أخبار المركز
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)
  • محمود قاسم يكتب: (الاستدارة السريعة: ملامح المشهد القادم من التحولات السياسية الدرامية في كوريا الجنوبية)
  • السيد صدقي عابدين يكتب: (الصدامات المقبلة: مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في كوريا الجنوبية)
  • د. أمل عبدالله الهدابي تكتب: (اليوم الوطني الـ53 للإمارات.. الانطلاق للمستقبل بقوة الاتحاد)
  • معالي نبيل فهمي يكتب: (التحرك العربي ضد الفوضى في المنطقة.. ما العمل؟)

احتياج متبادل:

هل تحققت أهداف أول قمة عربية- أوروبية؟

07 مارس، 2019


تُعد القمة العربية- الأوروبية التي عُقدت بمدينة شرم الشيخ المصرية على مدار يومي 24 و25 فبراير، الأولى من نوعها في مسار العلاقات بين الكتلتين الإقليميتين، سواء الاتحاد الأوروبي أو جامعة الدول العربية. وقد حققت تلك القمة عددًا من النتائج الهامة، خاصةً في مجالي مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والثقافي بين الجانبين، وعكست هذه النتائج سياقات الاحتياج المتبادل والمصالح المشتركة بين الكتلتين الأوروبية والعربية. 

أهداف متعددة:

اتّخذ الاتحاد الأوروبي قرار تنظيم القمة العربية- الأوروبية في أعقاب الاجتماع غير الرسمي لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي في سالزبورج في سبتمبر 2018، وقد شهدت القمةُ حضور ما يزيد عن 40 دولة من الجانبين؛ حيث شارك 24 دولة من الدول الـ28 الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، كما حضرت غالبية الدول العربية الأعضاء في جامعة الدول العربية، وعددهم 22 دولة، باستثناء دولتي سوريا والسودان.

من ناحية أخرى، ضمَّت القمة أعلى مستوى تمثيل دبلوماسي في القارة الأوروبية، وكان من أبرزهم: المستشارة الألمانية "أنجيلا ميركل"، ورئيسة الوزراء البريطانية "تيريزا ماي"، بالإضافة إلى رئيس المفوضية الأوروبية "جان كلود يونكر"، ورئيس المجلس الأوروبي "دونالد تاسك"، والمسئولة عن السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي "فيديريكا موجيريني"، فيما أرسلت فرنسا وإسبانيا وزيريْ خارجيتهما لتمثيل دولتيهما في القمة.

وجاءت القمة في وقتٍ تعاني فيه الكتلتان الإقليميّتان من تحديات وانقسامات داخلية شديدة؛ فالمنطقة العربية تشهد صراعات وحروبًا في العديد من بقاعها، فضلًا عن انتشار الإرهاب في بعض دول الإقليم، فيما تواجه القارة الأوروبية انقسامات حول آليات مواجهة الهجرة غير الشرعية، وتحديات البريكست، وصعود التيارات القومية المتطرفة. وفي هذا الإطار، يُمكن الإشارة إلى أهم أهداف القمة التي تتمثل فيما يلي:

1- تعزيز التعاون الاقتصادي بين الاتحاد الأوروبي والدول العربية، خاصةً أن الكيانين بالفعل شريكان تجاريان ومستثمران رئيسيان. حيث يُعد الاتحاد الأوروبي مجتمعًا هو الشريك التجاري الأول للدول العربية، كما أنه أكبر مستثمر في الدول العربية. فمثلًا حوالي 23% من جميع واردات الاتحاد الأوروبي من النفط و19% من الغاز الطبيعي تأتي من الدول العربية. ومن ثمّ تُوفر القمة العربية الأوروبية فرصة للقادة لمناقشة كيفية تعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، خاصةً في مجالات: الطاقة، والعلوم، والأبحاث، والتكنولوجيا (الرقمية)، والسياحة، ومصايد الأسماك، والزراعة.

