التمارين المتخصصة وإقامة مباريات استشرافية تنافسية بين الأفراد، فيما ركز دكتور "سليمان محمد الكعبي" الرئيس التنفيذي لمؤسسة استشراف المستقبل بأبو ظبي على توضيح مراحل صنع الخطة الاستشرافية.
إما "مايك سينج" –رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة تيليكوم كاريبي- فقد طرح أحد المشروعات التكنولوجية الضخمة التي ستغير الإنترنت وهو "بريكس كابل" ويتمثل في إنشاء كابل بحري لإيصال الإنترنت من خلال ربط آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا والأمريكتين وذلك بهدف سد الفجوة الرقمية التي تواجه الأسواق الناشئة في الجنوب.
بينما حاولت جلسة "استشراف المستقبل.. في مواجهة التطرف الفكري" الإجابة على سؤال "هل يمكن القضاء على تنظيم داعش؟" وقد رأى الدكتور "جواد أحمد العناني" نائب رئيس الوزراء الأردني للشئون الاقتصادية أنه حتى في حالة هزيمة داعش عسكرياً فإن أفكارها ستظل كامنة مستعدة للعودة في أي وقت.
واتفق معه في هذا الرأي "ثيودور قطوف" الرئيس والمدير التنفيذي لمؤسسة أمديست، حيث أكد أن الحرب مع داعش أيدلوجية بالأساس وليس عسكرية، فيما تناول دكتور "أحمد أوزي" المفكر والباحث المغربي هذه القضية من منظور نفسي وعرض نتائج بعض الأبحاث حول القيم السائدة في بعض الكتب المدرسية والتي تدعو إلى التطرف، وقد قام بإدارة هذه الجلسة دكتور "سلطان محمد أحمد النعيمي" عضو هيئة التدريس في جامعة أبو ظبي.
المدن الذكية:
ناقشت عدة جلسات من القمة شكل المدن المستقبلية وأساسها ومكوناتها ودورها في بناء اقتصاد المعرفة؛ حيث تناولت جلسة "المعرفة.. ومدن المستقبل" عرض لأبرز التقنيات التكنولوجية التي تستخدمها حكومة دبي في مجال الطاقة، وتجربة حكومة دبي في مجال الحكومة الإلكترونية وقد ناقش هذه القضايا كل من الأستاذ "سعيد الطاير" العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لهيئة كهرباء ومياه دبي، والدكتورة "عائشة بطي بن بشر" مدير عام مكتب مدينة ذكي الذكية.
كذلك قدم "فيفيك وادوا" الزميل في "مركز آرثر وطوني ريمبي روك" التابع لجامعة ستانفورد تصوره لشكل المدن المستقبلية، إما "بيبوب جي جريستا" و "ديريك آهلبورن" من شركة هايبرلوب لتقنيات النقل فقد قاموا بعرض مشروع قطار هايبرلوب والذي يقوم بنقل الناس عبر كبسولة تصل سرعتها إلى 760 ميل في الساعة.
فيما اهتمت جلسة "تكنولوجيا التعليم.. والمستقبل" بدور الابتكار في مجال التعليم، والمناهج والتخصصات الجديدة التي يمكن أن تساعد على استشراف المستقبل، وفي هذا الإطار أكد السيد "حسين بن إبراهيم الحمادي" وزير التربية والتعليم الإماراتي على أن الإمارات ستتحول نحو التعليم الذكي خلال السنوات القادمة.
وتناولت جلسة "المعرفة ومستقبل الصحة" التكنولوجيات الحديثة الصاعدة في علم الوراثة، ودخول الروبوتات لعالم الطب، وتم مناقشة هذه القضايا بواسطة عدد من المشاركين من أبرزهم الدكتور "جمال محمد الكعبي" مدير قطاع التنمية الاجتماعية مكتب اللجنة التنفيذية التابع للمجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي، وطرحت جلسة "الإعلام وصناعة المستقبل" سؤالاً مفاده هل الإعلام هو من يؤثر على المستقبل أم أن العكس صحيح؟ وذلك بحضور عدد من الإعلاميين البارزين، وأخيراً تناولت جلسة "المعلومات والمعرفة" آليات بناء مجتمعات المعرفة.
مؤشرات المعرفة:
شهدت القمة إعلان نتائج "مؤشر القراءة العربي 2016" وهو مبادرة مشتركة أطلقتها مؤسسة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ويعد المؤشر الأداة الموضوعية الأولي من نوعها التي ترصد حال القراءة في الدول العربية بشكل علمي ومقنن، وقد شارك في الاستبيان الذي بني عليه المؤشر ما يقدر بحوالي 148 ألف شخص من جميع الدول العربية، ومن أبرز النتائج التي توصل إليها المؤشر أن العرب يقرأون 35 ساعة في المتوسط سنوياً.
وعلى ذات الصعيد تم إعلان نتائج "مؤشر المعرفة العربي 2016" الذي يهدف إلى رصد واقع المعرفة في العالم العربي بشكل سنوي وفقاً لعدد من المؤشرات الفرعية: كالتعليم في مراحله المختلفة، ومؤشر البحث والتطوير والابتكار، ومؤشر الاقتصاد، ومؤشر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد تصدرت الإمارات على مؤشر البحث والتطوير والابتكار، والاقتصاد، والتعليم التقني والتدريب المهني، والتعليم قبل الجامعي، والتعليم العالي، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات.
وقد حرص مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة على المشاركة في كافة هذه الفعاليات، ومن الجدير بالذكر أن مركز المستقبل هو مركز تفكير Think Tank مستقل، أُنشئ عام 2014 في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، للمساهمة في تعميق الحوار العام، ومساندة عملية صنع القرار، ودعم البحث العلمي فيما يتعلق باتجاهات المستقبل، التي أصبحت تمثل مشكلة حقيقية بالمنطقة في ظل حالة عدم الاستقرار، وعدم القدرة على التنبؤ خلال المرحلة الحالية، بهدف المساهمة في تجنب "صدمات المستقبل" قدر الإمكان.