أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

أخبارك:

هل يقود الذكاء الاصطناعى المهام الدبلوماسية؟

26 مايو، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتب إيهاب خليفة، ذكر فيه أن التقدم السريع لنظم الذكاء الاصطناعى منحه القدرة على تغيير أدوات ممارسة الدبلوماسية بين الدول، متسائلا إذا كان ممكنا أن نرى الذكاء الاصطناعى فاعلا دوليا مستقلا يحق له التصويت بالاعتراض أو الموافقة مستقبلا أم أن هذا يعد ضربا من ضروب الخيال.. نعرض من المقال ما يلى.

أعاد التقدم الكبير فى نُظم الذكاء الاصطناعى طرح عدد من القضايا التقليدية الخاصة بالعلاقات الدولية لكن بوجه جديد، مثل قضايا التسلح، وتوازن القوى، والديمقراطية. فهذه القضايا الثلاث على وجه التحديد تتطلب من الدول كافة إعادة النظر فى سياستها الخارجية وتحديد موقفها بسبب التأثيرات المتزايدة للذكاء الاصطناعى فيها. فمثلا أصدر الاتحاد الأوروبى وثيقة بعنوان «Artificial Intelligence diplomacy»، أعرب فيها عن قلقه من استخدام النظم الديكتاتورية للذكاء الاصطناعى لممارسة مزيد من الديكتاتورية على شعوبها، وتحديدا الصين، من وجهة نظره.

كما أن دخول الذكاء الاصطناعى فى تطوير أسلحة، سواءً أكانت تقليدية أم سيبرانية، مثل الطائرات من دون طيار والروبوتات العسكرية والصواريخ، من شأنه أن يُحدث ثورة فى الشئون العسكرية قد يترتب عليها إما سباق تسلح قد يؤدى إلى حرب، أو اختلال ميزان القوى الدولى وما يترتب عليه من إعادة تشكيل النظام الدولى.

فقد أصبح الذكاء الاصطناعى نفسه أحد موضوعات الدبلوماسية والعلاقات الدولية، ونجم عنه فى بعض الأوقات توتر فى العلاقات بين الدول، خاصة بين الصين والدول الغربية. فقد اتخذت الولايات المتحدة إجراءات مضادة تجاه بكين، كى تبطئ من قدرات الشركات الصينية على تطوير نُظم الذكاء الاصطناعى، ومارست ضغوطا كبيرة على الدول الأوروبية حتى لا تستخدم التكنولوجيا الصينية، تخوفا من استخدام الصين هذه التكنولوجيا فى التجسس على الولايات المتحدة وحلفائها. وهو ما بات أشبه بحالة حرب باردة وسباق تسلح علنى حول الذكاء الاصطناعى.

إلى جانب كونه موضوعا للدبلوماسية بين الدول، فإن الذكاء الاصطناعى أصبح قادرا أيضا على تغيير أدوات ممارسة الدبلوماسية بين الدول، سواءً على مستوى المفاوضات الدولية أو على مستوى الدبلوماسية الرسمية والشعبية. فعلى مستوى عملية إدارة المفاوضات الدولية، فإن الذكاء الاصطناعى يمكنه القيام بعدة مهام، منها على سبيل المثال ما يلى:

1ــ مساعدة المفاوضين الدبلوماسيين، وذلك عبر توفير معلومات آنية وفورية ودقيقة حول القضايا الخلافية أو التفصيلية أو حتى الطارئة على طاولة المفاوضات، والتى قد تحتاج إلى فرق متخصصة أو محلية مثل المفاوضات الخاصة بالتجارة الدولية مثلا، وهو ما يوفر الوقت والجهد فى عملية التفاوض.

2ــ تقريب وجهات النظر بين المفاوضين، وتقديم اقتراحات وتوصيات تحقق مكاسب للأطراف، وتضمن تصحيح وجهات النظر أو الأخطاء التى يمكن أن يقع فيها الدبلوماسيون دون قصد.

3ــ تقييم مدى جدية الأطراف المتفاوضة، من خلال دراسة الفرص البديلة والمحاور التى كان يمكن الاتفاق حولها وتم تجاهلها، وبحث نيات الأطراف المتفاوضة وتقييم مدى جديتها ورغبتها فى تحقيق إنجاز حقيقى على الأرض أو وضع عقبات تعوق عملية المفاوضات. فإذا كان هناك طرف متلاعب ويسعى فقط لكسب مزيد من الوقت، من الوارد أن يتسبب الذكاء الاصطناعى فى هذه الحالة فى إحراجه أمام الرأى العام الدولى، وبالتالى يتعرض لمزيد من الضغوط الدولية.

