أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

الإشاعة أخطر من كورونا

06 أبريل، 2020


الإشاعة أمرٌ سيئ دائماً، تحرّمها الأديان وتأباها الأخلاق، ولكن لها تأثيراً كبيراً على الأفراد والمجتمعات في كل زمانٍ ومكانٍ، وبخاصةٍ في أزمنة الأزمات الكبرى والأحداث الخطيرة، فحينما يشعر الإنسان بضعفه والخطر المحدق به يلجأ لأي قشةٍ تنقذه من الغرق.

الإشاعة كانت ولم تزل سلاحاً خطيراً في الحروب والصراعات السياسية وقد أصبحت مع تطور الدولة الحديثة وأجهزتها صناعةً قائمةً بحد ذاتها تقوم بها الدول المتصارعة وتصنعها ضد بعضها بعضاً، والأمثلة أكثر من أن تحصى.

الفرد مستريب من الدولة منذ القدم، وفي لحظات الأزمات الخانقة كالحروب الطاحنة أو تفشي الأوبئة يبدأ الفرد في تصديق كل ما يُقال، وغالبية الناس ليس لديها القدرة على تمييز الأخبار والأحداث وفحصها والتأكيد منها ومن مصادرها وصدقها أم كذبها ومن هنا يأتي خطر الإشاعة.

الإشاعة أشبه بالعدسة المكبرة بحيث تنتقي ما تريد من الأحداث أو الأخبار وتركز على جانبٍ وتترك الجوانب الأخرى وتقدم تفسيرات غير صحيحةٍ لأحداث صحيحةٍ أو تختلق وتكذب بغرض التشويه أو الإرباك داخل المجتمعات لأهدافٍ متعددةٍ.

في ظل أزمنة كورونا الخانقة، أصدرت العديد من الدول حول العالم، ومنها دول عربية وخليجية قوانين وعقوبات صارمةٍ ضد كل من يصنع الإشاعات أو يروجها أو يتداولها وبخاصةٍ أن وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت تنشر الإشاعات مثل انتشار النار في الهشيم، ولا شيء يوقف الفرد الخائف من الوباء عن نشر الإشاعات إلا القوانين الصارمة التي تفرض هيبة الدولة وتحمي الدول والمجتمعات.

إشاعة واحدة عن نفاد سلعةٍ من السلع أو نوعٍ من الأدوية في لحظات الأزمات كفيلةٌ بتهافت الناس بأعداد مهولة للحصول على تلك السلعة أو ذلك الدواء ما يجعله ينفد بسرعةٍ كبيرةٍ، وفي الغالب من دون حاجةٍ حقيقيةٍ لدى الأفراد إلا مجرد الخوف من انقطاعه، وهو ما يسبب ذعراً اجتماعياً جماعياً يؤدي إلى عدم التوازن في الحصول على البضاعة المطلوبة أو الدواء المهم.

الغرض من الإشاعة يختلف بحسب اختلاف العديد من المعطيات، فثمة إشاعات مغرضة سياسياً أو ثقافياً أو اجتماعياً، وهناك إشاعاتٌ للتسلية أو لمجرد التداول وملء الفراغ، وأضرارها تتفاوت باختلاف الظروف التي تنتشر فيها، ومن هنا فالإشاعة أخطر من الحدث نفسه لأنها قادرة على تحريفه وتحويره أو تضخيمه واستغلاله، ومن هنا فالإشاعة أخطر من كورونا في هذا الوقت بالذات.

ضمن ما يمكن وصفة «استرابة» الفرد أحياناً من الدولة، فإن الفرد الخائف لا يميل لتصديق المصادر المعتبرة، ويفتش عن الإشاعات إما ليجد ما يطمئنه، أو ليجد ما يبرر له خوفه المبالغ فيه، أو لمجرد التفتيش عن شيء مختلفٍ يتحدث عنه، ومن هنا تتفشى الإشاعات، وتنطلق التفسيرات الخرافية بكل أشكالها من خرافات دينية إلى خرافات سياسية تقوم على التفسير التآمري للتاريخ والواقع والمستقبل، حيث ينزوي العقل والمنطق وينتشر الجهل والتخبط.

ليست الإشاعة في الخبر فقط، ولكنها في الخبر وفي القصة التي ترويه، وفي السياق الذي يوضع فيه، وفي الغاية المرجوّ تحقيقها منه، وكثيرٌ من الناس ينساق خلف الخبر الكاذب، وينشره لمجرد أن يأتي بشيء يثير جمهوره المستهدف سواء كان صغيراً وخاصاً أم كبيراً وعاماً، ولا يدرك الأبعاد الخطيرة خلف ذلك.

أخيراً وكمثالٍ واقعيٍ فقد انتشرت مقاطع مصورة في العديد من دول العالم- ومنها دول عربية وخليجية -عن الذعر الجماعي الذي قد تثيره إشاعة صغيرة عن انقطاع سلعةٍ غير أساسيةٍ مثل «البصل» على سبيل المثال وعن التهافت غير المعقول ولا المنطقي من الناس عليها وشرائها بكمياتٍ لا حاجة لها أبداً ما يسبب انقطاعها بلا مبررٍ ويفقد المجتمع والسوق توازنهما.

*نقلا عن صحيفة الاتحاد