أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

مصالح متداخلة:

تحديات تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة

08 سبتمبر، 2020


تواجه عملية تشكيل الحكومة في لبنان بعض الإشكاليات على خلفية المناورات التي تقوم بها قوى "8 آذار" للحفاظ على نفوذها حكومياً. ومن أبرز تلك الإشكاليات محاولة الضغط من أجل ضم أعضاء حزبيين للحكومة، والحفاظ على حد أدنى من الحقائب الوزارية التي تسيطر عليها، إضافة إلى زيادة عدد أعصاء الحكومة لترسيخ نفوذها السياسي. ويتوازى ذلك مع محاولة بعض الطوائف غير الرئيسية تحقيق حضور وازن في الحكومة، الأمر الذي قد يدفع عملية التشكيل نحو أزمة جديدة.

مواقف متباينة:

كشفت الاستشارات النيابية التي قام بها رئيس الحكومة المُكلَّف مصطفى أديب مع القوى السياسية، بداية من 2 سبتمبر الجاري، عن غموض في بعض توجهات تلك القوى، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

1- التيار العوني: عكست مواقف التيار تبايناً في بعض التوجهات المتعلقة بتشكيل الحكومة. فقد كشف رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل أن تكتل "لبنان القوي" يريد تأليف حكومة قادرة على إنجاز الإصلاحات، لافتاً إلى أن الكتلة ليس لها مطالب ولا شروط، وتقبل بكل ما يتفق عليه الآخرون، معرباً عن أمله في أن يكون هناك مداورة في الوزارات، وألا تسلك المداورة خطاً واحداً، وأن تكون الحكومة مصغرة. وقد أشارت تقارير عديدة إلى أن رئيس الجمهورية ميشال عون يرغب في تشكيل حكومة ليست مصغرة كما يطالب أديب، وأنه يشترط موافقته على الأسماء التي يتم اختيارها قبل إقرارها.

2- الثنائي الشيعي: طالبت كتلة "التنمية والتحرير"، التي تمثل حركة أمل، بالإسراع في عملية تشكيل حكومة متجانسة تضم كفاءات مميزة لمباشرة ملف الإصلاح الذي تم الاتفاق عليه منذ فترة طويلة.

فيما دعت كتلة "الوفاء للمقاومة"، التابعة لحزب الله، إلى تسهيل أمر تأليف الحكومة الجديدة، من أجل التصدي للمهام الوطنية الملحة والطارئة، وعلى رأسها الأزمات الناجمة عن جائحة كورونا وحادث انفجار المرفأ، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية والمالية ومكافحة الفساد.

3- تيار المستقبل: أكدت النائبة بهية الحريري، التي تحدثت باسم كتلة المستقبل، على دعم الكتلة للحكومة الجديدة، مشترطة في ذلك أن تكون حكومة اختصاصيين ومستقلين، وأن تُشكل سريعاً، علماً بأن التيار ذكر فيما قبل أنه لن يشارك في الحكومة المقبلة، ويُشار في هذا الصدد إلى أن زعيم التيار سعد الحريري أكد في اجتماع الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون (خلال زيارته الأخيرة لبيروت) مع رؤساء الكتل النيابية، بأنه في حالة أى تأجيل في تشكيل الحكومة، أو أى محاولات سياسية لفرض أشخاص فيها، أو حتى أى عرقلة لبرنامج الإصلاحات بعد تشكيلها، فإنه سيسحب دعمه بالكامل. 

4- حزب القوات اللبنانية: قال النائب جورج عدوان أن كتلة "الجمهورية القوية" تريد أن تكون الحكومة مستقلة، ومن أصحاب الاختصاص، وأن تكون فريق عمل متجانس، لافتاً إلى أن الحزب لن يشارك في الحكومة ولن يقدم أسماء ولن يتدخل في تأليفها.

إشكاليات متعددة:

تتمثل أهم الإشكاليات المصاحبة لعملية تشكيل الحكومة الجديدة في التالي:

1- الانتماء الحزبي: تعد عملية اختيار الوزراء على أساس انتمائهم السياسي حجر الزاوية في الخلاف بين قوى "8 آذار" و"14 آذار"، حيث تريد الأخيرة وزراء مستقلين ليس لهم علاقة بالأحزاب سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، بينما يتضح في طرح الأولى رغبتها في أن تتضمن الحكومة شخصيات مسيسة، وهو ما بدا جلياً في تأكيد التيار الوطني على مبدأ المداورة في الحقائب، خاصة الحقائب السيادية (الدفاع- الداخلية- الخارجية- المالية)، بما يشير إلى الإصرار على المضى في تشكيل حكومة مشابهة لحكومة حسان دياب، بينما يتمسك الثنائي الشيعي بوزارة المالية، وهو الأمر الذي ترفضه قوى "14 آذار"، ويُشار في هذا الصدد إلى تحيز الموقف الفرنسي لجهة تشكيل حكومة مستقلة سياسياً، وفي الوقت نفسه تكون حكومة وحدة وطنية من حيث البعد الطائفي.