2- مواجهة التحديات الأمنية المشتركة المتمثلة في الإرهاب، وتزايد الهجرة غير الشرعية، وتعزيز أمن واستقرار المنطقتين. فمع النمو السكاني المتزايد في منطقة الشرق الأوسط، من المرجح أن تزداد الفرص والتحديات الإقليمية وكذلك التهديدات التي تتطلب مزيدًا من التعاون بين الطرفين. 

3- إعادة تأكيد نفوذ الاتحاد الأوروبي في منطقة الشرق الأوسط، وحماية المصالح الدبلوماسية والاقتصادية والأمنية التقليدية، ومحاولة ملء الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، لمواجهة النفوذ المتزايد للقوى الدولية الكبرى الأخرى، وبالتحديد الصين وروسيا.

قضايا القمة:

ناقشت القمة، التي عُقدت تحت شعار "في استقرارنا نستثمر"، عددًا من القضايا ذات الاهتمام المشترك بين الجانبين، والتي تمثل تحديات عالمية وإقليمية تحتاج لمزيد من التعاون بينهما. فعلى المستوى الإقليمي، أتاحت القمةُ فرصةً للقادة الأوروبيين والعرب لمناقشة التطورات الأخيرة للصراعات المفتوحة والأزمات الإنسانية طويلة الأمد، وخصوصًا الأوضاع في سوريا وليبيا واليمن، وكذلك عملية السلام في الشرق الأوسط، على أمن واستقرار الإقليمين، خاصة في ظل سعي الاتحاد الأوروبي إلى زيادة مشاركته ودوره في تعزيز استقرار المنطقتين.

أما على المستوى الدولي، فقد جدد القادة العرب والأوروبيون دعمهم القوي والمستمر لخطة التنمية المستدامة لعام 2030، وتعزيز التعاون الاقتصادي بين الجانبين، فضلًا عن تقوية الجهود العالمية لمعالجة مسألة تغير المناخ، لا سيما من خلال تنفيذ اتفاق باريس. كما ناقش القادة في اجتماعات مغلقة على هامش القمة قضايا حقوق الإنسان وتعزيز التسامح الثقافي والديني.

من ناحيةٍ أخرى، مثَّلت قضية الهجرة غير الشرعية تحديًا كبيرًا لكلٍّ من الاتحاد الأوروبي والدول العربية، كما تمثل أولوية قصوى للاتحاد في ظل الانقسامات الداخلية حول سبل معالجتها. لذا يبحث الاتحاد الأوروبي من خلال تلك القمة كيفية علاج الأزمة من المنشأ، والعمل على إنهاء الصراعات المستمرة في المنطقة، فضلًا عن تعزيز مكافحة الهجرة غير الشرعية وتهريب المهاجرين من جانب الدول العربية. ففي عام 2018 كان ثلث اللاجئين الوافدين إلى أوروبا من الدول العربية.

كذلك تأتي المخاوف المتعلقة بمكافحة الإرهاب في قائمة القضايا التي ناقشتها القمة، نظرًا لتأثيرها المضاعف على أمن واستقرار الجانبين، في ظل الحاجة إلى الاتفاق على منظور موحد ومشترك وتعزيز التعاون لمعالجة جذور الإرهاب، وتقليل الدعم المقدم للشبكات الإرهابية، والحد من تحركات المقاتلين الأجانب للانضمام للجماعات الإرهابية.

النتائج والتوصيات:

اتفق القادة على تعميق الروابط العربية الأوروبية وتقوية الشراكة بينهما لتعزيز الاستقرار والازدهار والرفاهية لشعوب المنطقتين. وفي هذا الصدد، قام الاتحاد الأوروبي بتوجيه مؤسساته -بالتنسيق مع السلطات الوطنية ذات الصلة- لتحديد الآليات اللازمة لتفعيل التعاون المتبادل وتنفيذ توصيات القمة في جميع المجالات المختلفة. ومن أبرز تلك التوصيات:

1- مكافحة الإرهاب: حيث تم الاتفاق على مواصلة تعزيز التعاون والتنسيق بين الكتلتين لمعالجة جذور الإرهاب، من خلال اتّباع نهجٍ شاملٍ يتضمن منع جميع أشكال الدعم التي تصل للإرهابيين، بما في ذلك الدعم المالي والسياسي واللوجيستي والعسكري، ومكافحة انتقال المقاتلين الأجانب عبر الحدود.

