جذبت التجارة الإلكترونية بمنطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة اهتمام المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء لما حققه هذا القطاع الواعد من قفزات كبيرة في الفترة الماضية بفضل تسارع وتيرة نمو التسوق عبر الإنترنت من قبل مستهلكي المنطقة، والذين أصبحوا أكثر ميلا لاستخدام الإنترنت في الشراء مع تنوع المنتجات والأسعار التفضيلية التي تطرحها منصات التجارة الإلكترونية، وبما أنعش من آمال اتساع حجم التجارة الإلكترونية بالشرق الأوسط مستقبلا.
وفي ظل الآفاق المستقبلية الواعدة للقطاع، فقد اكتسب في الآونة الأخيرة اهتمامًا كبيرًا من قبل المستثمرين الإقليميين أو الدوليين، حيث اتجهوا لتدشين منصات إقليمية للتجارة الإلكترونية أو تمويل بعض المنصات الناشئة انتظارًا لجنى عوائد تجارية كبيرة في المقابل.
ومع هذا، يبدو أنه يواجه تحديات راهنة تتمثل في النطاق المحدود لاستخدام بطاقات الائتمان، وكذلك مخاطر الأمان الإلكتروني، بجانب أزمة فقدان ثقة مستهلكي المنطقة تجاه المنصات الإلكترونية.
اتجاهات النمو:
يتمتع سوق التجارة الإلكترونية في منطقة الشرق الأوسط بإمكانات واعدة بالتزامن مع تعزيز البيئة التكنولوجية بالمنطقة، وانتشار استخدام الإنترنت والهواتف الذكية واللوحية. وفيما يلي أبرز اتجاهات نمو استخدام التجارة الإلكترونية:
1- خيار سكاني: تُظهر العديد من المؤشرات أن التسوق عبر الإنترنت أصبح خيارًا رئيسيًّا لسكان المنطقة في العمليات المتكررة للشراء اليومية، حيث إن منصات التجارة الإلكترونية تتيح الآن للمستهلكين التسوق بأسعار معقولة، وتوفر -في الوقت نفسه- قدرًا كبيرًا من التنوع في السلع المعروضة. وفي هذا السياق، توصلت نتائج استطلاع رأى أجرته شركة "بيفورت" عام 2016 إلى أن 33% من المستهلكين بعدة دول عربية يفضلون التسوق عبر الإنترنت لسبب أساسي وهو وجود أسعار تفضيلية، في حين أن 27% من المستطلعة آراؤهم يتسوقون عبر الإنترنت لأسباب تتعلق بتنوع المنتجات، بينما 23% منهم لتوافر أشياء فريدة من نوعها.
شكل (1): مؤشرات المتسوقين على الإنترنت ببعض دول الشرق الأوسط
المصدر: الأونكتاد، تقرير مؤشر التجارة الإلكترونية 2016.
2- انتشار المنصات: شهدت المنطقة في السنوات الماضية دعًما جديًّا للشركات الناشئة التي تطرح حلولا تكنولوجية جديدة للقطاعات الاقتصادية المختلفة، بما فيها التجارة الإلكترونية، ونالت هذه الشركات تمويلا من الحكومات والقطاع الخاص على حد سواء. وبالتزامن مع ذلك، أصبحت البيئة التكنولوجية أكثر استعدادًا لانتشار التجارة الإلكترونية.
وحاليًّا، يوجد في المنطقة ما يقارب 140 مليون مستخدم للإنترنت بمعدل انتشار قوي يناهز 50%. كما أن معدل انتشار الإنترنت على الأجهزة المحمولة في المنطقة يبلغ تقريبًا 25%، ويصل إلى 75% في المناطق التي يحظى المستخدمون فيها بتغطية الجيل الثالث.
هذان العاملان ساهما بقوة في انتشار منصات التجارة الإلكترونية بدول الإقليم التي تعتمد على تسويق العديد من السلع، كمنصة "سوق دوت كوم" التي تبيع أكثر من 400 ألف منتج، مثل الإلكترونيات، والساعات، والمجوهرات، والأزياء، وبزيارات تبلغ 24 مليون زيارة شهريًّا.
