أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تأثيرات ممتدة:

رؤية غربية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي

02 أغسطس، 2016


مثَّلت نتائج استفتاء بريطانيا على الخروج من الاتحاد الأوروبي في 23 يونيو الماضي، والذي شارك فيه نحو 30 مليون شخص، أيد 51.9% منهم الانسحاب من الاتحاد، نقطة تحول مهمة في تاريخ المملكة المتحدة، خاصةً في ظل التداعيات السياسية والاقتصادية التي ستتبع ذلك القرار، وفي ضوء مرور أوروبا بالعديد من الأزمات مثل التهديدات الأمنية، والهجرة، واللاجئين، والاضطرابات الداخلية، والتي ستؤثر بالضرورة ليس على بريطانيا فحسب، بل على الاتحاد الأوروبي ككيان سياسي واقتصادي فعَّال.

وقد ظهرت العديد من الكتابات الغربية، في المراكز البحثية الأوروبية والأمريكية، عقب ظهور نتائج الاستفتاء، لمناقشة تلك التداعيات من زوايا مختلفة، ومنها مدى تأثر الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نوفمبر 2016.

هل قرار الخروج البريطاني لا رجعة فيه؟  

أشارت بعض الكتابات، أبرزها مقال "أندرز أسلوند" Andres Aslund تحت عنوان: "لماذا قد لا يحدث الخروج البريطاني؟"(1)، ومقال "جودى ديمبسي"  Judy Dempsey المُعنون: "هل الخروج البريطاني يمكن الارتداد عنه؟"(2)، إلى احتمالية عدم تنفيذ قرار انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، نظراً للعديد من الأسباب والتطورات التي قد تحدث خلال الفترة القادمة، لعل أبرزها ما يلي:

1- إن الاستفتاء طبيعته استشارية وغير مُلزمة للحكومة البريطانية، لكنه مؤشر لقرارها الذي يُفضل أن تتخذه. ونظراً لكون النظام البريطاني برلماني بالأساس؛ فإن دور البرلمان في التصويت على ترك الاتحاد الأوروبي واحتمالية رفضه لذلك قد يضيف تعقيداً للأمر.

2- الفرق في النتائج بين التأييد والرفض ضئيل للغاية لا يتجاوز نسبة 2% (51.9% لداعمي الخروج من الاتحاد الأوروبي، مقابل 48.1% لمؤيدي البقاء). وفي بريطانيا، فإن القرارات القومية الرئيسية والمهمة، مثل الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، لا يجب أن تُتحذ بناءً على هذه الأغلبية البسيطة. ويتزامن هذا الأمر مع العريضة التي قام بتوقيعها أكثر من 2 مليون مواطن بريطاني بُعيد نتائج الاستفتاء للمطالبة بإجراء استفتاء جديد.

3- احتمالية إجراء انتخابات برلمانية مبكرة خلال الشهور القادمة، خاصةً بعد استقالة "ديفيد كاميرون" والتي تبعتها انتخابات داخلية في حزب المحافظين أسفرت عن فوز "تريزا ماي" بزعامة الحزب وتوليها منصب رئيس الوزراء، وهو ما قد يُعطل إجراءات الانسحاب من الاتحاد. إذ إنه طبقاً للفصل 50 من معاهدة لشبونة المؤسسة للاتحاد الأوروبي، يتعين على الدولة التي تنسحب من الاتحاد الأوروبي التفاوض بشأن "اتفاق انسحاب" يقره مجلس الاتحاد الأوروبي بعد موافقة البرلمان الأوروبي، وذلك بعد إخطار الدولة المنسحبة للاتحاد بعزمها مغادرته، مع البحث عن "إطار" لعلاقتها المستقبلية بالاتحاد.

وهذه الإجراءات كان من المقرر أن يقوم بها "ديفيد كاميرون"، لكنه استقال من الحكومة. كما أعلنت "ماي" أنها لا تنوي تفعيل الفصل 50 من معاهدة لشبونة لبدء إجراءات الخروج من الاتحاد الأوروبي، قبل نهاية عام 2016.

التداعيات الأمنية للخروج البريطاني

تناولت بعض الكتابات تأثير الانسحاب البريطاني على القدرات الدفاعية والاستراتيجية الأمنية للاتحاد الأوروبي، وعلاقته مع "الناتو"؛ أهمها مقال "إيان بوند" Ian Bond (3) وعنوانه: "الناتو والاتحاد الأوروبي والخروج البريطاني: توحيد القوى؟"، وكذلك مقال "جون آندروز" John Andrews (4) بعنوان: "حلف الناتو بعد الخروج البريطاني"، ومقال "فرانسوا جوديمينت" Francois Godement (5) تحت عنوان: "مغادرة المملكة المتحدة وحدها".

وقد برز اتجاهان في هذه الكتابات؛ الأول: يؤكد أن الانسحاب البريطاني سيضعف من قدرة الاتحاد الأوروبي على تحقيق أهدافه الأمنية الخارجية، وسيؤثر بالسلب على الاستراتيجية الأمنية للاتحاد، وكذلك حلف "الناتو" في الخارج.

ويعزز هذا الرأي حجته بالتأكيد أن الإنفاق البريطاني يمثل حوالي ربُع قيمة الإنفاق الدفاعي بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، وتمثل قواتها العاملة على الأرض حوالي ربُع القوات الأوروبية القابلة للانتشار.

