أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

نوافذ التمدد:

كيف سيتعامل "داعش" و"القاعدة" مع الفوضى في اليمن؟

06 ديسمبر، 2017


في ظل التطورات المتلاحقة التي تشهدها اليمن، والتي تسارعت بوتيرة كبيرة عقب مقتل الرئيس اليمني السابق "علي عبدالله صالح"، بعد أيام قليلة من فضه الشراكة مع الحوثيين، حيث وصف زعيم الانقلابيين "عبدالملك الحوثي" مقتل "عبدالله صالح" بأنه يوم "استثنائي وعظيم في تاريخ اليمن"، وقد قابل ذلك التصريح دعوة من الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي" اليمنيين بأن يهبوا لقتال الحوثيين بعد مقتل "صالح"، ثم سرعان ما تصاعدت حدة الاشتباكات بين الحوثيين وقوات المؤتمر الشعبي في صنعاء، والتي انتقلت إلى محافظات أخرى منها حجة، ثم أعقبها إعلان بعض المجموعات الموالية لـ"صالح" الالتحاق بقوات الشرعية، ليبدو المشهد في البلاد أقرب إلى حرب أهلية مفتوحة أكثر من أي وقت مضى.

وفي ظلّ تلك التطورات السريعة والخطيرة في البلاد، يُطرَحُ تساؤل هام حول موقف التنظيمات الإرهابية الرئيسية في اليمن، والمتمثلة في كلٍّ من تنظيم "القاعدة" وتنظيم "داعش"، من تلك التطورات، وكيف يمكن أن يستفيدوا منها خلال الفترة المقبلة؟.

مواقف شائكة:

قبل التعرض لموقف كل من "القاعدة" و"داعش"، من تطور الأحداث في اليمن، يجب التعرض بداية إلى موقفيهما من الحكومة الشرعية في البلاد وقواتها المسلحة، وكذلك من الانقلابيين الحوثيين، وأولوية الاستهداف لكلٍّ منهما.

إذ يكشف النشاط العملياتي لتنظيم "القاعدة"، استهدافًا متصاعدًا لقوات الشرعية، لا يتناسب مع استهدافهم للحوثيين، والذي يمكن أن يوصف بأنه متواضع، حيث شهد العام الجاري العديد من العمليات الإرهابية المتنوعة ضد قوات الشرعية، فقد حدثت هجمات تقليدية مثل الهجوم على أحد المواقع الأمنية شمال بلدة شقرة بمحافظة أبين، في الخامس من مارس 2017، مما أسفر عن مقتل خمسة جنود يمنيين، وكذلك الهجوم على معسكر لقوات النخبة الحضرمية في منطقة "بضة" التابعة لمديرية "دوعن" في وادي حضرموت، في يوليو الماضي، مما أدى إلى مصرع جنديين. كما تمت اغتيالات للقيادات الأمنية على وجه الخصوص، مثل اغتيال العقيد "ناصر صالح الجعري" في شهر يوليو 2017، وكذلك اغتيال نائب مدير أمن مديرية دوعن بحضرموت العقيد "علي باداهية" في سبتمبر الماضي، والتي جاءت بعد ساعات من اغتيال الضابط "عبدالله بارشيد"، قرب منطقة لبنة بمديرية "دوعن". 

وكذلك الحال بالنسبة لتنظيم "داعش"، فهو يركز أيضًا على استهداف قوات الشرعية أكثر من تركيزه على قوات الحوثي، وإن كان بشكل أقل من منافسه تنظيم "القاعدة"، حيث شن العديد من الهجمات الإرهابية، وكان من أشهرها استهداف طلاب المقاومة الشعبية من كتائب المحاضر في عدن في أغسطس 2016، والذين كانوا في مركز تطوع للقتال ضد الانقلابيين، مما أسفر عما يقرب من 60 قتيلًا وأكثر من 100 جريح.

وكذلك هجومه على مقر عمليات حماية المنشآت التابع لقوات الحزام الأمني وسط العاصمة اليمنية المؤقتة في عدن، في 14 نوفمبر الماضي، مما أسفر عن مقتل 9 وإصابة 15 آخرين.

أولوية العداء:

وفي ضوء المعطيات السابقة، نجد أن كلا التنظيمين يستهدفان الحكومة الشرعية أكثر من استهداف الانقلابيين، حتى يبدو أن استهداف الحوثيين هو أشبه بـ"ذر الرماد في العيون"، مع أن المنظومة الفكرية لكلٍّ منهما تفرض عليهما التركيز على استهداف الحوثيين أكثر من أي طرف آخر، طبقًا للقاعدة الفكرية الشهيرة لدى كل منهما، وهي ما يطلقون عليه "أولوية العداء"، والتي تشير إلى أولوية استهداف المخالفين في العقيدة، خاصة من الفرق الضالة مثل الشيعة أو الرافضة. 

الأمر الذي يكشف عن قدرة هذه التنظيمات على القفز على منظومتها الفكرية من أجل تحقيق مصالح تنظيمية ومادية بحتة، لكن بشعارات دينية واسعة، مثل الجهاد في سبيل الله، والدفاع عن العقيدة ضد أعدائها.