4ــ الحياد والعلانية فى اتخاذ القرار، فغالبا ما قد يتأثر بعض القادة بالسمات والميول الشخصية لهم عند اتخاذ القرار، أو يتأثرون بضغوط الرأى العام سواءً المحلية أو الدولية. وفى هذا الصدد، قد تساعد هذه النُظم فى تقديم توصيات بعيدة عن هذه المشاعر والضغوطات، مع الأخذ فى الاعتبار التداعيات الخاصة بهذا القرار كأن يرفضه الرأى العام بالرغم من كونه يحقق مصلحة.

على مستوى استخدامات الذكاء الاصطناعى فى الدبلوماسية الرسمية والشعبية، فقد يتم استخدامه فى عدة مهام، منها الآتى:

1ــ تسهيل عملية إدارة الجاليات الوطنية، حيث يمكن فى المستقبل القريب أن تستبدل بعض الدول قنصلياتها بنُظم ذكاء اصطناعى تعمل عبر شبكة الإنترنت، تكون مهمتها تسهيل متطلبات جالياتها فى الدول الأخرى، وتقديم الأوراق والمستندات الرسمية التى تحتاج إليها، وحل المشكلات الطارئة التى تتعرض لها على مدار اليوم دون التقيد بمواعيد عمل السفارة مثل حالات الوفاة أو فى أوقات الحروب والأزمات. وهنا قد يكون وجود السفارة رمزيا أكثر من كونه ضرورة تنظيمية.

2ــ المساعدة فى مهام البعثات الدبلوماسية، فإذا استطاع العديد من الأفراد حاليا التقديم عبر الإنترنت للحصول على تأشيرات دخول إلى دول، دون الحاجة إلى زيارة السفارة، فإنه فى المستقبل القريب قد يتعامل الأفراد مع نُظم ذكية، ترتبط بقواعد بيانات عملاقة، سواءً أكانت رسمية كالمؤسسات الأمنية أم غير رسمية كشركات الطيران والفنادق ومواقع التواصل الاجتماعى. فتقوم النُظم الذكية بتحليل نشاط صاحب الطلب المُقدم للحصول على التأشيرة، وتتخذ قرارا تجاهه إما بالموافقة على الطلب أو رفضه أو إحالته إلى موظف إدارى لاستكمال ما تعجز عنه هذه النُظم.

3ــ القيام بمهام الدبلوماسية الشعبية، حيث يمكن أيضا أن تصبح نُظم الذكاء الاصطناعى قناة للتواصل غير الرسمى والحصول على معلومات حول الدول عبر نُظم تشبه تطبيق «ChatGPT»، فتقوم بالرد على الأسئلة وتصحيح المعلومات وخلق قنوات تواصل مباشر مع مواطنى الدول الأجنبية.

وعلى الرغم من أن الأمر يبدو فى ظاهره إيجابيا، فإنه يشوبه كثير من التحديات، من أهمها مشكلة تعلم نظم الذكاء الاصطناعى، حيث تتطلب قدرا كبيرا جدا من البيانات الدقيقة التى يجب أن تكون ذات طبيعة استخباراتية حتى تتمتع بقدر كبير من الموثوقية بعيدا عن البيانات الرسمية التى تتسم بالمجاملة، وهو تحدٍ كبير بالنسبة للشركات التى تقوم بتطوير هذه النظم، وتحدٍ أكبر على مستوى المؤسسات الأمنية المعنية بجمع معلومات كثيرة للغاية بغض النظر عن ترتيب أولويتها.

الأمر بالفعل صعب ومعقد، ولكن من المؤكد أن هناك مهام دبلوماسية سوف يقوم بها الذكاء الاصطناعى مستقبلا حتى وإن كانت هناك بعض التحديات، ومن المؤكد أيضا أن من يستطيع امتلاك هذه القوة للذكاء الاصطناعى سوف يسيطر على النظام الدولى، تماما مثلما يتوقع العديد من القادة السياسيين، فالأمر هنا أشبه بمن يصل إلى القنبلة النووية أولا، هو ليس خيارا بل ضرورة حتمية.

هنا يسمح المجال للتفكير فى سيناريو قد يكون بعيدا عن الواقع حاليا، لكنه قد يصبح يوما ما أقرب إلى الحقيقة، وهو أن يتولى الذكاء الاصطناعى مهمة إدارة العلاقات الدولية بدلا من البشر! فعبر عقود من الزمن، عجز النظام الدولى بشكله الحالى عن منع كثير من الحروب والصراعات، واصطدمت مصالح الغرب مع الشرق، فعجز مجلس الأمن عن حفظ الأمن والسلم الدوليين. فهل من الممكن أن يتولى مهمة تنظيم وإدارة العلاقات الدولية «نظام» أكثر رشادة وكفاءة من البشر، لا يتأثر بالأهواء الشخصية ويتخذ قراراته بما يحقق مصلحة الجميع؟ ولا عجب أن يكون هذا النظام قائما على الذكاء الاصطناعى.

*لينك المقال في  أخبارك*