ومن ثم، فإن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سيضعف من قدرته على العمل في أقاليم مختلفة، وعلى قدرته على تنفيذ استراتيجيته العسكرية، فضلاً عن تقليل قيمة الإنفاق الدفاعي للاتحاد ككل، والتي يجب أن تُعوض من جانب بعض الدول الأخرى؛ مثل فرنسا أو ألمانيا لكنهما قد لا يرغبان في ذلك.

فيما اعتبر الاتجاه الثاني أن هذا الانسحاب البريطاني قد يمثل فرصة لتطوير القدرات الاستراتيجية والعسكرية للاتحاد الأوروبي، وسيساهم أكثر في تدعيم علاقاته مع حلف الناتو، خاصةً في ظل التهديدات الأمنية التي تواجه الدول الأوروبية في الوقت الحالي.

وإذا كان لكل اتجاه حججه المنطقية والمتوقعة مستقبلاً، إلا إنه يمكن القول إن بريطانيا لن تخرج بسهولة من التحالفات الأمنية والدفاعية سواء مع الاتحاد الأوروبي أو الناتو، كما أنه في حالة انسحاب بريطانيا بالفعل من الاتحاد، فإن إجراءات الانسحاب نفسها طبقاً للفصل 50 من معاهدة لشبونة تتضمن وضع إطار لطبيعة العلاقات المستقبلية بين الدولة المنسحبة ودول الاتحاد.

التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية

لم يكن استفتاء بريطانيا الأخير بمنزلة صدمة لأوروبا فحسب، بل إنه بعث رسالة تحذيرية للأمريكيين بألا يقللوا من حجم تأييد المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الولايات المتحدة، علماً بأن المواصفات التي تتوافر في مؤيدي ترامب هي نفسها التي توافرت في داعمي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي من حيث كونهم من البيض وكبار السن والأقل ثراءً والأقل احتمالاً للعيش في المناطق الحضرية.

وقد تطرقت بعض الكتابات إلى هذا الأمر، ومنها مقال "سايمون جونسون" Simon Johnson (6) بعنوان: "هل ستربح الولايات المتحدة أم ستخسر من الانسحاب البريطاني؟"، ومقال "كلار فوران" Clare Foran (7) وعنوانه: "ما الذي يمكن التنبؤ به للولايات المتحدة من الخروج البريطاني؟"، حيث أكدا أن الاستفتاء البريطاني يؤشر إلى عدة أمور يجب أن تُؤخذ في الاعتبار إذا ما نظرنا إلى مصير الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومنها ما يلي:

1- على الرغم من أن النتائج الأولية لاستطلاعات الرأي التي أُجريت بشأن مصير بريطانيا في الاتحاد الأوروبي قد أظهرت التقارب بين خياري البقاء والخروج من الاتحاد، فإنها قبل أيام من بدء الاستفتاء نفسه في 23 يونيو، أظهرت أن النسبة الأكبر من آراء المستطلعين تتجه نحو البقاء داخل الاتحاد الأوروبي، في حين أن نتائج الاستفتاء الرسمية أثبتت عكس ذلك تماماً.

وينطبق الأمر نفسه على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ففي الوقت الذي قد يتوقع فيه البعض أن يؤدي خطاب ترامب، الذي يتسم بالكراهية، إلى تراجع أسهمه في نتائج استطلاعات الرأي لصالح هيلاري كلينتون، فربما قد يكون الواقع في التصويت غير ذلك.

2- لا يجب التقليل من آراء الطبقة العاملة في المجتمع، التي يتحدث ترامب دوماً عنها. ولعلَّ هذه الطبقة في بريطانيا هي التي أرادت بقوة الخروج من الاتحاد الأوروبي، لما وجدته من مصلحة لها؛ فبريطانيا هي خامس اقتصاد على العالم ولن تتأثر كثيراً بخروجها من الاتحاد، بل إن الأخير هو الذي سيكون الخاسر الأكبر. ومن ثم، أرادت تلك الطبقة البريطانية أن تبعد عن العالم وصراعاته التي لا تنتهي، بحيث لا تضطر في لحظة ما أن تقبل المهاجرين أو تفتح حدودها للاجئين وغيره.

ومع الأخذ في الاعتبار الاختلافات الثقافية والأيديولوجية بين الولايات المتحدة وبريطانيا، فإن ذلك الطرح قد يتماشى مع بعض آراء الطبقات العاملة في الولايات المتحدة أيضاً، خاصةً أن ترامب يؤكد أنه سيقوم بتحسين أوضاع هذه الطبقة، من خلال بناء جدار حول البلاد لمنع دخول المهاجرين، وإعادة اللاجئين الذين دخلوا البلاد بطريقة غير شرعية، بما يتيح فرصاً أكبر لتلك الطبقة بدلاً من أن يحصل عليها المهاجرون.

المصادر:

1- Andres Aslund, Why a Brexit May Not Happen? (Washington: Atlantic Council, June 30, 2016). 

2- Judy Dempsey, Is Brexit Reversible? (Brussels: Carnegie Europe, June 29, 2016).

3- Ian Bond, NATO, the EU and Brexit: Joining forces? (London: Center for European Reform, July 5, 2016).  

4- John Andrews, NATO After Brexit, (Prague: Project Syndicate, July 2, 2016).

5- Francois Godement, Leave the UK alone, (London: European Council on Foreign Relations, June 27, 2016).

6- Simon Johnson, Will America Win or Lose from Brexit? (Prague: Project Syndicate, June 26. 2016).

7- Clare Foran, What a Failure to Predict Brexit Means for the U.S., (Washington: The Atlantic, June 25, 2016).