3- حجم متسع: بناءً على الإمكانات السابقة، من المتوقع أن تنمو قيمة سوق التجارة الإلكترونية في إقليم الشرق الأوسط بوتيرة سريعة في السنوات المقبلة. وفي الإمارات (أكبر أسواق التجارة الإلكترونية حاليًّا بالخليج) من المتوقع أن تتضاعف قيمتها لتصل من 2.8 مليار دولار إلى 8.09 مليارات دولار بحلول عام 2020 بحسب بيانات شركة "بيفورت". أما بالنسبة لمصر، فمن المتوقع أن ترتفع قيمتها إلى 7.3 مليارات دولار بحلول عام 2020 من نحو 1.8 مليار دولار العام الماضي.
وبالمثل، من المنتظر أن يحقق السوقان التركي والإيراني معدلات نمو مرتفعة بالفترة المقبلة. فمع توسع استخدام شبكة الجيل الثالث بإيران إلى جانب إلغاء العقوبات الاقتصادية في يناير 2016، اكتسب قطاع التجارة الإلكترونية دفعة قوية، حيث تتطلع بعض الشركات الدولية للاستثمار بالقطاع كشركة "إم تي إن" الجنوب إفريقية. وحاليًّا، تعتبر منصة "ديجي كالا" هي الأكبر بإيران، وتجذب نحو 750 ألف زائر يوميًّا، وتستحوذ على 85% من حجم التجارة الإلكترونية في إيران.
بينما تُعد تركيا الآن أكبر سوق في عدد المتسوقين عبر الإنترنت بالإقليم بنحو 9.03 ملايين مستهلك في عام 2015. وفي غضون الأعوام المقبلة، من المتوقع أن تصل قيمة التجارة الإلكترونية إلى 11.5 مليار دولار بحلول عام 2020 بدلا من 7 مليارات حاليًّا.
اتجاهات الاستثمار:
استحوذ قطاع التجارة الإلكترونية بمنطقة الشرق الأوسط في الآونة الأخيرة على اهتمام المستثمرين الإقليميين والدوليين، وفيما يلي أبرز الاتجاهات الصاعدة للاستثمار بالتجارة الإلكترونية:
1- استثمارات كبيرة الحجم: بدلا من النمط الفردي للاستثمار القائم على التمويل المحدود والذي كان يمثل النمط المعتاد لتوفير رؤوس الأموال لمنصات التجارة الإلكترونية، تستقطب التجارة الإلكترونية الآن استثمارات كبيرة الحجم من قبل بعض المستثمرين بالإقليم. وفي هذا السياق ضخ صندوق الاستثمارات العامة السعودية بالشراكة مع عدد من مستثمري المنطقة مبلغ مليار دولار لإطلاق منصة "نون" للتجارة الإلكترونية بحلول عام 2017.
2- صفقات تمويلية/استحواذ: بجانب الاستثمارات الإقليمية، تطلعت صناديق الاستثمار وعدد من الشركات الأجنبية للاستفادة من النمو السريع للقطاع، وضخت رؤوس أموال بالشركات الناشئة لتمويل توسعاتها. ومؤخرًا أجرت شركة "أمازون" الأمريكية محادثات للاستحواذ على 30% من أسهم "سوق دوت كوم" مقابل ما يقرب من مليار دولار.
وفي السنوات الأخيرة، نالت عددٌ من الشركات الإقليمية الأخرى تمويلات كبيرة من جهات غربية مثل شركة "تريندول" التركية التي تلقت في السنوات الأربع الماضية تمويلا بقيمة 60 مليون دولار من قبل شركات غربية بجانب البنك الأوروبي للإنشاء والتعمير. كما أعلن مستثمرون روس من بينهم روس كاندريه مورافيوف رئيس صندوق "باروس كابيتال" عن ضخ أموال بشركة "ديجي كالا" الإيرانية للتجارة الإلكترونية، والأخيرة تقدر قيمة الشركة بنحو 400 مليون دولار، ومن المتوقع أن ترتفع قيمتها في السنوات الخمس المقبلة إلى قرابة 4 مليارات دولار.
