أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

"تأسيس جديد":

إعادة توجيه الاستراتيجية البريطانية في الخليج

19 يوليو، 2014


إعداد: أحمد عاطف


طرح الجنرال "ديفيد ريتشاردز" رئيس أركان الجيش البريطاني السابق في محاضرته بالمعهد الملكي للخدمات المتحدة (RUSI) في عام 2012، فكرة توسيع بريطانيا لوجودها العسكري في الخليج والمنطقة المحيطة بها، وذلك بما يتناسب مع مصالح بريطانيا في هذه المنطقة، وقد لاقى هذا الطرح نقاشات واسعة في أروقة داوننج ستريت (مقر مجلس الوزراء البريطاني)، ووزارتي الدفاع والخارجية.

وفي هذا الإطار نشرت دورية International Affairs الصادرة عن المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية "شاتام هاوس"، دراسة أعدها الباحث "ديفيد روبرتس  “David B. Roberts" تحت عنوان: "المصلحة الوطنية البريطانية في الخليج: إعادة اكتشاف الدور"، حيث استعرضت الدراسة لمحة موجزة عن الدور التاريخي لبريطانيا في منطقة الخليج، وذلك كمدخل لاستعادة شيء من وهج هذه العلاقات التاريخية التي ربطت المملكة المتحدة بدول الخليج لقرابة قرن من الزمان، إذ تسعى بريطانيا اليوم إلى أن تعيد تأسيس علاقاتها بالمنطقة، خاصةً وأن دول الخليج تحتل بطبيعة الحال مكاناً بارزاً في الشؤون الخارجية البريطانية، وهو الأمر المنصوص عليه صراحة في تقرير مجلس العموم البريطاني عام 2013 عن العلاقات مع المملكة العربية السعودية والبحرين، حيث أشار التقرير إلى الخليج باعتباره منطقة حيوية للمصالح البريطانية.

وسلط "ديفيد روبرتس" الضوء على مبادرتين منفصلتين لإعادة صياغة الاستراتيجية البريطانية في الخليج، الأولى مقدمة من الحكومة، وتهدف إلى تعزيز الروابط والعلاقات الثقافية والتاريخية مع دول الخليج، وتبلورت هذه التطلعات بشكل أساسي في ثلاثة أشكال هي: خطة العمل المعلنة في مايو 2011 والتي سعت إلى إعادة تأسيس علاقات استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، و"مبادرة الخليج"؛ واتفاقيات التعاون الدفاعي الجديدة، إذ تُشكل هذه المبادرات معاً إطاراً لتعزيز العلاقات الثنائية من خلال زيارات رفيعة المستوى لكبار المسئولين، وتعزيز التبادل التجاري والثقافي، والتركيز على التدريب والتعاون في مجال الدفاع، وتعيين مستشار بريطاني خاص لشئون الدفاع في منطقة الشرق الأوسط.

أما فيما يتعلق بالمبادرة الأخرى، فتخطط القوات المسلحة البريطانية من جانبها لواحد من أكبر برامج إعادة الهيكلة في الجيش خلال السنوات الأخيرة، وجزء من هذا الإصلاح يتضمن المزيد من نشر القوات في منطقة الخليج وغيرها.

وتشير الدراسة إلى ثلاثة عناصر أساسية نصت عليها استراتيجية الأمن القومي البريطاني NSS، تشكل في مجموعها "المصلحة الوطنية البريطانية "raison d’état، وهي: (الحفاظ على أمن البلاد، وتعزيز التجارة الدولية، ونشر القيم والنفوذ البريطاني)، وتطبق الدراسة هذه العناصر في إطار إعادة تشكيل استراتيجية جديدة لبريطانيا في منطقة الخليج، وذلك كالتالي:

1- إعادة الانتشار العسكري في منطقة الخليج:

تؤكد الدراسة أن بريطانيا لا تواجه أي تهديد عسكري مباشر من منطقة الخليج، ولا يوجد أي أراض تابعة لها بهذه المنطقة تحتاج إلى حماية، ولكن التهديد الأمني الرئيسي لها ​​في منطقة الخليج يتمثل في وجود نحو 160 ألف مواطن بريطاني يعيشون في هذه المنطقة حالياً.

وعلى صعيد المخاوف الأمنية التقليدية غير المباشرة مثل التهديد النابع من الإرهاب الدولي أو عدم الاستقرار في المنطقة، فيرى "ديفيد روبرتس" أن التعاون الوثيق بين بريطانيا ودول الخليج يعد فعالاً ومفيداً لكلا الطرفين لمواجهة هذه المخاطر، وما يعزز من نجاح هذا الأمر أن دول الخليج لديها اتصالات وتأثير في مناطق التوتر الرئيسية ذات الصلة مثل اليمن والصومال ودارفور.

وفي سياق التطورات الأخيرة، يؤكد الكاتب أن زيادة انتشار القوات البريطانية في منطقة الخليج سيكون له أيضاً انعكاسات كبيرة على مستوى استعدادات القوات وتدريبها، والذي تأثر سلباً بعد الانسحاب من أفغانستان وفي ظل تداعيات الصراع بالعراق، فضلاً عن سحب بريطانيا قواتها المتمركزة في ألمانيا منذ الحرب العالمية الثانية، ومن ثم فإن الالتزامات المتزايدة للمملكة المتحدة في منطقة الخليج من شأنها أن تسمح للجيش البريطاني بتنويع مصادر عملياته، والعمل عن كثب مع الحلفاء الإقليميين مثلما حدث في التحالف البريطاني مع عدد من دول المنطقة وحلف الناتو ضد نظام القذافي في ليبيا عام 2011.