2- توزيع الحقائب الوزارية: من الواضح أنه لازال هناك صراع على الحقائب السيادية والأساسية، وذلك من خلال التركيز على بعض الوزارات، حيث يتمسك التيار العوني بعدد معين من الحقائب بناءً على وزنه النيابي، إلى جانب حصة رئيس الجمهورية، وذلك أسوة بحكومات ما بعد الانتخابات النيابية عام 2018،  ويعزز من تمسك التيار العوني بهذا الأمر عزوف حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب وتيار المردة عن المشاركة في الحكومة المقبلة، مما قد يعطيه حصة مسيحية أكبر في حكومة أديب. 

3- حجم الحكومة: كشفت تقارير عديدة أن هناك تبايناً رئيسياً بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المُكلَّف مصطفى أديب من جهة عدد الوزراء في الحكومة المقبلة، حيث يرغب أديب في تشكيل حكومة مصغرة من 14 وزيراً، بينما يرغب عون في تشكيل حكومة من 24 وزيراً، وذلك بحجة عدم توسيع نطاق الضغوط على الوزراء، حيث سيحمل كل وزير حقيبتين وزاريتين، وهو الأمر الذي قد يخصم من فاعلية الحكومة.

ومن دون شك، فإن ذلك يعود إلى أن عون يستهدف بالأساس دعم نفوذ التيار العوني من حيث زيادة عدد الوزراء في الحكومة، وذلك نظراً لأن التيار سيسمي عدداً أكبر من الوزراء على خلفية حجمه التمثيلي في مجلس النواب، وفي الوقت نفسه قد يكون الهدف هو توسيع المشاركة عملاً بالرغبة الفرنسية، حيث أن العديد من التقارير ركزت على أهمية مشاركة وزراء من المجتمع المدني والثوار لتحسين صورة لبنان أمام المجتمع الدولي.

4- تمثيل الطوائف: تكشف مداولات الاستشارات النيابية التي قام بها مصطفى أديب عن وجود عقدة لم تبرز بشكل واضح إلى الآن، وهى المتعلقة بتمثيل الطوائف غير الرئيسية في الحكومة المقبلة، مثل الأرثوذكس، وهو ما شدد عليه نائب رئيس المجلس النيابي ايلي الفرزلي، حيث أكد أن "إدارة الظهر إلى الطائفة الأرثوذكسية أمر أصبح غير مقبول". وفي السياق نفسه، يتضح من خطاب اللقاء التشاوري (المسلمين السنة الموالين لقوى "8 آذار") عدم تحمسهم للحكومة المقبلة، خاصة بعد إعلان الحريري دعمه لمصطفى أديب، مما اعتبروه تهميشاً لهم. وقد كشف المتحدث باسم اللقاء التشاوري عدنان الطرابلسي أن اللقاء سيراقب أداء الحكومة ويبني على الشىء مقتضاه، كما أشار إلى رفضه تشكيل حكومة تعمل من أجل المحاصصات والصفقات، مما يعني ترقبهم لأسماء المسلمين السنة الذين سيشاركون في الحكومة المقبلة، والهجوم عليها في حالة ثبوت ارتباطهم بتيار المستقبل أو رؤساء الحكومة السابقين.

ختاماً، تظل إشكالية نظام المحاصصة الطائفية والسياسية تثقل كاهل المشهد السياسي في لبنان، وذلك بالرغم من الضغط الفرنسي، حيث تشهد عملية تشكيل الحكومة مناورات من قبل قوى "8 آذار" للحفاظ على مكاسبها السياسية التي تحققت على مدار السنوات الماضية، وتسعى لتشكيل حكومة على غرار حكومة حسان دياب، ولكن من ذوي الاختصاص، ومع بعض التغييرات الطفيفة، وهو الأمر الذي قد يفرض قيوداً على الحكومة الجديدة، ويضع أمامها التحديات نفسها التي سبق أن واجهتها الحكومة المستقيلة.