كما تم الاتفاق على مكافحة التعصب الثقافي والديني والتطرف والقوالب النمطية السلبية والوصم والتمييز العنصري الذي يؤدي إلى التحريض على العنف ضد الأشخاص على أساس الدين أو المعتقد، فضلًا عن إدانة أية دعوة للكراهية الدينية ضد الأفراد، بما في ذلك الدعوات على شبكة الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي.

2- منع الانتشار النووي: اتفق الطرفان على ضرورة الحفاظ على بنية نظام عدم الانتشار النووي، القائمة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، والتأكيد على جعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.

3- الهجرة غير الشرعية: أكد الطرفان على ضرورة مواجهة هذه الظاهرة، وحماية ودعم اللاجئين بموجب القانون الدولي، واحترام كافة جوانب حقوق الإنسان، مع تعزيز آليات وسبل منع ومكافحة تهريب اللاجئين والاتجار بالبشر.

4- الأزمات الإقليمية: تم الاتفاق على ضرورة الحفاظ على وحدة وسيادة وسلامة أراضي واستقلال الدول محل النزاعات، والالتزام بالعمليات التي تقودها الأمم المتحدة ودعم مبعوثيها الخاصين لسوريا واليمن وللممثل الخاص للأمم المتحدة في ليبيا. 

أ- سوريا: أشار الطرفان إلى أن الأزمة تتطلب عملية انتقال سياسي حقيقية وتسوية سياسية تتماشى مع بيان جنيف لعام 2012 وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، ولا سيما القرار 2254. كما أدانا جميع أعمال الإرهاب وانتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضد الشعب السوري مع ضرورة محاسبة جميع المسئولين عن هذه الانتهاكات. 

ب- اليمن: تم التأكيد على ضرورة دفع الجهود نحو تسوية سياسية دائمة للأزمة، مع ضمان تدفق الإمدادات الإنسانية والتجارية وحماية العاملين في المجال الإنساني، كما رحَّب الطرفان باتفاق استكهولم، خاصةً فيما يتعلق بوقف إطلاق النار في "الحديدة" وقرارات مجلس الأمن رقم 2216 و2451 و2425.

ج- ليبيا: اتفق الطرفان على ضرورة دعم الجهود الأممية وتنفيذ الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015، وتنفيذ خطة عمل ممثل الأمم المتحدة في ليبيا، ومنع أي إجراء من شأنه تصعيد التوتر والإخلال بالأمن وتقويض الاستقرار في ليبيا، ودعوة جميع الليبيين للانخراط في عملية التحول الديمقراطي.

د- الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي: توصل الطرفان إلى ضرورة الحفاظ على الوضع التاريخي القائم في الأماكن المقدسة بالقدس، وعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في فلسطين، وتأكيد الالتزام بحل الدولتين وفقًا لقرارات الأمم المتحدة، ودعم جهود وكالة "الأونروا" سياسيًّا وماليًّا لتمكينها من الوفاء بولايتها الأممية.

5- التعاون الاقتصادي: اتفق الطرفان على تطوير برنامج عمل تعاوني إيجابي في مجالات التجارة والطاقة، وإرساء شراكة قوية قائمة على الاستثمار والتنمية المستدامة، وتعزيز التعاون نحو تحقيق المصالح المشتركة لشعوب المنطقتين بهدف زيادة الثروة ومعدلات التنمية وخفض معدلات البطالة. 

ختاماً يظل أن تنفيذ نتائج القمة العربية- الأوروبية سيتوقف على عدة محددات على أرض الواقع أولها مدي تلاقي تلك النتائج مع مصالح القوي الكبري (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين) ، وثانيها حدود التوصل إلى تفاهمات لإزالة بعض الخلافات في قضايا الهجرة على غرار التوطين، وثالثها مدي القدرة على تسوية الصراعات المسلحة في المنطقة لخلق بيئة مستقرة تعزز التعاون بين الطرفين، ورابعها الحد من تدخلات بعض القوي الإقليمية التي تلعب دوراً في تمويل الإرهاب.