وتُعدد الدراسة الفوائد المترتبة على إعادة توجيه الخطط الدفاعية والأمنية إلى منطقة الخليج، ومنها زيادة الخبرات في التدريب المشترك، وإجراء العمليات، وتحسين التنسيق بين القوات، كما أن هذه العلاقات العسكرية ستتيح للقوات المسلحة الخليجية الفرصة للتدريب والاستفادة من نظيرتها البريطانية التي بدورها سيتُاح لها فرصة التواجد والعمل في بيئة مختلفة.

2- تعزيز العلاقات التجارية الحالية:

يعتمد الاقتصاد البريطاني على التجارة الدولية، وعلى إمدادات الطاقة وتحديداً الغاز الطبيعي من منطقة الخليج، فإذا كانت المملكة المتحدة لا تعتمد على نفط الشرق الأوسط، والدليل على ذلك أنه في عام 2012 تم استيراد أقل من 1.5% من النفط الذي تحتاجه البلاد من هذه المنطقة، بيد أن الأمر مختلف تماماً فيما يتعلق بتأمين بريطانيا احتياجاتها من الغاز المسال كمصدر للوقود، حيث تعتمد في هذا الصدد على دول الخليج بشكل كبير في الحصول على الغاز الذي تزايدت أهميته كأحد متطلبات الطاقة في بريطانيا من 5% عام 1970 إلى 35% عام 2012، بل إن المملكة المتحدة أصبحت مستورداً كاملاً للغاز في العام الجاري 2004.

وتشير الدراسة إلى أهمية قطر تحديداً باعتبارها المُورد الرئيسي للغاز إلى بريطانيا، ففي عام 2006 بلغت واردات الغاز القطري 0.3% فقط من إجمالي واردات بريطانيا، قبل أن ترتفع هذه النسبة إلى ذروتها في عام 2011 لتصل إلى ما يقرب من 40% من إجمالي الغاز المستورد، ثم عاودت الانخفاض إلى 27% عام 2012.

وتحذر الدراسة من أن بريطانيا قد تواجه مخاطر تتعلق بإمدادات الطاقة في قطاع الغاز المسال على المدى البعيد، في ظل إخفاقها حتى الآن في الحصول على ضمانات قطرية لاستمرار الإمدادات منها، خاصةً مع غياب اتفاقيات توريد ملزمة، مما يعني أنه إذا ارتفع الطلب في السوق الآسيوي بشكل مفاجئ حيث يباع الغاز إلى عملاء هناك بأسعار أعلى، فإن ذلك قد يحرم بريطانيا من واردات الغاز المسال هي في أمس الحاجة إليها.

ويطرح الكاتب حلاً لهذه الإشكالية، لافتاً إلى أهمية زيادة العلاقات الدفاعية والأمنية مع دولة قطر كوسيلة لتعميق العلاقات العلاقات الشاملة معها، بما فيها مجالات الاستثمار والتجارة والطاقة على وجه الخصوص، بالإضافة إلى ضرورة قيام بريطانيا بتنويع مصادر الحصول على الطاقة لتمتد إلى خارج الخليج.

وتُذكِّر الدراسة بما نصت عليه استراتيجية الأمن القومي البريطاني بالتأكيد على أهمية الأمن الاقتصادي وتقوية الاقتصاد باعتباره ركيزة أساسية من ركائز أمن البلاد. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن العلاقات الاقتصادية بين المملكة المتحدة ودول الخليح مزدهرة بشكل رائع، والدليل على ذلك زيادة حجم التجارة الثنائية بين الجانبين بنسبة 39% خلال الفترة (2010 إلى 2012)، لتصل إلى ذروتها بنحو 30 مليار يورو، وهذا يعني أن حجم الصادرات البريطانية إلى الخليج كان أكثر من نظيرتها إلى كل من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، أو إلى الهند وروسيا والمكسيك مجتمعة.

ونظراً لأن بريطانيا لديها مصالح حيوية وهامة في منطقة الخليج، ينصح "روبرتس" بالبناء على هذه العلاقات الحالية الناجحة للحصول على المزيد من المزايا المؤكدة في هذه المنطقة.

3- نشر القيم والنفوذ البريطاني في المنطقة:

تشدد استراتيجية الأمن القومي البريطاني على ضرورة التمسك بالقيم البريطانية (مثل سيادة القانون، والديمقراطية، وحرية التعبير، والتسامح، وحقوق الإنسان) ونشرها باعتبارها محدداً رئيسياً لتحقيق مصلحة بريطانيا، كما تؤكد الاستراتيجية على زيادة التجارة والتعاون المشترك بين بريطانيا ودول الخليج كأحد الأولويات لنشر القيم وزيادة التأثير والنفوذ البريطاني في المنطقة، وتبرز الدراسة في هذا السياق تصريحات منسوبة لوزير الدفاع البريطاني السابق "ليام فوكس" في عام 2011 ذكر فيها  أن "صادرات الأسلحة ومعدات الأمن والدفاع تلعب دوراً رئيسياً في تعزيز السياسة الخارجية البريطانية، وتساهم في بناء العلاقات والثقة، وتبادل المعلومات، ونشر القيم".

* عرض موجز لدراسة نشرت في دورية شئون عالمية International Affairs التي تصدر عن المعهد الملكي البريطاني للدراسات الدولية في لندن، تحت عنوان "المصلحة الوطنية البريطانية في الخليج: إعادة اكتشاف الدور"، يوليو 2014.

المصدر:

David B. Roberts, British national interest in the Gulf :rediscovering a role?, International Affairs, Volume 90, Number 4 (London: The Royal Institute of, July 2014)pp 663-677.