3- استثمارات متخصصة: تتخذ اتجاهات الاستثمار في التجارة الإلكترونية بالشرق الأوسط نمطًا جديدًا مع إطلاق بعض المنصات الإلكترونية المتخصصة في تسويق سلع بعينها ولشرائح معينة من المستهلكين. وفي هذا الإطار أعلن أحد المستثمرين بالشرق الأوسط مؤخرًا عن إطلاق منصة متخصصة لتسويق المنتجات الفاخرة عبر الإنترنت بحلول عام 2017 باستثمارات تبلغ 138.6 مليون دولار.
تحديات القطاع:
هناك عدد من العوامل الهيكلية التي تكبح نمو قطاع التجارة الإلكترونية بمنطقة الشرق الأوسط، مما يستوجب التعامل معها من أجل دفع الثقة ودعم فرص الاستثمار به، وذلك على النحو التالي:
1- استخدام البطاقات الائتمانية: يعد استخدام البطاقات الائتمانية الأقل انتشارًا بين سكان الإقليم مقارنة بباقي أنحاء العالم. فعلى سبيل المثال فإن نسبة استخدام البطاقات الائتمانية بإيران لا يتعدى 38%، في حين أنه يبلغ بالمغرب 45%. كما أن معظم البالغين في منطقة الشرق الأوسط لا يستخدمون حسابًا مصرفيًّا، مما يضطر المنصات الإلكترونية إلى قبول المدفوعات النقدية للمعاملات عبر الإنترنت، وهذا يعني الحاجة الماسة لتعزيز الشمول المالي للسكان بالمنطقة من أجل دفع المدفوعات الإلكترونية وبالتالي التجارة الإلكترونية.
2- الأمان الإلكتروني: يتمثل أحد المخاوف الرئيسية التي ترتبط بنشاط التجارة الإلكترونية في المخاطر الإلكترونية التي يمكن أن يتعرض لها كل من الشركات والمستهلكين. وقد تتضمن هذه المخاطر سرقة الحسابات البنكية، والغش، أى إرسال سلعة بجودة أقل غير المتفق عليها، والاحتيال أى دفع ثمن السلعة وعدم تسلمها.
جدول (1): ترتيب بعض دول الشرق الأوسط في مؤشر التجارة الإلكترونية 2016 (من أصل 137 دولة)
Source: UNCTAD B2C E-COMMERCE INDEX 2016
3- الثقة مع المستهلكين: لا يزال لدى الكثير من المستهلكين تخوف من التسوق الإلكتروني لأسباب عدة، من بينها الانتظار إلى حين وصول الطلب بعد القيام بعملية الدفع، والتخوف من عمليات الغش والاحتيال سواء نتيجة عدم جودة السلع المتفق عليها أو عدم مطابقتها للمواصفات المذكورة، ويضاف إلى السابق بعض القيود التي تفرضها دول المنطقة على استخدام بطاقات الإنترنت نتيجة أزمات النقد الأجنبي التي تُعاني منها حتى الآن.
4- كفاءة الخدمات البريدية: تتعلق المشكلات الأخرى التي قد تكبح أنشطة التجارة الإلكترونية بضعف المنظومة البريدية بدول الإقليم، وذلك كنتيجة لعدم تغطية خدمات الشحن لكافة المناطق الجغرافية، أو بطء عمليات الشحن ذاتها، وبما يؤدي إلى تأخر استلام الطلبات أو إعاقتها بالأساس.
وختامًا، يمكن القول إن النمو السريع للتجارة الإلكترونية بالإقليم عزز من جاذبية رؤوس الأموال بالقطاع الذي بات يستقطب المستثمرين ذوي الملاءة المالية الكبيرة، وليس رواد الأعمال ذوو التمويل المحدود فقط.