شريان الحياة:

في ظل المواقف السابقة لكلا التنظيمين تجاه قوات الحكومة الشرعية، وفي ظل رغبة كل منها في الاستفادة من حالة الفوضى في اليمن من أجل الانتشار، يمكن وصف تلك الفوضى بأنها بمثابة "شريان الحياة" لكل منهما، وبالتالي يمكن تحديد استراتيجية التنظيمين خلال الفترة المقبلة في التالي:

1- تصعيد الهجمات ضد قوات الشرعية: رغم أن المنظومة الفكرية لكل من "القاعدة" و"داعش" تقتضي التركيز على استهداف الحوثيين، أكثر من أي طرف آخر، خاصة بعد التطورات الأخيرة التي منحت الحوثيين قدرًا كبيرًا من النفوذ في البلاد؛ يبدو أن كلا منهما لن يستمر في هجماته على قوات الشرعية فحسب، بل من المتوقع أن يُصعِّد كل منهما من تلك الهجمات، وذلك لخلق حالة من الفوضى التي تسمح لهما بالتمدد والانتشار، حيث إن انتصار قوات الشرعية يعني استتباب الأوضاع في البلاد والقضاء على الفوضى، وهو ما يهدد تواجدهما وبقاءهما، كما أن تواجد الحوثيين على الساحة يمنح كلًّا منهما فرصة للتوسع في تجنيد الشباب اليمني تحت شعار "وجوب التصدي لخطر الرافضة في البلاد".

2- توجيه هجمات محدودة على الحوثيين: من المرجح أيضًا أن يقوم التنظيمان بشن عدد من الهجمات على الحوثيين خلال الفترة المقبلة، وإن كان بشكل أقل من تلك التي تستهدف قوات الشرعية حتى لا يخسروا الحاضنة الشعبية المحتقنة حاليًّا من التمدد والتصعيد الحوثي في البلاد، والتي تطالب بالتصدي للنفوذ الحوثي في البلاد، إضافة إلى الحفاظ على الشعار الذي يرفعه التنظيمان وهو وجوب الجهاد ضد الشيعة، خاصة أنهما يزعمان الدفاع عن أهل السنة، وهذا ما يسمح لهما بخلق بيئة حاضنة يمكن من خلالها الحصول على موارد بشرية، فضلًا عن دعم بعض القبائل، وحتى لا يبدون أيضًا أمام الشعب اليمني وكأنهم غير معنيين بمواجهة الخطر الشيعي في البلاد.

3- التوسع في التحالفات القبلية: من المحتمل أن يسعى تنظيم "القاعدة" -على وجه الخصوص- خلال المرحلة المقبلة إلى توسيع تحالفاته القبلية، مستغلًّا حالة السخط من قبل بعض القبائل تجاه الحوثيين، خاصة بعد مقتل الرئيس السابق "علي عبدالله صالح"، الذي كشف عن الوجه القبيح للحوثيين الذين يمكنهم أن يفتكوا بكل من يخالفهم، لا سيما وأن التنظيم يعلم أن تلك التحالفات توفر له الكثير من المساندة، سواء في مواجهة قوات الشرعية أو قوات التحالف العربي، أو في مواجهة الاستهداف الأمريكي المتصاعد خلال الفترة الأخيرة، في حين أن تنظيم "داعش" سيسعى إلى تعويض تلك التحالفات التي تمنعه منظومته الفكرية من عقدها، بالتوسع في الانتشار والتجنيد، والعمل على التواجد في مناطق جديدة، خاصة تلك التي يخشى أهلها من وصول الحوثيين إليها.

4- التوسع في العمل الدعوي: سوف يسعى غالبًا كل من تنظيم "القاعدة" و"داعش" إلى استغلال تصعيد الحوثيين في التوسع في نشر أفكارهما على نطاق واسع، سواء من خلال وسائل الدعوة التقليدية، أو من خلال الوسائل الأكثر جاذبية مثل العمل الخدمي والاجتماعي، وتوفير الحماية في مناطق نفوذهما للمتخوفين من التمدد الحوثى، حيث إن كلًّا منهما يستخدم ورقة الحوثيين أو ما يطلقون عليه الخطر الرافضي في تجنيد وجذب عناصر جديدة من الشباب اليمني، برغم الاستهداف المتصاعد من قبلهما لقوات الشرعية المنتمية عقائديًّا لأهل السنة، وهو ما يمثل تناقضًا فكريًّا واضحًا يكشف عن مدى براجماتية هذه التنظيمات الإرهابية.

5- جذب مقاتلين أجانب إلى صفوفهما: التطورات الأخيرة في اليمن، ستساهم في صبغ الأزمة اليمنية باللون الطائفي الفج، عبر تصوير كلٍّ من التنظيمين أن الحرب في اليمن هي صراع بين السنة والشيعة، وهذا ما يمكن أن يسمح لكل منهما خلال المرحلة المقبلة باستقدام مقاتلين أجانب، خاصة أن التطورات الأخيرة سوف تزيد من حالة الهشاشة الأمنية في البلاد، لا سيما بعد تصاعد المواجهات المسلحة بين قوات الحوثي والقوات والقبائل الموالية للرئيس الأسبق "صالح"، وما يمكن أن يُسهِّل تلك المهمة على التنظيمين هو تصاعد ظاهرة المقاتلين الجوالة، وهم المقاتلون الذين يخرجون من بؤر الصراع بسبب انهيار التنظيمات التابعين لها، ويبحثون عن بؤر جديد ملتهبة يمكنهم اللجوء إليها.

موجة إرهابية:

أخيرًا، وفي ضوء ما سبق يمكن القول، إن الفترة القادمة يمكن أن تمثل فرصة لكل من تنظيم "القاعدة" ومنافسه "داعش"، في الانتشار ومد نفوذهما إلى مناطق جديدة، وذلك من خلال العمل على بقاء التدهور الأمني في البلاد، عبر الاستمرار في شن الهجمات الإرهابية على قوات الشرعية، وإن كانت تلك الهجمات ستكون أكثر شراسة من قبل تنظيم "القاعدة"، مما يعني أن البلاد مقبلة على موجة إرهابية ستستهدف بشكل رئيسي قوات الشرعية.